إعداد صبرين عجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 29-04-2024
للتجارة الدولية تأثيرات عميقة على التغيرات المناخية، حيث تتسبب السفن والشاحنات والطائرات الناقلة للبضائع بين الدول في جميع أنحاء العالم في انبعاث الغازات المسؤولة عن الاحتباس الحراري.
وهو ما يسلّط الضوء على أحد أبرز العوامل الإقتصادية المسؤولة على التغيرات المناخية التي تمثّل تحديا للعالم. فمثلما يمكن للتجارة الدولية أن تمثّل عنصرا فعّالا في تكريس النمو وتعزيز الإقتصاد والتنمية على المستوى الداخلي والخارجي للدول، يمكن أن ينقلب دورها للعكس تماما فتصبح مهدّدا رئيسيا للبنية التحتية البحرية وطرق النقل أو التأثير على الإنتاج والاستهلاك من حيث جودة السلع وأسعارها وطرق نقلها الى جانب ما قد تمثّله من تأثيرات خارجية على الجانب المناخي.
وهناك من السلع الأساسية للمبادلات التجارية بين الدول كالمواد الغذائية مثل القمح والذّرة والحديد والصلب والأسمنت تمثّل مصادر للانبعاثات، وعموما فإنّ 25 بالمائة من غازات الاحتباس الحراري يعود سببها الى حركة التجارة العالمية وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي في شهر ديسمبر في عام 2023.
ولا يمكن بأي شكل من الأشكال الاستغناء عن حركة التجارة العالمية، نظرا لما لها من أهمية في حلّ مشكلات الدول سواء المتعلّقة بالأزمات الناجمة عن التغيرات المناخية أو بالحروب، فعندما يتعلّق الأمر بفيضان أو عاصفة أو جوائح عالمية على غرار كورونا أو حروب، تتدخل التجارة بتوفير كامل الإمدادات الضرورية من الأغذية والأدوية والسلع لسد حاجة الدول وإعادة البناء.
وللتجارة أيضا دور هام في الحد من الأزمات الناجمة عن التغيرات المناخية، فبالإعتماد عليها يتم توزيع الخدمات والتكنولوجيات والسلع التي تساهم في التقليل من انبعاثات الكربون كالألواح الشمسية وتوربينات الرياح.
كما أشار تقرير البنك الدولي الى أنّ الدول ذات الإقتصادات الضعيفة لا تقوم بموازنة العلاقة بين المناخ والتجارة بحيث لا تعتمد على آليات واستراتيجيات في تبادلاتها التجارية غير ملوثّة للبيئة وقد نمت انبعاثاتها جرّاء ذلك بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي بين عامي 2010 و2018، نتيجة لسعيها للوصول الى أهدافها الإنمائية على حساب تكريس تجارة خضراء محافظة على البيئة.
وبالعودة الى التجارة الخضراء، فإنّ هذا المفهوم لم يأتي من الفراغ فقد طرحت قضية التغيرات المناخية على العالم التّوجه نحو مزيد التفكير في مختلف الآليات التي من شأنها أن تحد من الأزمات الناجمة عن هذه التغيرات، ومن ضمنها شبكات الإنتاج والإستهلاك واستدامة سلاسل التوريد، وبناء على ذلك برزت اتجاهات كثيرة تدعم كل الطرق العملية التي من شأنها أن تعزّز ما يطلق عليه التجارة الخضراء والتي لها القدرة على خلق اقتصاد اخضر تتوفّر فيه فرص توفير الغذاء وخلق الوظائف والحد من الفقر.
وقد عرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة التجارة الخضراء بأنّها “النشاط التسويقي الذي يعمل على تعزيز الإجراءات المستدامة للانخراط في التجارة غير الملوثة للبيئة”، حيث تركّز اساسا على الانخراط في أسواق الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
وقد ناهزت قيمة التجارة الخضراء في عام 2019 ما يقارب 1.3 تريليون دولار في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لها تأثيرات إيجابية، حيث خلفت 9.5 مليون وظيفة بدوام كامل.
ووفقا لما أشار إليه صندوق النقد الدولي فإنّ للصين القدرة على زيادة الناتج المحلي الاجمالي بنحو 0.7% وخلق 12 مليون فرصة عمل بحلول عام 2027، وذلك في حالة تعزيز الإستثمار الأخضر وتطبيق ما يطلق عليه “ضرائب الكربون”.
ويجدر الذكر أنّه وفقا لما أشار إليه مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فإنّ التجارة الخضراء تواجه الكثير من التحديات البيئية بحيث يمكن أن ترتفع الإنبعاثات التي تنتجها وسائل النقل الدولي للبضائع بنسبة 160% بحلول عام 2050.
من جهتها يمكن ألا تستجيب الشركات لتوجهات التجارة الخضراء “ذات المعايير العالية” وتتجه نحو أطراف لا تتبع في تجارتها معايير التجارة الخضراء، وهو ما يمكن له أن ينطبق على المصدّرين الذين سيواجهون بدورهم عوائق بسبب المعايير العالية للأسواق ضمن التجارة الخضراء، إذ ستواجه صعوبة عالية في دخول منتجاتها الى السوق.
وتساهم التجارة العالمية في تغير المناخ من خلال الوسائل الناقلة للبضائع في العالم كالسفن والطائرات والشاحنات من خلال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وفي عام 2021 أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية والصين ما يناهز 11.5 مليار طن متري و5 مليارات طن متري من انبعاثات الكربون في عام 2021 وارتفاع نسبة الانبعاثات الكربونية لدى الصين بنسبة 33% في عام 2021 مقارنة بعام 2010.
وتعتمد الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط على قطاعي الزراعة والسياحة، وتؤثر التغيرات المناخية على هاذين القطاعين بدرجة عالية، وذلك من خلال ارتفاع درجات الحرارة العالمية التي تساهم بدورها في تخفيض مستويات الانتاج الزراعي، إذ أشار التقرير الى أنّ زيادة درجة مئوية واحدة يمكن لها أن تؤدي الى انخفاض صادرات هذه البلدان بنسبة 39%، أمّا بالنسبة للبلدان مرتفعة الدخل فيمكن لصادراتها أن تنخفض بنحو 6%.
وجاء في التقرير أيضا أنّه بحلول عام 2030 يمكن أن يتعرض نحو 70 مليون فرد في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة جنوب آسيا الى الجوع كنتيجة للتغير المناخي.
لكن يمكن إيجاد حلول لذلك يمكن اعتمادها للحد من الآثار السلبية للتغير المناخي، وذلك من خلال تعزيز التجارة التي لها القدرة على توزيع الخدمات والتكنولوجيات التي تقوم بالحد من انبعاثات الكربون مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.
وللتجارة الخضراء القدرة أيضا على مساعدة الدول منخفضة الدخل على التقليل من انبعاثاتها والتحول نحو الاقتصاد الاخضر. ومن شأن هذا التحول أن يعود بالكثير من الايجابيات على هذه الدول التي ترتفع داخلها نسبة الفقر ونسبة البطالة، وهو ما يعني تشريك الدول النامية ضمن توجهات اقتصادية حديثة مستقبلية والحد من سياساتها الاقتصادية الهزيلة والدخول ضمن نسق تجارة عالمية أكثر تطورا.
أمّا فيما يتعلق بالأمن الغذائي فيمكن للتجارة الخضراء أن تساهم في ذلك عن طريق تعزيز الزراعة المستدامة بتوفير تقنيات حديثة قادرة على الترفيع في كمية المحاصيل المنتجة من خلال البذور والأسمدة التي لا تتأثر بتغيرات المناخ، ثمّ أيضا الإعتماد على تكنولوجيا وبيانات رقمية ذات جودة عالية تتحكم في عدد المزارعين وتقوم بخفض التعريفات الجمركية والحواجز غير الجمركية على الأغذية، وهي عوامل تعسفية تهدر الوقت وتتطلب جهدا كبير عبر الحدود.
كما تسهم التجارة الخضراء في خفض التعريفات الجمركية الملزمة على السلع والخدمات المطابقة للمعايير، ولكن من الضروري تخفيض الدول القيود التي تفرضها على الصادرات أوقات الأزمات تجّنبا لتوسّعها على ان يكون ذلك ساريا على السلع الأكثر مطابقة لمعايير التجارة الخضراء.