الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

رفح: حكاية مدينة

تقف قوافل المساعدات الإنسانية مكدسة على الحدود بين مصر وغزة. غير قادرة على العبور إلى القطاع الذي يعاني من أسوء أزمة إنسانية وهجمات وحشية وصلت إلى حدّ عدم وجود ما يكفي من الأكفان لدفن أهالي غزة.

هذا المنفذ الوحيد الذي يصل أهالي غزة بالعالم الخارجي، يتحضّر عند كل مؤشر تصعيد أو توتّر إلى القصف أو الجرف. ولطالما تمّت معاقبة الفلسطينيين بإغلاقه لدى كل استحقاق سياسي أو عسكري.

مدينة رفح على الحدود بين فلسطين ومصر، لها تاريخ يمتد إلى آلاف السنين إلى زمن الفراعنة. بدأت كمكان للتجمع البشري الزراعي حول واحة عند النقطة التي تلتقي فيها سيناء بقطاع غزة.

في عام 1906، وتحت الضغط البريطاني، تم رسم خط حدودي بين مصر وفلسطين الخاضعة للحكم العثماني وأصبحت رفح مدينة مقسمة. عندما تم إنشاء الكيان الإسرائيلي في عام 1948، كانت غزة تحت السيطرة المصرية، لكن رفح ظلت مقسمة.

بعد حرب الأيام الستة عام 1967، عندما احتلت إسرائيل سيناء وغزة، تم توحيد رفح وإزالة الحدود القديمة. ثم في عام 1982 بعد اتفاقيات كامب ديفيد، تم تقسيم رفح مرة أخرى، هذه المرة بسياج من الأسلاك الشائكة كحدود دولية، مع نصف المدينة في الأراضي المحتلة الفلسطينية، والنصف الآخر في مصر، يتخلله معبر سمي باسم المدينة.

تاريخ السيطرة على معبر رفح

في عام 1979، أعادت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية كامب ديفيد الحدود إلى الخط المرسوم في عام 1906. وهذا يعني أن مصر استعادت السيطرة على شبه جزيرة سيناء، بينما احتفظت إسرائيل بمدينة غزة. بدأت القوات الإسرائيلية في مغادرة شبه الجزيرة بعد وقت قصير من توقيع المعاهدة.

وبعد انسحاب آخر القوات الإسرائيلية عام 1982، فتح معبر رفح كحدود دولية لأول مرة على الإطلاق، مما جعل الحدود دولية من الناحيتين القانونية والعملية.

كان اتفاق غزة-أريحا في عام 1994، في أعقاب الانتفاضة الأولى، لحظة فاصلة منحت فلسطين حكمًا ذاتيًا وخلقت نظامًا جديدًا للسيطرة المشتركة على معبر رفح. وقد منح هذا النظام السلطة الفلسطينية بعض السيطرة على الإجراءات الأمنية وإجراءات الفرز، لكن إسرائيل احتفظت بالسيطرة على معظم أمن المعبر وعملياته، فضلًا عن سلطة التفتيش ومنع الوصول إلى أي شخص.

وأصبح هذا الجزء من الاتفاق في وقت لاحق لاغيًا وباطلًا واستعيض عنه بنفس اللغة تقريبًا في اتفاق أوسلو الثاني. وفي العام التالي، اغتيل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين في تل أبيب على يد متطرف يميني يهودي معارض للاتفاقيات.

في سبتمبر أيلول 2000، زار أرييل شارون، وكان سياسيًا آنذاك، زار المسجد الأقصى في البلدة القديمة في القدس، اعتبر الفلسطينيون ذلك استفزازًا أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية. وقد أثر ذلك أيضًا على تعقيدات معبر رفح.

في عام 2001، منعت إسرائيل الموظفين الفلسطينيين من العمل في معبر رفح، وأعادته إلى السيطرة الإسرائيلية الحصرية. كانت هذه نتيجة مباشرة للانتفاضة الثانية. استمر استبعاد إسرائيل للعمال الفلسطينيين حتى فك ارتباطها بغزة بعد أربع سنوات في 8 سبتمبر 2005.

معبر رفح بعد اتفاقية التنقل والعبور

في عام 2005، وقعت الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية اتفاقية التنقل والعبور (AMA) التي تضع المعبر تحت السيطرة الفلسطينية “الكاملة” ولكن مع وضع يدها عليه.

وبموجب الاتفاق، احتفظت إسرائيل بالحق في إغلاق الحدود ومنع الأفراد من عبورها وقتما تشاء. وفي 25 يونيو 2006، أسرت المقاومة الفلسطينية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. فأغلقت إسرائيل معبر رفح ردًا على ذلك، وظل مغلقًا لمدة عام.

وبعد نجاح حماس في الانتخابات وإعلان غزة تحت حكمها، تم وضع المدينة تحت حصار دائم. ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2009، فتحت مصر وغزة المعبر بشكل غير منتظم وأحيانًا منتظم. وفي عام 2011، بعد تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، المعارض لحماس، في أعقاب الثورة المصرية. وقد كفل ذلك إعادة فتح معبر رفح على أساس منتظم مع تولي الرئيس محمد مرسي وهو من الإخوان المسلمين في مصر. والذي أطاح به انقلاب بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي في عام 2013، وأغلق معبر رفح مرة أخرى.

في عام 2020، في أعقاب تفشي جائحة فيروس كورونا، أغلقت حماس المعبر، في العام التالي، عندما سهلت الحدود الدولية الحركة مع بدء انحسار الفيروس، أجرت حماس ومصر محادثات في القاهرة وأعادتا فتح المعبر.

شريان الحياة لسكان غزة

المعبر هو شريان الحياة لسكان غزة الذين يعانون من الحصار المستمر من قبل الكيان المحتل ومصر، وهو واحد من مكانين فقط حيث يمكن للناس الدخول والخروج رسميًا من قطاع غزة.

 فرضت إسرائيل ومصر قيودًا على حركة البضائع والأشخاص من وإلى غزة منذ سيطرة حماس على القطاع في عام 2007. تحت حجة الأسباب الأمنية. وكجزء من ردها على عملية طوفان الأقصى، أمر وزير دفاع الاحتلال بفرض “حصار كامل” على غزة في 9 أكتوبر، مضيفًا: “لن تكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء مغلق”.

وعلى الرغم من أن مصر تبدو مستعدة لإعادة فتح معبر رفح للسماح لحاملي جوازات السفر الأجنبية بالخروج ودخول المساعدات الإنسانية، إلا أنها تخشى تدفقا هائلا للاجئين الفلسطينيين الفارين من الحرب خوفًا من تمرير خطة توطينهم في سيناء وعدم إعادتهم إلى فلسطين. كما أنها تشعر بالقلق إزاء احتمال دخول متشددين إسلاميين إلى البلاد، بعد أن واجهوا تمردًا في سيناء لما يقرب من عقد من الزمان.

وفي 12 أكتوبر، طلبت الحكومة المصرية من إسرائيل وقف الضربات بالقرب من معبر رفح الحدودي حتى يكون بمثابة “شريان حياة للدعم” للناس في غزة، وأوضحت أنها لن تفتح الممر حتى تكون هناك ضمانات لسلامة موظفيها.

كما تتدخل الدول الغربية في محاولة لتأمين ممر آمن عبر رفح لكل من حاملي جوازات السفر الأجنبية في غزة والمساعدات الإنسانية. وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن إنهما يعملان مع إسرائيل ومصر و”أصوات سياسية بارزة أخرى في المنطقة” لإعادة فتح المعبر. وفي الأسبوع الماضي، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنه تم إبلاغ المواطنين الأمريكيين بالتحرك نحو رفح لأنه “قد يكون هناك إشعار ضئيل للغاية إذا فتح المعبر وقد يفتح لفترة محدودة فقط”.

وفتح المعبر في اليوم الثالث عشر بعد إغلاقه للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب للسماح ل 20 شاحنة بنقل المساعدات إلى غزة من مصر.

ظروف أكثر تعقيدًا

في اللمحة السريعة أعلاه نظرة شاملة لظروف المعبر اللوجستية ومن ناحية السيطرة عليه. الواقع بالنسبة للناس، وخاصة الفلسطينيين في قطاع غزة، أكثر تعقيدًا بكثير. ثمة قيود فردية فرضتها إسرائيل ومصر على غزة، تجعل الفلسطينيين الراغبين بالعبور من وإلى غزة يتعرّضون للإذلال والانتظار لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، في حال حصل على الموافقة، وقد يتم رفض طلبات التسجيل من دون سابق إنذار أو تفسير. وهو ما يجعل معبر رفح بمثابة باب السجن الكبير الذي يحتوي على أكثر من مليوني فلسطيني.

By Zouhour Mechergui

Journaliste