الخميس. ديسمبر 26th, 2024

إعداد قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

لا مكان آمن في غزة، وقوانين الأمم المتحدة التي ترعى حماية المنشآت المدنية والمستشفيات لا تسري على الكيان الصهيوني المحتل. وفي وقت ما تزال فيه مجزرة المستشفى المعمداني في غزة تؤرق منام أصحابها وأولئك الذين عاشوا أيامها العصيبة وهم ضحايا لسلسلة المجازر التي عاشتها منطقتنا على مر تاريخ الصراع العربي الصهيوني.

سلسلة من المجازر الصهيونية مرّت على منطقتنا العربية، ومن المناسب أن نعيد قراءة أهدافها ليس من باب تأريخ المجازر التي قموا بها منذ مجزرة فندق الملك داوود وحتى الساعة، ولكن من باب قراءة أهدافها والرسائل، التي يريد العدو إيصالها أو الوصول إلى نتائج ذات أبعاد مرسومة. لن نقف عند جميع المجازر، ولكن عند تلك التي روعت وخدمت الأهداف الصهيونية، لعل التاريخ يعلمنا دروساً في الحاضر، وان نكون واعين يقظين، ونستلهم العبر من التاريخ.

قد يبدو الكلام قاسيا، لكن هذه هي الحقيقة وراء كل مجزرة، وفيما الإعلام العربي منشغل بعرض الضحايا وعدها وإخبار القصص المؤلمة وقد شهدنا ذلك بعد مجزرة المعمداني.

كان الإعلام الغربي، ومنه قناة الـ CNNيجري لقاءات مع الهاربين ليجد فيما بينهم من يعبّرون عن حقيقة ما في أنفسهم، أو من يدسهم، ليخبروا القناة بأنهم ضاقوا ذرعاً بالمجازر وأنهم غير قادرين على التحمل بأكثر من ذلك، وكانت مذيعة القناة ومديرة مكتب لندن، كريستينا آمانبور، تتفاعل معهم بكل ألم، إنهم يريدون الخروج من غزة واللجوء إلى مكان آمن.

هذا الكلام لا يخالف الطبيعة الإنسانية، التي تبحث عن الملاذ الآمن ما بين الدول، التي يمكنها أن تؤمن الهجرة لهؤلاء، او القريبة منها والتي يمكنها أن تستقبل اللاجئين والمهجرين، إنه الشعار لإعادة التوطين.

أليس هذا ما فعلته الصهيونية عندما سمحت بوضع عدد من اليهود في أوروبا في محارق النازية لتقنع باقي اليهود في اوروبا أن الحل هو بهجرة بلادهم وبيوتهم وبيعها والإنتقال إلى أرض الميعاد في فلسطين؟

تاريخ المجازر الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني

وكانت هذه من أولى المجازر، وليس أولها، التي اعتمد عليها الصهاينة والغرب لتنفيذ مخططهم، وما أن انتهت الحرب العالمية الثانية في العام 1945، وبعدها بثلاث أعوام أعلن عن تأسيس دولة الصهاينة.

في 22 يوليو من العام 1949، فجرّت الأرغون، وهي منظمة إرهابية صهيونية وتعد طليعة من طلائع جيش الإحتلال، فندق الملك داوود، وهو مقر قيادة الجنود البريطانيين. في تلك المرحلة التاريخية كان من الممكن التراجع عن القرار بإنشاء كيان اسرائيل، وتدل الدراسات أنه كان هناك توجهاً نحو ذلك، لكن بعد التفجير، أخذت القوات البريطانية قراراً بمغادرة فلسطين نهائياً وسلمت مقارها وأسلحتها للعصابات الصهيونية.

وبعد ذلك ارتكبت أمهات المجازر بحق الفلسطينيين في دير ياسين في 1948، والتي تسببت بأكبر نكبة عرفتها فلسطين، فأخبار ما فعلته شتيرن وأرغون من فظائع وانتهاكات واغتصابات وبقر بطون الحوامل سبقت قدوم العصابات الصهيونية إلى قرى الجليل وكل مكان في فلسطين، وخلال الحديث مع أي من فلسطيني من الأراضي المحتلة في 48 وبشكل تلقائي ينتقل ليخبرك عما حدث في دير ياسين والصفورة والطنطورة والتي أجبرتهم على الخروج خوفاً على عرضهم، وشرفهم، وأبنائهم، وحياتهم.المجزرة الأولى التي لم تمنح الصهيوني ما كان يرجوه كانت مجزرة دير قاسم، والتي تصادف ذكراها المؤلمة الـ 67، في 29 أكتوبر. كان الهدف منها إخراج الفلسطينيين من المثلت الصغير الذي أعطاه الأردن للصهاينة حتى قرية أم الفحم في اتفاقية رودس من العام 1949. وتصادف حدوثها مع بداية العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، حيث هاجمت فرنسا وبريطانيا و”اسرائيل” مصر بعد قرار جمال عبد الناصر بتأميم القناة.استشهد في المجزرة عمال فلسطينيون عائدون من أعمالهم إلى القرية، وكان المختار قد تحدث مع المسؤولين الصهاينة وأخذ منهم تعهداً بعدم التعرض لهم، فقرار منع التجول كان قد فاجئ الجميع وجاء بعد أن غادر العمال القرية. صحيح أن المجزرة لم تحقق أهدافها بتهجير أهالي كفر قاسم ومن حولها وخاصة مع أنباء إنتصارات الرئيس عبد الناصر، ولكن منذ ذلك الوقت، لم يُخالف قرار منع التجول في الأماكن التي يحتلها الصهيوني. بعد مجزرة كفر قاسم، فقدت المجازر ميزتها في تفريغ القرى الفلسطينية ولاحقاً اللبنانية من سكانها، وبات هدف الصهاينة الإنتقام عبرها لخساراته المدوية.

في العام 1949، وبعد خروج الجيش العربي من لبنان، ارتكبت مجزرة حولا، والتي أعدمت فيها عصابات شتيرن 120 رجلاً وشاباً في حولا، تتراوح أعمارهم ما بين 16- 60 عاماً. وبدأت العصابات انتقامها من سكان القرية التي دعمت الجيش العربي وقدمت له ما يحتاجه. وكانت نتيجة المجزرة أن وقّع لبنان اتفاقاً بوقف إطلاق النار في عهد إميل إده، والذي وجه فيه الجيش اللبناني مدافعه شمالاً، باتجاه الأراضي في الجنوب، بدلاً من أن يوجهها باتجاه العدو الإسرائيلي، وفرض على الجنوبيين ولمدة طويلة حظر تجول يبدأ من السادسة مساء وينتهي في السادسة صباحاً، ومنع الجنوبيين من التوجه إلى حقولهم للعمل فيها قبل شروق الشمس وخاصة في أيام الصيف الحار.

خلال تلك المراحل وحتى العام 1996 لم تتوقف المجازر الصهيونية في لبنان وفلسطين وسوريا وحتى في مصر، وخلال عملية عناقيد الغضب في عدوان نيسان على لبنان عام 1996، ارتكب الصهاينة مجزرة قانا الأولى، حيث كان قد التجأ أهل الجنوب إلى مقر الأمم المتحدة، لأنهم تصوروا أنه مكان آمن لن يطاله القصف الصهيوني، ولكن كانت رسالة شمعون بيريز، الذي نال جائزة نوبل للسلام في العام 1994 مثالثة مع ياسر عرفات وإسحاق رابين، أن لا مكان آمن، ولا حتى مقر الأمم المتحدة. ولقن بيريز الأمم المتحدة واليونيفيل درساً لم ينسوه، ففي الحرب على لبنان في العام 2006، لم تقبل الأمم المتحدة فتح أبواب مقراتها من أجل استقبال الهاربين من قصف العدوان الهمجي أو حتى الجرحى او المصابين، خوفاً من ارتكاب الكيان مجازر جديدة في مقراته.

الخلاصة:

لذلك عندما نتحدث عن مجزرة مستشفى المعمداني وبعدها قصف ومجزرة الكنيسة الأرثوذكسية في غزة، خلال عملية طوفان الأقصى، فإن الرسالة التي يريد توجيهها هؤلاء المتوحشون البرابرة، أنه لا مكان آمن في غزة لا المستشفيات ولا دور العبادة المسيحية أو الإسلامية، ولا حتى مدارس الأونروا ولا أية مدرسة في غزة.

هذا القرار الصهيوني مدعوم بقرار أميركي، ففي تغريدية للدكتور سام يوسف من مستشفى المعمداني، لفت أنه قد عثر على شظايا قنبلة اميركية تزن 2000 طن، وصلت إلى الصهاينة مع وصول انطوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي-اليهودي، وأطلقت في حضرة رئيسه الذي يفتخر بأنه صهيوني.

القنبلة بحسب تغريدة الدكتور يوسف استخدمتها بلاد الحرية والإنسانية، بلاد العم سام، عدة مرات في سوريا والعراق. وإطلاق القنبلة على الكنيسة المعمدانية والتي تتبع بمعظمها الكنائس في بريطانيا أولاً وفي الولايات المتحدة ثانياً، وهم آباء وأمهات الحركة الصهيونية يقول، إن أمريكا حية ستعض بطنها إذا اقتضى الأمر من أجل دعم “إسرائيل”. ودعمها يأتي هنا ليس من أجل الترهيب فقط، بل من أجل الإنتقام، ومن أجل دفع المقاومة الفلسطينية نحو الإستسلام مما سيؤدي إلى المزيد من تهجير الفلسطينيين.

أتعرفون لماذا؟ لسبب بسيط، الهجوم على المسجد الأقصى في 5-6 من هذا الشهر كان من أجل السيطرة عليه وبدء عملية التطهير فيه، لأنه بالنسبة للصهاينة أسواء كانوا مسيحيين صهيونيين أم يهود، قد حان الوقت للبدء بعملية بناء الهيكل المزعوم استعداداً لحكم العالم من منصته. فهل نحن منتبهون؟

By Zouhour Mechergui

Journaliste