الجمعة. ديسمبر 27th, 2024

عادل الحبلاني-باحث بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية اولعسكرية بتون

تأطير: الدكتورة بدرة قعلول

جاء تصريح الرئيس الروسي البارحة في كلمة له في الجلسة العامة لمنتدى الشرق الاقتصادي أن الغرب قام بخداع العالم بأسره ونكث العهد على العمل وفق برنامج الأمم المتحدة الغذائي والقاضي بمساعدة الدول المحتاجة والأكثر فقرا، وفي الوقت الذي التزمت فيه روسيا بتأمين شحنات القمح وفق خطة تم رسمها بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، وأبدت من وراءها روسيا سخاءها في ما يتعلق بمصائر شعوب العالم وأمنها الغذائي عبر توفير الممرات الآمنة لشحنات الحبوب، قام الاتحاد الأوروبي بالاستيلاء على ما يقارب 87 بالمئة من صادرات القمح الأوكراني من خلال تحويل وجهة شحنات الحبوب إلى الداخل الأوروبي عوض توزيعها وفق نص الاتفاق بشكل عادل على الدول الافريقية والآسيوية الأكثر احتياجا تحت اشراف تركية الملزمة أخلاقيا بنص الاتفاق وتنفيذ برنامج الأمم المتحدة لتأمين الغذاء.

ماهي بنود الاتفاق ؟

ما هو الدور الذي لعبته الأمم المتحدة وتركيا ؟

كيف قامت الأمم المتحدة وتركيا بتحويل شحنات الحبوب إلى الاتحاد الأوروبي ؟

نص الاتفاق المبرم بين أوكرانيا وروسيا تحت اشراف الأمم المتحدة وبرعاية تركيا المسؤول المباشر على استقبال شحنات الحبوب ومن ثمة توزيعها على الدول الأكثر فقرا على ما يلي :

-أن يستأنف تصدير الحبوب الأوكرانية من 3 موانئ في مقاطعة أوديسا جنوب أوكرانيا والمطلة على البحر الأسود، وهي أوديسا وتشورنومورسك ويوجني.

-إنشاء مركز مشترك للتنسيق والقيادة مقره اسطنبول للإشراف على سير العمليات ويشارك في المقر الطرفان المتنازعان ومسؤولون من تركيا والأمم المتحدة.

لاقت هذه الخطوة ترحيبا كبيرا من المجتمع الدولي وجاءت تصريحات القادة الأوروبيين مجتمعتا على ايجابية هذا التقدم ومرفقتا في الآن نفسه بضرورة استعجال بدئ العمل بهذه الخطة التي ترعاها الأمم المتحدةبوساطة تركية في أقرب آجال ممكنة، إلا أن الاتحاد الأوروبي كما عادته كان ولا يزال دائما مخادع ومماطل ولا ينتهج سياسة الوضوح والشفافية في المعاملات مع بقية الدول الأخرى، بقدر ما يفكر بمنطق “النحن أولا””والتذهب بقية شعوب العالم” إلى جحيم الفقر والجوع والتفتك بها التوترات والنزاعات، حيث قام الاتحاد الأوروبي بتواطؤ من الأمم المتحدة وتركيا الوسيط بين روسيا وأوكرانيا في هذه العملية  بتحويل وجهة شحنات الحبوب القادمة من موانئ أوكرانيا إلى مخازن الاتحاد الاوروبي بعد أن أمنت لها روسيا الاتحادية ممرات آمنة على أساس وصولها إلى دول إفريقيا ودول آسيا وأوروبا، وفق برنامج الأمم المتحدة القائم على جرد للدول التي هي في حاجة فعلية إلى شحنات قمح استعجالية لما تعانيه من حاجة ملحة لتأمين غذاء شعوبها.

وقد كان من المفترض أن تتوزع شحنات الحبوب تم التخطيط لذلك، أي أن تتمتع الدول الأكثر فقرا وهي 22 دولة من آسيا وإفريقيا إلى جانب دول أوروبية، حيث تقوم  تفاصيل برنامج الأمم المتحدة على أن تتحصل كل من اليونان وبلغاريا وفرنسا وألمانيا ورومانيا وهولاندا وايرلاندا وايطاليا على 769.112 طن من الحبوب أي بنسبة 37 بالمئة من إجمالي 2 مليون طن وأن يخصص ما قيمته 631.721 طن من الحبوب أي 37 بالمئة من الاجمالي إلى كل من اليمن ولبنان وفلسطين المحتلة وكوريا الجنوبية وايران والهند والصين وسورية، وأن تتحصل كل من جيبوتي ومصر والصومال والسودان على 307.040 طنا أي نسبة 14.8 وتركيا الوسيط في العملية برمتها على 17.7 بالمئة من إجمالي 2 مليون طن، لكن تبين أن هذه الأرقام لا تمت للواقع بصلة وأن الأمم المتحدة وتركيا شريكان وراعيان لهذه الجريمة وأنها مجرد خدعة من أجل ملئ مخازن الاتحاد الاوروبي بالحبوب وتأمين غذاء شعوبهم على حساب بقية الشعوب الأخرى.

 هذا البرنامج الذي تقدمت به الأمم المتحدة والذي قدم نفسه على أساس أنه يحمل غايات وأهداف إنسانية جعل من روسيا تبدي سخاءها فيه وتفتح الممرات أمام السفن لملئها بما يقارب مليوني طن من الحبوب، ليس في جوهره إلا برنامج الاتحاد الأوروبي وليست فيه الأمم المتحدة وتركيا حليف الناتو إلا أدوات لتنفيذ هذا البرنامج القاضي بالاستيلاء على شحنات الحبوب، وهو مجرد خدعة وقحة تتحمل فيها الأمم المتحدة وتركيا المسؤولية السياسية والأخلاقية، في عمليات السطو على حق الشعوب في الغذاء والاستقرار والحق في الحياة وتجنب المجاعة، وما يدل على صدقية هذه التهم الموجهة  لثالوث التجويع ( الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة وتركيا ) الممنهج والمجاعة التي تتهدد الدول النامية، هو أن نسبة 87 بالمئة من اجمالي شحنات الحبوب التي غادرت موانئ أوكرانيا موجودة الآن في مخازن الاتحاد الأوروبي وأن نسبة 3 بالمئة فقط وصلت إلى قارة افريقيا جنوب الصحراء الكبرى وتحديدا ميناء جيبوتي والتي ستتوجه في ما بعد إلى الصومال وأثيوبيا اللاتان تعانيان بوادر مجاعة كارثية، بالإضافة إلى شحنتان وصلتا إلى لبنان ومصر لم يتم قبولهما لغياب اعلام الدولتين مسبقا وفي غياب تام للتنسيق بقدوم شحنات الحبوب. 

دائما ما انحازت الأمم المتحدة إلى الغرب حتى في القضايا المتعلقة بمصير بقية شعوب العالم ودائما ما كانت داعما للسياسات الغربية أو خرساء في العديد من الحروب الظالمة التي مورست على العديد من الدول.

 وها هي اليوم تشارك سياسات الغرب الاستعمارية والاجرامية وتهدد القوت اليومي لبقية الشعوب وتساهم في مزيد الفقر و المجاعة التي تهدد شعوب الدول النامية والفقيرة، تساعدها في ذلك تركية الراعي الرسمي للإرهاب في العالم والتي مثلت المعبر الآمن للحركات الجهادية في العراق وسوريا، وهي اليوم الراعي الرسمي للإرهاب الغذائي والمسؤول المباشر على خداع العالم بدورها الديبلوماسي في لعب دور الوساطة والتفاوض الايجابيين لنكتشف مع فضيحة شحنات الغذاء ولاءها للغرب الاستعماري، كيف لا وهي الشريك الاستراتيجي لحلف الناتو الذي جعل من ليبيا والعراق وسوريا أنقاضا وخرابا.

By Zouhour Mechergui

Journaliste