الأحد. نوفمبر 24th, 2024

تقديم
في التاسع عشر من نوفمبر 2023، خرج الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحي سريع وقال “انطلاقاً من المسؤولية الدينية والوطنية والأخلاقية ونظرا لما يتعرض له قطاع غزة من عدوان إسرائيلي أمريكي غاشم حيث المجازر اليومية والإبادة الجماعية، واستجابة لمطالب شعبنا اليمني ومطالب الشعوب الحرة، ونجدة لأهلنا المظلومين في غزة تعلن القوات المسلحة اليمنية أنها ستقوم باستهداف جميع أنواع السفن التالية:
-السفن التي تحمل علم الكيان الصهيوني ، التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية ، السفن التي تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية.كما تهيب القوات المسلحة اليمنية بجميع دول العالم بسحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن، وتجنب الشحن على متن هذه السفن أو التعامل معها، وإبلاغ سفنكم بالابتعاد عن هذه السفن”.
لم ينته نهار التاسع عشر من نوفمبر، الا وقد فعلها اليمنيون فكانت “احتجاز سفينة إسرائيلية في أعماق البحر الأحمر”، وبحسب المعلومات المتداولة إنّه جرى احتجاز 52 شخصاً كانوا على متن السفينة الإسرائيلية، وأنّ طاقم السفينة ومن كانوا عليها هم حالياً قيد التحقيق معهم والتثبّت من جنسياتهم من قبل الأجهزة اليمنية المعنية. فبعد اعلان هيئات الأعلام لإسرائيلي بتمكن القوات البحرية التابعة لجماعة انصار الله الحوثيي الذي أعلن السيطرة على سفينة مستأجرة لشركة إسرائيلية في البحر الأحمر وهو ما اثار حفيظة البنتاغون الأمريكي بأنها عملية خطيرة تهدد ممرات أمن الملاحة الدولية ، يأتي ذلك إثر تهديد سابق لجماعة الحوثي بأنها “ستقوم باستهداف جميع أنواع السفن، سواء تلك التي تحمل علم إسرائيل، أو التي تشغلها شركات إسرائيلية، أو تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية”، فهل يمتلك الحوثيين فعلا القدرة على استهداف مصالح إسرائيل والولايات المتحدة في البحر الأحمر؟
أولا – السياق العسكري للعمليات البحرية اليمنية
ترتكز قراءة العملية التي قامت بها القوات المسلّحة اليمنيّةعلى منحيين الأول: الإعداد الاستخباراتي للعملية، لمعرفة أيّ السفن هي المستهدفة والتأكد من هويتها ووجهتها ثم معرفة التوقيت الذي تكون فيه قد وصلت إلى النقطة الجغرافية المحددة. وبحسب مصدر عسكري تحدث لموقع “الخنـادق” فإن “الأجهزة الاستخباراتية اليمنية لديها الأساليب المناسبة التي سخرتها لإتمام العملية”. مضيفاً أن “الأيام القادمة ستكشف عن جانب مهم من قدرة هذه الوحدة”. الثاني، تنفيذ العملية. اللافت أن احتجاز السفينة جرى دون الحاجة لاستخدام أي نوع من الأسلحة أو إيقاع الخسائر البشرية أو اللوجستية من الجانبين، وهو ما يُعرّف عنه بالعملية “النظيفة كما أن “التنفيذ بطائرة هيلكوبتر، على متنها قوات خاصة-كوماندوز تجري عملية إنزال على سطح السفينة يؤكد على نجاعة وتدريب وتأهيل هذه القوة .
من منظور يمني ان جزء من مواجهة العدو هو المواجهة الاقتصادية وتشويش حركة الملاحة الدولية وبالتالي فإن أي سفينة قد تتحرك بذلك الاتجاه أي اسرائيل عليها أن تدرس خياراتها جيداً بأنها قد تتعرض للقصف، أو الاحتجاز كما ان للعملية أيضاً جانب معنوي بأن اليمن يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في حربه التحريرية ، وأن هناك من تحرك لأجلهم وهو مستعد لتقديم المزيد وقد نشهد تطورات خلال الأيام القادمة.
القدرات المتاحة
تمتلك القوات البحرية التابعة للحوثيين أدوات جديدة، حيث عرضت قبل عام واحد زوارق قتال من أنواع “عاصف” و”ملاح” ومؤخرا “نذير” التي تمتلك القدرة على حمل أسلحة متوسطة وخفيفة ويمكنها إطلاق صواريخ كاتيوشا 107 ملم، التي إما تكون تدميرية وإما حارقة، ويمكن لبعضها حمل أنظمة دفاع جوي، وتُستخدم لضرب السفن والسيطرة عليها، إلى جانب ذلك يمتلك الحوثيون قوارب ذاتية القيادة لأغراض القتال والاستطلاع البحري.
أعلن الحوثيون كذلك عن امتلاكهم ألغاما بحرية من أنواع “مسجور” و”ثاقب” و”كرار” و”مجاهد” وغيرها، وعلى اختلاف أنواعها فإن الألغام البحرية عبارة عن جهاز متفجر قائم بذاته يوضع في الماء لإتلاف أو تدمير السفن السطحية أو الغواصات، تُوضع الألغام على أعماق متنوعة في الماء، وتُفعَّل عند استشعار قدوم سفينة ما، ولكل نوع عمق محدد وآلية تفعيل.
وإلى جانب ما سبق، يمتلك الحوثيون صواريخ روبيج6، وهو نظام روسي للدفاع الساحلي، يستخدم صواريخ “كي إتش – 35 يو آي” المضادة للسفن، ويصل مداها إلى 260 كيلومترا،
شمل عرض الحوثيين أيضا نسخا جديدة من الصواريخ الموجَّهة ضد السفن7 مثل “تنكيل”، إلى جانب أنواع أخرى مثل “حاطم” و”فالق” و”صياد”، وهي صواريخ مجنحة مجهزة بباحث راداري أو حراري، بمدى مجمل من 200-400 كيلومتر، وجميعها يشبه صواريخ إيرانية لها المواصفات نفسها، كذلك فإن العرض شمل صواريخ كروز للهجوم الأرضي من طراز “قدس 4” التي يمكنها الاشتباك مع الأهداف البرية والبحرية، وتُعد جزءا من عائلة صواريخ كروز التي طورتها إيران بمدى يبلغ 800 كيلومتر.
ثانيا – تطور الترسانة الصاروخية للقوات الجوية اليمنية
يمتلك الحوثيون أيضا صواريخ “كروز” من طراز “قدس”، وتتوافر نسخ عدة من هذه الصواريخ، بعضها يبلغ مداه نحو 1650 كيلومترا، ويُعتقد أنها ما تمكنت “يو إس إس كارني” من استهدافه3، وعموما، فإن الحوثيين يحدّثون مدى ترسانتهم الصاروخية بسرعة، ولنتأمل خطَّ سيرٍ زمنيا قصيرا من 2015 وحتى الإعلان عن “طوفان” مؤخرا، فمثلا في 2015 أعلن الحوثيون عن إصدار صواريخ “قاهر-1” و”قاهر-إم 2″، وهي تنضم إلى عائلة من صواريخ أرض-جو السوفيتية من النوع “سام في 755” المعدلة لمهام الهجوم الأرضي، يمكن لهذه الصواريخ أن تصل إلى مدى 250-400 كم.
تعمل الصواريخ الباليستية وفق مبدأ بسيط وهو إطلاقها في مسار قوسي، يخرج خارج الغلاف الجوي ثم يعود مجددا إلى الأرض لضرب الهدف، في مسار محدد مسبقا وما إن يصل حتى يطلق الصاروخ حمولته. يمكن إطلاق هذا النوع من الصواريخ من منصات متنوعة مثل منصة أرضية أو غواصة أو صومعة، وفي حالة صاروخ “طوفان” فإنه ينطلق من منصة أرضية متنقلة، يمكن أن تكون جاهزة للعمل خلال 30 دقيقة فقط.صمِم هذا الصاروخ حاليا لحمل رأس حربي تقليدي ولكنه قادر على التسلح برأس حربي كيميائي أو نووي أيضا بوزن يصل إلى نحو 800 كيلوغرام، نلاحظ أن مقدمة الصاروخ مخروطية مدببة تجعله يشبه قنينة الرضاعة، يسمح ذلك للرأس الحربي بالدخول مرة أخرى إلى الغلاف الجوي بسرعة أكبر، ويمكِّن الرأس الحربي من القدرة على الانفجار في الهواء فوق هدفه. إذا تمكن الصاروخ من الوصول إلى هدفه، فإن نسبة الخطأ في مكان الضرب المحدد تكون ضمن دائرة قطرها 80-100 متر2.
أما صواريخ “بركان 1” فأُعلِن عنها في 2016، ومن المرجح أنه نسخة معدلة من صاروخ “شهاب-1” الإيراني بمدى يصل إلى 800 كيلومتر، تلاه “بركان 2 إتش” الذي كُشف عنه في 2017وهو صاروخ باليستي قصير المدى مشتق من صاروخ “قيام” الإيراني يبلغ مداه ألف كيلومتر، وفي سبتمبر 2023 عُرِضَ مشتق آخر من صاروخ “قيام” الإيراني يبلغ مداه أيضا ألف كيلومتر، الذي أُطلق عليه اسم “عقيل”.
ثالثا – مسيرات الحوثيين
ترسانة الحوثيين من المسيرات الجديدة، التي تتنوع في استخداماتها من الرصد والاستطلاع إلى القتال والضرب وأداء المهام الانتحارية، مثل طائرات “صماد” بأنواعها التي تشبه طائرات “شاهد” الإيرانية، ويتنوع مداها بين 1200 كيلومتر و1700 كيلومتر، بدأ الحوثيون في نشر هذه المسيرة في منتصف عام 2018. أعلن الحوثيون كذلك عن المُسيرة “وعيد” التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر. بشكل خاص، تشبه “وعيد” المسيرة الإيرانية “شاهد 136″، صُمِّمت لمهاجمة أهداف أرضية من مسافة بعيدة بوصفها مسيرة انتحارية ما إن تصل إلى الهدف حتى تفجر نفسها فيه، وتُطلَق على دفعات تتكون من خمس مسيرات أو أكثر لإرباك الدفاعات الجوية عن طريق استهلاك مواردها.
رابعا – صاروخ الطوفان
يتبع مسار العملية عقب سلسلة من الهجمات الحوثية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر حيث ، شنَّت حركة الحوثي عدة هجمات صاروخية استهدفت إسرائيل تزامنا مع عملية “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، باستخدام صواريخ كروز والصواريخ الباليستية، وهما نوعان متمايزان من الصواريخ، الأول يتبع مسارَ طيرانٍ موجَّها على ارتفاع منخفض نسبيا، فيمكنه التنقل حول العوائق والتضاريس، والثاني يتبع مسارا مقوسا، يصعد لارتفاع كبير في البداية ثم يهبط نحو الهدف.
وصلت صواريخ الحوثيين إلى جنوبي إسرائيل، تحديدا ميناء إيلات، وهو ما أثار انتباه المخططين العسكريين والسياسيين في الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، حيث يتطلب استهداف تلك المنطقة أن تسافر الصواريخ قرابة 1800 كيلومتر شمالا من اليمن على طول البحر الأحمر، تزيد أو تنقص بحسب جهة الضرب وفقا لتقارير.
خلاصة ، كشف الحوثيون عن قدرات جديدة في ترسانتهم من الصواريخ والمسيرات القادرة على ضرب أهداف بعيدة، وهو ما يعني أن العديد من المناطق والأهداف صارت في مرمى صواريخ الحوثي، فقط إذا قررت الجماعة استخدام ترسانتها ضد هذه الأهداف ونستنتج أن الحوثيين يطورون من ترسانتهم العسكرية خاصة في نطاقين، وهما مدى الصواريخ، والإمكانات البحرية ومن المؤكد أنهم يمتلكون الآن القدرة على الوصول إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر الصواريخ أو المسيرات الانتحارية، إلى جانب قدرتهم على استهداف أية سفن تمر قبالة اليمن في البحر الأحمر.

By amine