الجمعة. مايو 3rd, 2024

   إعداد فاتن جباري باحثة بقسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

مراجعة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

أمريكا، تلك القارة التي كانت ترمز للرقم واحد في العالم والدولة التي تترأس طاولة العالم، اليوم لم يعد الأمر كما كان عليه… لقد تأسست السياسة الدولية من جديد وانقلبت المعادلة الدولية وانتفضت الشعوب ومازالت تنتفض وتثور لقد رسمت القطبيتين الروسية – الصينية حلما جديدا للمجتمع العالمي ينبع من فكرة أن للإنسانية مستقبل مشترك وإرث مشترك يجب ان يتقاسمه الجميع على قدم المساوات وفي كنف الإحترام وليس بالإستعمار والهيمنة ونهب ثروات الشعوب وإستعبادهم.

وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن “معهد التفكير الاقتصادي الأمريكي” تحتل الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأول في الفساد السياسي في العالم، فكيف لأمريكا التي نصبت نفسها “شرعة الأمم”كي تكون كل الإجراءات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية في العالم مُغلفة بغلاف القانون وحقوق الإنسان، اذ  حَرِصت على أن يتواجد على أراضيها أهم المؤسسات الدولية التي تُسيطر على القرار الدولي، وتُقسِم دول العالم إلى شرعية وغير شرعية، أو أنها من أعداء وخصوم النظام الدولي العالمي، و في المقام الأول منظمة الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدوليفي تتلاعب بكل منظمات العالم والتي تحدد مصير الشعوب والأمم.

يقول الثوري العالمي تشيقي فارا “ربما لم يمر من عمر الولايات المتحدة الأمريكية غير حوالي 250 سنة فقط الا أنها قد قضت  222 سنة من عمرها في الحروب المختلفة في كافة أنحاء العالم… أكثر من 90 حربا وعدوانا معظمها جرائم حرب مما يدل علي أنها أحط و أنذل حضارة قامت عبر التاريخ طبقا لما ورد في القائمة السوداء “.

ليس ثمة من مؤشرات صحيحة حول احتمال انتهاءأمريكا لكن السؤال المطروح اليوم كيف ستنتهي إمبراطورية الإمبريالية الامريكية وهل ترتبط الإدارة الفاسدة في امريكا بذلك ؟

أولا : الاستبداد السياسي وسقوط الإمبريالية الامريكية

تضم الإمبريالية الأمريكيةسياسات تهدف إلى توسيع التأثير السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي على مدى عالمي واسع النطاق، يشمل ذلك الغزو العسكري،  دبلوماسية البوارج والدبابات والصواريخ، والمعاهدات غير المتكافئة، ودعم الفصائل الموالية والاختراق الاقتصادي من خلال الشركات الخاصة متبوعا بالتدخل الدبلوماسي في الشؤون الداخلية او حتى تغيير الأنظمة القائمة إلى تعزيز المصالح الاقتصادية الأمريكية مثل التجارة وسداد الديون والحفاظ على المصالح الاستراتيجية والثروات فهي تدخل على الدول على ظهر دبابة فتهدم الحضارة وتحرق الأخضر واليابس وآخر ما أخترعت الإرهاب.

تقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا:

 “تقوم الولايات المتحدة بتدمير نظام العلاقات الدولية المؤسسة على القانون الدولي والدور المركزي للأمم المتحدة في تصويب السياسات الخارجية، وذلك من أجل إنشاء قاعدة خاصة بها تنوي واشنطن أن تهيمن فيها على العالم بإنفراد…وكلنا يدرك أنَّ هذه النزعة تخفي وراءها هدف مواجهة صعود الصين كقطب عالميّ، واستعادة روسيا مكانتها كقطب دولي”.

لعل النموذج الأول في الفساد السياسي في العالم هي الولايات المتحدة بل انها أضحت فاعل أساسي في السياسية، حيث توثّق مصادر بحثية أمريكية العديد من حالات ونماذج الفساد المنشورة في  الكونغرس، واكتشف بعض المحللين الأمريكيين خلال معالجتهم لظاهرة الفساد في المؤسسات الرسمية الامريكية أن العديد من الأشخاص الذين عملوا في واشنطن قد ركزوا على تكديس جيوبهم بدلاً من خدمة المصلحة العامة، وخلصوا الى ان واشنطن توفر فرصًا فريدة لكسب المال من خلال الإضرار بالمجتمع وخيانة ثقة الجمهور الأمريكي.

 وفقًا لبحث أجراه “معهد التفكير الاقتصادي الجديد الأمريكي”،يلاحق القضاء  في واشنطن رؤساء ومسؤولين، وموظفين سامين بتهمة التهرب الضريبي والسرقة والاحتيال في مجال الصفقات والبورصة وتجارة الماشية والتأمين والعقارات وعمليات المقامرة  في دول المكسيك، كولومبيا، فنزويلا، كوبا…

ثانيا :الكونغرس الأمريكي النموذج الرئيسي للفساد في امريكا

منذ العام 2019، طرحت نائبة الكونغرس “ألكساندريا أوكاسيو كورتيز”، إشكالية الفساد السياسي مما جذب عشرات الملايين من المشاهدين حيث أوضحت مدى سهولة انتقالممن سمتهم “الأشرار” إلى الكونغرس عبر التلاعب واستغلال أموال الشركات وبمجرد وصولهم إلى هناك، يقومون بصياغة قوانين للمانحين الكبار ودعم التشريعات لتعزيز محفظة أسهمهم كل ذلك تحت غلاف الشرعية ودون خرق القانون، وطرح سؤالً جدي:

ما هو نوع النظام الذي سيسمح لأعضاء الكونجرس بالتغلب ليس فقط على الأمريكيين في سوق الأسهم ولكن حتى المستثمرين الأسطوريين في سوق البورصة العالمي بما يوحي بالارتباط الوثيق بين ما يحدث في امريكا والعالم؟

ويرتبط تاريخ الفساد في الولايات المتحدة، بأشكال متنوعةيمكن ان تتلخص في :توفر “الماكينات” السياسية وظائف لأنصارها، الذين يستخدمون مواقعهم لتوليد دخل غير مشروع لأنفسهم ولرؤساء الأحزاب، وحشد الناخبين لدعم المرشحين المدعومين من المكينة السياسية.

أفسدت المصالح التجارية الثرية السياسيين لتلقي معاملة تفضيلية من قبل الحكومة، على سبيل المثال من خلال تقديم رشاوي للمشرعين في الكونغرس، أحيانًا في شكل أسهم شركة أو امتيازات خاصة.

منذ تسلّم دونالد ترامب، في العام 2016 الرئاسة ازداد الحديث عن جرائم الفساد داخل الإدارة الأمريكية وميل الساسة لإدخال الفساد وتوسيعه حيثما أمكن وقد اعتبرت أوساط الأبحاث الامريكية ان ولاية دونالد ترامب، كانت تتويجاً لإنزلاق الولايات المتحدة على مدى عقود طويلة نحو أن تصبح مركزًا للحكم “الكليبتوقراطي” الحديث والتي تعني حرفياً “حكم اللصوص” وأصبحت بذلك أكبر ملاذ خارجي في العالم كقطب سياسي جاذب وداعم  للفساد، مما يسمح بغسل وإخفاء مكاسبهم غير المشروعة كما تشير هذه الأوساط الى ان الولايات المتحدة أكبر مزود منفرد للشركات الصورية المجهولة في العالمالأوفشور .

لقد دعمت الفيدراليةبفضل الهيكل الفيدرالي للولايات المتحدة ذلك حيث يظل تشكيل الشركة خاضعًا للإشراف على مستوى الولاية، وليس في واشنطن.

في استطلاع للرأي نشره موقع “غالوب”[1]في2015، رأى غالبية الأمريكيين ان الكونغرس فاسد وفاقد للمصداقية اذ يبدو أن معظم الأمريكيين لا يثقون في معظم المشرعين الأمريكين داخل الكونغروس لأنهم يخططون خارج مصلحة الدولة الامريكية. تعتقد الأغلبية أن معظم أعضاء الكونجرس “بعيدون عن الأمريكيين العاديين” بنسبة 79% فهم  يركزون على احتياجات المصالح الخاصة بدلاً من احتياجات ناخبيهم بنسبة 69% و”فاسدون” بنسبة 52%.

ثالثا : تداعيات فشل السياسة الأمريكية على النطاق العالمي

ستكون الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لعام 2024 هي الانتخابات الرئاسية  ال 60 التي تجري كل أربع سنوات، و يبدو أن دول العالم واللاعبين الرئيسين ينتظرون حدثاً مهماً في العام المقبلوهي الانتخابات الأمريكية لما له من تداعيات عالمية في أي خطوات قادمة مع الإدارة الأمريكية حتى تتضح الرؤية ولكن كيف ذلك ؟

مدى القدرة إحتكار تجارة السلاح في العالم وتأجيج الاوضاع الدولية:

تُدرك الإدارة الأمريكية أن من يتحكم في تجارة السلاح على مستوى العالم، يمكنه ليس فقط تحصيل أموالاً طائلة للخزانة الأمريكية، وإنما التأثير في صناعة القرار الدولي، ولذلك فإن “واشنطن” منذ عقودٍ طويلة من الزمن تحرص على أن تعمل بسلسلة متوالية لجلب المال وتحقيق قوة القرار الدولي، وهذا يعتمد على مجموعة من الحلقات المترابطة بعضها في البعض الآخر، يبدأ بإنتاج السلاح الفتاك والمدمر وينتقل بعدها للبحث عن أسواق لترويج هذا السلاح وهذا يعتمد على ضرورة خلق نزاعات مسلحة بين دولٍ أو جماعات وفي الكثير من الأحيان يؤدي لإنتاج تنظيمات متطرفة، فمن خلال صناعة النزاعات بين القبائل والشعوب تحقق الإدارة الأمريكية من خلال شركات القتال رقما سياديا ذي ثقل عالمي.

ثانياً: السيطرة على الثروات

تُدرك الإدارة الأمريكية كذلك أهمية السيطرة على الثروات المختلفة، ولعل أهم تلك الموارد التي تُقاتل جيوشها باستمرار لبقائها تحت تصرفها يتمثل في التالي:

ثالثا :  السيطرة على مناطق النفوذ أي النفط بمشتقاته

 بنظرة فاحصة على الحروب والنزاعات والتوتر السياسي بين الدول والشعوب، تقف الإدارة الأمريكية وراء الكثير منها لإدراكها بأن من يتحكم في كميات النفط عنده فذاك يؤدي طبيعةً للتحكم بالتطور والتنمية الصناعية على مستوى العالم.

رابعا – السيطرة على إنتاج القمح

وهي الوسيلة الثانية الأهم في السيطرة على الموارد فهي تُدرك أن من يتحكم بالقمح كذلك يتحكم بالجوع والموت. وبالتوازي مع ذلك فإن هذه الموارد  تبقي الشعوب المنهوبة في حالة جوع بينما  تجد الثروات الغذائية طريقها إلى المخازن الأمريكية.

خامسا : السيطرة على الإعلام العالمي

 تدرك امريكا وان قوة الدعاية الإعلامية  امر هام جدا فباللعبة السياسية وكذلك في تحديد المواقف العالمية، فذلك  يختصر عليها الكثير من المعارك العسكرية بمعارك تقوم بها وسائل الإعلام الأمريكية، حيث يُسمح لهم من خلال وسائل الإعلام التحكم في وجهة نظر الشعوب ونشر الدعاية التي يُراد نشرها والحرب النفسية والدعاية السوداء التي تؤثر سلباً على الشعوب المستهدفة أمريكياً.

خلاصة

 ان من أبرز ما ورد ضمن التقارير المتعلقة بقضية الوثائق السرية الامريكية هو أن هناك مخطط المنطقة العظمى أي وانه  يجب أن تسيطر الولايات المتحدة على نصف الكرة الغربي وأوروبا القارية وحوض البحر الأبيض المتوسط (باستثناء روسيا) ومنطقة المحيط الهادئ والشرق الأقصى والإمبراطورية.

 وهنا تريد امريكا ان تسيطر كما هي روسيا والصين على جميع المناطق الرئيسية المعروفة للنفط بناءً على طلب من الشركات الشريكة لما ذكر اسمه “المجلس العالمي” مثل لجنة النفط الأجنبية ومجلس حرب صناعة البترول وهو أمر مكلف للغاية وان لم يكن هناك استحواذ صريح فسيتم أو تم اعتماد بدائل اخرى  حيث تجبر الدول المعنية  على فتح أبوابها أمام المصالح التجارية الأمريكية دون أن  تكون امريكا موجودة في الصورة.

عدم الاستقرار في الكونغرس ربما يؤدي إلى الفشل في التوصل لإتفاق بشأن هذه الموازنة وهو ما يعني تخلف واشنطن عن ابرز استراتيجياتها الدولية في الاستحواذ وصناعة القرار وسداد ديونها البالغة أكثر من 31 مليار دولار، وهو الأمر الذي ستتخطى آثاره السلبية الحدود الأمريكية بما في ذلك استقرار اسواق النفط والسلاح والغذاء ليضرب الاقتصاد العالمي بشدة.

المصادر المعتمدة :

  • معهد التفكير الاقتصادي الأمريكي الجديد
  • مكتبة الكونغرس الأمريكي LCNAF))
  • مقال تحت “عنوان نفوذ الصين يتصاعد.. متى تنتهي سيطرة أمريكا على العالم” منشور بنيويورك تايمز الامريكية .
  • جريدة الوطن البحرينية .

[1]– (شركة تحليلات واستشارات أمريكية)

By admin