فاتن جباري قسم العلاقات الدولية و الشؤون الاستراتيجية
تقديم :
على مدار اللقاء المشهود بين ، رئيسي أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ “آبيك” بين الرئيس الأمريكي بايدن و نظيره الصيني شي جين إثر استئناف المحادثات العسكرية بين البلدين على “مستوى رفيع”، وذلك خلال القمة التي جمعتهما في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بعد سنوات من توتر العلاقات بين الجانبين في مجالات مختلفة…اللقاء ترك نقاط استفهام عديدة اذ كان من المنتظر حسم المسائل العالقة لكلا الجانبية خصوصا بعد تصريحات الرئيس الامريكي التي وصفت بالسلبية ازاء نظيره الصيني . أهم هذه القضايا العالقة هي “تايوان التي باتت بؤرة صراع بين الولايات المتحدة والصين” في وقت تقود فيه أمريكا غمار الحرب من جبهات متعددة حيال الحرب الاوكرانية و حرب الشرق الأوسط ، ضد قطاع غزة بما يثير توترات حيال فتح جبهة ثالثة بتايوان ؟
أولا – تعقيدات علاقة الصين بتايوان
لكي نتفهم جيدا سبب انتهاج واشنطن سياسة الغموض الاستراتيجي تجاه تايوان، ينبغي أولا التعرف على جذور التوتر بين تايوان والصين :
في عام 1949، أدت الحرب الأهلية إلى تقسيم الصين. انسحبت ما كانت تعرف بحكومة جمهورية الصين (التي كانت تدعمها واشنطن) إلى تايوان وعدة جزر أخرى أصغر، في حين هيمنت قوات الزعيم الشيوعي ماو تسيتونغ على بر الصين. في أعقاب اندلاع الحرب الكورية، تدفقت المساعدات الأمريكية على تايوان، وأبرم الجانبان معاهدة دفاع مشترك. لكن الولايات المتحدة أصرت على أن أي هجوم تشنه تايوان على بر الصين يجب أن يتم بموافقة من واشنطن، إذ لم يكن الرئيس أيزينهاور يرغب على ما يبدو في التورط في حرب أهلية أخرى. وعمدت إدارة أيزينهاور إلى جعل صياغة المعاهدة غير واضحة بحيث لا تلزم الولايات المتحدة بحماية تلك الجزر.
ويرى كثير من المختصين أن المعاهدة نجحت في الحيلولة دون اندلاع حرب في منطقة مضيق تايوان. ولكن الولايات المتحدة قررت عام 1979 إلغاءها، إذ كان ذلك شرطا مسبقا لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع بكين. ليحل محلها بما يعرف بـ”قانون العلاقات مع تايوان” الذي مرره الكونغرس في العام نفسه ووقع عليه الرئيس جيمي كارتر.
ينص القانون على مواصلة العلاقات الاقتصادية والثقافية، وكذلك العلاقات السياسية غير الرسمية مع تايوان، وتزويد واشنطن الإقليم بالوسائل اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الدفاعي، على أن يحد الرئيس والكونغرس نوعية تلك الوسائل والطريقة التي تستجيب بها الولايات المتحدة لأي تهديد يتعرض له الإقليم.
كما ينص على أن إقامة واشنطن علاقات مع جمهورية الصين الشعبية يعتمد على تفاهم متبادل مفاده أن مستقبل تايوان (انضمامها إلى الصين من عدمه) سيتم تقريره بالطرق السلمية. إضافة إلى هذا تبنت الولايات المتحدة ما يسمى “سياسة الصين الواحدة”، وهي الاعتراف الدبلوماسي بموقف الصين المتمثل في أن هناك حكومة صينية واحدة. بموجب هذه السياسة، تعترف الولايات المتحدة بالصين وتربطها بها علاقات رسمية، في حين أنها لا تعترف بجزيرة تايوان ككيان ذي سيادة.
بالرغم من ذلك ضلت تتمتع الولايات المتحدة وتايوان بعلاقة غير رسمية قوية وراسخة لأكثر من 40 عاما، اعتمادا على 3 قوانين واتفاقات اعتمدتها الولايات المتحدة. ويمثل قانون العلاقات مع تايوان “تي آر إيه” (TRA)،الذي أقره الكونغرس في عام 1979، حجر الأساس لهذه العلاقات، إذ يقنن تسليح تايوان لتدافع عن نفسها. ويمثل “البيان الثالث” المشترك بين واشنطن والصين والموقع في أغسطس/آب 1982، ثاني هذه المبادئ، ويدعو إلى دعم التعاون في كافة المجالات بين الصين والولايات المتحدة.
وآخر هذه المبادئ هو “التأكيدات الستة” التي نقلت إلى الرئيس التايواني عام 2016 بعد اعتمادها رسميا من مجلسي الكونغرس، وتؤكد فيها واشنطن أن تعاونها مع بكين ليس على حساب علاقاتها مع الصين :
ثانيا – أهمية تايوان بالنسبة للولايات المتحدة
أصدرت المبادرة الجديدة كتيبا يبرز أهمية تايوان للولايات المتحدة، وركز على 10 نقاط على النحو التالي:
– تتمتع الولايات المتحدة وتايوان بعلاقة غير رسمية قوية منذ أكثر من 40 عاما.
– تايوان هي باستمرار واحدة من أكبر 10 شركاء تجاريين للولايات المتحدة بحجم تجارة بلغ 107 مليارات دولار عام 2021.
-يزداد الاستثمار الأجنبي المباشر الأميركي في تايوان كل عام، وبلغ 31.5 مليار دولار العام الماضي.
-تايوان هي ثامن أكبر سوق للصادرات الزراعية الأميركية، وتستورد ما مقداره 5 مليارات دولار سنويا.
-تدعم الصادرات الأميركية إلى تايوان أكثر من 200 ألف وظيفة داخل الولايات المتحدة.
-ترتبط صناعات أشباه الموصلات الإستراتيجية في تايوان والولايات المتحدة إلى درجة كبيرة. وتنتج تايوان 20% من سعة الرقاقة العالمية، وتنتج 92% من منتجات أشباه الموصلات الأكثر تطورا في العالم.
– في عام 2020، تلقت تايوان 45% من صادرات الولايات المتحدة من معدات أشباه الموصلات، التي تستخدم في كل شيء من الهواتف المحمولة إلى السيارات.
– يعيش أكثر من 205 آلاف أميركي من أصول تايوانية في الولايات المتحدة. والولايات المتحدة هي خامس أكبر مصدر للسياح إلى تايوان.
-هناك أكثر من 24 ألف طالب تايواني يدرسون في الجامعات الأميركية.
-هناك أكثر من 90 اتفاقية مؤاخاة وتوأمة بين المدن والولايات الشقيقة الأميركية والتايوانية.
يتكرر الجدل في العاصمة الأميركية حول جدوى الحفاظ على علاقات خاصة وإستراتيجية مع تايوان، وكيف يمكن لهذه العلاقات أن تشعل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، واقترابهما من مواجهات عسكرية لا يرغب فيها الطرفان.
ومع استمرار توتر العلاقات بين بكين وواشنطن، الذي تضاعف إثر قيام رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بزيارة تايوان، وما تبعها من تصعيد الصين أنشطتها ووجودها العسكري حول الجزيرة، يخشى حلفاء تايوان في الولايات المتحدة تحوّل المنطقة الإقليمية الى مجال صراع
ثالثا – تايوان بمنظور امريكي وسياسة الغموض
يتلخص موقف الولايات المتحدة من مستقبل تايوان في رفض أي إعلان لاستقلالها بشكل دائم عن الصين، ولكنها تؤيد الحل السلمي للخلافات بين تايبيه وبكين، وتعارض أي تغييرات انفرادية في الوضع الراهن من جانب أي من الجانبين.
وتبنت واشنطن مبدأ “الغموض الإستراتيجي” حال تعرض تايوان لأي غزو عسكري صيني، على الرغم مما كرره الرئيس جو بايدن من التزام واشنطن بالتدخل عسكريا إذا غزت الصين تايوان. وتتمتع تايوان بدعم كبير وواسع يتخطى الانتماء الحزبي داخل مجلسي الكونغرس. ويركز تجمع تايوان في مجلس الشيوخ حصريا على تحسين العلاقات الأميركية التايوانية، ويضم التجمع 33 عضوا من 100 عضو بالمجلس، في حين يضم تجمع تايوان بمجلس النواب 229 عضوا من الحزبين، مما يجعله التجمع الأكبر من نوعه داخل المجلس.
وألغت الولايات المتحدة اعترافها بتايوان عام 1979، وضغطت الصين على بقية دول العالم لتلغي علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، ونتج عن ذلك أن تايبيه لديها اليوم علاقات دبلوماسية مع 15 دولة فقط -من أصل 193 بلدا تابعا للأمم المتحدة- وكلها دول صغيرة وهامشية.
رابعا – الحرب الإقليمية على محيط تايوان والمناورات الصينية الأمريكية ؟
حذر دبلوماسي أميركي سابق من أن حربا عالمية يمكن أن تخسرها الولايات المتحدة ليست بعيدة عن الحدوث، قائلا إن الوقت قد حان للتحرك بإلحاح حقيقي لتعبئة أميركا ودفاعاتها وحلفائها لما يمكن أن يصبح أزمة عالمية معاصرة.
هذه التطورات رافقتها مناورات مكثفة و مساعدات عسكرية أميركية لتايوان وأستراليا ومناورات عسكرية ضخمة بمشاركة اليابان وألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية مما اثار غضبا صينيا، حيث حذرت بكين من أن “التباهي بالقوة العسكرية” سيزيد التوتر في ب.حر جنوب الصين بما قد ينبأ بنشوب حرب عالمية ثالثة من جبهة أمريكية ثالثة
آرون ويس ميتشل وهو المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لأوروبا وأوراسيا أوضح أن الولايات المتحدة في مأزق في 3 جبهات مع تحرك روسيا لحرب اوكرانيا و فتح جبهة جديدة في الشرق الأوسط بعد الحرب على غزة ، وازدياد الإغراء لتسلح الصين نفسها بسرعة لاتخاذ خطوة في تايوان. مؤكدا انه على الولايات المتحدة أن تكون على أعلى درجات اليقظة لهذا السيناريو على أمل ردع الصراع وأن الإعداد الفعال هو الطريق لتحسين قدرتها على الردع وإرسال إشارة واضحة إلى الخصوم بأن العدوان أخطر على أنفسهم من الاستقرار والسلام.
أميركا ليست مستعدة حاليا
يؤكد خبراء عسكريون أمريكيون ان الجيش الأميركي اليوم ليس مصمما لخوض حروب ضد خصمين رئيسيين في وقت واحد، وإن أي هجوم صيني على تايوان، سيعرّض الولايات المتحدة لضغوط شديدة لرفض الهجوم مع الحفاظ على تدفق الدعم إلى أوكرانيا وإسرائيل.
ذلك ان مواجهة حروب متصاعدة في 3 جبهات على الأقل، يتطلب قدرا من الوحدة الوطنية، وتعبئة الموارد، والاستعداد للتضحية التي لم يرها الأميركيون وحلفاؤهم منذ أجيال.
الولايات المتحدة شنت حروبا متعددة الجبهات من قبل، لكن في النزاعات السابقة، كانت دائما قادرة على التفوق على خصومها، إلا أن الأمر لم يعد كذلك حاليا: فالبحرية الصينية أكبر بالفعل من الولايات المتحدة من حيث العدد الهائل من السفن، وهي تنمو بما يعادل البحرية الفرنسية بأكملها (حوالي 130 سفينة كل 4 سنوات) وبالمقارنة، تخطط البحرية الأميركية لتوسيع 75 سفينة خلال العقد المقبل.
الاقتصاد والتكلفة البشرية
بات من الممكن أن تدخل أميركا في ديون تزيد على 100% من الناتج المحلي الإجمالي وتضخم يصل إلى 200% من الناتج المحلي الإجمالي. مكتب الميزانية في الكونغرس ومصادر أخرى أكدت أن أعباء الديون على هذا النطاق قد تهدد بعواقب كارثية على الاقتصاد الأميركي والنظام المالي العالمي.
ومن المخاطر الأخرى إغلاق مطوّل لمنطقة البحرالاحمر وتحديدا مضيق هرمز وسط صراع أوسع في الشرق الأوسط يدفع أسعار النفط إلى ما وراء 100 دولار للبرميل، مما يزيد بشكل كبير من الضغوط التضخمية. كل هذا يتضاءل إلى جانب التكاليف البشرية التي يمكن أن تتكبدها الولايات المتحدة في صراع عالمي فمن المحتمل أن تموت أعداد كبيرة من أفراد الخدمة الأميركية، لأن بعض خصوم أميركا يمتلك قدرات تقليدية ونووية يمكن أن تصل إلى أميركا؛ والبعض الآخر لديه القدرة على إلهام أو توجيه هجمات “إرهابية” على الأراضي الأميركية والتي قد يكون من الأسهل تنفيذها نظرا لحالة الحدود الجنوبية للولايات المتحدة التي يسهل اختراقها.
الأولوية الفورية لأمريكا
بالنسبة للأمريكيين ، الأولوية الفورية للولايات المتحدة هي ضمان حصول أوكرانيا وإسرائيل وتايوان على الأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها، قائلا إن هؤلاء هم اللاعبون الرئيسيون بالوقت الحاضر، وإن أفضل أمل لتجنب صراع عام هو أن تكون هذه الدول الحدودية شجاعة وقوية لوقف “العدوان” أو ردعه قبل أن ينتشر.
وبالنسبة للحكومة الامريكية بات الوضع خطير بما يكفي لدرجة أن واشنطن قد تحتاج إلى استدعاء قانون الإنتاج الدفاعي والبدء في تحويل بعض الصناعات المدنية إلى أغراض عسكرية. حتى ذلك الحين، قد تضطر حكومة الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات صارمة بما في ذلك إعادة توجيه المواد المخصصة للاقتصاد الاستهلاكي، وتوسيع مرافق الإنتاج، ومراجعة اللوائح البيئية التي تعقّد إنتاج المواد الحربية. كل ذلك من أجل إعداد القاعدة الصناعية الأميركية للتعبئة.