الخميس. مارس 28th, 2024

اعداد : رباب حدّادة قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

مراجعة : الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية

تونس 13-09-2021

بعد احداث 2011 عادت كل التيارات السياسية بمختلف توجهاتها الى الساحة السياسية. وسط وحدة اللون السياسي الذي عاشته انظمة الدول العربية قبل 2011، كان للتيارات المعارضة الافضلية لدى الشعوب نتيجة افتقاد طويل الى التعددية السياسية، لذلك عرفت الساحات الوطنية السياسية في الدول العربية زخما سياسيا واحتشاد للأحزاب من شتى الايديولوجيات.

باستغلال العاطفة الدينية للشعوب وحالة الخلط التي اصابت المواطنين، استطاعت احزاب الاسلام السياسي الوصول الى السلطة في اغلب الدول التي عرفت ثورات واستماتت من اجل ارساء انظمة حكم تحت تسييرها.

 انظمة حكم بطعم اخواني اذاقت الشعوب مرارة الفقر والارهاب والتدهور الاقتصادي والاجتماعي وبرهنت على فساد الاحزاب الاخوانية ولؤمها. استطاعت احزاب الاسلام السياسي التمويه لفترات تختلف من دولة الى اخرى الا ان جميعها انتهى بسلخ جلد الحرباء المتلون لتلك الاحزاب وكشف حقيقتها المظلمة. سقطت الاحزاب الاخوانية كقطع الدومينو الواحدة تلو الاخرى في موجة كشف الحقيقة وثورة مضادة على الانظمة الاخوانية بدءا من مصرا مرورا بالسودان ثم تونس والمغرب.

1- جموع الغاضبين تطيح بالنظام الدموي في السودان

لعل اقدم واطول فترة حكم للانظمة الاخوانية عاشتها السودان منذ انقلاب 1989 الذي اطاح بحكومة الصادق المهدي اطلقوا عليه وقتها،”ثورة الانقاذ”، بقيادة حسن الترابي مؤسس “الجبهة الاسلامية القومية” و القائد العسكري عمر البشير. نتيجة صراع بين البشير و الترابي انحل حزب الجبهة وتأسس بدل منها حزب “المؤتمر الوطني” و هو الحزب الحاكم من 1994 الى 2019.

ارتكب نظام البشير جرائم كثيرة في حق الشعب السوداني خاصة ما بين 2003 و2008  في صراع اقليم دارفور الذي قتل فيه اكثر من 500 الف شخص. اصدرت محكمة الجنايات الدولية أوامر بالقبض على البشير مرتين كمجرم حرب، الحكم الأول كان في 4 مارس 2009، والثاني في 12جويلية 2010.

نفذت الأجهزة الامنية والمخابرات وميليشيا الجانجويد بأمر من النظام السوداني حملات مسلحة في دارفور رافقها بشعة انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان( تعذيب، ترحيل قصري، اغتصاب…).

الى جانب الأنتهاكات الحقوقية ارتكب نظام البشير جرائم حرب وجرائم ضد البشرية الى جانب ابادات جماعية ضد قبائل الفور والمساليت والزغاوة التي تربطها علاقات قرابة مع المجموعات المسلحة المعارضة.

بالرغم من الاوامر القضائية الدولية والغضب الدولي والاقليمي من الجرائم المرتكبة، الا أن لا شيئ اوقف دكتاتورية البشير وحزبه، و بلغ به هوس السلطة الى استعمال أسلحة كيميائية  ضد المدنيين في 2016  في منطقة جبل مرة بدارفور.

هجمات وحشية يستمر التحقيق فيها من قبل محكمة الجنايات الدولية ستظاف الى التهم التي يواجهها البشيرو التي بلغت خمس تهم بارتكاب جرائم حرب، وتهمتين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وثلاث تهم بالإبادة الجماعية في دارفور.

نظام استبدادي وقمعي اطاح به الشعب السوداني بمسيرات سلمية انطلقت في 19 ديسمبر 2018 ،بدات المسيارات باحتجاجات طلابية ضد الوضع الاجتماعي و الاقتصادي المتدهور وضد السياسية الغاشمة للنظام الاخواني الذي واجه الاحتجاجات السلمية بحملات قمع و عنف قتل العشرات من المحتجين.

تواصلت الاحتجاجات الى 6 افريل 2019 حين طوق الالاف من المحتجين مقر الادارة العامة للجيش و نفذوا اعتصام مفتوح، الى أن تم في 11 افريل 2019 اعلان سقوط نظام البشير وحل حكومته. تاريخ ثار فيه الشعب السوداني لكرامته في مسيرات صمود سلمية ليضع حدا بارادته لنظام اخواني حكم طيلة ثلاث عقود بالحديد والنار.

29 نوفمبر 2019 أعلنت السلطات الانتقالية السودانية اصدار قانون “تفكيك نظام الانقاذ”، ويقتضي هذا القانون حل حزب “المؤتمر الوطني ” الحاكم ومنع كل رموزه من النشاط السياسي ومصادرة اموالهم، ليضع السودانييون بذلك اخر خطوة في تفكيك النظام الاخواني.

2- مصر :ارض الشمس تابى ظلمة الاخوان

تم تشكيل النواة الاولى للإخوان في مصر سنة 1928، ولكن عبر التاريخ لم تستطع الجماعة تسلم السلطة في الدولة المصرية الا عقب احداث 25 جانفي 2011.

فبعد الاطاحة بنظام حسني مبارك فازت الاحزاب الاسلامية بثلثي المقاعد البرلمانية في أول انتخابات تشريعية، وفاز برئاسة الدولة  الاخواني محمد مرسي بنسبة 51.7 بالمائة من الاصوات.

وصول الاخوان الى السلطة في مصر كان حلما راود التنظيم جيلا بعد الجيل، لذلك سارعوا الى السيطرة الى مفاصل الدولة، ونشر انصارهم في كافة الوزارات والخطط الادارية الهامة يعني التمكّن من مفاصل الدولة، سيطرة على مؤسسات الدولة واحتكار سريع للمشهد السياسي، ممّا أثار غضب المصريين ومخاوفهم، ما جعلهم يخرجون في مسيرات حاشدة في 30 جوان 2013، بعد سنة واحدة من تسلم الاخوان للسلطة، مطالبين بإسقاط نظام محمد مرسي.

على اثر الاحتجاجات الشعبية اصدر الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي في 3 جويلية 2013 بيانا أعلن فيه انهاء رئاسة محمد مرسي، وعرض خارطة طريق سياسية للدولة، تتضمن تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا حتى إجراء انتخابات رئاسية.

تواصل بعد ذلك محاربة التنظيم المتمدد في هياكل الدولة، بجملة من القوانين ابرزها قانون التنظيمات الارهابية، والذي بالاستناد عليه اتخذ النائب العام المصري، المستشار هشام بركات، قرار ادراج محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان، و17 آخرين من قيادات الجماعة على قائمة الإرهابيين، في 29 مارس 2015، في أول تفعيل للقانون المذكور.

القانون الثاني صدر مؤخرا في جويلية 2021 ويتعلق بتنقيح أحكام القانون رقم 10 لسنة 1971 للوظائف الحكومية والذي حسب النائب عبد الفتاح محمد عبد الفتاح، أمين سرّ لجنة القوى العاملة بمجلس النواب وأحد مقدمي مشروع تعديل القانون:

” القانون تم تقسيمه إلى ثلاث مواد، تضمنت الأولى منه وقف المشتبه فيهم عن العمل لحين الانتهاء من التحقيقات، فيما نصت الثانية على تولي النيابة الإدارية التحقيقات والفصل الفوري إذا ثبتت على الموظف تهمة الانتماء إلى الإخوان، وتضمنت المادة الثالثة مواجهة الشائعات التي يروجها عناصر الجماعات الإرهابية على مواقع التواصل ومعاقبة مروجيها”.

بعد سنوات من سقوط حكمهم مازال الاخوان يعملون الى تأجيج الشارع وتحريك احتجاجات شعبية لاستعادة السلطة بالرغم من كل المؤشرات تظهر انتهاء الاخوان سياسيا في مصر.

3- انهيار المعبد الازرق الاخوان في تونس

كان تاريخ 14 جانفي 2011، نقطة تحوّل للمشهديّة السياسية التونسية، بسقوط نظام بن علي، وكانت تأشيرة عودة حركة النهضة الاخوانية للصورة بعودة مؤسّس الحركة ورئيسها راشد الغنوشي وهو كذلك عضو مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين.

في أول انتخابات تشريعية في23 اكتوبر 2011 فازت حركة النهضة بنسبة 41.47% من إجمالي أصوات الناخبين، ما خول لها الحصول على 90 مقعدا من أصل 217 مقعدا التي يتألف منها المجلس الوطني التأسيسي.

نسجت الحركة خيوطها في السلطة عن طريق الحكم عبر تحالف الترويكا، ضمن حكومتين تراسمها قيادتيها حمادي الجبالي وعلي العريض، وذلك حتى 2014.

في انتخابات 26 أكتوبر 2014، شاركت في حكومة الحبيب الصيد ضمن تحالف رباعي.

عشرية سوداء تحت حكم، سيطرت فيها على مؤسسات الدولة واقامت تحالفات سياسية داخل البرلمان لتمرير القوانين والاتفاقيات الدولية مع قطر وتركيا من أجل تعزيز نفوذ الاخوان في تونس.

في السنوات الأولى من الثورة كان الاقتصاد التونسي يسجل نموا بنسبة 1 و2 بالمائة وكان ذلك النمو الضعيف حسب الخبراء مؤشر خطر.

 فالوضع أصبح كارثي بعد عشر سنوات من حكم الاخوان حيث بلغ مؤشر النمو الاقتصادي أرقاما محبطة بلغت-8 و -10 بالمائة.

انخفاض عام في الإنتاج ومصادر التمويل خاصة عائدات القطاع السياحي التي انخفضت بنسبة 55 بالمائة خلال الأشهر الأربع الأولى لسنة 2021 وتعد عائدات القطاع السياحي من أهم مصادر النقد الأجنبي و8 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي.

إلى جانب تفاقم الديون وعجز حاد غير مسبوق في الميزانية جعلت الدولة عاجزة عن تسديد القروض والفوائد دون اللجوء إلى قروض جديدة.

في 2021 بلغت قيمة خدمة الديون الواجب تسديدها 4.5 مليار دولار. ارتفعت الديون الخارجية المتراكمة للبلاد 30 مليار يورو، في حين قدرت احتياطات تونس ب 7 مليار يورو حسب نشرة الغرف الاقتصادية النمساوية.

إننا نعيش وضعا اقتصاديا لم تعرف له البلاد مثيلا حتى في أحلك الأزمات التي شهدتها في سنوات الاحتلال الفرنسي وسنوات 1978 و 1986″ حسب تصريح حسين الديماسي الخبير في الشأن الاقتصادي، لسكاي نيوز.

أزمة اقتصادية أدخلت البلاد دائرة التهديد بالإفلاس وجعلت حكومة “المشيشي” تتفاوض مع بنك النقد الدولي للحصول على أكبر قرض في تاريخ البلاد قدر ب 4 مليار دولار. يعد هذا القرض الرابع من نوعه اذ  تحصلت تونس منذ الاستقلال على  ثلاث قروض من صندوق النقد الدولي الاول سنة 1986 والثاني بعد الثورة (بين 2013 و 2016) وهي وتيرة غير مسبوقة للتداين من صندوق النقد الدولي.

زادت كل من جائحة كوفيد19 والاضطراب السياسي من تعميق الأزمة الاقتصادية وخلق احتقان شعبي غير مسبوق في ظل ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب إلى 30 بالمائة في 2021 ومهاجرة قرابة 16 ألف تونسي  بطرق غير شرعية حسب إحصائيات 2020.

 كشفت حقيقة حركة الاخوان في تونس للشعب الذي خرج بالألاف الى الشوارع مطالبين بإنهاء حكم الاخوان بحل البرلمان والحكومة.

مطالب استجاب لها رئيس الجمهورية وأعلن تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 وجمد بمقتضاه صلاحيات البرلمان وأعفى الحكومة من مهامها وتبع هذه القرارات حملة من الاقالات والتحويرات في الخطط والوظائف الحكومية لتخليص الدولة من شبكة اخوانية فاسدة حطمت الدولة وأدخلت البلاد في نفق مظلم.

لقيت قرارات رئاسة الجمهورية ترحيبا شعبيا واسعا عكس سخط الشعب على حركة النهضة وحلفائها. وعي وطني بخطورة أحزاب الاسلام السياسي وان كان جاء متأخرا بعد عقد من الزمن ولكنه في النهاية حقق أهدافه وأزاح الحركة من السلطة.

سقوط الاخوان في تونس له رمزية بالغة، فتونس هي الدولة التي انطلقت منها شرارة الثورات العربية في 2011، وكانت تأشيرة عودة الاحزاب الاسلامية الى السلطة التي أوهمت الشعوب بإيمانها بالديمقراطية والمبادئ الوطنية وحقوق الانسان، غير أن وصولها الى الحكم برهن على العكس، واذا بنفس الشعوب التي انتخبتها تحت تأثير الخطابات المزدوجة واستغلال قذر للعواطف الدينية للمواطنين تتخلى عنها في حركة وعي شعبي واستفاقة جماعية من التعاويذ الاخوانية.

4- سقوط مدوي في الانتخابات التشريعية المغربية

من المملكة المغربية يأتي رد شعبي أخر على أحزاب الاسلام السياسي، لكن هذه المرة من صناديق الاقتراع لا المسيرات الاحتجاجية.

بعد 10 سنوات من السيطرة على الحكم، عرف الحزب الاخواني العدالة والتنمية في الانتخابات الاخيرة، 8 سبتمبر الجاري سقوطا لامس به ما تحت القاع، بعد ان تراجع الى المرتبة الثامنة من حيث عدد المقاعد بتحصله على 12 مقعد فقط من أصل 395 مقعد في مجلس النواب، وكان لهم في انتخابات 2016، 125 مقعد. هزيمة مدوية  تنضاف الى سلسلة هزائم تنظيم الاخوان العالمي.

فقد حزب العدالة والتنمية ثقة الشعب المغربي، بعد فشله في ادارة ملفات هامة، طيلة عشر سنوات استحوذ فيها على السلطة وفي الوقت ذاته خسر قواعده الشعبية تدريجيا، فقد أقبل المواطنون على الانتخابات بنسبة قياسية في تاريخ الانتخابات التشريعية المغبربية بنسبة 53 بالمائة، وكانت 43 بالمائة في انتخابات 2016. تدهور الوضع الاجتماعي وسوء الحوكمة جعلت منه حزبا منبوذا بعد عقد ترأس فيه الحكومة.

على اثر الهزّة التي تعرض لها الحزب تم تحميل القيادة كافة المسؤولية، والاخطاء من أجل انقاذ الحزب لذلك قدم اعضاء الامانة العامة برئاسة سعد الدين العثماني استقالتهم يوم الخميس 9 سبتمبر. في الوقت ذاته فضّل  اعضاء اخرون ذاتهم يقفزون من القارب وينتقدون الحزب وسياسته، في تصريح لدوتش فيل يقول عمر مرابط احد اعضاء الحزب :

“سبب الهزيمة المدوية هو أنه عند تحوّله من حزب معارض إلى حزب داخل السلطة، لم يفِي بوعوده مثل محاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهي المجالات التي اختير من أجلها خلال فترة الربيع العربي… رفع الحزب مجموعة من اللاءات كـ ‘لا للفساد ولا للتحكم’، لكنه لما وصل إلى الحكم، كان أحياناً يصمت وأحيانا أخرى يبرّر”.

حسب الباحث المصري عمرو فاروق لسكاي نيوز “ سقوط الإخوان في المغرب جزء من حالة السقوط التي يشهدها التنظيم الدولي وروافده في المنطقة العربية فضلا عن التضييق الذي يشهده في أوروبا على مدار السنوات الماضية.”

هزيمة الاحزاب الاخوانية في شمال افريقيا تحوّل كبير شهده المشهد السياسي الاقليمي مهدت له ظرفية دولية بعد حرب شنتها الدول الاوروبية على تنظيم الاخوان و فروعه في اوروبا. تزامن مع هذه الظرفية الخارجية تنامي الغضب الشعبي لتلك الاحزاب وبلوغ حالة وعي بخطورتهم، على ضوء هذه المتغيرات شهدت احزاب الاسلام السياسي سقوطا مدو وهزائم متتالية.

By admin