الأربعاء. ديسمبر 25th, 2024

نعجز غالبا عن تقديم تعريف واضح وبسيط لمفهوم الذكاء الاصطناعي رغم الرواج الكبير الذي شهده في الآونة الأخيرة،بعد ظهور عدد من التطبيقات التي أثارت الكثير من الجدل لقدرتها على القيام بجملة من المهام التي كانت تتطلب تدخلات بشرية.
بالتالي يصف الذكاء الاصطناعي تلك التطبيقات التي تؤدي جملة من المهام الصعبة التي كانت لا تقتصر إلاّ على التدخلات البشرية. ويشتغل الذكاء الاصطناعي غالبا عبر التعلم الآلي (ML) والتعلم العميق. ويعني التعلم الآلي اكتساب الانظمة المنشئة المهارات وتطوير أدائها بالاستناد إلى مجموعة البيانات التي تستهلكها. يجدر الإشارة في هذا الإطار انّ الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على التعلم الآلي، لكنّ الأخير لا يعد إلاّ ذكاء اصطناعي.
وبالعودة الى التعلم الآلي الذي يحدث فارقا كبيرا في أداء مختلف التطبيقات والأجهزة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، تعتمد الكثير من المؤسسات الكبيرة التي ترغب في الاستغلال الفعّال للذكاء الاصطناعي على تطوير قدراتها في علوم البيانات والاستثمار فيها بشكل كبير.


توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الأعمال

يتمحور وجود الذكاء الاصطناعي عموما حول قدرته على محاكاة ذكاء البشر أو تجاوزه خلال قيامه بالمهام أو الأدوار الموكلة له، وقد ساهم ذلك في إضفاء الدقة على الأعمال وتسهيل الابتكار.
في بداياته كان الذكاء الاصطناعي مقتصرا على ما يمكن أن يحصل عليه من بيانات خلال التعلم الآلي تمكنه فقط من القيام بتنبؤات تختلف دقتها وجودتها باختلاف كمية البيانات المستهلكة، إلاّ أننا اليوم نراأنّ الكثير من المؤسسات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لجعل أعمالها أكثر تطورا ودقة ومهنية بعد أن كان ذلك بالنسبة لنا لا يمكن تحقيقه حتما إلا بالاعتماد على الإنسان.
ومن مزايا الذكاء الاصطناعي على المؤسسات:
“توفير فهم أكثر شمولية لفيض البيانات المتوفرة” و “الاعتماد على التنبؤات من أجل أتمته المهام ذات التعقيد الشديد فضلا عن المهام المعتادة”.
بالتالي فإنّ المؤسسات تستفيد من الذكاء الاصطناعي من خلال تحسين جودة أعمالها وخاصّة إنتاجيتها بطريقة أسرع من الطريقة المعتمدة على المصادر البشرية، نظرا في أنّ الذكاء الاصطناعي له القدرة على أداء المهمة بنفس نسق العمل خلال فترة محددة .
ومن أكثر الأشياء التي يمكن أن يتعامل معها الذكاء الاصطناعي بطريقة احترافية وقدرة مطلقة يعجز عنها أي تدخل بشر، هي التعامل مع البيانات وفهمها، وهو ما يمكن أن يؤثر كثيرا بالإيجاب على عمل المؤسسات.
وأشارت مصادر الى أنّ الكثير من المؤسسات أصبحت تولي أهمية فائقة لعلم البيانات، ذلك لما له من مزايا كبيرة على مزيد تطوير عمل الذكاء الاصطناعي، في نفس السياق أشارت منظمة McKinsey في استطلاع قامت به خلال عام 2021 عن الفوائد التي تجنيها المؤسسات من توظيف الذكاء الاصطناعي في أعمالها الى أنّ الشركات التي تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي في وظيفة واحدة ارتفعت ارباحها بسته نقاط على الاقل خلال عام واحد (من 50% الى 56%) وأنّ هذا الارتفاع لا يعزى إلى الذكاء الاصطناعي.
ومن أهم النقاط التي يشتغل عليها الذكاء الاصطناعي في عمل المؤسسات هي التركيز على مكان العملاء الأوفياء للشركة وبناء عليه تحسين الأسعار وفقا لتفضيلاتهم، وتقديم المنتجات وفقا لخصائصهم الديموغرافية.
الى جانب ذلك، تعتمد الشركات على الذكاء الاصطناعي للكشف عن التدخلات الأمنية وردعها، حل المشكلات التقنية للمستخدمين، الحد من أعمال إدارة الإنتاج، قياس الامتثال الداخلي عند استخدام الموردين المعتمدين.


قدرات محدودة للذكاء الاصطناعي

رغم الكم الهائل لمزايا الذكاء الاصطناعي وقدرته التي باتت بالنسبة للكثيرين مطلقة، فإنّ العديد من الدراسات أثبتت أنّ “جزءا كبيرا من الذكاء الاصطناعي هو مجرد وهم ليس إلا”.
نشر عالم الرياضيات البريطاني “آلانتورينغ” (Alan Mathison)في عام 1950 مقالة علمية استهل بها السؤال التالي: هل يمكن للآلات أن تفكر؟ وللإجابة عن هذا السؤال اعتمد تورينغ على لعبة يطلق عليها “لعبة التقليد” والتي تعمل على اختبار ذكاء الحاسوب من خلال جعله يقوم بتقليد الانسان، ولاعتبار الحاسوب كيانا ذكيا يجب أن ينجح في تضليل المستجوب وجعله يظن أنه إنسان وليس حاسوب، وهو ما سيحمل قي نهاية الامر أنه ليس هناك فرق بين الانسان والحاسوب.
وبعد مرور سنوات عديدة والى حد الأن لم يستطيع أي برنامج أو نظام ذكاء اصطناعي النجاح في اللعبة، وهو ما يؤكد وفقا لتصورتورينغ أن أي آلة او برنامج يشتغل بنظام الذكاء الاصطناعي لا يضاهي القدرات البشرية ولا يقترن بأي شكل من الأشكال بالبشر، سوى في المهام الخاضعة للتعلم الآلي من خلال استهلاك كم كبير من البيانات التي ستصبح في النهاية مجموعة من المهام داخل المؤسسات على سبيل المثال.


إسقاط مصطلح الذكاء الاصطناعي

أشار عالم الفيزياء الكهربائي “هيرفيبولار” مدير معهد “إدياب”، أن مصطلح الذكاء الاصطناعي ظهر في أوائل السبعينات من القرن الماضي، لكنه سرعان ما اختفى باعتبار أنه مصطلح “سخيف” على حد تعبيره. وبعد هذا الاختفاء عاد للرواج من جديد لأسباب إعلانية وتسويقية وتجارية، لا بسبب ظهور أي تطورات على برامج الذكاء الاصطناعي، سوى في قوة النماذج الرياضية وفقا لما ذكره.
كما أكد أن هذا المصطلح في حد ذاته لا يعتبر واضحا ومفهوما، وتبدو دلالته غير دقيقة وخاصّة طرق استخدامه وتوظيفه والتدليل عليه، مشيرا إلى انّ أكثر البرامج أو الأنظمة تطورا بالنسبة لأولئك الذين يزعمون القدرات المطلقة للذكاء الاصطناعي لا يمكن أن تحاكي قدرات طفل بالغ من العمر شهر أو ثلاثة أشهر.
وتشير التجربة الى الآتي: إذا وضعت كوبا ممتلئا بالماء على الطاولة، ستلاحظ أن الطفل الرضيع يعرف حق المعرفة أن الكوب إذا انقلب رأسا على عقب، يصبح عندئذ فارغا.
في الإطار يقول بولار: لذلك السبب يستمتع الطفل الرضيع بقلب الكوب. وليس بمقدور أي آلة في العالم أن تفهم هذا الاختلاف”.
حيث أن هناك مهارات حسية فائقة يتمتع بها البشر وتمكّنه من القيام بأشياء لا يقدر عليها الذكاء الاصطناعي الفاقد لهذه القدرة الحسية، حتى مع محاولة قيامه بذلك استنادا الى البيانات المستهلكة، فإنّه في أي لحظة قد يطرأ حدث يمكن ان يشوش قدرة الذكاء الاصطناعي المبرمجة على بيانات معينة، ذلك على عكس القدرة البشرية غير المتوقعة.


قدرات مدفوعة بالبيانات

اذا تحدثنا عن الذكاء الاصطناعي في الأعمال التجارية، باعتبار أنّ هذا المجال يعتمد كثيرا على الذكاء الاصطناعي لتسهيل مهامه مثلا في عمليات اتخاذ القرار سواء في مجالات الموارد البشرية والتأمين والإقراض المصرف. وتكون العملية كالآتي، تتعرف برامج الذكاء الاصطناعي على هويات العملاء من خلال تحديد سلوكهم على مواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الانترنت، كأن تعرف تفضيلاتهم واكثر المقاطع التي يشاهدها أو يبحث عنها العميل، محركات البحث .. وبناء على ذلك يتم اقتراح المنتج وفقا لتلك التفضيلات.
وهو ما يؤكد فكرة أن “لا ذكاء للذكاء الاصطناعي”، هي مجرّد مهام روتينةـ حيث يقول بولار أنّ قوة الذكاء الاصطناعي على قدرته في المعالجة وفي النماذج الرياضية وفي قواعد البيانات الواسعة، وقد تدعّمت قوته من خلال الحواسيب المتطورة ورقمنه المعلومات، وشبكة الانترنت التي كان لها الفضل في تمكين برامج الذكاء الاصطناعي من الاستفادة بأكبر قدر من البيانات.
بالتالي تتحكم البيانات في قدرة الذكاء الاصطناعي على القيام بالمهمة المطلوبة، فمثلا اذا كانت وظيفته تحسين جودة الصورة، فمن الممكن ان يقوم بذلك على أحسن وجه مثلما يمكن أن يزيد من سوء جودة الصورة، ويعزى ذلك لنوع البيانات المستهلكة .
حيث يعتبر بولار أن كل مهام الذكاء الاصطناعي تعتمد جودة البيانات التي من الضروري جدا أن تكون مشروحة وواضحة للآلة عن طريق تدخل الانسان، حتى وإن كان هذا التدخل محدود فيجب أن يكون موجودا لضمان فهم الآلة كل البيانات، وهو ما يعني أن آلة الذكاء الاصطناعي ليست شيئا قائما بذاته بقدر ما هي نظام يتغذى على البيانات، بالتالي فإنّ قدرة الآلة تتوقف عند قدرة البيانات المزوّدة.
في هذا السياق، يقول “مايكل ليبلينغ” (Michael Ebling) التابع لمعهد “ايدياب” أن ذلك لا يعني الخوف من الذكاء الاصطناعي بقدر الخوف من الطريقة التي يقع من خلالها إدارة البيانات وتزويد آلات الذكاء الاصطناعي بها، وهو ما يثير قلق الأوساط العلمية على حد تعبيره نظرا في أنّها عملية في غاية التطور رغم ما صعوبتها، فهي تعتبر قطعا من المهام البشرية التي لا يمكن تعويضها مثلما كان الظن سابقا، ولكننا اليوم نرا بوضوح تشغيلا لبعض المهام البشرية.
وفيما يتعلّق ببعض البرامج التي ظهرت مؤخرا وأثارت ضجة كبيرة فيما يتعلّق بتزويدنا بإجابات، فإنها تبدوا محدودة رغم ذلك إلى درجات كبيرة في قدرتها على التفكير مثل البشر وهي لا تستطيع تفسير إجاباتها أو كيف توصلت اليها بالتدقيق بسبب عملية التزويد الآلي بالبيانات، في هذا الاطار يقول “اندريه فريتاس” (AndreiaFreitas): “إننا من خلال بناء نماذج للذكاء الاصطناعي قادرة على تفسير نفسها للعالم الخارجي، يمكننا أن نزود المستخدمين بالأدوات اللازمة كي يحظوا بنظرة انتقادية فيما يتعلق بمكامن قوة النموذج ومواطن ضعفه”، ويعني ذلك أن أكبر نقطة ضعف للذكاء الاصطناعي تكمن في عجزه على تفسير إجاباته أو مهامه التي يقوم بها باعتبار أنّه يقف عند حد البيانات التي تقدّم له ليقوم بمعالجتها وفقا لما يُطلب منه.
وفي النهاية فإنّ قدرة الحواسيب المعتمدة على نماذج الشبكة العصبية تعتبر عالية لكنّها ليست قادرة على بلوغ قدرة الإنسان مهما حققت من تقدم في مجال الأدوات اللغوية على غرار: ChatGpt أو برامج الترجمة فائقة الدقة، وهي تقف فقط عند التقليد أو التزود بكميات كبيرة من النصوص، وعند غياب بيانات كبيرة فإنّ الآلة غير قادرة حتى على محاكاة أبسط تفاعل صوتي لدى طفل ، وبالتالي فإنّ قيام آلة بمهمة بشرية لا يعني أنّ لها القدرة المطلقة على أن تحاكي القدرات الإنسانية.

By Zouhour Mechergui

Journaliste