اعداد قسم البحوث والدراسات الأمنية والعسكرية
يتألم أشقاؤنا في غزة من حرب الإبادة التي يشنّها عليهم الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي، ونتألم نحن أيضاً لقصف المدنيين والاطفال والنساء والشيوخ في غزة، نتألم لأعداد الشهداء المتزايدة كل ساعة ولعدد المنازل المهدمة على ساكنيها التي وصلت لنصف مباني غزة تقريباً.
ولكن العدو يتأزم ويتكبد الخسائر هو الآخر، ولولا ذلك لما سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بعمل جسر جوي ينقل الأسلحة والذخائر التي تقتل أشقاءنا الفلسطينيين، ولما أرسلت ألفي جندي من خيرة جنودها لدعم الاحتلال، ولما أرسلت حاملتي طائرات مع السفن الحربية المرافقة لهما والتي تحمل من الجنود والعتاد العسكري ما يكفي لغزو دولة كاملة لها جيش وطيران ودبابات ومدفعية واحتلالها.
رغم ذلك فلسنا هذه المرة وحدنا من نتلقى الخسائر، بل الاحتلال أيضاً، فإذا جئنا لذكر خسائر العدو ومصائبه فمنها:
1- خسائره البشرية المعلنة وغير المعلنة من القتلى والمصابين والمأسورين والمهاجرين.
2- أسراه لدى أبطال غزة الذين يتعدى عددهم 250 أسيراً، وهنا يجب التذكير أنه لم يسبق أبداً أسر هذا العدد منهم في يوم واحد، والذين يشكلون نقطة ضغط قوية على حكومة نتنياهو المأزومة والمتخبطة، وخاصة مع تزايد شكاوى وتظاهرات ذوي هؤلاء الأسرى.
3- خسائره في المعدات والدبابات والمدرعات التي ألحقها بهم أبطال غزة يوم السابع من أكتوبر، واستنزاف المخزون من الأسلحة والذخائر والقنابل، وربما لهذا سارعت أمريكا بعمل جسر جوي لتعويض خسائرها.
4- الهجرة الجماعية العكسية من اليهود لمغادرة الأراضي المحتلة إلى بلدانهم الأصلية، ومغادرة كثير من الأجانب المقيمين هناك، في شكل غير مسبوق ومتزايد يوماً بعد يوم مع استمرار الحرب.
5- التعبئة العامة واستدعاء 360 ألف جندي من الاحتياط، وكلهم من الشباب، وسحبهم من سوق العمل، ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير لتوقفهم عن العمل كقوة عاملة منتجة في الاقتصاد.
فعلى سبيل المثال، فقد هبط المؤشر الرئيسي لبورصة تل أبيب، TA-35، بنسبة 9%، وتراجع سعر الشيكل أمام الدولار، في ظل توقع المستثمرين استمرار الصراع لأمد طويل يحمل معه تكاليف اقتصادية كبيرة. وارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية الإسرائيلية.
كيف تغيرت إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر؟
شوارع القدس المحتلة تتحول لمدن أشباح، محطات المترو لا تتحرك ولم تعد هناك حياة طبيعية منذ 9 أكتوبر 2023:
1- توقف الكثير من المصانع والشركات التي تم استدعاء العاملين فيها للخدمة في الجيش أو التي توقفت خوفاً من القصف، سواء في جنوب فلسطين المحتلة حول غزة أم في شمالها عند حدود لبنان، ومع توقف الشركات والمصانع توقفت إيرادات الضرائب وغيرها من المستحقات الحكومية على هذه الشركات، بالإضافة لهجرة الأموال من البنوك الإسرائيلية، كما أن الشركات المتوقفة أعطت موظفيها إجازات غير مدفوعة الأجر، وتقوم الحكومة الإسرائيلية بدفع رواتب مؤقتة لهؤلاء. فمع اتضاح مدى التأثير المحتمل للصراع، تزايدت مطالب تدخل الحكومة لتقديم المساعدة، ما دفع وزير المالية الإسرائيلي، “بتسلئيل سموتريتش”، للإعلان، يوم الخميس 19 أكتوبر، عن خطة لمساعدة الشركات والأعمال التجارية التي تأثرت إيراداتها بشدة من أجل تغطية تكاليفها الثابتة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مالية إلى العمال غير القادرين على الحصول على عمل. تدخّل البنك المركزي أيضاً، وأعلن في الأسبوع الماضي عن بيع احتياطي نقدي يصل إلى 30 مليار دولار لدعم الشيكل.
2- تهجير مئات الآلاف من المستوطنين من جنوب إسرائيل بالقرب من غزة ومن الشمال أيضاً بالقرب من جنوب لبنان، وتكاليف نقلهم وإقامتهم وإعاشتهم، سواء في فنادق أم غيرها.
3- تكاليف العملية العسكرية التي تشمل تكلفة التعبئة العامة وتكاليف عشرات الآلاف من أطنان القنابل التي تلقيها الطائرات ومئات الصواريخ التي تطلق على غزة، ومئات الصواريخ المضادة للصواريخ مثل باتريوت (تكلفة صاروخ باتريوت الواحد 3 ملايين دولار، ويتم إطلاق عدة صواريخ منها مقابل كل صاروخ للمقاومة تكلفته بضعة آلاف من الدولارات فقط)، بالإضافة لتكاليف الطلعات الجوية المرتفعة جداً لكل طلعة، والصيانة اللازمة لكل طائرة بعد كل طلعة.
4- توقف السياحة الوافدة لإسرائيل، ومغادرة السياح الموجودين لديها، وتوقف الاستثمار، لأن بيئة الحرب طاردة للاستثمار.
5- توقف المطارات الإسرائيلية المدنية عن العمل كلما كان هناك إنذار بقصف صاروخي للمقاومة بالقرب من أي مطار.
6- توقف موانئ إسرائيل تماماً، وخاصة موانئ عسقلان وأسدود وتل أبيب عن العمل، وهي أكبر موانئ إسرائيل، وأوقفت شركات الشحن العالمية رحلات سفنها لموانئ إسرائيل، كما ارتفعت تكاليف التأمين للشحنات الصادرة لإسرائيل.
7- توقف صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر ومنها إلى أوروبا، وتوقف الاستثمارات الجديدة في البحث عن الغاز.
8- الانقسام المجتمعي الإسرائيلي غير الطبيعي؛ لأن الطبيعي أن يتوحدوا جميعاً خلف حكومتهم أثناء الحرب، ولكنّ هناك انقساماً مجتمعياً كبيراً في ملفات مثل الأسرى لدى المقاومة والثمن المطلوب لتحريرهم، سواء من دماء جنود إسرائيليين إضافيين لو حدث غزو بري، أم مقابل إطلاق سراح كل الأسرى الفلسطينيين لديهم، وتحميل قطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلي مسؤولية فشل نتنياهو.
9- حالة الرعب التي تجتاح المدن الإسرائيلية واضطرار سكانها للهروب للملاجئ عند كل إنذار بصاروخ.
10- تدهور صورة إسرائيل عند المواطن في الغرب، فعلى الرغم من الدعم الغربي الحكومي اللامحدود واللا مشروط لإسرائيل، فالشعوب في أغلب الدول الغربية كانت تنظر لإسرائيل على أنها واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط الاستبدادي كما صورتها الميديا الإسرائيلية ولوبياتها في الخارج، أفاق اليوم المواطنون في الغرب على المجازر بحق الأطفال والنساء وقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، واتضح لهم أن إسرائيل دولة فصل عنصري ترتكب المذابح وتحاصر المدنيين وتمنع عنهم الماء والغذاء والدواء والوقود، ثم تهدم منازلهم على سكانها، ساعية لإحداث تطهير عرقي وتغيير ديموغرافي على طريقة الاستعمار الكلاسيكي من خلال تطبيق سياسات وممارسات الاستعمار الاستيطاني بأعنف أشكاله.
11- إزالة الوهم والصورة النمطية لإسرائيل عند الشعوب العربية بأن جيشها لا يقهر، وأنه قادر على جبهات عدة في نفس الوقت، وأن قوة إسرائيل تفوق قوة كل الدول العربية مجتمعة، فما فعلته المقاومة يوم السابع من أكتوبر، أثبت أن قوة إسرائيل وحدها غير قادرة على مواجهة المقاومة.
الخلاصة:
فرغم أن مقاتلي حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى لا يملكون سلاحاً جوياً ولا بحرياً ولا دبابات ولا مدفعية ثقيلة، ولم يتلقّ مقاتلوها تعليماً عسكرياً في جيوش نظامية وكليات عسكرية، إلا أنهم تمكنوا من سحق فرقة غزة الإسرائيلية التي تحاصر غزة ودمرتها في يوم واحد.
إن أهم ما حققته المقاومة يوم 7 أكتوبر، هو تدمير الصورة النمطية التي حاولت إسرائيل زرعها لدى الشعب العربي وحكوماته لمنعهم من مجرد التفكير في استخدام القوة لاسترداد فلسطين، فاليوم تنكشف إسرائيل وتظهر أمامنا مثل مريض بالمستشفى يرتبط بقاؤه على قيد الحياة بالمحاليل التي تتمثل في الدعم العسكري والاقتصادي والمالي والإعلامي من الغرب، ولو توقف هذا الدعم لانتهت أسطورة الاحتلال الإسرائيلي خلال ساعات. لقد تم استعادة الأمل بأن العرب قادرون على استعادة أرضهم بسهولة إن توفرت الإرادة لدى حكوماتهم.
يجب ألا ننسى خسارة إسرائيل بسبب توقف قطار التطبيع الذي كانت تدفعه الولايات المتحدة، وفضح أغلب الأنظمة العربية المتعاونة مع إسرائيل، والتي أطلقت عملية تطبيع مع الاحتلال الغاصب بشكل غير مسبوق ودون حتى أي مقابل يذكر.