تقرير من إعداد قسم البحوث والدراسات المهتم بأفريقيا بالمركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
تحت إشراف الدكتورة بدرة قعلول
يتميز المشهد السياسي الموريتاني اليوم بوجود تصدع سياسي وإجتماعي وإقتصادي عميق وخطير، وبحسب المعطيات الميدانية فإنه سيكون من الخطير أيضًا تنظيم إنتخابات في هذا المناخ السياسي السيء، حيث دعت أحزاب ائتلاف قوى التغيير الديمقراطي في موريتانيا الشعب الموريتاني، وعلى وجه الخصوص جميع القوى السياسية الوطنية من كافة المشارب، للعمل على إستباق التهديدات التي تواجهها موريتانيا من خلال تجاوز الخلافات والتناقضات الثانوية، ورص الصفوف والسير على الطريق الصحيح لتحقيق توافق وطني، مهما كان شكله ضد الحكومة الحالية وضد الرئيس الذي يعمل بشكل “خبيث” على التناقضات وشحن الاختلافات من أجل البقاء في كرسي السلطة وهو الذي يعتبر رئيسا فاشلا بكل المقاييس وعلى جميع المستويات وقد رمى بنفسه الى أحضان “أبشع مستعمر” فرنسا.
ويمكن أن نستشهد بالتحذير الذي يعلن عنه الكثير من القوى السياسية في موريتانيا وعلى رأسهم تحذير”محمد ولد مولود” رئيس حزب إتحاد قوى التقدم والرئيس الدوري لإئتلاف قوى التغيير من “أن عوامل عدم الاستقرار قائمة اليوم في موريتانيا، ومن أخطرها الوضعية الاجتماعية التي جعلت البلد على فوهة بركان نائم لا أحد يعرف متى ينفجر”.
تقييم عام للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في موريتانيا
وضعية المواطن صعبة جدا فهو لم يعد يؤمن قوته اليومي بسبب انهيار قدرته الشرائية والصعود الجنوني للأسعار والبطالة، والشعور بانعدام الأمن، إضافة إلى تفشي الفساد والمحسوبية الذي كرسها الرئيس والحكومة التابعة له فالفساد غير عادي فلم يعد خلسة بل أصبح معلنا.
-الاصطفافات العرقية والقبلية، التي تمثل خطرا على الاستقرار وعلى الأمن وعلى الديمقراطية والغريب ان الرئيس أعلى هرم في البلاد هو من يكرسها ويعمل بها بشكل ملحوظ والكل يتذمر من هذه التصرفات الغبية.
-الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستمرة منذ سنوات، في سياق عالمي وإقليمي غير مستقر وخطير.
-المشهد السياسي المنقسم خلال عشرية الفساد إلى معسكرين رئيسيين متعارضين: نظام استبدادي، مناهض للديمقراطية وفاسد للغاية، ومعارضة ديمقراطية، ذات تركيبة متعددة، توحدها رغبة جامحة في الدفاع عن الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ولكنها معارضة باتت تتصدع يوما بعد يوم وقد بدأ هذا الوضع يتطور منذ وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة.
-فشل الحوار الوطني فلقد واجه عقبات من طرف دوائر في الأغلبية والمعارضة، ممّا شكّل ذريعة لتعليقه، مما يُعتبر بمثابة أكبر إخفاق في الرهان على انطلاقة ديمقراطية وتوافقية جديدة للبلد.
-قامت بعض الأطراف الدخيلة على المعارضة بمناورات بهدف إنشاء استقطاب سياسي جديد، يتمحور حول الخيار بين المواجهة والعودة إلى العشرية المشؤومة ونتائجها الكارثية أو خيار التغيير السلمي في جو هادئ، حيث اتخذ هذا الاستقطاب شكل محاولات لتشكيل تحالفات سياسية وانتخابية تفرق المعارضة.
-تدهور الظروف المعيشية للمواطنين “ارتفاع الأسعار، والبطالة” وأخطاء وتعثر الحكومة، وما ينجم عن ذلك من شعور بالإحباط لدى فئات عريضة من الشعب، والمجموعات الوطنية التي تعبر عن عدم رضاها بالتهميش والإقصاء، تُشكل أرضية صالحة لكافة أنواع الانحراف والتلاعب من طرف المغامرين السياسيين، كما تعزز الأخطار المحدقة بالبلد، لا سيما فيما يتعلق باستقراره وحتى بكينونته، نظرًا لما يعيشه محيطنا الإقليمي من فوضى، ستؤثر تفاعلاتها بقوة على مستقبل موريتانيا.
-خروج الأحزاب المعارضة التقليدية التي كانت مهادنة لنظام الرئيس الغزواني، عن المعارضة الناعمة لتبدأ عودتها لمعارضة التشدد، وهو ما سيضفي توترا جديدا على المشهد السياسي، بل إنه قد ينهي جو التهدئة الذي بناه الرئيس الغزواني منذ وصوله للسلطة عام 2019سيؤثر هذا التطور الجديد على المشهد السياسي الموريتاني، وعلى أجواء ما قبل الانتخابات.
السياسة الداخلية المشتتة والضعيفة
بعد فترة الاضطراب المرتبطة بالانتقال الرئاسي لعام 2019 تميزت السنوات 2020 و 2021 بالهدوء النسبي في موريتانيا الظاهر ولكن في الواقع كان “الغليان في العمقغير ظاهر، الذي كرسته استراتيجية القوة الناعمة التي نفذتها رئاسة محمد ولد الغزواني، ومع ذلك يجب النظر إلى هذا الموقف بحذر، بالنظرإلى الإجراءات القضائية المقدمة ضد الرئاسة السابقة للبلاد، وتنفيذ إطار قانوني جديد يسهل قراءته على أنه يحد، أو على الأقل يهدف إلى زيادة السيطرة بشكل كبير على الرأي العام والحريات الفردية.
على مستوى السياسة الداخلية، من المهم تسليط الضوء على إلقاء القبض في جوان2021 على محمد ولد عبد العزيز، رئيس موريتانيا بين عامي 2009 و 2019، بتهمة الفساد المرتبطة بمصائد الأسماك والبنية التحتية العامة وعقود الهيدروكربونات، بعد أن قيمت لجنة برلمانية سلوكه أثناء توليه منصبه.
ولابد من الإشارة إلى هذا باعتباره حدثا رئيسيا، حيث شكك، ربما للمرة الأولى في البلاد، في العلاقة المعترف بها منذ فترة طويلة بين الفساد والسلطة السياسية المركزية.
ووجهت التهم أيضا إلى بعض المقربين منه، من الأوساط السياسية والتجارية، ويخضع الرئيس السابق حاليا للإقامة الجبرية، في انتظار بدء إجراءات المحاكمة.
هذه “العملية الثورية” إذا نظرنا إلى الممارسات السياسية المحلية يمكن اعتبارها أيضًا ممارسة محفوفة بالمخاطر ورمزية لنوع القيادة التي ينفذها ولد الغزواني. فهل يضمن هذا الأخير استقلال الهيئات القضائية التي تراقب المصلحة العامة، أم أنه سوف يتلاعب بطبقة سياسية تابعة إلى حد كبير لرغباته ؟
وبحسب بعض الناشطين والخبراء السياسيين الموراتنيين فهم يعتبرون السلطة الحاكمة الحالية بكل أطيافها ترتكب جرائم كبيرة ضد الشعب وهي أصلا غارقة في فساد وسرقات كبرى فلم يتغير شيء وهذه الحقيقة تدركها بعض الدول الاقليمية وخاصة فرنسا وأمريكا الذين أصبحا يترددون كثيرا على البلاد ويتلاعبون بهذه النقطة المهمة فهم يتوجدون أين تواجد الفساد السياسي ليبتزوا الفاسدين.
كما تميز المشهد السياسي الموريتاني خلال هذه الفترة بإنتشار مسألة الهوية الوطنية، التي يمكن الإعتراف بها في الواقع منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية 1960 والتي ترتبط بتماسك بلد متعدد الأعراق على الرغم من القيادة الواضحة ديموغرافيا وسياسيا من قبل الجماعات الناطقة بالحسانية.
في نوفمبر 2021 ، وافق البرلمان الموريتاني على قانون يتعلق “بتجريم الهجمات على سلطة الدولة” (Loi portant protection des symboles nationaux et crime des atteints à l ‘autorité de l’ Etat et à l’Honneur du citoyen). وهذا ما يعتبروه النشطاء السياسيين قمّة المهزلة في هذا البرلمان.
في الواقع تثير حالات الإدانة بالإساءة أو ذكر رئيس الجمهورية كهدف محتمل للإساءة اللفظية، أسئلة تتعلق بالطموحات الحقيقية لهذا الإطار القانوني الجديد، والتي يمكن أن تؤدي بسهولة إلى قيود تقديرية على حرية التعبير، والتي يمكن أن تؤدي إلى اتهامات تعسفية من قبل قيادة الدولة للجهات الفاعلة أو الحركات المتنازعة. ويبدو أن هذه العناصر تشير أيضا إلى إعادة تركيز من جانب الدولة والأطر الأخلاقية والقانونية التي تدعمها. وقد أدان كل من تجمع القوى الديمقراطية، المعترف به بوصفه المعارضة الديمقراطية التقليدية، وحزب “تواصل” الإسلامي ، هذا القانون متوقعا أنه يمكن أن يؤدي إلى قيود شديدة على الحريات المدنية.
وفي هذا الموضوع عُقدت أيضا سلسلة من الاجتماعات الرسمية بين الرئيس غزواني وزعيم حركة إلغاء الرق، “بيرام داه عبيد”، المناصر الصريح لحركة إلغاء الرق في موريتانيا.
وتشكل هذه المحادثات اعترافا رسميا بأهمية هذه الحركة وإدماجها في الساحات السياسية التقليدية. أما زعيمها الذي سُجن في الماضي بسبب تعبيره عن أفكاره فقد أعيد تأهيله الآن باعتباره محاوراً سياسياً صالحاً، الأمر الذي يشير إلى ما يمكن اعتباره مصالحة بين النظام وبعض فروع ما يسمى بالمعارضة الراديكالية.
وهذه الإشارة إلى الانفتاح السياسي يمكن أن تشير أيضا إلى النضج المتزايد للنظام السياسي في موريتانيا، على الرغم من ذلك تجدر الإشارة أيضا إلى ظهور حركات منشقة مختلفة.
لا تزال موريتانيا نشطة للغاية في إطار مجموعة دول الساحل الخمس، والتي ربما تكون أكثر مشاركة قوية وديناميكية في السياسة الخارجية للبلاد بالرغم من أن المجموعة تعتبر شبه نتهية وقد حلت.
فيما يتعلق بالحدود الشمالية لموريتانيا، من الأهمية بمكان ما الإشارة إلى الموقف الذي اتخذته الحكومة الاشتراكية لمملكة إسبانيا في مارس 2022 ، عندما أعلنت رسميًا دعمها للموقف المغربي في حل نزاع الصحراء الغربية.
ويتماشى هذا التغيير العميق في المشهد الجغرافي السياسي للمنطقة مع الاتجاه الأخير، مع تأييد الولايات المتحدة وبلدان مختلفة من الخليج الفارسي وإسرائيل للخطة المغربية لتمديد الحكم الذاتي للصحراء الغربية. وقد حافظت الجمهورية الإسلامية الموريتانية على دور”محايد” منذ الثمانينات فيما يتعلق بالصحراء الغربية وفيما يتعلق بهذا التطور الأخير، فإنها لم تقدم بعد أي تعليق رسمي.
الموقف الموريتاني من الصحراء الغربية
تجدر الإشارة إلى التقارب بين موريتانيا وإسبانيا، الذي عبرت عنه زيارة الرئيس غزواني إلى مدريد في مارس 2022 وهو الشهر الذي شهد التحول السياسي الإسباني في نزاع الصحراء الغربية.
وقد جرت بالفعل لقاءات سياسية رسمية بين الرباط ونواكشوط، كذلك الجزائر العاصمة ملتزمة بالحصول على دعم نواكشوط، من خلال تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة إلى موريتانيالا سيما فيما يتعلق بقطاع الطاقة وتطوير البنية التحتية التي قد تسهل عبور البضائع والأشخاص من جنوب غرب الجزائر إلى شمال موريتانيا، ولكن ما يمكن تأكيده أن السلطة الحالية ذاهبة الى التحالف مع المغرب وستخرج من هذا “الحياد” لأنها ستظطر الى ذلك في الفترة القادمة.
كما أنّ “حياد” موريتانيا حول مسألة الصحراء الغربية غير المدعوم في أي وثيقة قانونية ليس من السهل فهمه من قبل الجهات الفاعلة المعنية، مما يضع علاقات موريتانيا مع القوتين الإقليميتين المغرب والجزائر في توازن هش يتم إعادة التفاوض عليه بشكل دائم مع كل تطور دبلوماسي جديد، أو تصعيد عسكري.
وإلى جانب موقفها من النزاع في الصحراء الغربية، فإن جيرانها الشماليين يعطون أهمية أكبر عبر المنطقة لموريتانيا فيما يتعلق بالتطورات السياسية والاقتصادية وحتى الدينية حيث أبدى المغرب والجزائر اهتمامهما “بالأوامر الصوفية” لغرب أفريقيا التي غالبا ما تكون لها صلات مباشرة بالمشهد الإسلامي الموريتاني.
على المستوى العالمي، تجدر الإشارة أيضًا إلى التوقيع، خلال عام 2021 على مذكرتين تفاهم مهمتين تؤيدان المشاريع الصناعية التي تهدف إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر في موريتانيا.
إذا تم تنفيذ “مشروع أمان” و”مشروع نور” الموقع مع CWP Global ومع شاريوت، فقد يجلب تغييرات كبيرة إلى موريتانيا مع تأثيرات عميقة على اقتصاد البلاد.
وينبغي أن تخفف من أهمية هذا النوع من المشاريع من اعتماد البلد على الإنتاج الحيواني “الحيوانات المجترة الصغيرة والماشية والجمال”، مما يساعد على تحرير اقتصاد البلد من الجوانب الطارئة المتزايدة الأهمية، التي يمكننا ربطها بتغير المناخ العالمي، والتي ترجمت في العامين الماضيين إلى أشد فترات الجفاف في موريتانيا في الخمسين سنة الماضية.
الخلاصة:
فرنسا تنقض على موريتانيا وتتحرك بسلاسة
خضعت موريتانيا للإحتلال من قبل عدة دول أوربية إبتداء من البرتغال وإنتهاء بفرنسا، نظرا للموقع المتميز التي تتمتع به، إذ أنها كانت تمثل الطريق التجاري بين إفريقيا وأوروبا، كما أنها تربط شمال القارة الإفريقية بغربها، وبعد سلسلة من الحروب بين الدول الأوروبية حول غرب القارة الإفريقية بشكل عام وموريتانيا بشكل خاص، تم استعمارها من قبل فرنسا بشكل رسمي.
-موريتانيا لا تزال تمثل مصدرا لتنامي الأطماع الفرنسية نظرا لاحتوائها على أكبر مناجم الذهب “تازيازت” الذي يقع في ولاية إنشيري شمال موريتانيا وهوأحد أكبر مناجم الذهب في قارة أفريقيا، حيث تجاوز احتياطيه 220 طنا.
-بدأ العمل في المنجم سنة 2007 عندما حصلت شركة كندية على رخصة الاستغلال من الحكومة الموريتانية، وفي عام 2020 وصل إنتاج المنجم إلى 11.5 طنا من الذهب.-
-إن الثروة المعدنية التي تحضى بها موريتانيا تجعلها محطّ الأنظار والأطماع والفرنسيين في هذه الفترة “يتسكعون” كثيرا بين المسؤوليين الموريتانيين بل أن السفير الفرنسي يتحرك بسلاسة وطلاقة كبيرة ليصل به الحد الى تعيين وزراء واقتراح اسماء سفراء وأغلب الطامعيين الموريتانيين يحجون للسفارة الفرنسية باعتبارهم محميين ويحافظون على مصالح فرنسا أكثر من مصالح بلدهم وهذا ما يثير موجة من السخط والقلق الشعبي والمعارضة وسط سكوت الحكومة بل أكثر، فهم كلهم يعملون على تلبية طلبات الفرنسيين والسفير والقنصل العام الفرنسي.