إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية
إن تنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي أنتج أجنحته الإرهابية من القاعدة إلى داعش هو أكبر وأخطر التنظيمات الإرهابية الدولية العابرة للحدود، حيث يعمل التنظيم على تغيير وجهة الشباب من مواطن يؤمن بقيم المواطنة والإنسانية إلى إنسان غريب عن وطنه له انتماء إلى جماعة متطرفة تمارس العنف الإيديولوجي، جماعة تجرد الإنسان من مواطنته وتعمل على دمغجة فكره، ليصبح غائبا عن الواقع بل يؤمن بالأوهام التي تسوقها هذه الجماعة.
هذا التنظيم العالمي للإخوان هو مطرقة العالم العربي يزرع في الفرد بذرة الشرّ والعنف وكره الأخر المختلف الذي لا يؤمن ولا يتبنى فكرهم حتى يصل بهم الإعتقاد بأن المختلف عنهم عدو يجب محاربته واغتياله إن اقتضى الأمر، ويرجع الأمر دائما إلى”مرشدهم” ومفتيهم.
لقد أثبتت كل الدراسات أن أشد القادة الإرهابيين والمتطرفين كانوا منتمين إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وكانوا ضمن الصف الثاني أوالثالث من القيادات السياسية.
والعنف الإيديولوجي الذي تمارسه جماعة الإخوان المسلمين قد أنتج المقاتلين الأفغان العرب، وكذلك أنتج القاعدة كما أنتج اليوم داعش، ولا يزال ينتج فصائل مختلفة من الجماعات الإرهابية، خاصة وأنه بعد الثورات العربية أصبح شريكا في الحكم ويمارس صلاحيات داخلية وخارجية بل يدّعي، بتلونه و”كذبه الحلال”،يعني استعمال مصطلح “التقية”،أنه أصبح حزبا مدنيا وديموقراطيا ومعتدلا وتخلى عن الدعوة، حتى أننا قد نسمع في يوم من الأيام أنه تخلى عن الإسلام!
دخل هذا التنظيم الإرهابي عبر أذرعه في البلدان العربية إلى السلطة ليتمكن من مفاصل الدولة وليخرب ما يستطيع بطريقة ممنهجة جدا ويجيّش المشاعر ويزرع الفتنة ويتعاون مع أكبر المافيا العالمية في تجارة المخدرات والسلاح وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر فأصبح هذا التنظيم هو المطرقة التي تضرب كل الدول العربية.
تونس وليبيا ومصر أكبر دليل على ما يفعله هذا الكيان الاخواني من تخريب داخلي وتأليب للمجتمع وزرع الفتنة وتقسيم المجتمع وزرع بذور الكراهية. هذا هو جناحهم السياسي، لكن طبعا كل هذا العنف الإيديولوجي سوف يولد عنفا من نوع أخر وهو العنف المسلح والمتشدد أي سيولد إرهابا يعصف بكل الدول.
فالإضطرابات التي عصفت بالبلدان العربية خلال ما سُمي بالربيع العربي أدت إلى انهيار المرجعيات وإسقاط الدول بدعوى التخلص من النظام المستبد ورموزه، وأصبحنا اليوم نسمع بمصطلح آخر هو”إسقاط السيستام” بما يسمح للجماعات الإرهابية استغلال الوضع المضطرب لصب مزيد من الإرهاب والعنف على الحياة السياسية و المجتمعية. وفي الحالة السورية على سبيل المثال، تحول الحراك الإجتماعي إلى”ثورة” ثم انحدر الوضع أكثر فأكثر ليصبح أزمة معقدة وحادة تحولت إلى حرب أهلية، وأصبحت سوريا حالة خاصة ليطلق تنظيم الإخوان المسلمين العنان إلى فروعه وأجنحته للعنف والإرهاب السياسي، على غرار جبهة النصرة وداعش وغيرهما.
لقد أعلن الظواهري زعيم القاعدة أن جبهة النصرة التي كانت تصنف من قبلُ كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين هي امتداد للقاعدة.
وتعتبر جبهة النصرة من أقوى جماعات المعارضة التي تخوض صراعا عسكريًا ضد النظام السوري، لكنها ليست قوة المعارضة الوحيدة، والحال أن كل أوجه المعارضة قد فضح أمرها بحملها السلاح ضد المدنيين العزل، وتتلقى دعما من الخارج وخاصة من تنظيم الإخوان المسلمين لتصبح مليشيا مسلحة إرهابية.
إن جماعات الإرهاب ومن وراءها تنظيم الإخوان بجناحه السياسي قد فشلت في التمكن من السلطة ونجحت في تدمير وطن، وفي كل الأحوال، فإن الأزمة في سوريا قد تطول، الأمر الذي يمثل تحديا كبيرا لكل أطراف الأزمة، بما في ذلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية..
وبرغم مطرقة الإخوان وسندان القاعدة وداعش بقيت الدولة السورية تقاوم وتنهض. وبخصوص ليبيا، تم استخدام القوة العسكرية ضد النظام السابق، بقرار من مجلس الأمن الدولي وبطلب وتأييد من جامعة الدول العربية، وقد ساعدت أوضاع ليبيا الجيو سياسية والسكانية على حسم الأزمة الليبية في أقل من عام.
وكان استخدام القوة من جانب حلف شمال الأطلسي ونتيجة لما آلت إليه الأوضاع من انهيار سياسي وانفلات أمني كان المجال مفتوحا أمام السيطرة على المجال السياسي من قبل الإخوان حيث وصلت الملايين من قطع الأسلحة إلى أيادي الجميع في وبالذات ميلشيات التنظيمات الإرهابية (الإسلاموية) التي دخلت في أحلاف خارجية،والتي لايزال يعاني من تسلطها وويلاتها الشعب الليبي .
ووصلت تلك الأسلحة الثقيلة والمتطورة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بل وإلى العديد من الأفراد والحركات في مصر و تونس وبلدان المنطقة وخاصة بلدان الساحل والصحراء.
وأصبح التعاون واضحا بين الجناح السياسي الإخواني في ليبيا والميلشيات المسلحة وجيوب القاعدة بعد قرار دخول الجيش العربي الليبي في مواجهة مباشرة معهم من أجل تحرير طرابلس وليبيا عموما، وتحاول مطرقة الإخوان الصمود وتأجيل الإنهيار فتستنجد “بسندان داعش والقاعدة” في تناغم كبير من أجل البقاء ، وذلك من خلال فرض عدم الإستقرار والدمار، ولربما يستمر الوضع على ما هو عليه أو أتعس لسنوات قادمة إلى حين خروج الشعب وانتفاضته من أجل خلاصه.
ومن المعروف أن القاعدة موجودة في اليمن منذ ما قبل الثورة اليمنية، وكذلك فإن ثمة خلافًا أو صراعًا داخليًا بين الشمال والجنوب، وبين الحوثيين والدولة، في حين تنسق القاعدة هناك مع الحوثيين.
وثمة مشروع لإقامة كيان اتحادي يضم ست أقاليم في الدولة اليمنية، ومع استمرار حالة الصراع في اليمن تتجه القاعدة إلى محاولة السيطرة على قرى ومدن بهدف إنشاء إمارات إسلامية. كما أن كان لتغلغل الإخوان في دول المنطقة شمال إفريقيا وتحديدا دول الساحل والصحراء أن ازدادت الهجمات الإرهابية.
وكانت الجزائر أكثر دول شمال إفريقيا استهدافا ، وبخاصة المناطق الحدودية فيها، وهو ما يستلزم تجهيز هذه المناطق، إستراتيجيًا واقتصاديًا، لمواجهة هذه الهجمات بفاعلية والحيلولة دون تحقيق أهدافها.
ومن الطبيعي أن تحاول القاعدة، بعد مقتل بن لادن وتولي الظواهري قيادة الجماعة، تصعيد أنشطتها الإرهابية في دول المنطقة العربية لإعادة تأكيد وجودها وأهميتها وتأثيرها.
وفي هذا السياق، ربما تكون قيادة الظواهري لتنظيم القاعدة خطوة في اتجاه تضييق الفجوة بين القاعدة وجماعات الإسلام السياسي في البلاد العربية مثل جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة حماس الفلسطينية. ولدى القاعدة، لا فرق بين الديمقراطية العلمانية والديكتاتورية العلمانية، فكلاهما غير إسلامي وغير جهادي، ومن ثم فإن الهدف لديها هو بناء نظام إسلامي جهادي غير علماني، وهو ما لا يمكن تحقيقه في الدول العربية، وحسب القاعدة وقياداتها لا يمكن أن يتحقق هدفهم بالوسائل السلمية لذلك ينتهجون مسار العنف الإرهابي.
داعش والقاعدة ما بين التقارب والتباعد ت
عتبر القاعدة التنظيم الأقدم والأقوى والأعنف قبل التحولات الجيوسياسية والإستراتجية التي حصلت منذ سنة 2011 في المنطقة العربية بما يسمى الثورات العربية.
وقد تبين من خلال الدراسات المقارنة بين حالتي القاعدة وداعش، أن هناك تحولا كبيرا، فداعش أصبحت الآن التنظيم الإرهابي الأكبر والأوسع والأقوى والأكثر تأثيرا في المنطقة العربية، أو في منطقة الربيع العربي أكثر من غيرها، حتى إذا قورنت بتنظيم القاعدة.
كما توجد الكثير من العوامل التي جعلت من داعش تتمركز في شمال شرقي سوريا وشمال غربي العراق، وهما منطقتان متجاورتان تشهدان غيابًا للدولة أو ضعفًا في تمركزها، كما تشهدان صراعًا تاريخيًا مؤثرًا بين الطوائف الدينية الجماعات العرقية. كما أنه يجب عدم إنكار دور تركيا في التعامل مع الثورات العربية، وفي حالة سوريا والعراق نتج تأثير كبير عن وصول عناصر داعش المنتمين إلى دول عربية، بل وأوروبية، ولقيت داعش في الدور التركي سندا كبيرا.
وحتى لو قيل إن تركيا الآن تشارك في ضرب مناطق توجد بها داعش في المنطقة العربية، إلا أن ذلك لا يعني أن موقف تركيا من مسألة داعش كان من قبل كما أصبح عليه الآن.
والتأثيرات السلبية والخطيرة الناتجة عن داعش الإرهابية لا تقتصر على سوريا والعراق واليمن وليبيا، إنما تطال مباشرة دولة القلب أي دولة المركز العربي، مصر التي تحيطها بشكل مباشر أو غير مباشر وهي التي تحارب اليوم نيابة عن الدول العربية ككل و عن الدول الإقليمية .
إن المواجهة الناجحة والفاعلة ضد داعش والإرهاب في الدول العربية والمنطقة الإقليمية يجب أن تقوم على عديد من السياسات والمواقف الإستراتيجية العسكرية والسياسية والاقتصادية والفكرية، وذلك من خلال تحالف حقيقي مفعّل وغير وهمي بين الدول.
كما أن المواجهة العسكرية والأمنية لا بد أن تقوم على تحالف دولي حقيقي خاصة بين الدول التي تمثل قوى إقليمية رئيسية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر والمملكة المغربية والمملكة الأردنية الهامشية، مع انضمام سوريا والعراق مستقبلا، لأنهما يمثلان أرضية مهمة لمواجهة قوى الإرهاب الدولي علي أراضيهما.
ومن الأهمية بمكان أن يقوم ذلك التحالف على مهام محددة تنفذها بفاعلية الدول الأعضاء.
إن ذلك كفيل ببلورة تصور سليم دقيق فاعل ومتكامل في محاربة جماعات وتنظيمات الإرهاب على المستوى الدولي ، وهو ما سيضع نهاية للسياسة النظرية وغير الفاعلية وعالية الثمن والتكلفة والتي تؤدي إلى الإنهاك وعدم الحسم في مواجهة الإرهاب ، كما أن العمل على تجفيف منابع الإرهاب من الموارد البشرية يجب أن يكون نقطة البداية وذلك بتصنيف تنظيم الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا لأنهم هم من يهيؤون العقول للتطرف ويجيشون الشباب للإنخراط داخل من