الجمعة. نوفمبر 1st, 2024

إعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية

ولا يزال عدد طلبات اللجوء من المهاجرين يتزايد وبشكل كبير، فبعد أن فتحت ألمانياا الأبواب للهجرة في مختلف الميادين أصبحت الشكاوي كبيرة من البلديات والولايات بسبب عدم قدرتها على استيعاب اللاجئين.
كما توجد إتهامات مباشرة للائتلاف الحكومي الألماني المكون من الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) والحزب الديمقراطي الحر (FDP) وحزب الخضر (Greens) حول سياسة الهجرة في الاتحاد الفيدرالي، ما يهدد من تماسك الحكومة الائتلافية.
تهديدات متزايدة من خطر تدفق اللاجئين
في نهاية شهر أغسطس 2023، كان المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين الألماني قد سجل أكثر من مئتي ألف طلب لجوء أولي يعني بزيادة قدرها 77% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022.
بالإضافة إلى ذلك، طلب أكثر من مليون أوكراني الحماية في ألمانيا الذين لا يتعين عليهم التقدم بطلب للحصول على اللجوء بمستوى وصل لأكثر من ثلث جميع الطلبات داخل الاتحاد الأوروبي.
الأرقام المتزايدة رفعت درجة الإنذار داخل الائتلاف الحاكم الذي يقوده المستشار “أولاف شولتس” وهو ديمقراطي اشتراكي.
قال المستشار الاتحادي “أولاف شولتس”:
“عدد الأشخاص الذين يأتون إلينا أكبر بكثير مما يمكن التعامل معه بسهولة”. واعتبر الرئيس “فرانك فالتر شتاينماير” أن ألمانيا بلغت الحد الأقصى لاستيعاب اللاجئين، وحذر من أن ألمانيا “على وشك الانهيار”.
فيما تحدث نائب المستشار ووزير الشؤون الاقتصادية المنتمي لحزب الخضر روبرت هابيك عن “تحد كبير للبلاد” في مؤتمر مع رؤساء البلديات ومديري المقاطعات واعترف بالقول “لحماية حق اللجوء، يجب علينا قبول الواقع وحل المشاكل الملموسة حتى إذا كان ذلك يتطلب اتخاذ قرارات أخلاقية صعبة أحياناً”. وأضاف. “إذا كنا لا نريد أن تستغل الشعبوية اليمينية هذه القضية، فإن جميع الأحزاب الديمقراطية ملزمة بالمساعدة في إيجاد حلول”.

موقف حزب الخضر ” تغيير وحلول براغماتية”


إن التحول الأخير في موقف حزب الخضر Greens في ألمانيا فيما يتعلق بالمهاجرين مثير للدهشة، نظراً لتوجههم الليبرالي تاريخياً والمؤيد للمهاجرين. وقد عُرف الحزب بدعمه للسياسات الداعمة للمهاجرين.
اقترح حزب الخضر في الانتخابات الفيدرالية لعام 2017 خطة لزيادة الهجرة إلى ألمانيا، بما في ذلك إدخال مخطط “بطاقة المواهب” المصمم لجذب المزيد من المهاجرين.
كما شددوا على تسهيل الهجرة من خلال البرامج الجامعية والتدريب المهني ومبادرات التطوير المهني، التي تهدف إلى مساعدة طالبي اللجوء وذوي حقوق الإقامة المقيدة في الحصول على تصاريح إقامة متعلقة بالعمل.
لُوحظ لاحقاً، أن هناك انعكاس ملحوظ في موقفهم، حيث يدعون الآن إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة. إذ أكد رئيس حزب الخضر السابق يواكيم غاوك أن التدابير التي تم تنفيذها حتى الآن لم تكن كافية لمعالجة الفقدان الواضح للسيطرة على الوضع.
وقد دعا غاوكإلى اعتماد “استراتيجية تقييد” لتقليل عدد طالبي اللجوء، حتى لو كان ذلك ينطوي على تدابير غير مستساغة في البداية. هذا التحول هو خروج كبير عن موقفهم السابق المؤيد للمهاجرين ويؤكد على الديناميات المتطورة المحيطة بقضية الهجرة في ألمانيا.


إشكالية تصنيف البلدان الأمنة


يدفع الحزب الديمقراطي الحر (FDP) في اتجاه تصنيف المزيد من البلدان كدول “منشأ آمنة”، وكذلك وزيرة الداخلية المنتمية للحزب الاشتراكي الديمقراطي نانسي فيزر، لكن الحزب الثالث الشريك في الائتلاف الحاكم، حزب الخُضر، هو الوحيد من يمانع.

والمقصود بالأوطان الآمنة هي الدول التي يُفْتَرَض أنه لا يوجد بها في الحالة العادية اضطهاد ولا معاملة مهينة ولايوجد تهديد إلى أمن الأشخاص المرحلين، ومن ثم فإن الأجنبي المنحدر من هذه الدول والراغب في اللجوء إلى ألمانيا لا يتهدده أي ضرر خطير في بلاده في حال عودته إليها.
ويسري هذا التصنيف في الوقت الراهن على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وغانا والسنغال والبوسنة والهرسك وصربيا ومقدونيا الشمالية وألبانيا وكوسوفو ومونتينغرو.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الائتلافية، تعتزم إدراج مولودوفا وجورجيا، على الأقل، ضمن قائمة الأوطان الآمنة، وكان مجلس الوزراء الألماني أقر مشروع قانون بهذا الخصوص في 30 أغسطس 2023.
ويرى الرئيس المشارك في حزب الخضر أوميد نوريبور، أن مفهوم البلدان الأصلية الآمنة مفهوم خاطئ: “لا نعتقد أن هذا سيحل أي مشاكل. وفي الوقت نفسه، سيعطي التصنيف حجة مجانية للدول المصنفة، التي ستأتي بعد ذلك وتجادلنا بأن وضع حقوق الإنسان فيها غير إشكالي”.
وبالفعل يعارض حزب الخضر مسعى تصنيف دول المغرب العربي “دول آمنة”، وخاصة في الجزائر، الذي يرى الحزب، أن وضع حقوق الإنسان فيها “إشكالي للغاية”.
فيما يريد الحزب الديمقراطي الحر (FDP) إقناع شركائه في الائتلاف بإعلان المغرب وتونس والجزائر بلدانا “آمنة” للمنشأ، مما سيسهل إعادة طالبي اللجوء من تلك البلدان إلى ديارهم.
التعديل المزمع لقانون اللجوء الأوروبي
يخطط الاتحاد الأوروبي لإجراء إصلاح كبير لقوانين اللجوء. وتشمل هذه التدابير، التي تأتي استجابة للتدفق المفاجئ لطالبي اللجوء، مرسوم الأزمات الذي يهدف إلى إتاحة تمديد فترة احتجاز المهاجرين في ظروف تشبه السجن في حال حدوث ارتفاع قوي للغاية في حركة الهجرة.
كما يمكن أيضاً عن طريق هذا المرسوم توسيع دائرة الأشخاص الذين يمكن إخضاعهم للإجراء الصارم المزمع تطبيقه والمتعلق بفحص طلبات لجوئهم عند الحدود الخارجية للتكتل.

يعدّ إصلاح اللجوء موضوعاً مثيراً للجدل داخل الحكومة الائتلافية الثلاثية في ألمانيا.
ويأتي حزب الخضر في طليعة المعترضين على المقترحات الخاصة بهذا المرسوم، ويرجع ذلك إلى أسباب من بينها التخوف من أن يتيح هذا القانون لدول الاتحاد الأوروبي إمكانية تخفيض معايير الحماية للأشخاص المعنيين على نحو غير مقبول وذلك في حال حدوث ارتفاع قوي للغاية في حركة الهجرة.
وكان زعيم حزب الخضر الألماني أوميد نوريبور قد قال في 28 سبتمبر 2023 إنه يعتقد أنه ينبغي التوصل إلى اتفاق بشأن إصلاح اللجوء، لكن ليس بأي ثمن. وتابع نوريبور أن المسودة الحالية لقانون الأزمة ستؤدي إلى قيام الولايات “ببساطة بنقل الناس إلى ألمانيا”.


جدل حول حقوق تصويت اللاجئين


قوبلت فقرة في البيان الانتخابي لنانسي فايسر وزيرة الداخلية الألمانية من الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) حول الحق في التصويت في الانتخابات المحلية للأجانب بعد ستة أشهر فقط بالكثير من الانتقادات.
وقد نصت على ما يلي: “نريد أن نعمل بجد على المستوى الفيدرالي وفي البوندسرات لضمان أن جميع الأشخاص الذين يعيشون في بلديات هس لأكثر من ستة أشهر لديهم الحق في التصويت في الانتخابات المحلية”.
وبالتالي، فإن المشاركة في القرار أيضا لطالبي اللجوء المعترف بهم وغيرهم من المواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي.
أثار هذا التغيير المخطط له في القانون الانتخابي المحلي على الفور انتقادات من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر وحزب البديل من أجل ألمانيا.
كما جاءت الانتقادات من نائب المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر كونستانتين كوهلي. وقال: “يجب أن يظل حق التصويت مرتبطاً بالجنسية الألمانية، فقط أولئك الذين يعيشون بشكل دائم في ألمانيا ويستوفون متطلبات التجنس يجب أن يمنحوا الحق في التصويت”.
ووصف رئيس وزراء بافاريا ماركوس سودر مبادرة فايسر بأنها “فكرة سخيفة، ما نحتاجه هو تقييد فعال للهجرة غير المنضبطة وليس تمديداً لحق التصويت”. دفعت هذه الانتقادات الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) للتراجع بالقول أنه كان ينبغي أن يكون ست سنوات بدلاً من ستة أشهر. كان هناك “خطأ غبي”.


الخلاصة:بات معلوماً أن التغيرات المناخية والتصحر والنزاعات المسلحة، جميعها عوامل دافعة للهجرة، لذا يتطلب من ألمانيا أن تبذل مساعي أوسع بمعالجات جذور الهجرة منها التنمية المستدامة، دعم الدول اقتصاديا،ً الاستثمار في تلك الدول، وايجاد حلول سياسية للنزاعات والصراعات في إفريقيا خاصة وكذلك منطقة الشرق الأوسط.

تجد ألمانيا نفسها في لحظة محورية، حيث تعيد الهجرة تشكيل البلاد وسط التحديات الاقتصادية وارتفاع معدلات الجريمة وتصاعد. وقد أدى ذلك إلى تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية والشعبوية، وتزايد الضغوط من الأحزاب المعارضة.

في توترات وانقسامات داخل الائتلاف الحاكم الذي يتكون من الحزب الديمقراطي الاشتراكي من يسار الوسط والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر ويقوده المستشار أولاف شولتس وهو ديمقراطي اشتراكي حول كيفية التعامل مع المهاجرين.

من المُرجح أن يستمر ملف التعاطي مع قضايا الهجرة غير الشرعية واللجوء الإنساني مصدر قلق للحكومة الألمانية خلال عام 2023 و 2024 إذ تعتبره أحد أبرز تهديدات الأمن القومي، إضافة إلى أهم أسباب صعود التيار اليميني وحزب البديل من أجل ألمانيا الذي يعتمد على خطابات شعبويَّة لتغذية الانقسام وتعزيز خطاب الكراهية ضد المهاجرين.

أستطاعت احزاب الائتلاف الألماني تجاوز العقبات الداخلية أبرزها معارضة حزب الخضر الى “ميثاق اللجوء الجديد” وبهذا نجحت ألمانيا بتمهيد الطريق أمام ميثاق “اللجوء الأوروبي” الجديد الذي توصل له الاتحاد الأوروبي في أسبانيا يوم 04 أكتوبر 2023، ليمهد الطريق لتوقيعه من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي في أسبانيا بعد يوم واحد فقط في اجتماعات غرناطة الأسبانية.

رغم وصول الاتحاد الى الأتفاق لكن هناك توتر في العلاقات مابين أعضاء الاتحاد خاصة ألمانيا وأيطاليا حول عمليات أنقاذ تقوم بها ألمانيا في البحر المتوسط، ماعدا ذلك هناك شكوك بتطبيق هذا التفاق واللتزام بمبدأ التضامن الخاص بتوزيع الاجئين واتفاقية دبلن، ليؤكد ان ملف الهجرة واللجوء يطغي على أجندات عمل الاتحاد في هذه المرحلة وفي المستقبل.

By Zouhour Mechergui

Journaliste