إعداد صبرين العجرودي: قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 18-01-2024
لم تتوانى إيران في الدخول الى ساحة الإقتتال المباشر مع إسرائيل في هذه المرة، فقد كانت الضربة الموجّهة ضد قنصليتها في دمشق دافعا قويا بالنسبة لها لتتحرّك في هذه المرّة مصحوبا بعوامل واعتبارات ومصالح دولية أخرى.
وما لا يمكن وضعه محلا للشك، هو التأثير السلبي الواسع للرد الإيراني على إسرائيل سواء على المستوى السياسي أو العسكري، ولكن الإعتراف بحجم الخسائر في هذا الوقت بالتحديد لا يعد أمرا جيّدا بالنسبة لمصالح المحتل الصهيوني مع الإهتزاز الكبير لصورته دوليا منذ انطلاقه في ارتكاب المجازر في قطاع غزّة في السابع من أكتوبر نهاية عام 2023 وخاصّة إنتصار المقاومة عليها، لذلك استمرت في إطلاق مزاعم إسقاطها لـ 99 بالمائة من المسيرات والصواريخ الإيرانية.
هجوم غير متوقّع
وصف محلّلون سياسيون أن الخطوة التي تقدّمتها إيران، على
أنّها انتهاء واضح لـ “سياسة الصبر الإستراتيجي” بعد حرصها التّام على قياس خطواتها.
ويُذكر أنّ إيران أطلقت في هجومها الذي استمر لمدّة خمسة ساعات 185 طائرة مسيرة من مختلف الأنواع و110 صواريخ أرض أرض و36 صاروخ كروز، وركزّت بالتحديد على استهداف قواعد وبنى عسكرية، دون الاقتراب من المنشآت الاقتصادية والمدنية، حيث أشارت مصادر إعلامية أمريكية الى أنّ هذه الهجمات “أخرجت المواجهات بين إيران وإسرائيل من الظل ومن خلال الوكلاء إلى العلن بشكل صريح ومباشر” مرجّحة أنّ الرد الذي قامت به طهران لا يمكن أن يمر بسلام، إذ يمكن على حد تعبيرها “أن يقود إلى تصعيد كبير في المنطقة”.
من جهتها اعتمدت إسرائيل كالعادة على سياسة التعتيم والتظليل الإعلامي، حيث لم تتطرق الوسائل الإعلامية الإسرائيلية الى نشر تفاصيل بشأن نتائج الهجوم الإيراني ومخلّفاته سعيا منها “للتقليل من شأنه” باعتماد الرقابة العسكرية المشدّدة على كافّة التصريحات التي تصف مخلّفات الهجوم.
في حين أزاحت مصادر مخالفة الستار عن مخلّفات الهجوم الإيراني، مشيرة إلى أنّه أدّى إلى إصابة مطار عسكري إسرائيلي وإصابة فتاة بجروح طفيفة وأضرار مادية في قاعدة الجيش الإسرائيلي.
وكان قائد هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء علي باقري قد أوضح أنّ بلاده قد نفذّت وعدها بهذا الهجوم الذي عبّر عنه بأنّه “استهداف القاعدة الجوية التي انطلقت منها الطائرة الإسرائيلية التي اعتدت على القنصلية الإيرانية في دمشق”.
طرحت طريقة إيران في ردّها المباشر على هجوم إسرائيل الكثير من التساؤلات، حيث أنّها اختلفت عن نظيرتها إسرائيل ولم تقم باستهداف مصالحها أو الهجوم على منشآت الوكلاء، حيث اختارت في هذه المرّة اعتماد الرد المباشر دون غيره، ولا تعد هذه الخطوة اعتباطية بالنسبة لإيران التي طالما كانت في استراتيجيتها الحربية غير مباشرة، إذ اعتمدت على السفارة السويسرية في البداية للإعلام بكل تفاصيل هجومها، وأعلمت كذلك دول الجوار قبل 72 ساعة من القيام بعمليتها، وهو ما يحيل إلى احتسابها لكافّة الخطوات، إذ يأتي الإعلام بهدف احتواء كافّة الردود.
استرجاع الهبة الاقليمية
لم يكن هجوم ايران ردّا على ضربة قنصليتها في دمشق فقط، بل أتى نتيجة للهجمات الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ سنوات، ولم يكن اتخاذ قرار الهجوم مفاجئا بقدر ما كان فرصة تنتظرها ايران لا يمكن تأخيرها أكثر وبأي شكل من الأشكال من وجهة نظرها، نظرا لما تحمله من مخاطر استراتيجية كبيرة عليها كقوّة إقليمية في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن يؤدي ذلك الى تهديد هيبتها وبالتالي مصالحها المرتبطة بكامل المنطقة، ولا يشكّل الهجوم على القنصلية سوى الذريعة التي ارتكزت عليها ايران للقيام بعمليتها أو الفرصة الأخيرة لتغيير جميع وجهات النّظر السلبية بشأن استراتيجيتها الحربية، دون حدوث أي مخاطر تهدّدها سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو الاستراتيجي.
بالتالي تقف أسباب وحسابات عديدة وراء سير إيران بهذه الخطوة الجريئة تحت غطاء ضربة القنصلية، حيث أنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة مثّلت جزءا هامّا من الهجوم الإيراني واصطفافا عمليّا الى جانب الفلسطينيين وبالتالي سيحظى بترحيب كبير من قبل الدول المناهضة لعملية الإبادة التي ترتكبها إسرائيل، الى جانب ذلك يمكن لعدم الرد المباشر واكتفاء إيران بتهديدات غير مباشرة أن يضع إيران محط انتقادات شعبية ودولية كبيرة تهدّد مصالحها.
كما أشار محلّلون للمشهد الدولي بانّ “الضربة الإسرائيلية واغتيال قادة إيرانيين في مقر القنصلية كان هجوما إسرائيليا مباشرا على إيران في علاقة بـمحور المقاومة” لذلك يستوجب من وجهة نظرهم ردا مباشرا وليس عن طريق الوكلاء، خاصّة بعد إدراك إيران أنّ استراتيجيتها السابقة في إدارة الحرب مع إسرائيل باعتماد محور المقاومة، لم يعد مجديا أو مقنعا بالنسبة لحلفائها في سوريا واليمن ولبنان مع تواصل الهجوم عليهم من الولايات المتحدة الأمريكية.
من جهة أخرى تعتبر إسرائيل في الوقت الحالي في أسوأ وضع لها على كافّة المستويات بسبب ما ترتكبه من انتهاكات واضحة وخرق كبير للقانون الدولي، ذلك الى جانب عدم الاتفاق العسكري الشامل لإسرائيل على القيام بضربة القنصلية الإيرانية وخاصّة عدم رضاء الولايات المتحدة الأمريكية على الضربة في ظل الشكوك الكبيرة بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو ما يعتبر فرصة لا يمكن تفويتها بالنسبة لإيران لتنفيذ هجومها لمزيد تكديس الضغوط على نتنياهو.
من جهة أخرى تضع إيران احتمال أن الولايات المتحدة الأمريكية ستضغط في هذه المرة على إسرائيل حول قيامها باي ردّة فعل متسرّعة على الضربة التي تلقتها وذلك تجنّبا لأي إمكانية في حصول حرب إقليمية تؤثر على مصالح واشنطن التي أصبحت صورتها الدولية في الحضيض مع دعمها المستمر لإسرائيل وترقيعها لأخطائها.
ومن الاحتمالات الأخرى التي تضعها إيران، هو منطق واحد بواحد في الهجوم بينها وبين إسرائيل، لذلك لا تعتبر الحرب الإقليمية من بين الأهداف التي تسعى إليها إيران الى جانب الازمات الدولية الحالية، وفي حالة ما إذا قامت إسرائيل بأي ردّة فعل أخرى ترجّح إيران أنّها لن ترتقي إلى درجة تسبّبها في حرب إقليمية خاصّة في ظلّ السياسة التي تعتمدها واشنطن مع إسرائيل.
إضافة الى ذلك، يعتبر هجوم إيران المباشر صفعة جيدة لإسرائيل لتراجع بعدها كل خطواتها المتبعة، ليس هي فقط بل كل الأطراف الداعمة لإسرائيل والراعية لحروبها.
الخلاصة:
بالتالي يمكن الإستنتاج من أن ضرب إسرائيل للقنصلية الإيرانية مباشرة تكمن ورائه رغبتها في تصعيد الوضع مع طهران، باعتبار وأنّ قصف القنصلية فيه استهداف واضح لهبة الدولة ومكانتها.
ولكن قد تكون إسرائيل قد وضعت احتمالات خاطئة فيما يتعلّق بتوقّعاتها حول الكيفية التي سترد بها إيران، وثانيا الموقف الأمريكي الغير مصطف الى جانبها في هذه الوضعية، بالتالي فإنّ تطوّر المشهد الى حرب إقليمية يعد خيارا صعبا وله تكاليف صعبة لا تتحمّلها إسرائيل في الوقت الحالي دون دعم أمريكي ولا أمريكا مستعدة لحرب إقليمية موسعة، خاصّة وأنّ توسيع الحرب يعني مباشرة فتح جبهات أخرى على حدود لبنان وسوريا والعراق واليمن وفي البحرين الأحمر والأبيض، أي توسّع الحرب بشكل يقضي عليها.