الخميس. مارس 28th, 2024

فاتن جباري: باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس

المقدمة :

مافيا التهريب،إنها صنيعة الشبكات و الشركات الرأسمالية الدولية التي ترسم خيوط  اقتصاد الاوطان و تحركه بحسب هواجسها المعقدة صانعة  بذلك نسيجا فيروسيا  عميقا ينخر شريان الدولة في اعمق مفاصلها فيشل حركتها وينهك قوتها بل  ويعدم روحها الاقتصادية بالكامل، هي صورة مؤلمة لكنها حقيقة لا هروب منها.

يعيش الشعب التونسي على وقع أزمة اقتصادية واجتماعية حادة فاقت كل التوقعات ، لم تتمكن المؤسسات الحكومية والأطراف السياسية من احتوائهاخلال السنتين الأخيرتين، حيث انعكس ذلك سلبا ليتمّ إدراج تونس ضمن عدد من القائمات السوداء والتصنيفات الدولية المتعلّقة بتبييض الأموال وعدم شفافية القطاع البنكي والتشريعات الضريبية التي حوّلت تونس إلى ملاذ للمتهرّبين وغاسلي الأموال.   

جملة هذه التصنيفات أشارت الى انّ المنظومة المالية التونسية أصبحت ثقبا أسودَ تتسرّب من خلاله الرأسمالية المهرّبةوالأموال مجهولة المصدر والمتأتية من عمليات تجارية وهمية.

بالاستناد الى ما سبق ذكره، يتبيّن أنّ تونس أضحت تسير بخطى حثيثة لتتحوّل الى “مغسلة” للأموال المهرّبة دون أن تستفيد من تلك الأموال بشكل فعلي على اعتبار أنّها لا تعدو أن تكون سوى بلد عبور لتلك الأموال التي ما انفكّت تشقّ طريقها نحو دول أخرى على غرار الإمارات العربية المتحدة وتركيا وانجلترا والصين وفق معطيات مستقاة من البنك المركزي التونسي واللجنة التونسية للتحاليل المالية. 

فحوالي 44% من التدفّقات المالية الأجنبية التي تدخل نقدا إلى تونس يتمّ توزيعها في المسالك غير الرسمية. و3% فقط من إجمالي التدفقات يتمّ استبدالها في المصارف والبنوك التونسية  وهذه العملية الخطيرة كشفت حجم ظاهرة نزيف العملة الصعبة وانزلاقها نحو الاقتصاد الموازي وفتحت الباب أمام سيناريوهات عديدة لمألات هذه الأموال. 

هذا الضّعف في استقطاب القنوات الرسمية للتدفّقات النقدية للعملة الاجنبية ليس سوى الشجرة التي تخفي غابةَ الصّرف الموازي، حيث تشهد الساحة المالية التونسية تفاقم نشاط الصرف الموازي وعمليات التهريب وغيرها من الجنح الديوانية والصرفية ذات العلاقة بالتهرّب الديواني والصرفي على اعتبار أنّ نسبة 42 % من تدفقات العملة الاجنبية المصرّح بها لدى الديوانة  لا يتمّ دمجها بالساحة المالية الرسمية التونسية وقد تكون موجّهة نحو تمويل الاقتصاد الموازي وجملة الأنشطة غير الشرعية المتّصلة به كالجريمة المنظّمة والإرهاب والتهريب.

تقف وراء هذه الأزمة عديد العوامل لعل اهمها الصراع بين مكونات المشهد السياسي والخلاف الحاد بين مؤسسات الحكم الذي كان سمة الفترة الماضية، فإن كثيرين يحملون المسؤولية في الوقت ذاته بدرجة كبيرة لانتشار الفساد والعجز عن محاربته، وإفلات المتورطين فيه من العقاب، تواطؤ النخب السياسية مع الفاسدين و الاندماج في شبكة الفساد وتقاسم عائداته فساهم ذلك في تنامي سخط الشارع التونسي وغضبه، ومطالبته بضرورة فتح ملفات الفساد في أقرب وقت.

 بالرغم من  اعلان السلطات الرسمية بخوض حرب ضد  الفاسدين و ملاحقتهم وعدم إتاحة الفرصة لعصابات المافيا بالحكم  منذ قرارات 25 جويلية، الا وانه اضحى ينتشر بشكل كبير غي جميع مفاصل الدولة بشكل يصعب جدا تطويقه ، وفق ما يراه خبراء ومحللون وهذا ما يثير تساؤلات بخصوص حقيقة هذه العصابات المافيوزيةوبارونات الفساد التي باتت تتغول يوما بعد يوم حتى اضحت عائداتها المالية و ماتجنيه من ثروات خرافية قادرة على ابتلاع دولة بحالها وهو امر مثير جدا للقلق؟ .

تداعيات السوق الموازية على الاقتصاد الوطني

تعتمد شريحة هامة من التونسيين على نشاط التهريب كمورد رزق لها حيث تدر عليها بعض العائدات المالية التي تتأتى اساسا من الشريطين الحدوديتين المشتركين مع كل من ليبيا و الجزائر . فنشاط التهريب الذي لا يخلو من المخاطرة يضم شبكة دولية – وطنية يسيرها فاعلون من شتى المؤسسات و الطبقات الاجتماعية و هو مايسمى بالحاضنة الشعبية للتهريب . وقد كان له الاثر الكبير في اخراج العديد من البضائع من حلقة التبادل التجاري القانونية و اغراقها في مسالك غير قانونية .

نبدأ بتعريف التجارة الموازية والتي هي عبارة عن  انشطة اقتصادية ومداخيل غير مصرح بها لا تخضع لرقابة الاداءات و الضرائب . اول ما يتبادر الى الذهن عند الحديث عن الاقتصاد الموازي هو التهريب لكن هذا النشاط لا يمثل الا جزءا من ظاهرة متعددة الاوجه اذ ان مسالة التهرب الضريبي تمارسها الشركات و المحلات التجارية و رجال الاعمال و  الحرفيين و اصحاب العقارات المؤجرة من دون عقود وغيرها كثير .

  • اسباب ازدهار السوق الموازية في تونس

 بدأت هذه الممارسات غير القانونية على الحدود عبر توفير الخدمات التي يحتاجها المسافرون عادة مثل خدمات الهاتف و الصرف و توفير الطعام  على قارعة الطريق دون تراخيص في مناطق الجنوب الشرقي  هذه النشاطات كانت تدار علنا لتتطور الى تهريب  في مختلف البضائع الاستهلاكية  كالمواد الغذائية و الاجهزة الالكترونية  والبنزين مستفيدين من الفارق الكبير للأسعار.

لقد كان ذلك يجري على علم ومسمع من السلطات التي كانت في الماضي تغض النظر عن هذا النوع من التجارة الموازية لسببين الاول هو للارتباط اصهار الرئيس السابق بن علي و بعض افراد عائلته بهذا النشاط عبر توفير الامكانيات اللوجستية  و التسهيلات اللازمة لتامين تمويل و اقتناء و مرور البضائع   بل وتامين الحماية من الملاحقات الامنية للمهربين مستغلين نفوذهم وفساد البعض من الجهاز الجمركي أي ادارة الديوانة التونسية  .

اما السبب الثاني فهو ماتوفره هذه الانشطة من فرص عمل لعدد ضخم من سكان هذه المناطق الحدودية وهو ما من شانه ان يخفف على كاهل الدولة و تامين استقرار الأسر و التخفيفي عليها من عقبة البطالة . لقد خلقت هذه التجارة مجموعات كثيرة من المستفيدين ، الاستفادة كانت جماعية من رجال الاعمال و وسطاء الاسواق وتجار الجملة و التقسيط واصحاب المخازن  وناقلين للشاحنات  في مختلف القطاعات و شتى الميادين نظرا لأهم عامل هو ما يجنيه هؤلاء من الكسب السريع و التفصي من الاعباء التي تستوجبهاالأداءات الديوانية و الجبائية و الرسوم الجمروكية .

الى جانب المهربين امتد التأثير الاقتصادي و الاجتماعي لهذه الحركة التجارية الموازية ليشمل عد القطاعات لتنعكس اثارها على كافة المناطق التونسية و التي تؤمن معظم حاجات الفئات محدودة الدخل ، او حتى الطبقة الوسطى التي تدنت مقدرتها الشرائية الى اسوء معدلاتها خلال السنوات الاخيرة بنسب فاقت كل التوقعات

  • حجم التهريب على الحدود التونسية يصل الى رقم خيالي يفوق 1 ونصف مليار دولار سنويا

يكشف تقرير صادر عن البنك الدولي حجم التجارة الموازية و التهريب على الحدود التونسية الجزائرية و الحدود التونسية الليبية مشيرا الى ان التهريب يمثل اكثر من نصف العملات التجارية لتونس مع ليبيا ، في حين من الصعب تقدير مستوى التجارة غير الرسمية مع الجزائر لأنها اكثر انتشارا واكثر سرية  .

على الرغم من ذلك يمكن تقدير ما يقارب 15 بالمائة من البنزين المستهلك في تونس هو من الواردات غير الرسمية من الجزائر كذلك يشير التقرير ان تجارة الوقود و العجلات المطاطية هي اكثر رواجا و تعتمدها اكثر من 60بالمائة من من الشحنات المشاركة في هذا النشاط او التهريب ينشط كثيرا في ميدان السجائر بين تونس و الجزائر وقد يصل اجمالي حجم التهريب بين تونس ومختلف جيرانها الى ما يفوق  1 والنصف مليار سنويا بحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء.

هو رقم هائل بالنظر الى محدودية السوق التونسية و الوضعية الاقتصادية العالمية التي تعرف انهيارا تاما في حجم المبادلات في المحروقات و النفط و البترول و كذلك  منتجات هامة كالحبوب و الارز و الزيوت النباتية  و القهوة و السكر  وهي منتجات يعول عليها التونسي في استهلاكه اليومي  و يعكس ذلك مدى نجاعة و حيوية السوق السوداء خلال فترة الازمات في وقت يعرف فيه النسيج التجاري العام للبلاد ركودا خانقا نجم عنه اغلاق المصانع و الشركات و المحطات الانتاجية و تفشي  ظاهرة الاحتكار والمضاربة  وغلاء الاسعار المشط وهو مايغذي شريان السوق الموازية ويساهم في تطويرها

يمثل هذا النشاط الغير القانوني خطرا حقيقيا متعدد الابعاد على الاقتصاد الوطني اذ لا يترك مجالا اجتماعيا او قطاعا اقتصاديا الا استهدفه  من خلال قوافل التهريب التي تغادر البلاد محملة بمختلف السلع التونسية في اتجاه القطر الليبي او الجزائري خصوصا المواد الغذائية مما تسبب في خسائر فادحة للدولة خاصةً المواد المدعومة مثل المعجنات الغذائية، الزيوت النباتية، الحليب وغيرها، والذي ساهم في عجز الموازنات المالية للدولة من جهة وشح في السوق المحلية لعديد السلع من جهة أخرى وبالتالي ارتفاع أسعارها وضعف المقدرة الشرائية للمواطن،

كما ساهم انتشار هذه الأنشطة في تراجع الاستثمار الداخلي والأجنبي على حد السواء لعدم القدرة على المنافسة إذا ما اعتمد هذا المستثمر على المسالك الرسمية والقانونية من أداءات جمركية، تكاليف إضافية للنقل والتوزيع بالإضافة إلى معاليم الإيجار أو تكاليف بناء مقر المؤسسة وطاقمها الإداري وغيرها من المصاريف التي لا تشمل المهربين.

كما يمثل التهريب خطرًا حقيقيًا على صحة المستهلك فالسعر المتدني الذي يجلبه للشراء قد يكلفه خسارة صحته خاصة ان أغلب السلع لا تخضع للرقابة التي تضمن حماية المستهلك  كبضائع منتهية الصلاحية يتم تغيير تعليبها  أو منتجات من اصل وهذا غي حد ذاته الارهاب الغذائي .

  • التجارة الموازية و ظاهرة تبييض الأموال

تفاقمت هذه الظاهرة خاصة بعد سنة 2011 والإطاحة بالنظام السابق فقد عمد العديد من المهربين إلى التخلص من أموال التجارة الموازية عبر عمليات مشبوهة ل شراء لعقارات أو ، شركات تعاني من صعوبات مالية أو مؤسسات تعنى بصفقات عمومية لمشاريع بنى تحتية وغيرها ثم تقديم أسعار لا ترتقي حتي لتغطية تكلفة هذه المشاريع من خلالها يتم في مرحلة لاحقة دمج أموال التجارة الموازية كمصاريف مع أموال أخرى معلومة المصدر.

رغم تمكن و إتقان المهربين لهذه العمليات يبقى البحث عن غطاء سياسي أنجع طرق الحماية لهم فمنذ 2011 عمد العديد منهم إلى الالتجاء إلى مجلس نواب الشعب حيث اتاح لهم ذلك فرصة الحصانة البرلمانية ازدهار تجارتهم  و تأمين الحماية اللازمة حتى أنهم تمكنوا من دمج بعض العناصر الأمنية والديوانية كأحد أركان هذه التجارة  علاوة على التلاعب بمحتويات القوانين و تطويعها بحسب مصالحهم  ومؤامراتهم على اقتصاد الوطن وصل بهم الشأن إلى تمرير مشروع القانون عدد 104 لسنة 2020 والذي يتضمن إدماج الأنشطة والعملة المتأتية من الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية …

  • تونس أرض عبور للأموال الأجنبية والتدفّقات المشبوهة 

لا يمكن فهم منعرجات الساحة المالية وتقاطعها مع سوق الصرف الموازية في تونس الا من جلال تحليل ضعف استقطاب المسالك الرسمية للصرف مقابل تعاظم نفوذ سوق الصرف الموازية و الى ضرورة  تقييم المنظومة التونسية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب وفهم نطاق ومخاطر النقل المادي للأموال عبر الحدود التونسية أي المبالغ بالعملة الصعبة التي تدخل تونس وتغادرها نقدا عبر الحدود دون المرور بمؤسسات مصرفية وبنكية او اجراء تحويلات في الغرض. 

ونخلص الى بعض الاستنتاجات التي رفعت الستار عن ملامح جديدة للساحة المالية التونسية تتمثّل أساسا في أنّها باتت منطقة عبور للأموال، وهذا ناجم عن:

  • ضعف المنظومة المالية والمؤسساتية للقطاع المصرفي ببلد المأتى (ليبيا والجزائر) ما يفسّر مرور الأموال نقدا  عبر تونس لاستغلالها لاحقا في عمليات التحويل الى بلدان الوجهة.
  • ضعف المنظومة الرقابية في تونس الناتج عن غياب الوعي بمخاطر غسل الأموال عبر نقل الأموال نقدا وتواصل هذه الظاهرة دون قدرة الدولة على السيطرة عليها والتقليص من تداعياتها السلبية بشكل فعّال.
  • المنظومة القانونية ببلد العبور (تونس) جاذبة للاستثمار الأجنبي ما أفرز تأسيس ذوات معنوية غير مقيمة حاضنة لتدفقات مالية قد تكون مسترابة، من خلال مسكها لحسابات بنكية بالعملة الصعبة عادة ما تتمّ تغذيتها عن طريق إيداعات نقدية مباشرة ليس لها أي ارتباط عضوي بالنسيج الاقتصادي والمالي التونسي

سجّلت البنوك التونسية خلال الفترة  الاخيرة جملة من البيانات الاحصائية تشير بشكل جليّ الى أنّ استقطاب البنوك التونسية لعمليات بيع العملة الاجنبية ضعيف جدا بل يكاد يكون منعدما رغم عدم وجود إجراءات ترتيبية صارمة أو متشددة في هذا المجال، ويُفلت سنويا حوالي 1.7 مليار دولار من خزائن تونس على شاكلة تدفقات مالية غير شرعية، يمرّ جزء منها عبر المؤسسات البنكية من خلال الاستناد الى فواتير ووثائق مفتعلة بعضها لا يخلو من بصمات مسؤولين واطارات في البنوك.  

ويساهم تداوُل نسبة معتبرة من هذه التدفقات المالية خارج النظام البنكي في تغذية السوق الموازية للصّرف بموارد هامة من العملة الصعبة ما أفرز أسعارَ صرف موازية للدينارين الليبي والتونسي واليورو والدولار الأمريكي. هذه الوضعية أدّت الى استقطاب عديد المتعاملين الاقتصاديين (تجار، مهرّبون، مستثمرون، سياحة استشفائية وقطاعات متنوعة اخرى …) من تونس و ليبيا لغرض المضاربة والتهريب إنّ الأرباح الطّائلة التي تمّ تحصيلها من مهنة الصّرافة والمضاربة بالعملات ساهمت في خلق مساحة نقدية غير نظامية مشتركة بين المتعاملين في تونس وليبيا، أدّت الى مسك الليبيين لاحتياطي هام من الأوراق النقدية التونسية لما توفّره من قيمة فعلية في الساحة الاقتصادية الليبية”.  

وكان تقرير “مخرجات التحليل الاستراتيجي” الصّادر عن اللجنة التونسية للتحاليل المالية قد أشار بوضوح إلى هذه الظاهرة واصفا ايّاها بـ”الوحدة النقدية الحقيقية” في الساحة المالية التونسية-الليبية غير الرسمية، كاشفا تعاظم مساحة سوق الصرف الموازية واتّساعها وتنامي قدرتها على الاستقطاب مقارنة بالسوق الرسمية. 

وتساهم هذه العملية في عدم تمكّن الخزينة التونسية من تحصيل عائدات التصدير من العملة الصعبة، و الاغرب من ذلك ان الامر يحصل بمرأى ومسمع من الاجهزة التونسية دون ان تبدي هذه الاخيرة أي ساكن.  

  لا تستفيد الساحة المالية الرسمية في تونس، وفق الاحصائيات الرسمية، من حوالي نصف التدفّقات المالية بالعملة الأجنبية الواردة نقدا، حيث تشقّ مبالغ طائلة طريقها -بمجرّد دخولها تونس- نحو سوق الصّرف السوداء قبل أن تغادر خزائن الصرّافين باتّجاه دول الجوار أو يتمّ استثمارها في الاقتصاد الموازي، بالإضافة الى المساهمة في تمويل الإرهاب والأنشطة غير القانونية،

ففي سوق الصّرف السوداء بالعاصمة أو “وُولْ ستريت” نهج الجزائر، ان صح التعبير  لا حاجة بأسعار الصّرف الرسمية و باصطحاب تراخيص ووثائق تثبت مأتى الأموال التي  يراد صرفها مهما ارتفعت قيمتها أو نقصت. كلّ العُملات الرئيسية متوفّرة وبالإمكان استبدال أيّ مبلغ ومناقشة سعر الصّرف والعودة بها على مرأى ومسمع من أعوان الشرطة او الضابطة العدلية دون أن تَطالهم يد القانون رغم أنّ كلّ هذا النشاط يعتبر مخالفا للقانون ويفتح الباب على مصراعيه لغسل الأموال وتهريبها.

6- الحدود التونسية بين الجهاد والتهريب

المعسكرات الجهادية في جبال الشعانبي او المتوغلة على الشريط الحدودي او المثلث التونسي الجزائري الليبي . كيف حوّلت تونس الى منطقة عبور و منطقة لتخزين مختلف البضائع المهربة و الممنوعات و الادوية و الشاحنات و  السلاح والاتجار فيه ؟ أيُّ المسالك تمّ اتّباعها ومن يشرف على تأمين هذه العمليات؟ كمْ يبلغ حجم عائداتها من الاموال الهائلة و العملة الصعبة  ؟ وهل يستفيد الارهاب فقط من هذا النشاط غير المشروع؟

سجّلت منطقة شمال أفريقيا، وفق تقرير تقييم الأمن في شمال افريقياسنة 2015، أعلى معدّل لصفقات الاستحواذ غير المشروعة على منظومات التهريب مقارنة بغيرها من المناطق. وتركزت بؤرة غالبية هذا الأنشطة في قبضة الجماعات الارهابية  المسلحة المنتشرة في المناطق المعروفة أكثر من غيرها بنشاط التهريب عموما نظرا لكثرة المسالك الجبلية الوعرة وتنوّع التضاريس وكثرة المغاور والكهوف و المناطق الحدودية البرية و البحرية و الصحراوية و حتى داخل الأحياء الشعبية وسط العاصمة وذلك منذ 2011  .

هذه المنظومات،تسلّلت إلى التراب التونسي عبر مجموعات التهريب التي تحالفت خلال تلك الفترة مع مجموعات من المتشددين مستفيدة من تأزّم الوضع الأمني على الحدود التونسية الليبية. وتؤكد تقارير ثابتة حيازة التنظيمات الارهابية و تحكمها بهذه الشبكات الدولية التي تنشط بطريقة ذكية افتراضية ليقع في مرحلة لاحقة تنفيذ مخططاتها مستغلة تدهور الاوضاع و استغلال الازمات التي تعرفها البلاد في كل مرة مستعملة خيوطها الاخطوبوتيةداخل هياكل ومفاصل الدولة وفقا لما كشفته دراسة صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية تحت عنوان “الحدود التونسية بين الجهاد والتهريب“. 

تتصدّر كل من ولايات القصرين وسيدي بوزيد و الكاف و القيروان  قائمة المناطق الحدودية المعتمدة للتهريب، وخاصّة على طول الحيّز الجغرافي الممتدّ  من الوسط و منه الى الجنوب و ثم الشمال الغربي  كما  تشير تقارير الى ان بعض متساكني هذه المناطق ينشطون  في مجال التهريب بشكل عام، ولهم معرفة دقيقة بمختلف المسالك التي تسمح لهم بتهريب بضائعهم دون التقاطع مع الدوريات الأمنية أو العسكرية التي تشكو بدورها نقصا في بعض الامكانيات و المعدات اللوجستية المتطورة

هذه المناطق تحوّلت الى ممرّ رئيسي لعصابات و بارونات التهريب  التي جنّدت عددا كبيرا  من المعاونين و الاذرع ، يمدّونها بمختلف المعلومات حول الشريط الحدودي والتحركات الأمنية والعسكرية و الارهابيون هم احد اهم هذه الاذرع التي تشكل الدرع الدفاعي الواقي للتهريب في تونس .

“لقد نجحو بالتالي في تكوين حزام شعبي أو ما يشبه حاضنة شعبية تُعهَد لها مهمّة الدفاع و جلب المؤونة والتكفّل بالامداداتاللوجيستية علاوة على تأسيس معسكرات دائمة على غرار معسكرالشعانبيوماجاوره”.

 ان افة التهريب وانعدام الأمن على الحدود في تونس تغذّت وتجذّرت من ثلاثة عوامل أساسية : التهريب، الاضطراب السياسي والأمني بالإضافة الى غياب الارادة السياسية لدى الدولة منذ البداية للتصدّي لهذه الظاهرة ومحاصرتها قبل أن تستفحل وتصبح أمرا قائما لا مفرّ من التعايش معه حيثاضحت البلاد التونسية، وفق أرقام الهيئات الدولية المتخصّصة، طيلة العقود الثلاثة المنقضية، في ذيل الترتيب العالمي في ما يتعلّق بإحصائيات تجارة الأسلحة غير المشروعة أو حيازتها من قبل المدنيينويؤكد تقرير مجلس الأمن الدولي لسنة 2015 أنّ “الأسلحة القادمة من  الاقطار المجاورة كان لها عميق التأثير في تعزيز القدرات العسكرية للمجموعات الإرهابية الناشطة في مختلف  الدول على غرار الجزائر ومصر ومالي وعلى وجه خاصّ تونس”. 

الخاتمة

لقد بات الجميع يعلم أن الفساد موجود ومتحالف مع السلطة منذ عقود. وقد أصبح مستشرياً خلال السنوات العشر الماضية، في عدد من المؤسسات بخاصة الاقتصادية. وقد تمكن الفساد من الاستفادة من مناخ عدم الاستقرار، وحالة ضعف الدولة خلال السنوات القليلة الماضية.كماتتفق جميع الأطراف في تونس على حقيقة انتشار الفساد ومدى تغلغله في عدة مؤسسات وفي مفاصل الدولة كافة، وذلك طوال عقود. وفي حين فشلت الحكومات المتعاقبة في تونس منذ 2011 في التعاطي مع هذا الملف لتثير به سخطاً شعبياً تنامت حدته في الفترة الأخيرة،لقد مكن ذلك رئيس الجمهورية  قيس سعيد من استثمار هذا الفشل، وغازل الجماهير الغاضبة والمحتجة بتوعُّد الفاسدين بفتح ملفات الفساد المحاسبة والملاحقة الأمنية، ليكسب بذلك تأييداً شعبياً، لتسلُّمه السلطة التشريعية والتنفيذية بمقتضى تأويل فصل دستوري اتخذ على اثره قرارات حازمة  بتطهير مؤسسات الدولة  و اداراتها العمومية  وحل الاحزاب و بعض الجمعيات واحالة بعض رموزها على القضاء حيث تم القيامبالتدقيق المالي و الاداري في شانها و حل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد و نقل الارشيف الوطني وحمايته من كل اتلاف او تلاعب . اما الأطراف السياسية التي عارضت ذلك فقد كان لها مواقف اخرى ،حيث وصفها قيس سعيد بأنها “عصابات لصوص وقطاع طرق”، كما وصف جزءاً من رجال الأعمال، بأنهم يشرفون على مسالك لتجويع الشعب، وتوعدهم بالمحاسبة لذلك لا لا بد من التدرج في إيجاد معادلة متوازنة يتداخل فيها التربوي والثقافي والإعلامي والأمني والقانوني وكذلك التنموي .

المصادر المرجعية

1- المعهد الوطني للإحصاء

2- البنك الدولي

3- البنك المركزي التونسي

4- تقرير تقييم الأمن في شمال افريقيا

5- اللجنة التونسية للتحاليل المالية

By admin