السبت. نوفمبر 23rd, 2024

اعداد عادل الهبلاني باحث بقسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

داشراف ومراجعة الدكتورة بدرة قعلول

تعيد التوافقات المزعومة والجبهات التي تشكلها المعارضة اليوم  في تونس على غرار جبهة الخلاص وحراك مواطنون ضد الانقلاب إلى الذاكرة التحالف الذي شكلته المعارضة إبان حكم بن علي، والذي اطلق عليه تحالف 18 أكتوبر، حيث كان تحالف يجمع بين جميع المتناقضات من يسار ويمين إسلامي وجمهوريين وغيرها من التيارات السياسية وقتها، وإذ يعيد التاريخ نفسه اليوم على خلفية حدث تصحيح المسار الذي قام به الرئيس قيس سعيد في 25 جويلية، والذي قام على أنقاض عشرية سوداء تم فيها تفكيك الدولة بطريقة ممنهجة واستبيحت فيها السيادة الوطنية وعاش معها الشعب التونسي أوضاع اقتصادية واجتماعية عانقت كل مقومات الأزمة لتتصل بضرورة البحث عن حل راديكالي ينهي أسبابها ومسبباتها.

 فها هو يعود اليوم في شكل مهزلة بكل ما للكلمة من معنى، فالمعارضة اليوم وإن تتشكل على خلفية 25 جويلية فهي معارضة تجمع كل المتناقضات السياسية في ما بينها وترتبط ارتباطا فاضحا بلوبيات ودوائر سياسية خارجية متآمرة على أمن الدولة التونسية مبينة عمالتها في أول امتحان وطنية لها.

 ذلك أنها لم تتهاون لحظة في الاستنجاد بالخارج تحت شعار حماية الديمقراطية في تونس من خلال تأليب الرأي العام العالمي خاصة الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية ودول أجنبية على غرار فرنسا وتركيا على التدخل في الشؤون التونسية.

فالرئيس السابق المنصف المرزوقي قال حرفيا أن فرنسا ” وبحكم علاقتها بالشعب التونسي مطالبة بالتدخل ضد ما تم اتخاذه من إجراءات” في إشارة إلى  25 جويلية.

 من جهتها لم تتهاون حركة النهضة في دعوة القوى الدولية إلى التدخل بهدف تقويض قرارات رئيس الدولة، ولعل التدخل السافر لأردوغان الراعي الرسمي للحركات الإسلامية الإرهابية في العالم العربي وشمال إفريقيا خير دليل على ارتهانهؤلاء إلى كل الدول التي تسعى لتركيز وكلاءها وعملاءها من اسلاميين وغيرهم ممن لا ولاء لهم الا للقوى الخارجية وقوى الاستعمار والدولار.

إن اليقين بأن الدولة التونسية عاشت أحلك فتراتها من فقر وتردي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يضاهيه نفس اليقين بأنها عاشت استباحة وهتك للسيادة الوطنية وعمالة ساستها إبان حكم حركة الإخوان المسلمين ومن حكم معهم من مريدي المناصب والسلطة، وإن كان بشكل غير معلن فهو اليوم يخرج للعلن (اليقين) ويكشف عن الوجوه السياسية اللاوطنية و حجم ومدى عمالتها للقوى الخارجية وقوى الاستعمار وبين تباعا كيف أن المعارضة اليوم ليست في الحقيقة إلا جوقة من الانتهازيين الذين ترتبط مصالحهم المالية والاقتصادية بالخارج مباشرة وبلوبيات المال والفساد.

 فمعارضة 25 جويلية والاستنجاد بالخارج ليست في الحقيقة إلا الوجه المسكوت عنه لمن كان بيدهم مصير الدولة التونسية والذين ائتمنهم الشعب التونسي على أمنه وسلامهالأمن الداخلي والخارجي فكانوا لا أمناء و طالبوا بالتدخل الخارجي ومنطق الحماية القديم المتجدد للديمقراطية المزيفة وحزمة التوافقات التي شكلوها بما خدم مصالحهم لا مصالح شعبهم، حيث أن المعارضة الممثلة بين الداخل والخارج تتشارك فيفن التمسح على عتبات السفارات والتحريض ضد الدولة التونسية ورفع التقارير ضدها لدى الدوائر الغربية.

 فالاستقواء بالغرب واللوبيات الخارجية بهدف العودة للسلطة وللبرلمان المنحل أو للتمثيل داخل الخيارات الجديدة لما بعد 25 جويلية هو في الأصل الطريقة والثقافة السياسية  التي كانت تحرك العملية السياسية في تونس طيلة العشر سنوات وما المعارضة اليوم وتعمدها الاستقواء بالخارج بالحادثة العرضية بل هي ثقافة يحترفها كل العملاء والخونة الذين يتآمرون ويتخابرون على سيادة وأمن الدولة من أجل البقاء في السلطة، ومعنى ذلك أن وجودهم في السلطة كان من الممكن أن لا يكون لولا الارتباطات التي كانت مشبوهة وأصبحت اليوم مفضوحة.

الخلاصة:

إن الوجوه السياسية التي كانت تحكم الدولة التونسية والتي لفظها الشعب التونسي ومأسست لإنهائها تدابير 25 جويلية الاستثنائية، كشفت عن طابعا المرتهن ووجه العمالة الذي تخفيه وراء شعارات فضفاضة ومقولات جوفاء وبينت للداخل والخارج مدى انخراطها في لعبة لاوطنية قذرة قذارة منتسبيها، فليس كل من يقف في وجه السلطة هو بالضرورة معارض ويمكن تصنيفه في خانة المعارضين، وإذ وجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، فإن مفهوم “معارضة الخارج” ليس في الحقيقة إلا عمالة للخارج و”معارضة الداخل” ليست بالمعارضة الوطنية طالما أنها تبحث عن ضالتها مع قوى الاستعمار وتتآمر وتتخابر على أمن الدولة في الداخل من خلال اللقاءات السرية والعلنية مع السفراء دون صفة سياسية،  وإذا المعارضة الحقيقية هي المعارضة التي تصطف وتتصل بمطالب الشعب الحقيقية وهي نفسها المعارضة التي لا تساوم بل تقاوم من أجل سيادة وطنها واستقلال قراراته.

 فإن ما تعيشه تونس اليوم في ظل وجود جبهة الخلاص ومواطنون ضد الانقلاب لا يرتقي قط ولن يرتقي أبدا لمرتبة المعارضة الوطنية، وإذا كانت المعارضة في الدول المتقدمة والدول التي تحترم إرادة شعوبها  تقوم على أساس البرامج والسياسات التي من شأنها أن تحقق الرفاه وتدعم استقلالها وسيادتها، فإن المعارضة التي تتصدر المشهد في تونس هي معارضة تقوم على أساس أفضلية العمالة والارتهان للخارج وتعمل (مع احترام الوطنيين والشرفاء) وفق مصالح مشغليهم لا مصالح شعوبهم.

By Zouhour Mechergui

Journaliste