الأثنين. أكتوبر 7th, 2024

اعداد : فاتن الجباري قسم البحوث والدراسات القانونية

مقدمة

   تغيرت الخريطة السياسية التونسية بشكل دراماتيكي منذ 14 من جانفي 2011، حيث دخلت البلاد في مرحلة انتقال سياسي واجتماعي رسمتها فئة سياسية اغرقت البلاد في مشهد حالك السواد، وحكمتها متغيرات جديدة ادت الى قلب كفة الحكم لعلها فلتة من فلتات الزمن لكن وقعها قوي فتلك الدوامة التي لم تمحى من ذاكرة التونسيين اخفت منجما من المعطيات، الاحداث و الاسرار التي ضلت حبيسة نفسها في زاوية ما من تاريخ المحاكمات السياسية .

أيام حاسمة ولحظات قياسية يعيشها المشهد السياسي والامني في تونس، وربما اعصار على الأبوابتهيئ له جهات داخلية وخارجية، أنها مرحلة دقيقة، وتتوالى الملاحقات القضائية والتتبعات العدلية فاكثر من 200 شخصية معنية بالمحاكمة في أخطر الملفات التي يحقق فيها القطب القضائي لمكافحة الإرهاب عقب موجة من الإيقافات الأخيرة والتحقيقات المضنية حيث يمثل عدد من السياسيين وقيادي الأحزاب ورجال الأعمال والشخصيات الرسمية وموظفون سامون في قضايا تتعلق بالإرهاب والتهريب و القضية  الموصوفة اعلاميابالتسفير الى بؤر التوتر والجهاز السري، قضايا فساد سياسي و مالي،  وتهرب جبائي ضريبي وقضايا دولية  كملف بنما وسويسْليكس

قرارات منع السفر لم تصدر في ملف الاغتيالات السياسية والجهاز السري للتنظيم الإخواني فقط، بل تعددت الملفات القضائية المتهمة فيها الحركة ومن أبرزها قضية شركة “انستالينغو“، وقضية جمعية “نماء تونس” ذات الصبغة الإرهابية والمتعلقة بالتخابر على أمن الدولة.

وفق تحقيقات  قامت بها السلطات الفرنسية وفقا لقاعدة بيانات صدرت مؤخرا عن الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ  اضهرت وانه ما لا يقل عن 256 شخصية تونسية أو مقيمة في تونس يمتلكون حسابات بنكية خارجية  مفتوحة بفروع دولية لها جنسيات متعددة هم عمالقة رجال اعمال وسياسيين حكموا البلاد طيلة العشر الاواخر. ففي سويسرا فقط من جملة 10 دول معنية  يفوق إجمالي أرصدتها 554 مليون دولار أمريكي وهي عينة بسيطة… انها محاصيل خيالية تجنيها رؤوس ظلامية فاسدة من ارض تونس… لتتخفى من ثمة وراء شركات عالمية وهمية ذاع صيتها.

رغم المزاعم الحكومية المتعاقبة بأن هذا الملف مازال تحت أنظار القضاء، فإن العديد من المعطيات  والبحوث تشير إلى أن قائمة رجال الأعمال المتورطين في الفساد في ظل النظام السابق، لم تكن وليدة مسار قضائي مكشوف وإنما فُصٍّلت خارج دائرة الضوء، على مقاس مصالح الأحزاب التي كانت حاكمة  طيلة العشرية الاخيرة ويمكن إدارج هذه  الصفقة ضمن مسار معقّد تعود بداياته إلى موروث لمنظومة المال و الاعمال التي تركتها اسطورة النظام البائد …

يواجه التنظيم الإخواني بتونس حالة تخبط شديدة وسقوط على جميع المستويات، بعد التحقيقات الاخيرة التي طالت عددا من قياداته، ووصوله لحافة الهاوية، واستخدام شتى الطرق لإنقاذ سفينة الخراب من الغرق وصل ذلك حد التواصل مع قوى واذرع اجنبيةمن طرف نواب وسياسيون هربوا إلى الخارج قبل الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد، وتحولوا من هناك إلى أبواق تهاجم البلاد او الى عملاء ضد مصلحة الدولة، فهم أصبحوا اعداء الدولة عندما سحب بساط السلطة منهم.

لقد باتت قصة الاحتماء بالخارج جزءا من التكوين النفسي للطبقة السياسية التونسية التي جاءت للحكم بعد 2011، فحين كانت معارضة كانت تراهن على الخارج للضغط على السلطة بدل أن تقدم هي برامجها وأفكارها على الأرض لإظهار قوتها واكتساب ثقة الجماهير الشعبية .

كيف تسلل التنظيم الدولي الى تونس وما حقيقة صفقة رؤوس الفساد ؟

تحقيقات “الجهاز السري”: الجهاز القضائي في يد النظام السياسي؟

عقب الإجراءات الاستثنائية التي شهدتها تونس، بما في ذلك إقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان، بدأ الرئيس قيس سعيّد التحرك في ملف الأموال المنهوبة وتحكم رجال أعمال بأعينهم في مقدرات البلاد، بعدما استفادوا من غطاء سياسي منحته قوى سياسية على رأسها  حزب حركة النهضة.

لا تزال شعبية الرئيس التونسي قيس سعيد وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي والرئيس الأول لجهاز النيابة العمومية في تونس، لا تزال في ارتفاع بسبب خطواته في مكافحة الفساد واستهداف رجال الاعمال الفاسدين ودحر الارهاب  وضرب الاحتكار التي جعلته يبدو في صورة المنقذ الذي انتظره التونسيون كثيرا وهو الأمر الذي فشلت فيه الحكومات السابقة.

ببساطة يرى الرأي العام التونسي ان  الرئيس قيس سعيد ذهب إلى الهدف مباشرة، ووضع يده على مكمن الداء الذي نخر البلاد، وهو الفساد، فيما عمدت حكومات وأحزاب وشخصيات سابقة إلى التحالف مع اللوبيات  الاجنبية وخدمة أجنداتها،  وضع يتعامل فيه الشعب التونسي  بحماس مع المرحلة الجديدة بالرغم من النقائص، ومحاذير أن يقود شخص واحد بنفسه مهمة تغيير كل شيء.

ما يهم الرئيس سعيد الآن هو إعادة الثقة بين الدولة والمواطن، واستعادة الحماس للتغيير الذي جلبته الثورة في 2011، وهو الخطوة الأهم بالنسبة إليه خاصة أنه حاز على ثقة نسبة عالية من الناخبين ومن واجبه طمأنتهم لكنه الرئيس الذي يتكلم بشكل يومي في قضايا الناس المختلفة ويتوعد الفاسدين و الخونة بالمحاسبة وبتطبيق القانون وذلك من خلال اعادة بناء النظام السياسي والدستوري، الذي يعتقد أن من شأنه أن يفتح المجال أمام تغيير الاختيارات الاقتصادية، وفي مقدمتها ما يقول إنه محاربة للفساد والتخلص ممن وصفهم باللصوص و الخونة و تحقيق العدالة الاجتماعية.

إن انتهازية الطبقة السياسية و“ارتهان أغلبها للأجندات الخارجية” هو ما جعل البلاد خلال عشر سنوات تعيش حالة من الصراعات السياسية المفتوحة على المجهول، مع أن تلك الصراعات لا تهم طموحات الشعب التونسي ولا تهدف إلى تطوير حياتهم ومستوى عيشهم. فكل الخلافات والصراعات التي أساءت إلى الانتقال الديمقراطي في تونس كانت مرتبطة بتصفية الحسابات المتراكمة، وهو ما جعل البرلمان معزولا عن مشاغل المواطنين  فكان سقوطه بمثابة هدية من السماء أنقذت التونسيين من وجع الرأس الذي دخل إلى بيوتهم من خلال النقل المباشر للجلسات واستدعاء النواب والسياسيين إلى الركح التلفزيوني لتراشق التهم و التلاعب بالمنظومة القانونية للدولة ليستفيق التونسيون على مشهد كاريكاتوري مثير للسخرية والاشمئزاز تتناقله الاذاعات الاجنبية في صورة بدت غير مشرفة ابدا.

لم يكن التجاء بعض السياسيين إلى وسائل الإعلام الأجنبية لإظهار معارضتهم لإجراءات الخامس والعشرين ذا قيمة في نظر الشارع الذي كان همه الاساسي قوته اليومي بقطع النظر عن مشروعية ما يقولونه من عدمها. ما كان يراه الناس في تلك الإجراءات أنها حرّرتهم من مرحلة صعبة وقاسية أغرقت البلاد في الشعارات والوعود ووظفت كل إمكانيات البلاد في خوض الصراعات ذات الأجندات الحزبية والخارجية.

بدأت الأزمة السياسية في تونس، منذ 25جويلية 2021، وذلك منذ أن قرار فرض إجراءات استثنائية منها وتفعيل الفصل 80 من الدستور لحالة الضرورة والظروف الاستثنائية وإقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمقتضى مراسيم قضائية.  دخلت العلاقة المتوترة بين الرئيس التونسي قيس سعيد ومعارضيه نفقا جديدا بعد إصدار القضاء التونسي قراراً بحظر السفر على  نحو اكثر من  34  متهما في قضية اغتيال معارضين، بينهم زعيم حركة النهضة بسبب شبهة تورطهم في قضايا إرهاب وفساد مالي، وغسل أموال.

يحقق القضاء التونسي في قضية ملف التسفير الى بؤر التوتر والجهاز السري لحركة النهضة، إثر شكوى  تقدم بها في البداية  فريق الدفاع  عن الشهيدين  شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين تم اغتيالهما عام 2013إلى وزارة  العدل ثم  أثارته النائبة السابقة فاطمة المسدي بعد أن تقدّمت بملف للقضاء به أكثر من 200 صفحة ضمّ تقارير وشهادات ووقائع قامت بجمعها تتضمن تصريحات ومقاطع فيديو ثابتة عن الجوانب الدعوي والأمن الموازي للحركة الإسلامية، والتمويلات من الجمعيات الأجنبية والمشبوهة وعلاقة ملف التسفير بعمليات الاغتيالات والعمليات الإرهابية…

 وتفجرت قضية الجهاز السري للنهضة منذ 2018، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال الشهيدين  البراهمي وبلعيد وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك الحركة  جهازا سريا أمنيا موازيا للدولة، متورطا في اغتيال المعارضين، و التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم الحزب غير أن القضاء لم يحسم بعد هذه القضية وهي جرائم يعاقب عليها القانون التونسي بعقوبات تصل الى  الاعدام  و تكتنف اجراءات هذا الملف سرية تامة نظرا لخطورة القضية و حفاظا على سرية الملف وحسن سير الابحاث وسلامة مختلف الاطراف .

يواجه إخوان الحركة في تونس تحديات صعبة منذ سقوط منظومتهم الحاكمة، انطلقت بفتح كم هائل من الدعاوى القضائية ضدهم:

بحسب  التحريات والنتائج التي تزال رهن السلطات القضائية  توجه الاتهامات الى  قيادات حزبية و اطراف سياسية  حكمت البلاد منذ 2013 اذ تتحمل مسؤولية العشرية الماضية التي وصفت بالسوداء وبتخريب البلد ما أدت إلى مسار 25 جويلية 2021 . كما ان الأدلة والبراهين التي  هي بحوزة القضاء والتي جمعتها هيئة الدفاع عن  كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي فإن حركة النهضة متورطة في  ملف الاغتيالات السياسية .

المحاسبة هي خطة الرئيس التونسي قيس سعيد لتطهير البلاد حيث فتح ملفات الفساد المالي والإرهاب الذي ضرب تونس خلال العشر سنوات الأخيرة كما ينظر القطب القضائي و المالي في قضايا خطيرة و شبهات حول تجاوزات مالية لجمعيات خيرية محسوبة على حركة النهضة، علاوة على ملف الجهاز السري المتهم بالتورط في الاغتيالات السياسية وانطلقت عملية المحاسبة في انتظار الإدانة النهائية، بإصدار قرارات  من السلطات التونسية منع السفر على قيادات إخوانية بارزة ووزراء ومسؤولين متورطين

ويقتضي القانون التونسي لاتخاذ قرار منع السفر قرارا قضائيا  حيث ان أكثر من 80  متهما ممنوعا من السفر بحكم قضائي في انتظار محاكمتهم حيث سبق وأن قرر القضاء التونسي حظر السفر في قضية الجهاز السري للحركة، في حق 34 متهماً على رأسهم رئيس حركة النهضة. كما ان  33 آخرين أدرجوا في التفتيش في القضية التي تعرف باسم “انستالينغو” والتي تخضع لتحقيق قضائي منذ 2021، ووجهت إليهم  تهم أبرزها “التآمر على أمن الدولة” و”التحريض على العنف”.

ولم يكن تطبيق القانون مفعّلا في السنوات الماضية حيث كانت الطبقة الحاكمة انذلك وحلفاؤهم  تحتكر الجهاز القضائي ، مما اتاح لها جملة الصلاحيات التي مكنتها من تأجيل فتح ملفات الفساد وطمس الحقائق .

2- أخطبوط الإخوان المالي :

عشرة سنوات حكمت فيها الترويكا  تونس تمكنت اثرها من تكوين اخطبوط مالي حقق الثراء الفاحش والسريع بطرق غير مشروعة عمل اطرافه على تهريب هذه الاموال واخراجها من البنوك التونسية نحو الخارج  وذلك من خلال ودائع بنكية وحصصا في شركات كبرى موجودة في سويسرا وفرنسا يوازي  مقدارها المالي قرابة المليار دولار أمريكي علاوة على سندات التصدير والتوريد المشبوهة ومقايضة تحويلات المهاجرين بالعملة الصعبة أو ما يعرف بتجارة العملة الخطيرة على اقتصاد البلاد وادارة قنوات إعلامية وشركات  تجارية خاصة. كلها كانت أساليب ملتوية اعتمدها الحزب الواحد أنذلك في تجميع ثروته، وهي بحسب معطيات تمثل الثروة التي تديرها وابنته وصهره الذي كان يشغل منصب وزير للشؤون الخارجية بتونس والذي تحوم حوله شبهات كبيرة تخص  تورطه في اختلاس اموال كانت موجهة الى الدولة التونسية في شكل مساعدات منها الهبة صينية و المقدرة ب500 مليون دولار عام 2012، وما زالت محل بحث قضائي وإدانة واسعة من قبل منظمات المجتمع المدني التونسي كما جاء في تقرير سابق  صادر عن لجنة تقصي الحقائق وان أكثر من 400 رجل أعمال متورط في نهب أموال الدولة، استفادوا من قروض بصفة غير قانونية ومن دون ضمانات، وحصلوا على عقارات تابعة للدولة وأراض زراعية دون وجه حق …

كيف وقع استعادت الاموال المودعة بالبنوك الاجنبية وكيف ضفرت بها حركة النهضة  ثم اصبحت في قبضة احزاب سياسية سيطرت على البلاد وعلى دواليب الدولة كاملة ؟

اموال تونس المنهوبة و البنوك المالية الدولية :

منذ سنة 2011 اختلفت التقديرات حول حجم الأموال المنهوبة من قبل عائلة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي وأصهاره. وقال البنك المركزي التونسي في 2015، إنه توصل إلى تحديد ممتلكات وأموال منهوبة في عشرة بلدان ولا توجد أرقام رسمية دقيقة عن قيمة الأموال المهرّبة إلى الخارج، إلا أن خبراء يقدّرون ثروة بن علي بحوالى خمسة مليارات دولار، في حين يتوقعون أن يملك أصهاره حوالى 12 مليار دولار.

كما تم تحديد أكثر من 80 مليون دولار أمريكي وطائرتين وقاربين حيث  تم تجميد هذه الأموال أو مصادرتها في سويسرا، وفرنسا، وبلجيكا، وإيطاليا. إحدى هاتين الطائرتين، والتي تمت مصادرتها بأمر مكتب المدعي العام في باريس وكانت مملوكة لصهر الرئيس الاسبق بن علي، تمت إعادتها إلى تونس في جويلية 2011. كما تمت استعادة الطائرة الأخرى من سويسرا واليختين من إيطاليا وإسبانيا في وقت لاحق.

ورغم أن قيمة هذه الأموال لا تمثل سوى جزء صغير مما يقدر أن يكون قد نهب من تونس، فإن استردادها كان ذا أهمية كبرى في إظهار أن الممتلكات الموجودة في ولايات قضائية أجنبية يمكن استردادها حتى قبل الانتهاء من الدعاوى القانونية كما استعادت تونس 28,8 مليون دولار أمريكي كانت مخبأة في حساب بنكي لبناني تحت سيطرة المسماة ليلى الطرابلسي انذلك  بحسب ما كشفته منظمة “غلوبال فينينشيال إنتغريتي” عام 2019 جل هذه العائدات وقعت بين ايدي الحزب الحاكم لحركة النهضة وعددا هاما من حلفائها ورجال اعمال تقاسموا هذه الاموال   التي كان من المفروض اعادتها الى الشعب التونسي بإيداعها ضمن الخزينة العامة للدولة الا وانه وقع تحويل وجهة هذه الاموال بعد التمكن من استعادتها .

فجزء من الاقتصاد التونسي بما في ذلك العديد من البنوك ووكالات تجارة السيارات وتمثيليات العلامات التجارية الكبرى وعدد من وسائل الإعلام الخاصة والفنادق  حيث بلغت هذه الشبكة الاقتصادية والمالية أوجها باستحواذها على نحو 30% من أرباح القطاع الخاص التونسي بحسب الأرقام المنشورة في مجلة l’Economiste عدد جانفي 2017، فيما يخص  معاملات المجامع والشركات المذكورة.

لفترة طويلة، كانت سويسرا تُعتبر ملاذاً آمناً لأموال الديكتاتوريين المُكتَسَبة بِطُرُق غير مشروعة، لأسباب ليس أقلها السرّية المصرفية:

لقد أنشأت السلطات التونسية بمساعدة مبادرة استرداد الأموال المنهوبة “ستار” (وهي شراكة بين البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة) لجنة خاصة لاسترداد الأموال المنهوبة لوضع تخطيط وقيادة وتعاون استراتيجي – على المستويين المحلي والدولي. ثم قامت اللجنة بتصميم استراتيجية شاملة تجمع بين مختلف أدوات التحقيق والأدوات القانونية، بما في ذلك الملاحقة القضائية المحلية، والتعاون الدولي غير الرسمي، وطلبات المساعدة القانونية المتبادلة، فضلاً عن التدخل كطرف مدني في الإجراءات الجنائية في فرنسا وسويسرا.

كما قدمت مبادرة ستار الدعم للجنة التونسية للتحاليل المالية للوصول إلى الشبكات المالية العالمية فضلاً عن بناء صلات مع منظمات مثل الإنتربول ومجموعة إيجمونت (شبكة دولية غير رسمية لوحدات التحريات المالية) ويوروجست (الوكالة المعنية بالتعاون القضائي في المسائل الجنائية بالاتحاد الأوروبي). كما ساعدت مبادرة ستار على بناء صلات هامة من خلال عمل المنتدى العربي لاسترداد الأموال ، فقد قدمت التدريب والمساعدة الفنية لإنشاء وتعزيز وحدات متخصصة في تونس وأماكن أخرى.

قصة  الهروب و اللجوء إلى تركيبات غامضة لإحداث شركات “أوفشور او الشركات  الدولية الوهمية”  في الجنات الضريبيةّ

طريق هروب القيادات الإخوانية إلى خارج البلاد

طالما كان التهرب الضريبي الدولي تحدّ حقيقي تواجهه تونس فمنذ 2016  حاول أفراد عائلة بن علي استعادت ثلاث شركات في بنما للسيطرة عليها  كما وقع محاولة  استعادة شركتين أخريين في الجزر العذراء البريطانية سنة 2012… فبلحسن الطرابلسي لم يتوقف عن مباشرة أعماله في الجنات الضريبية حتى وهو هارب من قبضة العدالة، من خلال اصطناع شركات وهمية متحيلة  بينما تطالب تونس بتسليمه لها هذا وفق تقرير نشر بأوراق باندورا، كما ذكرت الوثائق وانه ما لا يقلّ عن ثلاثين اسما تونسيا من بينهم رجال ونساء أعمال وسياسيون إلى جانب عدد من المجهولين، تنخرط في مجال التراكيب المالية والشركات الأوفشور وهي القضية المعروفة بسويسْليكس والتي كشفت عن 554 مليون دولار مودعة  في حسابات بنكية سويسرية.

وحول موقف السلطات التونسية  في خصوص ملف  “ باندورا” ، تطرح تساؤلات حول دور الدولة وخصوصا  الهياكل القضائية في التصدي للتهرب الجبائي الدولي و التي ارجته  إلى مدى تعقيد العمليات ونقص الموارد المتاحة إضافة إلى ضعف الإرادة السياسية فهذه التحقيقات تستهلك الكثير من الوقت، وتتطلب إنابة لجان قضائية في الخارج وإعداد ملفات أولية قصد الحصول على معلومات من البلدان الأخرى، وهو ليس بالأمر اليسير خصوصا اذ تطلب الامر صياغة طلب للتعاون المشترك مع القضاء البَنميّ  يحتاج اولا تحديد جنسية وهوية هذه  الشركات المتعددة الجنسية  والحسابات البنكية وهو امر شديد التعقيد موكول الى انظار القطب القضائي الاقتصادي والمالي خصوصا وان البلدان المعنية  على الاقل  تلجأ إلى قوانين أو ممارسات إدارية تمنع التبادل التلقائي للمعلومات او لقاعدة بيانات البنوك المتواجدة بها .

أدى وضع تونس على القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2018  و المتعلق بمكافحة التهرب الجبائي، الى القول وان عدم انخراط تونس بصورة فعلية و عملية  ضمن  المبادرة الدولية الرامية إلى التصدي إلى تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح بغية توفير حماية أفضل لقاعدتها الجبائية وتحسين تعبئة الموارد الضريبية اللازمة لتنميتها المستدامة سيسفر عن خسائر كبيرة تتكبدها المالية العامة حيال أي نشاط موجود على ترابها و يرى خبراء اقتصاديون  وان الوضع  في تونس لن يتغيّر  اذا ما تبدلت قوانين الصرف  ذلك أن “المتهربين من الأداءات ينشئون شركات أوفشور صورية  تجعل من هذا النظام متآكلا وفريسة سهلة للأجندات الحزبية التي استغلت الوضع الاقتصادي المتدني للتآمر والتخابر الاجنبي وافتعال المكائد وصولا الى العجز الاقتصادي الرسمي و صعود الاقتصاد الموازي للوبيات الفساد حيث صار الارتهان للخارج جزءا رئيسيا في الثقافة و الخدعة السياسية  حتى أن المشهد السياسي والاعلامي  اصبح يحدد بحسب الولاءات والأجندات الإقليمية التي تلاعبت بعقول التونسيين ، قضايا كثيرة القيت على كاهل القضاء التونسي لتتواصل التحقيقات و التحريات بخصوص قضيتي القروي و سليم الرياحي الفارين بالخارج ورغم  ان السلط القضائية  قد اصدرت في شأنهم بطاقة جلب دولية كما سعت الى اعتماد مطالب تسليم بالخارج الا وان ذلك لم يلقى أي تفاعل او استجابة من الدول المعنية بل بحسب لسان الدفاع الذي اناب الرياحي قام الانتربول الدولي  بشطب بطاقة الجلب من منظومته معلنا ان القضاء الإماراتي رفض تسليمه و هو نفس الاجراء الذي قامت به السلطات اليونانية   .

ويبدو ان ذلك قد تجاوز التعاون القضائي المشترك بين تونس ومحاكم دبي الى حسابات اخرى قد تكون اكثر براغماتية نفعية  من مجرد التعاون القضائي المشترك مع تونس فسليم الرياحي هو  رجل أعمال تحوم حوله شبهات فساد مالي وتبييض أموال، دخل غمار السياسة منذ عودته إلى تونس قادماً من ليبيا ليؤسس حزب الاتحاد الوطني الحر، الذي تمكن من المشاركة في الحكم قبل أن ينصهر مع حزب نداء تونس في 2018 ليصبح أمين عام الحزب بعد تحالفه .

لقد اجمعت البحوث الاقتصادية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة أنّ حجم التهرب الضريبي بلغ نحو 25مليار دينار اي (أكثر من نصف الميزانية وكفيل بتسديد المديونية الخارجية)وتشير الأرقام إلى أنّ عددا من رجال الأعمال، متهرّبون أيضا من سداد ديونهم المتخلدة لدى البنوك والتي نالها أغلبهم دون ضمانات، وذلك بدعم من النظام الذي كان يحكم البلاد خلال العشر سنوات الاخيرة في شكل صفقات .

منذ 2014 طرح ملف 126 رجل أعمال حصلوا على قروض دون ضمانات بلغت نحو 7 آلاف مليار، ولم يسدّدوها ،يجري كل ذلك وتونس تواجه صعوبات كبيرة فالحكومة الحالية تلهث وراء إقناع صندوق النقد الدولي للدخول في مفاوضات رسمية من أجل الحصول على قرض جديد بقيمة 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) مع إعطاء الصندوق الضوء الأخضر لبقية المانحين الدوليين بمساعدة تونس على النفاذ إلى القروض الخارجية المغلقة بوجه البلاد في الظرف الراهن.

 لقد عمدت الحكومة الى إجراءات  يصفها خبراء اقتصاديون” بالمؤلمة “منها رفع الدعم عن المواد الغذائية و الترفيع في اسعار المحروقات وامكانية تجميد الأجور والتفويت في بعض شركات القطاع العام، وكلها ذو تكلفة اجتماعية باهظة لقطاعات واسعة تئن تحت وطأة الوضع الحالي فما بالك بما هو آت.

قد يستمر اقتصاد البلاد يئن تحت اختلالات قديمة وجديدة نتيجة سنوات سبقت  من الخيارات الزائفة التي نفّرت المستثمر المحلي والأجنبي، في ظل تراجع روح الكد والعمل وتردي الخدمات المختلفة واستشراء الفساد والتفاوت بين مناطق البلاد وارتفاع مخيف في معدّلات هجرة الكفاءات إلى الخارج، وخاصة في اختصاصات علمية هامة، وتورّم القطاع العام وتصاعد التضخم وارتفاع الأسعار ومعدّلات البطالة، مع تدحرج مستمر للعملة الوطنية ودين خارجي يناهز ال40 مليار دولار.

اسطورة الفساد المتوارثة ولعبة اقتصاد الحدود

 منظومة حدودية عملاقة  تعايشت معها الدولة التونسية طيلة 23 سنة من حكم الرئيس بن علي و” الطرابلسية “ فكانت سلسلة فنية دولية متكاملة ومنظمة كعقارب الساعة احتكرت الخطوط الحدودية للبلاد البرية و البحرية  واندمجت ضمن دواليب الادارة التونسية وسجلاتها الرسمية وطوعت الاقتصاد الوطني فصارت اشبه بحاضرة اقتصادية عالمية  تدر اموالا خرافية حتى بنت دولة اخرى عملاقة …ولكنها تحت الظلام

هذه المنظومة لا تؤمن الا بلغة المال فلا قوانين تنفذ ولا سجلات رسمية تذكر لماذا لأنها تملك كل الوسائل المتاحة لتبدو قانونية ولكنها تعمل فوق القانون وتستقطب كبار رجال الاعمال من اوروبا واسيا وافريقيا والخليج العربي ضمن بوابة حدودية هي الخيط الرفيع الذي سيقود الغمار الى حاضرة المال والاعمال  وهذه البوابة هي  في واجهة الصف الامامي  ادارة الحدود والموانئ.

هل سينتهي غمار اللعبة بعد 2011؟

أحدثت انتفاضات 2011 في كل من تونس وليبيا خللًا في الاقتصاد الحدودي وجميع ترتيباته الداخلية. وقد أتاح فراغ السلطة في ذلك الوقت ازدهار شبكات جديدة في جهتَي الحدود، ولا سيما في ليبيا حيث أعادت القوى المناهضة لمعمر القذافي تنظيم الشبكات التجارية في المنطقة الواقعة غرب ليبيا وسطّر سقوط بن علي نهاية حقبة الامتيازات التي تمتّع بها أزلامه السابقون الذين سعوا جاهدين لإيجاد حماة جدد والتوصل إلى ترتيبات جديدة مع النخب السياسية الناشئة. وانخرطت الأجهزة المولجة لتنفيذ القانون وبيروقراطيو الدولة الذين تحرروا من سيطرة بن علي وأنسبائه، في نوع من “الفساد المؤسسي” الذي كان هدفه الوحيد مراكمة الأرباح الشخصية من دون أي أجندة سياسية (على نقيض الدوافع المسيّسة التي سادت في ظل النظام السابق) وفي الوقت نفسه، احتدمت المنافسة الشديدة داخل الشبكات التجارية البرية من جهة والشبكات التجارية البحرية من جهة أخرى، وأدّى انهيار المنظومة السياسية السابقة إلى تفكك العوائق والترتيبات التي أعطت الأفضلية لبعض المجموعات على حساب إقصاء مجموعات أخرى فظهر لاعبون جدد على الساحة نتيجة الفرص التي أفرزها غياب الاستقرار.

على نحوٍ استراتيجي أكثر، جمعت الممرات البرية والبحرية، والاقتصادات الحدودية والمرفئية، وروّاد الأعمال والتجّار، بين الأنشطة الرسمية وغير الرسمية. وتنافست الشبكات المختلفة التي شكّلت جزءًا من سلاسل التموين والتوزيع في مختلف أنحاء تونس، لتزويد المتاجر والأسواق التونسية بالبضائع. ومع مرور الوقت، أصبحت الشبكات غير الرسمية جزءًا من الاقتصاد التونسي. وشكّلت الرشاوى ورسوم الحماية التي كانت الأجهزة الأمنية تتقاضاها، حافزًا للحفاظ على ولائها للنظام. وقد أدّى النظام والعائلات الحليفة له دورًا أساسيًا في موقع الحماة والمحكِّمين على مستوى توزيع الحصص والفرص في الأسواق بين الشبكات التجارية من خلال تكوين اقتصاد سياسي للتجارة الخارجية حيث كانت الممارسات غير القانونية جزءًا لا يتجزأ من المنظومة.

 كان على المهرّبين والتجّار أن يتنافسوا لوضع أنفسهم تحت حماية وكلاء الدولة بغية ضمان أرباحهم قدر الإمكان. وقد أعاد السياق الأمني الجديد رسم المشهد في مجال التجارة غير الرسميةتعكس هذه الشبكات البحرية قابلية الحدود للاختراق، بفعل تخالط الاقتصاد الرسمي مع الاقتصاد غير الرسمي، ما يشكّل قطاعًا خاصًا بالتجارة الخارجية تبدو أنشطته خاضعة للإجراءات الرسمية ولكنها في الواقع غير منظَّمة في جزء منها وغير مدوَّنة في سجلات الدولة.

تركيا و الصين الشبكة الخفية  للاقتصاد خلال العشرية السوداء  :

وفي العام 2018، علّقت الحكومة التونسية جزئيًّا اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المنتجات التركية خاضعة لرسوم مرتفعة.  مع ذلك، لم تتمكن هذه القيود من لجم التدفق المتزايد للسلع التركية  فبين العامين 2017 و2019، قفزت الواردات التركية من 2.26 مليار دينار تونسي في العام 2017 إلى 2.74 مليار دينار تونسي  في العام 2018 ثمّ إلى 2.86 مليار دينار تونسي في العام 2019 وهو امر مثير للاستغراب

يبدو ان القوى السياسية والاقتصادية التي ورثت اللعبة ابان 2013  كان هي الحلقة الضائعة التي تلعب دور الوسيط على الاقل حتى تهيء لها الارضية الملائمة لتعبر المجال لقد سعت الى اختراق المنظومة التقليدية محاولة التغلغل و احتلال مكانة لها من ضمن الفاعلين الكبار في المجال ففرضت شروطها و دخلت في مناورات ربحية وعقد صفقات كبيرة و تكفلت من الناحية الشريعية بالتلاعب بمنظومة القوانين حتى تكيفها على مقاسها الجديد وذلك من خلال طفرة التنقيحات وتمرير ترسانة من القوانين الجديدة ، بعض القواعد الحزبية  اختارت ان تكون مناوراتها من الخط الدفاعي الامامي وهو مجلس نواب الشعب لتكون درعا قانونيا يحمي مصالحها والبعض الاخر كانت مهمته ادارية او ميدانية فاحتكروا  دواليب الدولة مستغلين صفتهم الوظيفية ومناصبهم الحساسة لإعطاء الاوامر والتوجيهات وانشاء التوافقات  السياسية  من  الخارج  للسيطرة على الاوضاع الاقتصادية العامة للبلاد في شتى المجالات الحيوية  والاهم من ذلك هو التستر واخفاء هذه الشبكة الاقتصادية الكبيرة وحماية مصالحها من خلال  اتصالات مكثفة بين هذه القيادات المتورطة من داخل تونس، وتنظيماتها الخارجية برعاية التنظيم الدولي  التي يبدو وانها تتدخل فور حدوث طارئ ما او تهديد لمصالحها او حماية لعملائها بالداخل فهي تؤمن عمليات الحماية  وعدم التسليم القضائي او انفاذ قرار داخلي ما غصبا عن ارادة السلطات التونسية بتوفير اللجوء او تامين الهروب ففي الموانئ هناك شبكات وفي المناطق الساحلية شبكات وفي الحدود البرية شبكات أخرى، وكلها لها ميكانيزماتها وطرق اشتغالها الخاصة وفق الظروف  والمعدات ونوعية الجهاز الأمني الموجود، وقد نجد مهربي سلع يتحولون إلى مهربي بشر متسلحين  و يعملون لفائدة شبكات المافيا  التي تمتلك حتى طائرات وخطوط  جوية  خارج خطة الطيران  المدني، وتلك هي صناعة الشركات الرأسمالية العالمية التي تتواجد في كل مناطق العالم من الشرق الى الغرب و التي تتحكم في السيادات القومية للدول الضعيفة .

عودة على بدا، نجحت الواردات التركية في التغلغل في الأسواق المحلية التونسية، بفضل دور الوساطة التي لعبتها الهياكل الموازية للدولة. نتيجةً لذلك، واصل رواد الأعمال التونسيون الذين يستوردون السلع التركية المطلوبة اعتماد استراتيجيات اقتصادية غير رسمية من أجل تجنب القيود المفروضة على التبادلات التجارية وصعوبات الحصول على العملات الأجنبية. وعلى غرار السنوات السابقة، لا يزال التلاعب في فواتير الواردات والتدفقات المالية غير المشروعة إحدى الاستراتيجيات غير الرسمية الأساسية الرامية إلى تجاوز القيود المصرفية وغيرها من الضوابط المفروضة على الواردات التركية.

أما الصين فتُعتبر ثالث أكبر مزوّد للمنتجات إلى تونس. ففي العام 2018، بلغت قيمة الواردات الصينية إلى تونس حوالى 2 مليار دولار،  وفق ارقام كشفها مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط ،وشملت سلعًا استهلاكية وأدوات كهربائية وإلكترونية ومواد بلاستيكية ومواد كيميائية عضوية  لكن هذه الأرقام لا تعبّر عن الحجم الفعلي للواردات الصينية، إذ إن جزءًا منها غير رسمي، لكنها تبيّن الدور المتنامي الذي تؤدّيه الصين كشريك تجاري في تونس.

ويكشف صعود الصين وتركيا كشريكين تجاريين رئيسين لتونس، والدور الناشط الذي تؤدّيه هاتين الشبكتين في التجارة غير الرسمية العابرة للحدود الوطنية، عن حدوث تحول استراتيجي تدريجي وطفيف في العلاقات التجارية التونسية. فتونس وشمال أفريقيا عمومًا تشهدان بروز شركاء تجاريين جدد  يعملون ضمن ساحة اقتصادية شاسعة لكنها غير رسمية ابدا .

وبغض النظر عن الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع، لا تزال التجارة غير الرسمية تطرح مشاكل عدة تلقي بظلالها على القواعد الشعبية المحلية في تونس. فخلافًا لنظام بن علي الذي استخدم الاقتصاد الحدودي بطريقة براغماتية باعتباره صمام أمان، اختارت الحكومات التونسية ما بعد العام 2011 اتّباع استراتيجية أمنية أدّت إلى زعزعة استقرار المجتمعات المحلية وبالتالي، لم يعد الاقتصاد الحدودي الذي ساهم في إرساء الاستقرار في عهد بن علي قادرًا على تأدية هذا الدور كما في السابق. ويوضح بروز الشبكات البحرية عقب الإجراءات الصارمة التي فُرضت على الاقتصاد الحدودي البري غياب استراتيجية شاملة لمعالجة مسألة الشبكات التجارية غير الرسميّة التي وقعت في مصيدة احزاب و بارونات تهريب جديدة دخلت في اللعبة بعد 2011  .وهكذا، لا يمكن اعتبار الاقتصاد غير الرسمي مجرّد جزء هامشي وضئيل من تدفقات التجارة الإقليمية، بل بات عنصرًا مهمًا في المعادلة الجيوسياسية السائدة راهنًا في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

المراجع المعتمدة

– تقرير صادر عن الإسكوا، “التدفقات المالية غير المشروعة في المنطقة العربية”، (بيروت: الأمم المتحدة – لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، 2018

– المعهد الوطني للإحصاء

– مجموعة الأزمات الدولية، “تونس الحدوديّة: جهاد وتهريب”، تقرير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رقم 148، (بروكسل: مجموعة الأزمات الدولية، 2013

    – البنك الدولي

      -البنك المركزي التونسي

– تقرير

اعداد : فاتن الجباري قسم البحوث والدراسات القانونية

مقدمة

   تغيرت الخريطة السياسية التونسية بشكل دراماتيكي منذ 14 من جانفي 2011، حيث دخلت البلاد في مرحلة انتقال سياسي واجتماعي رسمتها فئة سياسية اغرقت البلاد في مشهد حالك السواد، وحكمتها متغيرات جديدة ادت الى قلب كفة الحكم لعلها فلتة من فلتات الزمن لكن وقعها قوي فتلك الدوامة التي لم تمحى من ذاكرة التونسيين اخفت منجما من المعطيات، الاحداث و الاسرار التي ضلت حبيسة نفسها في زاوية ما من تاريخ المحاكمات السياسية .

أيام حاسمة ولحظات قياسية يعيشها المشهد السياسي والامني في تونس، وربما اعصار على الأبوابتهيئ له جهات داخلية وخارجية، أنها مرحلة دقيقة، وتتوالى الملاحقات القضائية والتتبعات العدلية فاكثر من 200 شخصية معنية بالمحاكمة في أخطر الملفات التي يحقق فيها القطب القضائي لمكافحة الإرهاب عقب موجة من الإيقافات الأخيرة والتحقيقات المضنية حيث يمثل عدد من السياسيين وقيادي الأحزاب ورجال الأعمال والشخصيات الرسمية وموظفون سامون في قضايا تتعلق بالإرهاب والتهريب و القضية  الموصوفة اعلاميابالتسفير الى بؤر التوتر والجهاز السري، قضايا فساد سياسي و مالي،  وتهرب جبائي ضريبي وقضايا دولية  كملف بنما وسويسْليكس

قرارات منع السفر لم تصدر في ملف الاغتيالات السياسية والجهاز السري للتنظيم الإخواني فقط، بل تعددت الملفات القضائية المتهمة فيها الحركة ومن أبرزها قضية شركة “انستالينغو“، وقضية جمعية “نماء تونس” ذات الصبغة الإرهابية والمتعلقة بالتخابر على أمن الدولة.

وفق تحقيقات  قامت بها السلطات الفرنسية وفقا لقاعدة بيانات صدرت مؤخرا عن الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ  اضهرت وانه ما لا يقل عن 256 شخصية تونسية أو مقيمة في تونس يمتلكون حسابات بنكية خارجية  مفتوحة بفروع دولية لها جنسيات متعددة هم عمالقة رجال اعمال وسياسيين حكموا البلاد طيلة العشر الاواخر. ففي سويسرا فقط من جملة 10 دول معنية  يفوق إجمالي أرصدتها 554 مليون دولار أمريكي وهي عينة بسيطة… انها محاصيل خيالية تجنيها رؤوس ظلامية فاسدة من ارض تونس… لتتخفى من ثمة وراء شركات عالمية وهمية ذاع صيتها.

رغم المزاعم الحكومية المتعاقبة بأن هذا الملف مازال تحت أنظار القضاء، فإن العديد من المعطيات  والبحوث تشير إلى أن قائمة رجال الأعمال المتورطين في الفساد في ظل النظام السابق، لم تكن وليدة مسار قضائي مكشوف وإنما فُصٍّلت خارج دائرة الضوء، على مقاس مصالح الأحزاب التي كانت حاكمة  طيلة العشرية الاخيرة ويمكن إدارج هذه  الصفقة ضمن مسار معقّد تعود بداياته إلى موروث لمنظومة المال و الاعمال التي تركتها اسطورة النظام البائد …

يواجه التنظيم الإخواني بتونس حالة تخبط شديدة وسقوط على جميع المستويات، بعد التحقيقات الاخيرة التي طالت عددا من قياداته، ووصوله لحافة الهاوية، واستخدام شتى الطرق لإنقاذ سفينة الخراب من الغرق وصل ذلك حد التواصل مع قوى واذرع اجنبيةمن طرف نواب وسياسيون هربوا إلى الخارج قبل الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد، وتحولوا من هناك إلى أبواق تهاجم البلاد او الى عملاء ضد مصلحة الدولة، فهم أصبحوا اعداء الدولة عندما سحب بساط السلطة منهم.

لقد باتت قصة الاحتماء بالخارج جزءا من التكوين النفسي للطبقة السياسية التونسية التي جاءت للحكم بعد 2011، فحين كانت معارضة كانت تراهن على الخارج للضغط على السلطة بدل أن تقدم هي برامجها وأفكارها على الأرض لإظهار قوتها واكتساب ثقة الجماهير الشعبية .

كيف تسلل التنظيم الدولي الى تونس وما حقيقة صفقة رؤوس الفساد ؟

تحقيقات “الجهاز السري”: الجهاز القضائي في يد النظام السياسي؟

عقب الإجراءات الاستثنائية التي شهدتها تونس، بما في ذلك إقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان، بدأ الرئيس قيس سعيّد التحرك في ملف الأموال المنهوبة وتحكم رجال أعمال بأعينهم في مقدرات البلاد، بعدما استفادوا من غطاء سياسي منحته قوى سياسية على رأسها  حزب حركة النهضة.

لا تزال شعبية الرئيس التونسي قيس سعيد وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي والرئيس الأول لجهاز النيابة العمومية في تونس، لا تزال في ارتفاع بسبب خطواته في مكافحة الفساد واستهداف رجال الاعمال الفاسدين ودحر الارهاب  وضرب الاحتكار التي جعلته يبدو في صورة المنقذ الذي انتظره التونسيون كثيرا وهو الأمر الذي فشلت فيه الحكومات السابقة.

ببساطة يرى الرأي العام التونسي ان  الرئيس قيس سعيد ذهب إلى الهدف مباشرة، ووضع يده على مكمن الداء الذي نخر البلاد، وهو الفساد، فيما عمدت حكومات وأحزاب وشخصيات سابقة إلى التحالف مع اللوبيات  الاجنبية وخدمة أجنداتها،  وضع يتعامل فيه الشعب التونسي  بحماس مع المرحلة الجديدة بالرغم من النقائص، ومحاذير أن يقود شخص واحد بنفسه مهمة تغيير كل شيء.

ما يهم الرئيس سعيد الآن هو إعادة الثقة بين الدولة والمواطن، واستعادة الحماس للتغيير الذي جلبته الثورة في 2011، وهو الخطوة الأهم بالنسبة إليه خاصة أنه حاز على ثقة نسبة عالية من الناخبين ومن واجبه طمأنتهم لكنه الرئيس الذي يتكلم بشكل يومي في قضايا الناس المختلفة ويتوعد الفاسدين و الخونة بالمحاسبة وبتطبيق القانون وذلك من خلال اعادة بناء النظام السياسي والدستوري، الذي يعتقد أن من شأنه أن يفتح المجال أمام تغيير الاختيارات الاقتصادية، وفي مقدمتها ما يقول إنه محاربة للفساد والتخلص ممن وصفهم باللصوص و الخونة و تحقيق العدالة الاجتماعية.

إن انتهازية الطبقة السياسية و“ارتهان أغلبها للأجندات الخارجية” هو ما جعل البلاد خلال عشر سنوات تعيش حالة من الصراعات السياسية المفتوحة على المجهول، مع أن تلك الصراعات لا تهم طموحات الشعب التونسي ولا تهدف إلى تطوير حياتهم ومستوى عيشهم. فكل الخلافات والصراعات التي أساءت إلى الانتقال الديمقراطي في تونس كانت مرتبطة بتصفية الحسابات المتراكمة، وهو ما جعل البرلمان معزولا عن مشاغل المواطنين  فكان سقوطه بمثابة هدية من السماء أنقذت التونسيين من وجع الرأس الذي دخل إلى بيوتهم من خلال النقل المباشر للجلسات واستدعاء النواب والسياسيين إلى الركح التلفزيوني لتراشق التهم و التلاعب بالمنظومة القانونية للدولة ليستفيق التونسيون على مشهد كاريكاتوري مثير للسخرية والاشمئزاز تتناقله الاذاعات الاجنبية في صورة بدت غير مشرفة ابدا.

لم يكن التجاء بعض السياسيين إلى وسائل الإعلام الأجنبية لإظهار معارضتهم لإجراءات الخامس والعشرين ذا قيمة في نظر الشارع الذي كان همه الاساسي قوته اليومي بقطع النظر عن مشروعية ما يقولونه من عدمها. ما كان يراه الناس في تلك الإجراءات أنها حرّرتهم من مرحلة صعبة وقاسية أغرقت البلاد في الشعارات والوعود ووظفت كل إمكانيات البلاد في خوض الصراعات ذات الأجندات الحزبية والخارجية.

بدأت الأزمة السياسية في تونس، منذ 25جويلية 2021، وذلك منذ أن قرار فرض إجراءات استثنائية منها وتفعيل الفصل 80 من الدستور لحالة الضرورة والظروف الاستثنائية وإقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمقتضى مراسيم قضائية.  دخلت العلاقة المتوترة بين الرئيس التونسي قيس سعيد ومعارضيه نفقا جديدا بعد إصدار القضاء التونسي قراراً بحظر السفر على  نحو اكثر من  34  متهما في قضية اغتيال معارضين، بينهم زعيم حركة النهضة بسبب شبهة تورطهم في قضايا إرهاب وفساد مالي، وغسل أموال.

يحقق القضاء التونسي في قضية ملف التسفير الى بؤر التوتر والجهاز السري لحركة النهضة، إثر شكوى  تقدم بها في البداية  فريق الدفاع  عن الشهيدين  شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين تم اغتيالهما عام 2013إلى وزارة  العدل ثم  أثارته النائبة السابقة فاطمة المسدي بعد أن تقدّمت بملف للقضاء به أكثر من 200 صفحة ضمّ تقارير وشهادات ووقائع قامت بجمعها تتضمن تصريحات ومقاطع فيديو ثابتة عن الجوانب الدعوي والأمن الموازي للحركة الإسلامية، والتمويلات من الجمعيات الأجنبية والمشبوهة وعلاقة ملف التسفير بعمليات الاغتيالات والعمليات الإرهابية…

 وتفجرت قضية الجهاز السري للنهضة منذ 2018، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال الشهيدين  البراهمي وبلعيد وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك الحركة  جهازا سريا أمنيا موازيا للدولة، متورطا في اغتيال المعارضين، و التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم الحزب غير أن القضاء لم يحسم بعد هذه القضية وهي جرائم يعاقب عليها القانون التونسي بعقوبات تصل الى  الاعدام  و تكتنف اجراءات هذا الملف سرية تامة نظرا لخطورة القضية و حفاظا على سرية الملف وحسن سير الابحاث وسلامة مختلف الاطراف .

يواجه إخوان الحركة في تونس تحديات صعبة منذ سقوط منظومتهم الحاكمة، انطلقت بفتح كم هائل من الدعاوى القضائية ضدهم:

بحسب  التحريات والنتائج التي تزال رهن السلطات القضائية  توجه الاتهامات الى  قيادات حزبية و اطراف سياسية  حكمت البلاد منذ 2013 اذ تتحمل مسؤولية العشرية الماضية التي وصفت بالسوداء وبتخريب البلد ما أدت إلى مسار 25 جويلية 2021 . كما ان الأدلة والبراهين التي  هي بحوزة القضاء والتي جمعتها هيئة الدفاع عن  كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي فإن حركة النهضة متورطة في  ملف الاغتيالات السياسية .

المحاسبة هي خطة الرئيس التونسي قيس سعيد لتطهير البلاد حيث فتح ملفات الفساد المالي والإرهاب الذي ضرب تونس خلال العشر سنوات الأخيرة كما ينظر القطب القضائي و المالي في قضايا خطيرة و شبهات حول تجاوزات مالية لجمعيات خيرية محسوبة على حركة النهضة، علاوة على ملف الجهاز السري المتهم بالتورط في الاغتيالات السياسية وانطلقت عملية المحاسبة في انتظار الإدانة النهائية، بإصدار قرارات  من السلطات التونسية منع السفر على قيادات إخوانية بارزة ووزراء ومسؤولين متورطين

ويقتضي القانون التونسي لاتخاذ قرار منع السفر قرارا قضائيا  حيث ان أكثر من 80  متهما ممنوعا من السفر بحكم قضائي في انتظار محاكمتهم حيث سبق وأن قرر القضاء التونسي حظر السفر في قضية الجهاز السري للحركة، في حق 34 متهماً على رأسهم رئيس حركة النهضة. كما ان  33 آخرين أدرجوا في التفتيش في القضية التي تعرف باسم “انستالينغو” والتي تخضع لتحقيق قضائي منذ 2021، ووجهت إليهم  تهم أبرزها “التآمر على أمن الدولة” و”التحريض على العنف”.

ولم يكن تطبيق القانون مفعّلا في السنوات الماضية حيث كانت الطبقة الحاكمة انذلك وحلفاؤهم  تحتكر الجهاز القضائي ، مما اتاح لها جملة الصلاحيات التي مكنتها من تأجيل فتح ملفات الفساد وطمس الحقائق .

2- أخطبوط الإخوان المالي :

عشرة سنوات حكمت فيها الترويكا  تونس تمكنت اثرها من تكوين اخطبوط مالي حقق الثراء الفاحش والسريع بطرق غير مشروعة عمل اطرافه على تهريب هذه الاموال واخراجها من البنوك التونسية نحو الخارج  وذلك من خلال ودائع بنكية وحصصا في شركات كبرى موجودة في سويسرا وفرنسا يوازي  مقدارها المالي قرابة المليار دولار أمريكي علاوة على سندات التصدير والتوريد المشبوهة ومقايضة تحويلات المهاجرين بالعملة الصعبة أو ما يعرف بتجارة العملة الخطيرة على اقتصاد البلاد وادارة قنوات إعلامية وشركات  تجارية خاصة. كلها كانت أساليب ملتوية اعتمدها الحزب الواحد أنذلك في تجميع ثروته، وهي بحسب معطيات تمثل الثروة التي تديرها وابنته وصهره الذي كان يشغل منصب وزير للشؤون الخارجية بتونس والذي تحوم حوله شبهات كبيرة تخص  تورطه في اختلاس اموال كانت موجهة الى الدولة التونسية في شكل مساعدات منها الهبة صينية و المقدرة ب500 مليون دولار عام 2012، وما زالت محل بحث قضائي وإدانة واسعة من قبل منظمات المجتمع المدني التونسي كما جاء في تقرير سابق  صادر عن لجنة تقصي الحقائق وان أكثر من 400 رجل أعمال متورط في نهب أموال الدولة، استفادوا من قروض بصفة غير قانونية ومن دون ضمانات، وحصلوا على عقارات تابعة للدولة وأراض زراعية دون وجه حق …

كيف وقع استعادت الاموال المودعة بالبنوك الاجنبية وكيف ضفرت بها حركة النهضة  ثم اصبحت في قبضة احزاب سياسية سيطرت على البلاد وعلى دواليب الدولة كاملة ؟

اموال تونس المنهوبة و البنوك المالية الدولية :

منذ سنة 2011 اختلفت التقديرات حول حجم الأموال المنهوبة من قبل عائلة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي وأصهاره. وقال البنك المركزي التونسي في 2015، إنه توصل إلى تحديد ممتلكات وأموال منهوبة في عشرة بلدان ولا توجد أرقام رسمية دقيقة عن قيمة الأموال المهرّبة إلى الخارج، إلا أن خبراء يقدّرون ثروة بن علي بحوالى خمسة مليارات دولار، في حين يتوقعون أن يملك أصهاره حوالى 12 مليار دولار.

كما تم تحديد أكثر من 80 مليون دولار أمريكي وطائرتين وقاربين حيث  تم تجميد هذه الأموال أو مصادرتها في سويسرا، وفرنسا، وبلجيكا، وإيطاليا. إحدى هاتين الطائرتين، والتي تمت مصادرتها بأمر مكتب المدعي العام في باريس وكانت مملوكة لصهر الرئيس الاسبق بن علي، تمت إعادتها إلى تونس في جويلية 2011. كما تمت استعادة الطائرة الأخرى من سويسرا واليختين من إيطاليا وإسبانيا في وقت لاحق.

ورغم أن قيمة هذه الأموال لا تمثل سوى جزء صغير مما يقدر أن يكون قد نهب من تونس، فإن استردادها كان ذا أهمية كبرى في إظهار أن الممتلكات الموجودة في ولايات قضائية أجنبية يمكن استردادها حتى قبل الانتهاء من الدعاوى القانونية كما استعادت تونس 28,8 مليون دولار أمريكي كانت مخبأة في حساب بنكي لبناني تحت سيطرة المسماة ليلى الطرابلسي انذلك  بحسب ما كشفته منظمة “غلوبال فينينشيال إنتغريتي” عام 2019 جل هذه العائدات وقعت بين ايدي الحزب الحاكم لحركة النهضة وعددا هاما من حلفائها ورجال اعمال تقاسموا هذه الاموال   التي كان من المفروض اعادتها الى الشعب التونسي بإيداعها ضمن الخزينة العامة للدولة الا وانه وقع تحويل وجهة هذه الاموال بعد التمكن من استعادتها .

فجزء من الاقتصاد التونسي بما في ذلك العديد من البنوك ووكالات تجارة السيارات وتمثيليات العلامات التجارية الكبرى وعدد من وسائل الإعلام الخاصة والفنادق  حيث بلغت هذه الشبكة الاقتصادية والمالية أوجها باستحواذها على نحو 30% من أرباح القطاع الخاص التونسي بحسب الأرقام المنشورة في مجلة l’Economiste عدد جانفي 2017، فيما يخص  معاملات المجامع والشركات المذكورة.

لفترة طويلة، كانت سويسرا تُعتبر ملاذاً آمناً لأموال الديكتاتوريين المُكتَسَبة بِطُرُق غير مشروعة، لأسباب ليس أقلها السرّية المصرفية:

لقد أنشأت السلطات التونسية بمساعدة مبادرة استرداد الأموال المنهوبة “ستار” (وهي شراكة بين البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة) لجنة خاصة لاسترداد الأموال المنهوبة لوضع تخطيط وقيادة وتعاون استراتيجي – على المستويين المحلي والدولي. ثم قامت اللجنة بتصميم استراتيجية شاملة تجمع بين مختلف أدوات التحقيق والأدوات القانونية، بما في ذلك الملاحقة القضائية المحلية، والتعاون الدولي غير الرسمي، وطلبات المساعدة القانونية المتبادلة، فضلاً عن التدخل كطرف مدني في الإجراءات الجنائية في فرنسا وسويسرا.

كما قدمت مبادرة ستار الدعم للجنة التونسية للتحاليل المالية للوصول إلى الشبكات المالية العالمية فضلاً عن بناء صلات مع منظمات مثل الإنتربول ومجموعة إيجمونت (شبكة دولية غير رسمية لوحدات التحريات المالية) ويوروجست (الوكالة المعنية بالتعاون القضائي في المسائل الجنائية بالاتحاد الأوروبي). كما ساعدت مبادرة ستار على بناء صلات هامة من خلال عمل المنتدى العربي لاسترداد الأموال ، فقد قدمت التدريب والمساعدة الفنية لإنشاء وتعزيز وحدات متخصصة في تونس وأماكن أخرى.

قصة  الهروب و اللجوء إلى تركيبات غامضة لإحداث شركات “أوفشور او الشركات  الدولية الوهمية”  في الجنات الضريبيةّ

طريق هروب القيادات الإخوانية إلى خارج البلاد

طالما كان التهرب الضريبي الدولي تحدّ حقيقي تواجهه تونس فمنذ 2016  حاول أفراد عائلة بن علي استعادت ثلاث شركات في بنما للسيطرة عليها  كما وقع محاولة  استعادة شركتين أخريين في الجزر العذراء البريطانية سنة 2012… فبلحسن الطرابلسي لم يتوقف عن مباشرة أعماله في الجنات الضريبية حتى وهو هارب من قبضة العدالة، من خلال اصطناع شركات وهمية متحيلة  بينما تطالب تونس بتسليمه لها هذا وفق تقرير نشر بأوراق باندورا، كما ذكرت الوثائق وانه ما لا يقلّ عن ثلاثين اسما تونسيا من بينهم رجال ونساء أعمال وسياسيون إلى جانب عدد من المجهولين، تنخرط في مجال التراكيب المالية والشركات الأوفشور وهي القضية المعروفة بسويسْليكس والتي كشفت عن 554 مليون دولار مودعة  في حسابات بنكية سويسرية.

وحول موقف السلطات التونسية  في خصوص ملف  “ باندورا” ، تطرح تساؤلات حول دور الدولة وخصوصا  الهياكل القضائية في التصدي للتهرب الجبائي الدولي و التي ارجته  إلى مدى تعقيد العمليات ونقص الموارد المتاحة إضافة إلى ضعف الإرادة السياسية فهذه التحقيقات تستهلك الكثير من الوقت، وتتطلب إنابة لجان قضائية في الخارج وإعداد ملفات أولية قصد الحصول على معلومات من البلدان الأخرى، وهو ليس بالأمر اليسير خصوصا اذ تطلب الامر صياغة طلب للتعاون المشترك مع القضاء البَنميّ  يحتاج اولا تحديد جنسية وهوية هذه  الشركات المتعددة الجنسية  والحسابات البنكية وهو امر شديد التعقيد موكول الى انظار القطب القضائي الاقتصادي والمالي خصوصا وان البلدان المعنية  على الاقل  تلجأ إلى قوانين أو ممارسات إدارية تمنع التبادل التلقائي للمعلومات او لقاعدة بيانات البنوك المتواجدة بها .

أدى وضع تونس على القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2018  و المتعلق بمكافحة التهرب الجبائي، الى القول وان عدم انخراط تونس بصورة فعلية و عملية  ضمن  المبادرة الدولية الرامية إلى التصدي إلى تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح بغية توفير حماية أفضل لقاعدتها الجبائية وتحسين تعبئة الموارد الضريبية اللازمة لتنميتها المستدامة سيسفر عن خسائر كبيرة تتكبدها المالية العامة حيال أي نشاط موجود على ترابها و يرى خبراء اقتصاديون  وان الوضع  في تونس لن يتغيّر  اذا ما تبدلت قوانين الصرف  ذلك أن “المتهربين من الأداءات ينشئون شركات أوفشور صورية  تجعل من هذا النظام متآكلا وفريسة سهلة للأجندات الحزبية التي استغلت الوضع الاقتصادي المتدني للتآمر والتخابر الاجنبي وافتعال المكائد وصولا الى العجز الاقتصادي الرسمي و صعود الاقتصاد الموازي للوبيات الفساد حيث صار الارتهان للخارج جزءا رئيسيا في الثقافة و الخدعة السياسية  حتى أن المشهد السياسي والاعلامي  اصبح يحدد بحسب الولاءات والأجندات الإقليمية التي تلاعبت بعقول التونسيين ، قضايا كثيرة القيت على كاهل القضاء التونسي لتتواصل التحقيقات و التحريات بخصوص قضيتي القروي و سليم الرياحي الفارين بالخارج ورغم  ان السلط القضائية  قد اصدرت في شأنهم بطاقة جلب دولية كما سعت الى اعتماد مطالب تسليم بالخارج الا وان ذلك لم يلقى أي تفاعل او استجابة من الدول المعنية بل بحسب لسان الدفاع الذي اناب الرياحي قام الانتربول الدولي  بشطب بطاقة الجلب من منظومته معلنا ان القضاء الإماراتي رفض تسليمه و هو نفس الاجراء الذي قامت به السلطات اليونانية   .

ويبدو ان ذلك قد تجاوز التعاون القضائي المشترك بين تونس ومحاكم دبي الى حسابات اخرى قد تكون اكثر براغماتية نفعية  من مجرد التعاون القضائي المشترك مع تونس فسليم الرياحي هو  رجل أعمال تحوم حوله شبهات فساد مالي وتبييض أموال، دخل غمار السياسة منذ عودته إلى تونس قادماً من ليبيا ليؤسس حزب الاتحاد الوطني الحر، الذي تمكن من المشاركة في الحكم قبل أن ينصهر مع حزب نداء تونس في 2018 ليصبح أمين عام الحزب بعد تحالفه .

لقد اجمعت البحوث الاقتصادية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة أنّ حجم التهرب الضريبي بلغ نحو 25مليار دينار اي (أكثر من نصف الميزانية وكفيل بتسديد المديونية الخارجية)وتشير الأرقام إلى أنّ عددا من رجال الأعمال، متهرّبون أيضا من سداد ديونهم المتخلدة لدى البنوك والتي نالها أغلبهم دون ضمانات، وذلك بدعم من النظام الذي كان يحكم البلاد خلال العشر سنوات الاخيرة في شكل صفقات .

منذ 2014 طرح ملف 126 رجل أعمال حصلوا على قروض دون ضمانات بلغت نحو 7 آلاف مليار، ولم يسدّدوها ،يجري كل ذلك وتونس تواجه صعوبات كبيرة فالحكومة الحالية تلهث وراء إقناع صندوق النقد الدولي للدخول في مفاوضات رسمية من أجل الحصول على قرض جديد بقيمة 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) مع إعطاء الصندوق الضوء الأخضر لبقية المانحين الدوليين بمساعدة تونس على النفاذ إلى القروض الخارجية المغلقة بوجه البلاد في الظرف الراهن.

 لقد عمدت الحكومة الى إجراءات  يصفها خبراء اقتصاديون” بالمؤلمة “منها رفع الدعم عن المواد الغذائية و الترفيع في اسعار المحروقات وامكانية تجميد الأجور والتفويت في بعض شركات القطاع العام، وكلها ذو تكلفة اجتماعية باهظة لقطاعات واسعة تئن تحت وطأة الوضع الحالي فما بالك بما هو آت.

قد يستمر اقتصاد البلاد يئن تحت اختلالات قديمة وجديدة نتيجة سنوات سبقت  من الخيارات الزائفة التي نفّرت المستثمر المحلي والأجنبي، في ظل تراجع روح الكد والعمل وتردي الخدمات المختلفة واستشراء الفساد والتفاوت بين مناطق البلاد وارتفاع مخيف في معدّلات هجرة الكفاءات إلى الخارج، وخاصة في اختصاصات علمية هامة، وتورّم القطاع العام وتصاعد التضخم وارتفاع الأسعار ومعدّلات البطالة، مع تدحرج مستمر للعملة الوطنية ودين خارجي يناهز ال40 مليار دولار.

اسطورة الفساد المتوارثة ولعبة اقتصاد الحدود

 منظومة حدودية عملاقة  تعايشت معها الدولة التونسية طيلة 23 سنة من حكم الرئيس بن علي و” الطرابلسية “ فكانت سلسلة فنية دولية متكاملة ومنظمة كعقارب الساعة احتكرت الخطوط الحدودية للبلاد البرية و البحرية  واندمجت ضمن دواليب الادارة التونسية وسجلاتها الرسمية وطوعت الاقتصاد الوطني فصارت اشبه بحاضرة اقتصادية عالمية  تدر اموالا خرافية حتى بنت دولة اخرى عملاقة …ولكنها تحت الظلام

هذه المنظومة لا تؤمن الا بلغة المال فلا قوانين تنفذ ولا سجلات رسمية تذكر لماذا لأنها تملك كل الوسائل المتاحة لتبدو قانونية ولكنها تعمل فوق القانون وتستقطب كبار رجال الاعمال من اوروبا واسيا وافريقيا والخليج العربي ضمن بوابة حدودية هي الخيط الرفيع الذي سيقود الغمار الى حاضرة المال والاعمال  وهذه البوابة هي  في واجهة الصف الامامي  ادارة الحدود والموانئ.

هل سينتهي غمار اللعبة بعد 2011؟

أحدثت انتفاضات 2011 في كل من تونس وليبيا خللًا في الاقتصاد الحدودي وجميع ترتيباته الداخلية. وقد أتاح فراغ السلطة في ذلك الوقت ازدهار شبكات جديدة في جهتَي الحدود، ولا سيما في ليبيا حيث أعادت القوى المناهضة لمعمر القذافي تنظيم الشبكات التجارية في المنطقة الواقعة غرب ليبيا وسطّر سقوط بن علي نهاية حقبة الامتيازات التي تمتّع بها أزلامه السابقون الذين سعوا جاهدين لإيجاد حماة جدد والتوصل إلى ترتيبات جديدة مع النخب السياسية الناشئة. وانخرطت الأجهزة المولجة لتنفيذ القانون وبيروقراطيو الدولة الذين تحرروا من سيطرة بن علي وأنسبائه، في نوع من “الفساد المؤسسي” الذي كان هدفه الوحيد مراكمة الأرباح الشخصية من دون أي أجندة سياسية (على نقيض الدوافع المسيّسة التي سادت في ظل النظام السابق) وفي الوقت نفسه، احتدمت المنافسة الشديدة داخل الشبكات التجارية البرية من جهة والشبكات التجارية البحرية من جهة أخرى، وأدّى انهيار المنظومة السياسية السابقة إلى تفكك العوائق والترتيبات التي أعطت الأفضلية لبعض المجموعات على حساب إقصاء مجموعات أخرى فظهر لاعبون جدد على الساحة نتيجة الفرص التي أفرزها غياب الاستقرار.

على نحوٍ استراتيجي أكثر، جمعت الممرات البرية والبحرية، والاقتصادات الحدودية والمرفئية، وروّاد الأعمال والتجّار، بين الأنشطة الرسمية وغير الرسمية. وتنافست الشبكات المختلفة التي شكّلت جزءًا من سلاسل التموين والتوزيع في مختلف أنحاء تونس، لتزويد المتاجر والأسواق التونسية بالبضائع. ومع مرور الوقت، أصبحت الشبكات غير الرسمية جزءًا من الاقتصاد التونسي. وشكّلت الرشاوى ورسوم الحماية التي كانت الأجهزة الأمنية تتقاضاها، حافزًا للحفاظ على ولائها للنظام. وقد أدّى النظام والعائلات الحليفة له دورًا أساسيًا في موقع الحماة والمحكِّمين على مستوى توزيع الحصص والفرص في الأسواق بين الشبكات التجارية من خلال تكوين اقتصاد سياسي للتجارة الخارجية حيث كانت الممارسات غير القانونية جزءًا لا يتجزأ من المنظومة.

 كان على المهرّبين والتجّار أن يتنافسوا لوضع أنفسهم تحت حماية وكلاء الدولة بغية ضمان أرباحهم قدر الإمكان. وقد أعاد السياق الأمني الجديد رسم المشهد في مجال التجارة غير الرسميةتعكس هذه الشبكات البحرية قابلية الحدود للاختراق، بفعل تخالط الاقتصاد الرسمي مع الاقتصاد غير الرسمي، ما يشكّل قطاعًا خاصًا بالتجارة الخارجية تبدو أنشطته خاضعة للإجراءات الرسمية ولكنها في الواقع غير منظَّمة في جزء منها وغير مدوَّنة في سجلات الدولة.

تركيا الشبكة الخفية  للاقتصاد خلال العشرية السوداء  :

وفي العام 2018، علّقت الحكومة التونسية جزئيًّا اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المنتجات التركية خاضعة لرسوم مرتفعة.  مع ذلك، لم تتمكن هذه القيود من لجم التدفق المتزايد للسلع التركية  فبين العامين 2017 و2019، قفزت الواردات التركية من 2.26 مليار دينار تونسي في العام 2017 إلى 2.74 مليار دينار تونسي  في العام 2018 ثمّ إلى 2.86 مليار دينار تونسي في العام 2019 وهو امر مثير للاستغراب

يبدو ان القوى السياسية والاقتصادية التي ورثت اللعبة ابان 2013  كان هي الحلقة الضائعة التي تلعب دور الوسيط على الاقل حتى تهيء لها الارضية الملائمة لتعبر المجال لقد سعت الى اختراق المنظومة التقليدية محاولة التغلغل و احتلال مكانة لها من ضمن الفاعلين الكبار في المجال ففرضت شروطها و دخلت في مناورات ربحية وعقد صفقات كبيرة و تكفلت من الناحية الشريعية بالتلاعب بمنظومة القوانين حتى تكيفها على مقاسها الجديد وذلك من خلال طفرة التنقيحات وتمرير ترسانة من القوانين الجديدة ، بعض القواعد الحزبية  اختارت ان تكون مناوراتها من الخط الدفاعي الامامي وهو مجلس نواب الشعب لتكون درعا قانونيا يحمي مصالحها والبعض الاخر كانت مهمته ادارية او ميدانية فاحتكروا  دواليب الدولة مستغلين صفتهم الوظيفية ومناصبهم الحساسة لإعطاء الاوامر والتوجيهات وانشاء التوافقات  السياسية  من  الخارج  للسيطرة على الاوضاع الاقتصادية العامة للبلاد في شتى المجالات الحيوية  والاهم من ذلك هو التستر واخفاء هذه الشبكة الاقتصادية الكبيرة وحماية مصالحها من خلال  اتصالات مكثفة بين هذه القيادات المتورطة من داخل تونس، وتنظيماتها الخارجية برعاية التنظيم الدولي  التي يبدو وانها تتدخل فور حدوث طارئ ما او تهديد لمصالحها او حماية لعملائها بالداخل فهي تؤمن عمليات الحماية  وعدم التسليم القضائي او انفاذ قرار داخلي ما غصبا عن ارادة السلطات التونسية بتوفير اللجوء او تامين الهروب ففي الموانئ هناك شبكات وفي المناطق الساحلية شبكات وفي الحدود البرية شبكات أخرى، وكلها لها ميكانيزماتها وطرق اشتغالها الخاصة وفق الظروف  والمعدات ونوعية الجهاز الأمني الموجود، وقد نجد مهربي سلع يتحولون إلى مهربي بشر متسلحين  و يعملون لفائدة شبكات المافيا  التي تمتلك حتى طائرات وخطوط  جوية  خارج خطة الطيران  المدني، وتلك هي صناعة الشركات الرأسمالية العالمية التي تتواجد في كل مناطق العالم من الشرق الى الغرب و التي تتحكم في السيادات القومية للدول الضعيفة .

عودة على بدا، نجحت الواردات التركية في التغلغل في الأسواق المحلية التونسية، بفضل دور الوساطة التي لعبتها الهياكل الموازية للدولة. نتيجةً لذلك، واصل رواد الأعمال التونسيون الذين يستوردون السلع التركية المطلوبة اعتماد استراتيجيات اقتصادية غير رسمية من أجل تجنب القيود المفروضة على التبادلات التجارية وصعوبات الحصول على العملات الأجنبية. وعلى غرار السنوات السابقة، لا يزال التلاعب في فواتير الواردات والتدفقات المالية غير المشروعة إحدى الاستراتيجيات غير الرسمية الأساسية الرامية إلى تجاوز القيود المصرفية وغيرها من الضوابط المفروضة على الواردات التركية.

وبغض النظر عن الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع، لا تزال التجارة غير الرسمية تطرح مشاكل عدة تلقي بظلالها على القواعد الشعبية المحلية في تونس. فخلافًا لنظام بن علي الذي استخدم الاقتصاد الحدودي بطريقة براغماتية باعتباره صمام أمان، اختارت الحكومات التونسية ما بعد العام 2011 اتّباع استراتيجية أمنية أدّت إلى زعزعة استقرار المجتمعات المحلية وبالتالي، لم يعد الاقتصاد الحدودي الذي ساهم في إرساء الاستقرار في عهد بن علي قادرًا على تأدية هذا الدور كما في السابق. ويوضح بروز الشبكات البحرية عقب الإجراءات الصارمة التي فُرضت على الاقتصاد الحدودي البري غياب استراتيجية شاملة لمعالجة مسألة الشبكات التجارية غير الرسميّة التي وقعت في مصيدة احزاب و بارونات تهريب جديدة دخلت في اللعبة بعد 2011  .وهكذا، لا يمكن اعتبار الاقتصاد غير الرسمي مجرّد جزء هامشي وضئيل من تدفقات التجارة الإقليمية، بل بات عنصرًا مهمًا في المعادلة الجيوسياسية السائدة راهنًا في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

المراجع المعتمدة

– تقرير صادر عن الإسكوا، “التدفقات المالية غير المشروعة في المنطقة العربية”، (بيروت: الأمم المتحدة – لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، 2018

– المعهد الوطني للإحصاء

– مجموعة الأزمات الدولية، “تونس الحدوديّة: جهاد وتهريب”، تقرير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رقم 148، (بروكسل: مجموعة الأزمات الدولية، 2013

    – البنك الدولي

      -البنك المركزي التونسي

– تقرير تقييم الأمن في شمال افريقيا

– فريدريك ويري، “تونس، دعوةٌ للصحوة: كيف للتحديات الأمنيّة الليبية أن ترسُم بوادر إصلاحية لمؤسسة الدفاع الوطنية التونسية؟”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

– اللجنة التونسية للتحاليل الماليةحمزة المؤدّب، “جغرافية الغضب في تونس: التفاوتات الجهوية وصعود الشعبوية”

تقييم الأمن في شمال افريقيا

– فريدريك ويري، “تونس، دعوةٌ للصحوة: كيف للتحديات الأمنيّة الليبية أن ترسُم بوادر إصلاحية لمؤسسة الدفاع الوطنية التونسية؟”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

– اللجنة التونسية للتحاليل الماليةحمزة المؤدّب، “جغرافية الغضب في تونس: التفاوتات الجهوية وصعود الشعبوية”

By amine