الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

إعداد : الدكتورة بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية

 من حق كل شاب أو شابة أن يطمح إلى البديل والأفضل،وقد تكون الهجرة من بين السبل إلى ذلك، لكن المفارقات أصبحت كبيرة جدا اليوم، وهناك أسئلة لم تجد إجابة من الدوائر السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية ومن الخبراء والمفكرين والمحللين إلا أن هذه الأسئلة لم تطرح على المعني بالأمر،أي على المهاجر نفسه: ما هو موقفك وأنت مهاجر في قافلة أو قارب للموت برفقتك إرهابي ذاهب إلى قتل الناس، أو مجرم وسارق؟ ما هو رأيك في مافيا الإتجار بالبشرالتي تسترزق منك وتأخذ أموالك لترميك في عرض البحر أو لتسلمك إلى تجار المخدرات وتدمر وطنك ؟

من الذي يتاجر بأحلامك ؟ من الذي يبعثك إلى الموت وفقدان الكرامة الإنسانية؟ أليس نفسه الذي يسهل لكم عبور الحدود و يسرق أحلامكم و أمالكم و نقودكم ؟

الإشكالية العامة للموضوع إن طرح إشكالية الهجرة السرية وارتباطها بالأمن الحدودي والإرهاب والإتجار بالبشر والتهريب يستوجب منا إعادة التفكير وتناول هذا الملف من زوايا أخرى،إذ لم تعد الهجرة السرية تحمل شبابا هاربا من وطنه ليبحث عن الحياة في وطن آخر وبخاصة أوروبا، لكن وضمن التحولات الكبرى اتي يشهدها العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أصبحت هناك معطيات أخرى تداخلت فيها الكثير من العوامل من شاب خرج من وطنه من أجل حب الحياة إلى شاب يهاجر من أجل القتل والإنتقام والإجرام أي الإرهاب.

لذلك نعتبر إعادة قراءة هذا الملف من الأولويات للكشف عن خلفياته وخاصة الكشف عن الشبكات والعلاقات ذات الصلة التي تتحرك على الصعيد الإقليمي والقاري و كيفية معالجتها وإيجاد الحلول الممكنة و العملية.

فماذا عن شباب يهاجر لينظمّ إلى الإرهاب لأنه يرى فيه بديلا لما يعيشه من “ظلم ومشاكل وتهميش في وطنه” ووعود كبرى بالدنيا والآخرة في خياله؟

في دراستنا لهذه الظاهرة القديمة الجديدة نعتبر أن عمق الموضوع ليس شأنا خاصا، صحيح أن في كثير من البلدان شبابا بنسبة مئوية يريدون الهجرة لضمان مستقبلهم إلا أن هذا الفهم أو التشخيص سطحي لا يأخذ في الإعتبار المتغيرات الإستراتيجية والسوسيولوجية للموضوع.

فأمام وجود الشبكات الإرهابية والمافيا التي دخلت على خط الهجرة غير القانونية أو السرية لا توجد أي استراتجية عمل إلى حد لآن في أكثر الدول المتضرر شبابها من هذه الظاهرة، سوى بعض الحلول والمحاولات الظرفية والمنفردة في كل دولة سواء ف شمال إفريقيا أو منطقة الساحل والصحراء علما أن الوضع يتطلب حلولا في العمق على أساس التحالف الإقليمي والتعاون الدولي، في وضع اتسعت فيه رقعة الإضطرابات التي استغلتها مافيا الإتجار بالبشر وتنظيمات الإستقطاب الإرهابية التي تعمل بالأساس على النفسية المدمرة والمضطربة..

ما هي الأوضاع الأمنية الحدودية الراهنة لكل بلد يخصه الموضوع؟ وماهي العلاقة بين المهاجرين غير النظاميين والمهربين والإرهابيين ؟ ماهي المقاربات والسياسات التي وجب على بلدان الساحل وشمال إفريقيا وبلدان الضفةاف الشمالية للمتوسط أن تتخذها للتصدي للتهديدات الإرهابية ووضع حد لها؟

– 1-تهديدات الهجرة غير النظامية على الأمن الحدودي لبلدان شمال إفريقيا يبدو أنه في مواجهة الشبكات الإرهابية والمافيا لا توجد أي استراتجية عمل قد اتخذت إلى حد لآن غير بعض المحاولات القاصرة والآنية..

لقد شهدت منطقة شمال إفريقيا أكبر تدفق لموجات المهاجرين منذ 2011 عبر البحر المتوسط، وأصبحت ليبيا منذ تدمير الدولة الليبية وإسقاط نظام الزعيم معمر القذافي خزانا لعشرات الآلاف من المهاجرين في واقع سيطرة الميليشيات المسلحة والجماعات الإجرامية التي تولت تجارة البشر وتهريب الشباب بمن في ذلك الإرهابيون تقليديا لم يكن موضوع الهجرة ينطوي على أي مخاطر إرهابية أو إيديولوجيا يمكن أن تلحق الذى بالغير أو تشوه صورة بلد المهاجر.

المسارب الجغرافية للإرهابيين والمهربين من الملاحظ أن الحدود الجزائرية مع ليبيا ومالي، أضحت بؤرة إرهابية بامتياز وذلك لكونها معقلا لحركتيْ “المرابطون” و”الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا”. ومنطلقا لإحداث اضطرابات أمنية وزرع حالة من عدم الإستقرار بالمنطقة.

حركة “المرابطين”، التي يتزعمها “مختار بلمختار” والمسؤولة عن اعتداء عين أميناس سنة 2013، تتخذ من جنوب ليبيا في المثلث الحدودي مع الجزائر والنيجر، معقلاً لمعسكراتها التدريبية، في ظل الفراغ الأمني الذي تشهده ليبيا، مع سيطرة حركات أخرى تابعة لها على مراكز حيوية في البلاد، بما فيها معابر حدودية حساسة.

 كما أن تنظيم “أنصار الدين” يرابط في أجزاء من شمال مالي، فيما تنتشر عناصر “حركة الجهاد والتوحيد” في غرب إفريقيا عبر المثلث الحدودي بين ليبيا والجزائر والنيجر، وهي الحركة المتورطة في اختطاف الدبلوماسيين الجزائريين عام 2012. أما “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، الذي يقوده عبد “المالك دروكدال”، فإنه ينتشر في الجزائر وموريتانيا ومالي وأجزاء من تونس والنيجر.

 والملاحظ أنه لا توجد تقارير ودراسات دقيقة حول تنظيم “أنصار الشريعة” بتونس، علما أن صحراء الجزائر وشريطها الحدودي مع تونس مرورا بالحدود مع ليبيا والنيجر ومالي،وصولا إلى مخيمات البوليساريو بتندوف تعرف نشاطا كبيرا لعدد من الحركات الإرهابية التي تهدد دول الساحل والصحراء لكون تلك المنطقة تعتبر حاليا ملاذا آمنا لتلك الحركات الإرهابية ، برغم محاولات جيوش المنطقة الوقوف بوجهها، وبرغم حملات التمشيط الحدودية الكبرى في حربها على التنظيمات الإرهابية المسلحة.

 التوصيات آليات تفعيل التعاون بين بلدان شمال إفريقيا للحد من الهجرة غير النظامية أمام ما وصلت إليه الأوضاع الحالية في منطقة شمال إفريقيا والبحر المتوسط من تهديدات إرهابية واستباحة للحدود، أصبح التعاون المتواصل في كل المجالات وخاصة السياسات الأمنية المشتركة ضرورة ملحة عبر آليات فعالة مع أهمية العمل على التنسيق المتواصل،علما أن تأمين الحدود ومحاربة الإرهاب لا يتوقفان على التنسيق بين الجيوش والقوى الأمنية فحسب، بل يشمل أبعادا أخرى كثيرة منها المعالجات الإقتصادية والثقافية والإجتماعية والتعليمية.

فغياب المشاريع الإجتماعية والإقتصادية الناجعة داخل الدول وبين المناطق المتاخمة للحدود يطرح عائقا كبيرا في تأسيس أمن حقيقي ومستدام حيث تشكل المناطق الحدودية نقطة الضعف لكل بلد ونقطة القوة للتنظيمات الإرهابية و المافيوزية و المتاجرين بالدين.

إلى جانب ذلك يجب الأخذ بعين الإعتبار أن مكافحة هذه الظواهر ليست شأنا حكوميا فقط وإنما هي أيضا مسؤولية أطراف أخري على غرار مؤسسات البحث ومنظمات المجتمع المدني لتتخد أبعادا علمية وتحقق نتائج إيجابية.

ومنا أيضا يأتي دورالعائلات من خلال تنشئتها لأبنائها ووعيها بخطورة تلك الظواهر.

كما أن للإعلام،هذه السلطة القوية،دورا مهمّا للغاية على مستوى التوعية واللإقناع والتحذير. وللمدرسة والمدرسين دور كبير في التنشئة التربوية والتوجيه نحو الطريق القويمة والآمنة.

وتأسيسا على ذلك، وجب انتهاج العديد من المقاربات للحد من كل المخاطر والظواهر السلبية أو المدمرة عل غرار : ž أن يكون التعاون مندمجا ž حل النزعات الداخلية ž محاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ž محاربة التهريب والإتجار بالبشر ž خلق مجالات للتنمية وفرص العمل من خلال تشجيع وترقية الإستثمارات وخاصة تمكين الشباب من مشاريع صغرى ومتوسطة . ž

فتح مجالات للهجرة الشرعية بعقد اتفاقيات مع البلدان المضيفة والإنفتاح على بلدان أخرى خارج أوروبا ž معالجة الجوانب النفسية وتهيئة مناخات للتعاون والتضامن الداخلي. ž تعاون ثنائي بين بلدان الجوار وخاصة في العمل المشترك بتنمية المناطق الحدودية .

آليات لعمل المشترك الآلية القانونية: من الأهمية أن يكون الإطار القانوني صارما وحاسما للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية وعقاب للضالعين في الجريمة وخاصة المهربين وتجار البشر وتجار الأعضاء.

الآلية العلمية : دراسات علمية وميدانية في علم النفس وعلم الإجتماع والقانون للظاهرة ومواكبة كل المتغيرات للخروج بفهم أقرب للواقع في إيجاد الحلول الملائمة. آلية تامين الحدود البرية و البحرية: – إنشاء لجان مشتركة أمنية وعسكرية لتبادل المعلومات والتنسيق الإستخباراتي. تسيير دوريات مشتركة لتأمين الحدود من الإرهاب والتهريب والإتجار بالبشر. آلية التعاون الحكومي و المجتمع المدني انطلاقا من الإيمان بالمصير المشترك وهدف التكامل والإندماج في ظل الإتحاد الإفريقي وتمسكا بحقوق الإنسان، تدعو الضرورة إلى تكوين لجان تهتم بوضعية الشباب المحلي وفي المنطقة المغاربية وكذلك الشباب من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وتعالج ظروفهم الحياتية مع مراعاة آدميتهم وكرامتهم.

إن إسهامات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات الناشطة في مجال الشباب و الأسرة و المرأة مع مؤسسات الحكومة والإعلام ضمن خطط وبرامج مدروسة مقرونة بعمل ميداني، من شأنها إيجاد أسس للسلام المجتمعي ومناخ للعمل والإستقرا بالنسبة للشباب.

كما يمكن تنظيم لجان شبابية لتقوم بدور تثقيفي توعوي وتنفيذ برامج ومشاريع مشتركة مع بقية شباب المنطقة بشمال إفريقيا لتمتد إلى مناطق أخرى من الوطن العربي كبداية لعمل إقليمي تتابع أنشطته لجان محلية، وتكون رئاسة اللجنة الإقليمية دورية.

كما يجب التفكير في إنشاء مراكز تكوين مهني وتأهيل إيجابي للمنقطعين عن التعليم، وهذه مسألة هامة جدا خاصة للمراهقين الذين يعانون مشاكل الحاجة وصعوبة الإندماج الإجتماعي.

ومن مسؤولية الدول الأوروبية التي استعمرت عقودا طويلة بلدان الشمال الإفريقي وجنوب الصحراء الكبرى،أن تعمل على التعاون الجدي هذه البلدان وإقامة مشاريع تنموية بها للحد من ظاهرة الهجرة السرية وتجارة البشر والتهريب والإرهاب.

وإذا كانت بلدان شمال إفريقيا نقطة عبور وبلدانا مصدرة للشباب المهاجر سواء كان ذلك بطريقة شرعية أو غير قانونية،فماذا عن العقول التي كونتها مجتمعاتنا ليظل ثم تهاجر ليظل نزف الخبرات التي نحتاجها في بناء التقدم متواصلا؟

By Zouhour Mechergui

Journaliste