إعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية
أدى هجوم المقاومة الفلسطينية المفاجئ على الكيان الصهيوني إلى تأجيج نيران صراع قديم في الشرق الأوسط وأثار مخاوف من أن الاقتصاد العالمي يواجه تكرارا لما حدث في السبعينيات المضطربة بل المخاوف تتجاوز ما حصل في السبعينيات وسيخرج الإقتصاد عن السيطرة.
قبل ما يقرب من 50 عاماً، كانت صدمة أسعار النفط الناجمة عن حرب السادس من أكتوبر 1973وما تلاها من حظر تصدير النفط الخام ضد الدول التي دعمت الكيان الصهيوني في الصراع، على الدخول في عقد من الركود التضخمي وهو مزيج سام من النمو الاقتصادي الضعيف والتضخم المتصاعد.
وكتب خبير “وول ستريت” المخضرم في مذكرة يوم الاثنين: “بينما ننظر إلى السبعينيات اليوم، هناك عدد مذهل من أوجه التشابه مع عصرنا”.
وقال أيضا “خلال عطلة نهاية الأسبوع، أظهرت الهجمات على إسرائيل كيف يمكن للمخاطر الجيوسياسية أن تعود بشكل غير متوقع.”
كان النمو الاقتصادي الهزيل والتضخم العنيد الساحق هو الوضع الراهن في معظم سبعينيات القرن العشرين، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء العالم.
وكان بين عامي 1973 و1983، ومع انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول، بلغ متوسط التضخم 11.3% على مستوى العالم، أي أكثر من 3 أضعاف متوسط العقد السابق.
والتخوف الرئيسي للمحليلين والخبراء الأقتصاديين في أننا قد نشهد تكرارا لهذا النوع من التضخم المستمر خلال عشرينيات القرن الحالي.
والخطر يكمن في:حدوث صدمة أخرى في أسعار النفط وإرتفاع أسعار الطاقة بصفة عامة
إلى “الاضطرابات الصناعية” المتزايدة من قبل العمال والتي يمكن رؤيتها في الإضرابات النقابية.
في أكتوبر 1973، خفضت “أوابك” منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول إنتاجها من النفط وفرضت حظرا على عدد من الدول لدعمها الكيان الصهيوني المحتل في حربها ضد تحالف الدول العربية بقيادة مصر وسوريا خلال الحرب. وأدت هذه الخطوة إلى ارتفاع سعر برميل النفط بنسبة 300% من 2.90 دولار إلى 11.65 دولار خلال 4 أشهر فقط.
وعلى نحو مماثل، أدت الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات اللاحقة ضد الغرب لدعمه لأوكرانيا إلى رفع أسعار النفط من نحو 80 دولارا للبرميل في بداية عام 2022 إلى أكثر من 139 دولارا في 3 أشهر فقط ولا يزال الإرتفاع والتقديرات تشير الى إرتفاع كبير سيلحق سعر البيترول وهذا مؤشر إقتصادي خطير ومربك جدا ويثير العديد من المخاوف والتهديدات.
ثم تراجعت الأسعار ببطء إلى مستوى منخفض بلغ حوالي 74 دولاراً في يونيو الماضي، لكن الاختلال في التوازن بين العرض والطلب أدى إلى ارتفاع مطرد منذ ذلك الحين.
وتهدد الحرب بين الكيان الصهيوني المحتل والمقاومة الفلسطنية بإعادة ذكرى “سيئة” أخرى من السبعينيات وصدمة النفط الثانية، واردة جدا وتخشاها أمريكا والقوى الغربية وهم داخلون على موسم الشتاء مع الحرب الاكرانية المتواصلة والضغط الروسي.
في عام 1979، شلت الثورة الإيرانية إنتاج النفط الإيراني، مما أدى إلى انخفاض إنتاج النفط الخام العالمي بنحو 7%. ثم بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، مما أدى إلى مزيد من التخفيضات في إنتاج النفط. ارتفعت أسعار النفط الخام من أقل من 10 دولارات للبرميل في أوائل عام 1979 إلى 34 دولاراً للبرميل بحلول فبراير 1981 نتيجة لذلك.
وبحسب المراقبين للوضع يؤكدون بأن ارتفاع أسعار النفط قد وضع البنوك المركزية في موقف صعب لأنها ما زالت تواصل معركتها ضد التضخم وسط تلاشي النمو الاقتصادي العالمي.
كذلك التضخم لا يزال أعلى بكثير من أهداف البنوك المركزية في العديد من الدول في جميع أنحاء العالم، تماماً كما حدث في السبعينيات. وفي تكرار آخر للتاريخ، قد يكون الاقتصاديون متفائلين بعض الشيء بشأن المسار المحتمل بالنسبة لأسعار المستهلك.
ووبحسب الخبراء والمراقبون فلقد كانت التوقعات متفائلة بشكل متكرر في السبعينيات ولم يكن هناك تقييم موضوعي، حيث تم التقليل من أهمية استمرار التضخم، وفعلا حدثت الأزمة الكبيرة والفعلية والتي كادت أن تشعل حربا عالمية ثالثة، و وفي حالة العالم المضطرب وصراع القوى الدولية في ما بينها يجب أن ننتظر الأسواء فعلا ولقد أظهرت السبعينيات كيف يمكن للصدمات غير المتوقعة أن تدفع التضخم بسرعة إلى الارتفاع من جديد وربما الى حربا عالمية مدمّرة.
ونرجع قليلا الى السبعينيات وأوائل الثمانينيات، شهد العمال الأميركيون ارتفاعاً في أجورهم بانتظام بنسبة 7% أو 8% أو ما يصل إلى 9% سنوياً للتعويض عن ارتفاع الأسعار.
لكن الاقتصاديين يعتقدون أن الزيادات المستمرة في الأجور ساعدت في تفاقم التضخم ويخشون من أن الإضرابات العمالية الحالية يمكن أن تفعل الشيء نفسه.
ومنذ فترة تعاني الولايات المتحدة الأمريكية نفس مأزق السبعينات وحتى العشرينات فعدد العمال المضربين آخذ في الارتفاع ولقد اتخذ الممثلون وكتاب السيناريو وعمال السيارات والصحافيون وغيرهم خطوات جذرية للضغط من أجل رفع الأجور للتعويض عن التضخم في السنوات الأخيرة وهذا ما أصبح يربك واشنطن جدا وهي تدرك تماما أنه هناك خطراً واضحاً في أن يؤدي ذلك إلى خلق صدمة تضخمية أخرى.
فماذا فعلت البنوك المركزية العالمية للتصدي؟
قامت البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم برفع أسعار الفائدة بقوة لمواجهة ارتفاع التضخم، وهو ما كان في نهاية المطاف السبب وراء تباطؤ الزيادات في أسعار المستهلك في أوائل الثمانينيات.
بعد سنوات من تضخم سلسلة التوريد انخفض مؤشر ضغط سلسلة التوريد العالمية التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك والذي يقيس القيود الناجمة عن سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم إلى ما دون متوسطه طويل الأجل بعد أن وصل إلى مستوى قياسي في أواخر عام 2021.
كما أن أسعار السلع الأساسية، بشكل عام، لا تزال عند مستويات الذروة التي بلغتها بعد الأزمة الروسية الأكرانية، وتظل توقعات التضخم لدى المستهلكين ثابتة، وأصبح الاقتصاد الأميركي أقل استهلاكا للطاقة بكثير مما كان عليه في السابق بسبب عدد من العوامل، بما في ذلك انخفاض التركيز على الإنتاج الصناعي ومعايير كفاءة المركبات الجديدة. انخفضت كثافة الطاقة في الولايات المتحدة وهي مقياس استهلاك الطاقة الأولية لكل دولار من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 80% تقريباً منذ عام 1950، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
الخلاصة:
الكثير من العلامات التي تشير إلى إمكانية تفاقم الأزمة الإقتصادية ونسبة التضخم ومؤشرات مفزعة تنتاب خبراء الإقتصاد والطاقة العالمي.
كما لا يزال التضخم أعلى من الهدف في كل دولة من دول مجموعة السبع، حتى لو انخفض عن ذروته.
لقد رأينا في السبعينيات كيف يمكن أن تؤدي الصدمات الجديدة إلى عدم استقرار التوقعات، وخاصة إذا كانت تأتي بالفعل في أعقاب فترة كان فيها التضخم أعلى من الهدف.
وفي الوقت نفسه، لا يزال النمو بطيئا في العديد من البلدان، ومقارنة بالسنوات الأخيرة، يواجه صناع السياسات المزيد من القيود عند تحفيز الاقتصاد.