قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية 18-04-2024
يقول عالم السياسة الأميركي “جون ميرشايمر”، في مقال في مجلة “فورين بوليسي” وهو يحمّل الولايات المتحدة الأميركية المسؤولية عن إشعال الشرق الأوسط ووصوله إلى حاله اليوم موضحاً أنّ “الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية” سواء في غزة أو الضفة الغربية هو دعم مشروع.
في ما يلي نص المقال مترجماً إلى العربية:
يكشف قرار إيران الرد على العدوان الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، من خلال شنّ هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ، مدى سوء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في التعامل مع الشرق الأوسط.
كان لرد إدارة بايدن على هجوم حماس في الـ7 من أكتوبر 3 أهداف رئيسة.
أولاً، سعت لإبداء دعمها الثابت لـ”إسرائيل” عبر: دعمها خطابياً والتشاور مع كبار المسؤولين الإسرائيليين بانتظام، الدفاع عنها ضدّ اتهامات الإبادة الجماعية، استخدام حق النقض ضدّ قرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي، إلى جانب تزويدها بإمدادات ثابتة من الأسلحة الفتّاكة.
ثانياً، حاولت واشنطن إقناع “تل أبيب” بالتصرف بضبط النفس ليس للحد من الضرر الذي يلحق بالمدنيين الفلسطينيين، إنما لتقليل الضرر الذي يلحق بصورة الولايات المتحدة وسمعتها.
لقد فشلت هذه السياسة لأنّ أهدافها كانت متناقضةً بطبيعتها فليس من المستغرب إذاً أن تتجاهل حكومة الحرب هذه النداءات.
إيران والسلاح من وجهة نظر أمريكية
لأنّ الأميركيين معتادون على سماع أنّ إيران هي “تجسيد للشر” لأنها تغمر الضفة الغربية بالأسلحة من هذا المنظور، فإنّ إيران تصبّ البنزين على منطقة مشتعلة.
اسمحوا لي أن أوضح: أنّ إيران يحكمها نظام ثيوقراطي… ولكن،…
هل جهودها لتهريب الأسلحة الصغيرة وغيرها من الأسلحة إلى الضفة الغربية -غزة سيئة ؟
وهل قرارها بالرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير على قنصليتها مفاجئ ؟
وفقاً لإتفاقيات جنيف، يحقّ للسكان الذين يعيشون تحت “الاحتلال الحربي” أن يقاوموا القوة التي تحتلّهم ولأنّ “إسرائيل” تسيطر على الضفة الغربية والقدس منذ عام 1967، واستعمرت هذه الأراضي بأكثر من 700 ألف مستوطن غير شرعي، وقتلت الآلاف من الفلسطينيين في هذه العملية، فليس هناك شكّ في أنّ هذا احتلال حربي” ولا تزال أعمال المقاومة تخضع لقوانين الحرب بطبيعة الحال ومقاومة الاحتلال أمر مشروع، ومساعدة السكان المحاصرين على القيام بذلك ليس خطأً بالضرورة.
وعلى نحو مماثل، فإنّ قرار إيران بالرد بعد أن قصفت “إسرائيل” قنصليتها، واغتالت جنرالين إيرانيين لا يشكّل دليلاً على “العدوانية”، خاصةً وأنّ طهران أشارت مراراً وتكراراً إلى أنّها لا ترغب في توسيع نطاق الحرب. وكما يقول المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون عادةً عندما يستخدمون القوة، فإنّ إيران تحاول ببساطة “استعادة الردع”.
دعونا لا ننسى أنّ الولايات المتحدة هي التي تغرق الشرق الأوسط بالأسلحة منذ عقود، فهي تزوّد “إسرائيل” بمعدّات عسكرية متطوّرة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات كل عام، وتقدّم إلى جانب ذلك التأكيدات المتكرّرة بأنّ الدعم الأميركي غير مشروط.
ولم يتزعزع هذا الدعم مع قيام “إسرائيل” بقصف المدنيين في غزة وتجويعهم، ولم يتأثّر عندما استقبلت “إسرائيل” وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في المرة الأخيرة، بإعلانها أكبر مصادرة للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، منذ عام 1993.
ولم تبدِ واشنطن استغرابها عندما قصفت “إسرائيل” القنصلية الإيرانية، حيث كانت تدين هجوم الإكوادور الأخير على السفارة المكسيكية في كيتو.
وبدلاً من ذلك، توجّه كبار مسؤولي البنتاغون إلى القدس لإظهار الدعم، كما حرص بايدن على التأكيد أنّ التزامه تجاه إسرائيل لا يزال صارماً.
تميل الدول التي تتمتّع بسلطة غير مقيّدة إلى إساءة استخدام هذه السلطة، و”إسرائيل” ليست استثناءً ولأنّ “إسرائيل” أقوى بكثير من الفلسطينيين بالعتاد العسكري الامريكي فقط، فإنّها تستطيع أن تتصرّف ضدّهم من دون عقاب.
لقد مكّنت عقود من الدعم الأميركي السخي وغير المشروط “إسرائيل” من القيام بكل ما تريد، الأمر الذي ساهم في جعل سياساتها وسلوكها تجاه الفلسطينيين أكثر وحشية وتطرّفاً وقتلا مع مرور الوقت.
إذا كنت لا تزال منزعجاً من قيام إيران بتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية، فاسأل نفسك كيف ستشعر إذا تم عكس الوضع. تخيّل أنّ مصر والأردن وسوريا فازت في حرب عام 1967، بما دفع الملايين من الإسرائيليين إلى الفرار.
القضية الفلسطينية في المخيال الأمريكي الصهيوني
تخيّل أنّ الدول العربية المنتصرة قرّرت في وقت لاحق السماح للفلسطينيين بممارسة حق العودة وإقامة دولتهم في بعض أو كل الأراضي الفلسطينية. لنفترض أيضاً أنّ مليوناً أو ما يقرب من ذلك من اليهود الإسرائيليين انتهى بهم الأمر كلاجئين محصورين في جيب ضيّق، مثل قطاع غزة. ثم تخيّل أنّ مجموعةً من مقاتلي “الإرغون” السابقين وغيرهم من المتّشددين اليهود نظّموا حركةً، وسيطروا على الجيب، ورفضوا الاعتراف بالدولة الفلسطينية الجديدة.
علاوةً على ذلك، فلنفترض أنّ هؤلاء شرعوا في الحصول على دعم من المؤيدين المتعاطفين في جميع أنحاء العالم، وبدأوا تهريب الأسلحة إلى القطاع، واستخدموها في مهاجمة المستوطنات والبلدات القريبة في الدولة الفلسطينية التي تأسست حديثاً.
ثم لنفترض أنّ الدولة الفلسطينية ردّت بحصار وقصف القطاع، ما تسبّب في مقتل الآلاف من المدنيين
في ظلّ هذه الظروف، أي جانب تعتقد أنّ حكومة الولايات المتحدة ستدعمه؟
في الواقع، هل كانت الولايات المتحدة ستسمح بنشوء وضع كهذا؟
الإجابات واضحة، وهي تتحدث كثيراً عن الطريقة الأحادية الجانب التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع هذا الصراع.
أولئك منّا الذين انتقدوا بعض تصرفات “إسرائيل” ليتمّ تشويه سمعتهم زوراً على أنّهم معادون للسامية، أو كارهون لليهود، أو ما هو أسوأ – كانوا في الواقع يوصون بسياسات كان من الممكن أن تكون أفضل للولايات المتحدة و”إسرائيل”، على حد سواء.
لو تمّ اتباع نصيحتنا، لكانت “إسرائيل” أكثر أماناً اليوم، ولكان عشرات الآلاف من الفلسطينيين ما زالوا على قيد الحياة وفي أرضهم المقسومة، ولكانت إيران أبعد عن امتلاك القنبلة النووية، ولكان من المؤكد تقريباً، أنّ الشرق الأوسط سيكون أكثر هدوءاً.
وأخيراً لن يكون هناك من الأسباب ما قد يدفع إيران إلى تهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية إذا كانت هذه الأراضي جزءاً من دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولن يكون هناك من الأسباب ما قد يدفع قادة إيران إلى التفكير في ما إذا كانت بلادهم قد تصبح أكثر أماناً إذا امتلكت رادعها النووي
خلاصة
يختم “جون ميرشايمر” قائلا : “ولكن إلى أن يحدث تحوّل أكثر جوهريةً في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، فإنّ تلك الاحتمالات المفعمة بالأمل ستظلّ بعيدة المنال، ومن المرجح أن تتكرّر الأخطاء التي أوصلتنا إلى هنا”.