الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

رباب حدداة : تقرير قسم البحوث و الدراسات السياسية

المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية و العسكرية

تونس 18/02/2021

صعد  اردوغان  سلم النجاح السياسي على الجماجم و الجثث، و على حساب مأسي شعوب كثيرة بحث فيها عن استرجاع مجد اجداده العثمانيين و بناء الامبراطورية الزائلة.

بدا مسيرته السياسية الفعلية برئاسة بلدية اسطنبول في مارس 1994 تحت رداء “حزب الرفاه” لنجم الدين أربكان اكتسب شعبية كبيرة خلال تلك الفترة. في 2001 أسس حزب العدالة و التنمية الذي رسم ملامح مسيرته السياسية من خلال تسلمه لرئاسة الوزراء طيلة 11 عاما ثم أصبحأول رئيس تركي منتخب انتخابا مباشرا في تركيا  و مع ذلك استبد بالسلطة التي لم يغادرها منذ 16 عاما، و هذا الغرور الذي بلغه الرئيس التركي يسير به نحو النهاية التي بدأت ملامحها بالظهور

اهتزاز عرش اردوغان محليا: احتقان شعبي و خيبة أمل المناصرين

منذ توليه رئاسة الوزراء في 2003 اكتسب اردوغان قاعدة شعبية هامة من خلال خطابات سياسية تدعوا إلى الحفاظ على الهوية و على قيم المجتمع التركي من خلال سبل ديمقراطية و حداثية. الخطابات الشعبوية الاردوغانية التي تمس المشاعر لم تكن سوى تجميل لوجه الذئب،لكن التقارير الحقوقية و تقارير المعارضة في الداخل و الخارج التركي عن السياسة القمعية لاردوغان قد رافقت مسيرته السياسية حتى بعد توليه رئاسة الدولة في سنة 2014.

خرجت النوايا الاستبدادية للرئيس التركي بعد التعديل الدستوري لسنة 2017 الذي غير فيه نظام الحكم إلى نظام رئاسي يمنح صلاحيات واسعة لرئيس الدولة و أصبحت تركيا حينها بشكل واضح “دولة السلطان”.

غير أن السياسة الاقتصادية  لحزب العدالة و التنمية بدأت تضر ببلاد في ظل انتشار المحسوبية الاقتصادية خاصة على مستوى الاستثمار في الإنشاءات و مشاريع البنى التحتية الكبرى إلى جانب التركيز في تمويل الحروب و التدخل في القضايا الأجنبية، و سار ذلك بالدولة إلى اهتزاز اقتصادي كشفته الأرقام حيث ارتفعت نسبة البطالة التي شملت 3.9 مليون عاطل عن العمل سنة 2019 إلى جانب انهيار حاد في سعر العملة و تفاقمت الأوضاعأكثر بانتشار فيروس كورونا .

كذلك و ضمن التقارير المنشورة حول الوضع الاقتصادي التركي فقد ارتفعت نسب الفقر و البطالة و ارتفعتالأسعار الغذائية، أزمة اقتصادية منذ 2017 ظهرت ملامحها في الانتخابات البلدية لسنة 2018 حين خسر اردوغان مدينة اسطنبول، و كان ذلك مؤشراقد ارهب الرئيس التركي لان القاعدة تقول “من يخسر اسطنبول يخسر تركيا”، فإسطنبولهي أهم مدينة اقتصادية و بالتالي أهم خزينة بلدية في تركيا.هذا التراجع  الاقتصادي والسياسي خيب آمال مناصري اردوغان بل انكشف الوجه الحقيقي لاردوغان فاستقال أكثر من مليون عضو من حزب العدالة و التنمية، في السنوات الثلاث الأخيرة كما انشق عن الحزب أهم قياداته و مؤسسيه و توجهوا نحو تأسيسأحزاب موازية فعلى الأغلب دكتاتورية اردوغان لم تترك مكانا حتى للشركاء، نذكر على سبيل المثال نجد عبد الله غول الرئيس السابق أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء سابق علي باباجان وزير مالية سابق و غيرهم كثير…

رغم كل الضوضاء السياسية التي تعيشها تركيا جاء الرئيس التركي بمبادرة لوضع دستور جديد معتبرا أن دستور 1982 وضع اثر انقلاب عسكري و لا يتماشى مع قيم الدولة الديمقراطية لذلك سيضع “أول دستور مدني في تاريخ الجمهورية التركية” و منذ ذلك التغيير أصبح التعديل الدستوري بالنسبة لاردوغان شغله و يتعامل معه حسب أهوائه، و كان آخر تعديل دستوري قام به في سنة  2017 وسع فيه سلطاته وحول نظام الدولة من البرلماني الى الرئاسي،هذا ما أثارمخاوف الكل بما فيهم أنصاره و خاصة مخاوف الطبقة السياسية لأن التحوير جاء قبل الانتخابات بسنتين أين يرى الجميع أنها لن تكون في صالح اردوغان و ستحسم مصيره السياسي.

دستور مدني لا يخالف فقط النظام العسكري و إنما النظام الديني و مناداة اردوغان زعيم الإسلام السياسي إلىإرساء دستور مدني فيه مغالطة للرأي العام الوطني و الدولي و محاولة للتمويه و تشتيت انتباه و قد يمرر من خلاله اردوغان مشاريع سياسية جديدة تضمن مواصلته البقاء على عرش السلطة ربما مدى الحياة ليصبح زعيما و ليس رئيسا و هذه التسميات تفرق كثيرا لدى تنظيم العالمي للإخوان الذي يريد اردوغان تزعمه.

2- الملف الحقوقي عرى وجه أردوغان الحقيقي

منذ توليه منصب رئيس الحكومة لم تستطع ألوان المداينة أن تخفي سواد النزعة الاستبدادية في حكم اردوغان منذ أحداث”منتزه غيزي” في 2013 و التي نتج عنها مقتل 5 أشخاص و إصابة 8 آلاف آخرين بعد أن خرج الآلاف من المتظاهرين منددين بسياسية اردوغان القمعية كان حينها قد بدا مشروع  إعادة بناء ثكنة عسكرية عثمانية تعود لسنة 1940  كانت قد هدمت و أقيم مكانها “منتزه غيزي”.

 تصاعد عنف النظام منذ ذلك التاريخ فكلما شعر اردوغان بتهديد لاستمرار حكمه ازداد قمعا و لجما للأفواه إذ أظهرت التقارير الأخيرة “لمنظمة العفو الدولية” و “هويمنرايتسووتش” تجاوزات بالجملة قام بها الرئيس التركي ضد خصومه السياسيين و ناشطين حقوقيين أو صحفيين أو حتى مواطنين متورطين بالخطأ في عدة قضايا سواء داخل تركيا أو خارجها.

حسب تقارير منظمة العفو الدولية لسنة 2019 يعيش الأتراك تضييقا شديدا في الحريات كحرية التعبير فنقد عملية نبع السلام وحدها أدتإلىإجراء تحقيق ل 839 حساب في مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية التدوينات المنددة انتهت باعتقال 24 شخص.

 في نفس السنة تمتمحاكمة 11 مدافعًا عن حقوق الإنسان في قضية “بويوكادا” من بينهم رئيس سابق ومديرة سابقة وأعضاء آخرون في فرع منظمة العفو الدولية في تركيا .

أما عملية الانقلاب العسكري الفاشل لسنة 2016 فقد انتهى ب 150 ألف عامل و عسكري و أكاديمي عاطل عن العمل و ممنوع من الدخول مجددا في الوظيفة العمومية بالرغم من عدم وجود دليل يثبت مشاركتهم في الانقلاب.

بعض الانتهاكات أصبحت قضايا دولية نددت فيها الدول بسياسة تركيا منها قضية الصحفي “جان دوندار” الذي حكم عليه غيابيا في تركيا ب 27 عاما  في ديسمبر 2020 على ضوء تقرير نشره في 2015 و الذي اثبت تورط  المخابرات التركية في تسليم شحنات أسلحة لجماعات متطرفة في سوريا.

القضية أثارت استنكارا عالميا خاصة من الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر أن الملف الحقوقي قد يصبح مؤثرا على العلاقات الأوروبية التركية خاصة بوجود تقارير للمخابرات الأوروبية تثبت تورط الذئاب الرمادية في حملات واسعة لتصفية المعارضين الأتراك في أوروبا.

في السنة الأخيرة كذلك نشرت “هيومن رايتسووتش” تقريرا اتهمت فيه تركيا باعتقال 63 مواطن من شمال شرق سوريا و نقلهم إلى محتجزات تركية وتتبعهم عدليا أمام المحاكم التركية وفق قانون العقوبات التركي بتهم مثل المساس بوحدة الإقليم و الانضمام إلى جماعات مسلحة و القتل، بالرغم من ان الجرائم المشار إليها قد ارتكبت على الأراضي السورية و لم تثبت الوثائق المعتمدة من السلط التركية علاقة مباشرة بين الجرائم و الأشخاص المعتقلين .

بلغ النظام التركي مرحلة من الاستبداد الفاضح و المعلن جعلت حلفاءه غير قادرين على التجاهل و لا الدفاع عليه، فرغم أن سياسة بايدن اتجاه تركيا لم تتشكل بوضوح بعد، إلا أن ضغط الكونغرس على الرئيس الجديد و إدارته فيما يتعلق بالملف التركي بدأت،ففي 10 فيفري الجاري وقع 54 من مجلس الشيوخ لائحة تتهم فيها النظام التركي ب”تهميش المعارضة وإسكات وسائل الإعلام الناقدة وسجن الصحفيين وشن حملة تطهير في صفوف القضاة المستقلين” طالبين من بايدن الضغط على عليه من اجل التوقف عن ممارساته القمعية و بذل الجهد لحماية حقوق الإنسان و جاء هذا التنديد مباشرة بعد اعتقال مئات الطلبة الأتراك في احتجاجاتهم على تعيين قريب اردوغان مديرا لجامعة اسطنبول.

3- تركيا اردوغان: عزلة دولية أم انحناء أمام العاصفة ؟

بدأ اردوغان منذ 2014 سياسة الهيمنة و بسط النفوذ في مشروع إعادة الهيمنة العثمانية و كان ذلك إما بالتدخل الاقتصادي و المالي أو من خلال التدخل العسكري و فتح جبهات حرب شملت مختلف أركان العالم آسيا :سوريا و العراق، أوروبا: أذربيجان، إفريقيا: ليبيا و دول القرن الإفريقي. وسط تغير الظرفية العالمية لم يحصد اردوغان نقاط الفوز الكافي لتكون له اليد العليا في سياسته الخارجية في الفترة القادمة، وهو اليوم كمن يقف على مفترق طرق و له خياران إما التراجع أو التصعيد.

السيناريو الأول :

سياسة اردوغان  ما هي إلا انحناء أمام العاصفة

أمام الأزمة الداخلية السياسية و الاقتصادية وعلى ضوء الاستنزاف للقوى العسكرية يعرف خطاب اردوغان تغيرا في حدته مع خصومه السياسيين.

تغيرت خطابات اردوغان الموجهة  لخصومه في الشرق الأوسط و كذلك للاتحاد الأوروبي و اعرب عن استعداده لبدء صفحة جديدة و عن استعداده للتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي إذا بادلت اردوغان الاستعداد للتعاون المشترك.

دول الشرق الأوسط التي عرفت برفضها للسياسة التركية مثل مصر و الإمارات و السعودية أبدت كذلك استعدادها للتفاوض مع تركيا و استعادة علاقات طبيعية و كان ذلك مباشرة بعد المصالحة الخليجية.

يسير اردوغان نحو إعادة تنظيم صفوفه لذلك دخل سياسة المهادنة فهو يحتاج إلى تنظيم البيت من الداخل من خلال إيجاد حلول لأزماته الوطنية و تهدئة الاحتقان الشعبي، ثم المرور مجددا لإنهاء سياساته الخارجية فأمام الرجات المتتالية التي عاشها نظامه مؤخرا لم يبقى له سوى التراجع في محاولة للقفز أعلى .

 المرجح أن كل هذه المتغيرات في سياسة اردوغان  ما هي إلا انحناء أمام العاصفة و ينتظر عودة الرياح إلى صالحه ليكمل مشروعه العثماني الذي ترك في المنتصف.

السيناريو الثاني:

 لتغطية هزائمه اردوغان يسلك سياسة الهروب الى الأمام

طريق أخر قد يسلكه اردوغان في الفترة القادمة و هو سياسة التصعيد و فرض الوجود بالقوة لتغطية خسارته و اهتزاز صورته محليا  ودوليا  و لكن هذه السياسة ستزيد إغراقه أكثر من خلال تصادمه مع القوى الإقليمية و العالمية ليجد نفسه في حالة عزلة دولية.

بداية انسحاب تركيا من ليبيا، أهم رهان لها في إفريقيا، وسط ضغط دولي شديد و بدأت بالتراجع إلى منطقتها الإقليمية في استعداد للتدخل في شمال العراق كما تفعل في الشمال السوري.

هذه السياسة التركية في بلاد الشام سيجعلها في تصادم مع قوى أخرى مثل روسيا و إيران و حتى الصين خاصة فيما يتعلق بالتدخل في العراق.

تصاعد حدة الخطاب بينه و بين بايدن في مناسبات عدة فيما يتعلق بقضية الأكراد  وكذلك حقوق الإنسان و قمع المعارضة و تظل مسالة منظومة الأسلحة الروسية 400 S-  التي اشترتها تركيا من روسيا و انتهت بفرض عقوبات أمريكية على تركيا نقطة توتر هامة خاصة وان تركيا صعدت في موقفها و بدأت مفاوضات مع روسيا من اجل صفقة ثانية .

فبالرغم من أن تركيا من الوكلاء المهمين للولايات المتحدة الأمريكية إلا أن المؤشرات تدل أن فترة صلاحية النظام التركي في الاستراتيجيات الأمريكية تكاد تنتهي و حتى و أن تواصل التحالف لن يكون لفترة طويلة خاصة  أمام التصعيدات التركية ،عسكريا و سياسيا.

 عسكريا بلغ اردوغان مرحلة من الغرور جعلته يدخل في حروب عديدة في حين أن القوى الكبرى ذاتها لا تفتح عدة جبهات عسكرية في الآن ذاته لان ذلك بطاقة هزيمة مباشرة.هذا ما وقع في ليبيا إذ بلغت تركيا مرحلة من الإنهاك في الحرب كبدتها خسائر هامة و حتى ما جنته من أرباح لا يكفي لتغطية الخسائر العسكرية التي تكبدتها و قد بلغت مرحلة عجزت فيها تركيا على تسديد  أجور المرتزقة التي وظفتهم.

أما سياسيا فهي بصدد تعبئة قائمة الأعداء على حساب الحلفاء و قد يجد النظام التركي نفسه وسط عزلة دولية قريبا.

By Zouhour Mechergui

Journaliste