الأثنين. نوفمبر 25th, 2024

إعداد: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

وتستمر تأثيرات الصدمة التي خلفتها عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها المقاومة الفلسطينية صباح السبت 07 من أكتوبر 2023، ليس فقط في الكيان المحتل ولكن في جميع أنحاء العالم.

وحدات “عز الدين القسام” التي تسللت إلى داخل الكيان الصهيوني المحتل من 22 نقطة مختلفة، وفرضت هزيمة لم يشهدها الكيان المحتل من قبل في تاريخه، جعلت العالم “يتحسس أصابعه”كما قال “أبو عبيدة” ويتكلم بإسم المقاومة الفلسطينية، ويقول سنتقدم، وقد حققنا وفعلنا وسنفعل فكل أنظار العالم تشتد والرعب يظهر على وجوههم الكاحلة.

في الواقع، كان التأثير الأولي للحدث على العالم مشابها لتأثير رواية “التحول” لكافكا، حيث يستيقظ البطل “غريغور سامسا” ذات صباح ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة ضخمة.

هذه المرة، الأشخاص الذين استفاقوا يجدون أن الدولة الصهيونية التي يهابها العالم والتي تسمي نفسها دولة متقدمة ويتمّ تصنيفها بأنها دولة ديمقراطية والدولة المتقدمة، التي عُرفت للعالم على مدى سنوات كعملاق في الحروب والتكنولوجيا والاستخبارات والقوة، قد تحولت إلى نمر من ورق بل إنها الوهم الذي زرع في عقول الجبناء والعملاء، إنها البروبغوندا الإعلامية والصفقات العسكرية الوهمية.

الجدران والأسلاك الشائكة والخنادق التي كانت توصف بأنها لا يمكن تجاوزها، تم تجاوزها في بضع دقائق، أرجوا لمن يقرأ هذه الكلمات بأن لا يقول أنه تكتيك العدو الصهيوني فهم تركوهم يدخلون لينفذوا مشروعهمومخططهم، ولا تقارنوا ما يحدث اليوم بمآمرة 11 سبتمر 2001 فلا التاريخ نفسه ولا الجغرافيا نفسها ولا الظرفية ولا الواقع نفسه هذه اليوم حرب الحق والحرية على الباطل وعلى الإستعمار.

وشهدت الأراضي المحتلة من الكيان الصهيوني، التي لا يمكن دخولها دون إجراءات أمنية صارمة، تَدَفُّق الآلاف من جنود كتائب القسام والمتطوعين الفلسطينيين بسهولة، بينما فر جنود الإستعمار والمستوطنون الصهاينة من أمامهم كجرذان صغيرة وظهر جبنهم وخوفهم فهؤولاء ملاتزقة لا يعبرون على عقيدة الحق والأرض والعرض.

الكيان الصهيوني والذي يسمي نفسه “دولة إسرائيل” التي استخدم قوته واستخباراته ومهاراته الحربية كآلة للرعب في المنطقة كلها منذ تأسيسها، خسرت أمام تكنولوجيا تم تطويرها من أنابيب مدخنة وأمام كتائب المقاومة واليوم يريدون تغطية فضيحتهم ويروجون بأنهم هم من ترك الأوضاع كذلك حتى يحسموا في القضية ويخرجون الفلسطيين والغزاويين من أراضيهم ويقسمونهم على دول الجوار مصر والأردن والسعودية وغيرها.

 فكل دولة من المنطقة يجب أن تفتح الباب من أجل وضع خيام الأمم المتحدة وتوطين المهجرين قصرا لتستمتع إسرائيل بالأمن والإستقرار وتبدأ في تنفيذ خطواتها الثانية وهي الزحف على الدول المجاورة ويجب على الكل أن يقول “نحن تحت أمرك أيها الكيان الصهيوني المتطرف الأرهابي  الغاصب”.

بالطبع، لم تهزم أنابيب المدخنة التي تم تعديلها الكيان الصهيوني، وإنما هزمها الإيمان الذي لم يستسلم لكل قوتها وتكنولوجياتها وظلمها الاستعماري، وأمريكا والدول الغربية التي تساندها وتدعمها والماكينة الإعلامية الكاذبة والتي تنشر الكذب والبهتان والزور بكل صفاقة.

هذا الكيان الصهيوني المحتل الذي أجبر سكان غزة على العيش تحت الحصار 16 عاما، ولم يسمح بدخول قطعة خبز أو دواء أو أي مواد أخرى دون إذن، وأهانت رجالهم ونساءهم وأطفالهم وكرامتهم وإيمانهم ومقدساتهم، لم تستطع أبدًا تجنب رؤية العزيمة الصامدة في أعين الشعب الفلسطيني الذي قهره بطش الإستعمار، إنها عزيمة إرادة الحياة إنها عزيمة الكرامة والحرية إنها العقيدة التي لا تنتهي ولا تهزم، كل هذا يدركه الكيان الغاصب وهو يشكل له دائما كابوسا يوقض مضجعها واليوم أصبح حقيقة على الميدان فإرادة الحياة هي التي تنتصر على الآلة الحربية وعلى التكنولوجيا وعلى الأساطيل.

 فأجدادنا هكذا تحرروا أمام إستعمار الفرنسيين في وقتها كان الجميع يقول كيف لمقاومة لا تملك السلاح بأن تخوض حربا ضد المستعمر المدجج بالسلاح، وها هي تونس وغيرها من الدول قد إستقلت، هاهي إفريقيا اليوم تخوض حرب الحرية والإستقلال من الكيان الإستعماري الفرنسي وتطرده شرّ طردة، هذه هي الحقيقة التي نعيشها اليوم وتعيشها كل الشعوب المريدة للحرية والكرامة.

وستستمر الحرب وستتوسع والطوفان سيمسح شياطين الأرض

الخيار الإستراتيجي السياسي للمقاومة الفلسطينية كان الاستمرار في المقاومة، مسلحةً بالإيمان بالقضية وعقيدة المقاومة ولكنها عقلانية في الوقت ذاته، تستخدم ما يتاح لها من قدرات للرد على إرهاب الصهاينة…

كانت البداية مع إنتفاضة الحجارة،لكن ذلك لم يكن يعني أنها ستكتفي بها. عملت المقاومة الفلسطينية جاهدة لتطوير التكنولوجيا والقوة لتصيب الكيان الصهيوني في أمّ عينها، كما فعل داود عندما أصاب “جالوت” في وسط عينه.

في سنة 2021، أظهرت المقاومة الفلسطينية بوضوح أنها تمتلك القدرة على تحويل القبة الحديدية الإسرائيلية الأسطورية إلى مصفاة. كانت تحذر “إسرائيل” من أن هذا التطور الذي حققته “القبة الحديدة” أصبح حقيقة وليست خدعة ولا وهم ولكن الحقيقة أنه “هو الوهم”، وأنها إن لم تتخذ الحذر، فستذوق كأس المعاناة الذي يتجرعه الفلسطينيون، وبان بالكاشف أنها كانت تسوّق للوهم وتعرف كيف تروّج اليه.

قبيل العملية الأخيرة، كانت هجمات المقاومة “رد فعل غير متكافئ” على هجمات الكيان المحتل، ولكنها مع “طوفان الأقصى” أخذت زمام المبادرة للمرة الأولى لتهاجم الكيان الصهيوني الغاصب، وجعلتها تعيش الكابوس الذي تعيشه غزة وكل الأراضي الفلسطينية كل ليلة.

هذا هو ملخص ما يقع اليوم في فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط على رمّتها، رغم كل الضجيج الذي يثيره أصدقاء أميركا وإسرائيل الذين تحولوا فجأة إلى وضع “إسرائيل البائسة تواجه هجمات المقاومة الوحشية والتي لخصوها في “حماس” فهم يريدون أن يوهموا العالم كله بأن من يقاوم الإحتلال هم “مجموعة مسلحة” تسمى “حماس” بل أنهم يذهبون اليوم لتصنيفها كتنظيم إرهابي” وتصبح أي مقاومة فلسطنية هي تنظيم إرهابي فهم يجيدون كثيرا “التصنيف” بل التصنيف هو إختصاصهم، فجوهر المسألة يكمن في أن “إسرائيل” تعيش لأول مرة جزءًا بسيطا مما يعيشه الشعب الفلسطيني منذ 75 سنة.

الشعب الفلسطيني الذي يعيش الإستعمار الغاشم الهمجي والإرهاب الصهيوني المتطرف دون الحد الأدنى من ظروف الحياة الإنسانية، في حين يتم جلب مستوطنين والمتطرفين الصهاينة من أنحاء العالم بوعود كثيرة ليحتلوا منازل وأراضي العائلات الفلسطينية، ويتعرض الفلسطينيون الذين يقاومون لكل أنواع العدوان والإهانة من التطرف الصهيوني.

 فبدلاً من بناء جدران حول المستوطنات لحمايتها، تم بناء جدران حول الأحياء الفلسطينية المجاورة، لتجعل الفلسطينيين يعيشون في سجن كبير. يُجبرون على الانتظار لساعات في نقاط التفتيش التي أقيمت بين الشوارع للذهاب من منزل إلى منزل في الحي نفسه.

يقوم الجيش الإرهابي الصهيوني بالعمليات التي تريدها ضد الفلسطينيين كلما أرادت من دون أن نسمع لا لدول الراعية لوهم الديمقراطية ولا لوهم حقوق الإنسان كلمة ولا الأمم المتحدة تجتمع ولا تنطق بكلمة.

وخلال تلك العمليات، تقتل رصاصات عشوائية الفلسطينين يوميا بكل تطرف وإرهاب صهيوني غادر، وفي المواجهات، يتم اعتقال العديد من الفلسطينيين، ولا ننسى الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى التي تستبيح مقدسات المسلمين، وجعلته تدريجيا تحت الاحتلال بحكم الأمر الواقع.

 وبتشجيع من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تجاهلوا ردود الفعل الإسلامية الغاضبة حيال ذلك فهم تجاسروا وأدركوا أن قادة العالم العربي قد تم “إخراسهم” والى الأبد فقد تلاعبوا بشعوبهم ويعرفون متى وكيف يحركونهم، وهم تحت المعاناة والفقر والتشتت والفتنةوأصبحت الهوة أكبر ما بين الشعوب والحكام وفي أغلب الدول العربية لا يمكن لحاكم أن يكون على رأس السلطة إلا بتزكية بل وبموافقة من الكيان الصهيوني.

لم تعترف إسرائيل بأي من قرارات الأمم المتحدة ولم تنفذها، لأنها كانت تعتقد في قوتها وتراها كافية لفرض كل شيء، وأصبحت أكثر غطرسة ووحشية كلما زاد إيمانها أن لا قوة يمكن أن توقفها.

والذي لا يفهم ولا يصدق وليس له مبرر ما فعلته الدول العربية والمسلمة في السنوات الأخيرة، اتفاقات “التطبيع” المتتالية بين دول إسلامية وإسرائيل مدفوعة بالإيمان بأسطورة أن إسرائيل قوة لا تقهر، لكنهم لم يدركوا أنهم في الواقع كانوا يغذون هذه الأسطورة بمواقفهم ويضعون الإفعى حول رقابهم لأنها بعد إكمال فريستها “الشعب الفلسطيني”فهي لا تشبع سيكون الدور قادم لا محالة عليهم، والغريب في الأمر أنهم يدركون ويعرفون ذلك ومع ذلك يذهبون ويهرولون للتطبيع.

العالم يتغير والوضع تغير ونظام عالمي جديد يتمظهر

النظام العالمي الجديد والذي بدأت تظهر معالمه والذي بدأ يزيح الغشاوة التي رسمها النظام العالمي القديم الإمبريالي فاليوم العالم يستفيق على حقيقية جديدة وهي :

ليس كافيا أن يكون لديك الحق في أي قضية، حتى لو كنت محقًا تمامًا، فلن يرفع هذا عنك الظلم الذي ألم بك.

 حقك لا تثبته القضايا والملفات والمستنداتولا المحاكم الدولية وخاصة ولا الأمم المتحدة فهي بيد الأقوى وليست بيد الحق.

وحدها القوة -إذا امتلكتها واستطعت استخدامها- هي التي تمكنك من استعادة هذا الحق.

الكيان الصهيوني غزىالأراضي الفلسطينية، ورغم إقرار الأمم المتحدة وأغلب المجتمع الدولي بحقيقة هذا الغزو، لم يجرؤ أحد على مواجهة إسرائيل لإستعادة أراضيه وحقوق الفلسطينيين.

واليوم، يضطر الفلسطينيون إلى إظهار قوتهم لينتصروا لقضيتهم العادلة ويأخذوا حقوقهم بأنفسهم، وقد فعلوا، وسيستمرون في النضال والمقاومة الى أن يأخذوا حقهم المسلوب.

وكما أشرنا في العديد من دراساتنا ومقالاتنا وتقاريرنا العالم يتغير والطبيعة لا ترض ولا تقبل كل هذه الإنتهاكات، العالم اليوم يرسم خطوات جديدة للإنسانية لأن هماجية الإمبريالية قد تخطت كل الخطوط الحمراء وانتهكت حقوق الإنسان والطبيعة والحيوان فلم يسلم منها شيء لا على الأرض ولا تحت الأرض ولا فوق الأرض، سنرى المزيد والمزيد فيما هو قادم، فهذا الحدث هو بالتأكيد بداية لتغييرات كبيرة في المنطقة الإقليمية وفي العالم الجديد.

By Zouhour Mechergui

Journaliste