الثلاثاء. ديسمبر 24th, 2024

إعداد فاتن جباري باحثة بقسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

مراجعة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

  تقديم:

يتم التحضير لعقد اللجنة المشتركة الكبرى الجزائرية التونسية لوضع شراكة استراتيجية شاملة، حيث تكثف الجارتان، السلطات التونسية والجزائرية إتصالاتها على أعلى مستوى.

كما يؤدي رئيس الحكومة أحمد الحشانيزيارة رسمية إلى الجزائر لتكون أول زيارة خارجية رسمية له منذ تعيينه يلتقي خلالهانظيره الوزير الأول أيمن عبد الرحمان وسيرأس الجانبان اللجنة العليا المشتركة التونسية – الجزائرية في دورتها الثانية والعشرين. 

    الزيارة المعلنة بين الجانبين ستتجاوز الطابع البروتوكولي بإعتبارها الأولى بالنسبة الى رئيس الحكومة الجديد،وستندرج ضمن دعم مسار إرساء شراكة استراتيجية يراد لها ان تكون شاملة بين الجارتين الجزائر وتونس في قطاعات استراتيجية وحيوية هامة منها السياحة والاقتصاد والتبادلات الحدودية وتدعيم الاستثمار الثنائي في المجالات التجارية، الديوانية، الصناعية، الطاقية، الاجتماعية فضلا عن التعاون الأمني والعسكري وفي مجالات النقل والبنية التحتية، التجهيز والتكوين والتعليم العالي والطاقة والطاقة البديلة والمحروقات وغيرها…

كما سيتناول اللقاء المواقف الإقليمية المشتركة تجاه السياسات الخارجية كالهجرة وسياسة الأقطاب وتبادل وجهات النظر وتحييد الرؤى والتقدم خطوة في مضي الديناميكيات الإقليمية والدولية دفعا للروابط المتينة للبلدين ودرئا لكل حساسيات معطلة لهذا التوجه الدولي الجديد والحساس في ظل التحديات الراهنة.

على قاعدة المصالح العليا لتونس تطرح تحديات عديدة أمنية إقليمية وجيواستراتيجية مع الجارة الشقيقة الجزائر، وهو ما مثل مدخلا لتقارب تونس مع الجزائر في التسع معابر الرابطة بين القطرين وذلك على المستوى الجيو-أمني كالحدود والتهريب،الهجرة.

وفي قضايا اقليمية كقضية الصحراء الغربية، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، و في الاتجاه المشترك نحو السياسات القطبية والمعسكر الشرقي وفي المسائل الاقتصادية في تركيز مثلث التبادل الحر المغاربي وتحريره من المثلث المغاربي الأسود الوصول إلى اتفاق يضمن استفادة تونس من المفاوضات الثلاثية بين الجزائر وإيطاليا وليبيا، في علاقة بخط الغاز الجديد،وكذلك على المستوى السياسي بما يرتبط بإرساء  دولة القانون والمؤسسات كمطية اولى في الحفاظ على استقرار المنطقة ككل.

الشراكة الإستراتيجية الشاملة

التركيز على السياسات الاقتصادية

لطالما كان ينظر للتعاون السياسي والاقتصادي بمثابة قاطرة لإتحاد المغرب العربي على غرار ما كان يمثله التعاون الألماني الفرنسي في قيادة الاتحاد الإفريقي.

هذا الهاجس المشترك الذي لم يرى الواقع الفعلي، سئمته الدول ذات الاستراتيجيات البينية لأن التجربة قد أظهرت مزايا هذا التعاون وخطورة القطيعة.  ولعل التوجه نحو تسريع الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، من بين الأسباب التي تدفع بمسؤولي البلدين لتكثيف زياراتهم المتبادلة.

تونس تربطها علاقات تاريخية وطيدة ومتجددة  بالجزائر على جميع المستويات، السياسي والاقتصادي والاجتماعي فالجزائر دعمت تونس منذ عام 2011 وحتى الآن، ويمثل الجزائريون رقماً مهماً في السياحة الوافدة إلى تونس، وهناك تبادل مهم عبر الحدود، وبالتالي فإن “هذا الأمر لا يدفع إلى تأزم العلاقات بل إلى تطويرها بحسب وجهات  كلا  البلدين، وترى تونس أنها بحاجة لفهم بعض المسائل وتوضيح أخرى كما هي الجزائر، وهو ما يفسر العرف الدبلوماسي المتعارف عليه في تبادل الزيارات، وقد مهدت هذه الرابطة الى تعميق روح الشراكة والاعتماد المتبادل والمتواصل لأسلوب الحوار الإستراتيجي الذي لا ينقطع أبدا في شتى المجالات والميادين  وهذا ما دأبت عليه تونس في السراء والضراء.

لا شك أن هناك قلق تونسي وجزائري بشأن التداعيات السياسية والأمنية حيال الأوضاع المحيطة والدولية ويرى محللونسياسيون في تونس، أن هذه الزيارة تأتي في إطار التباحث عن الدعم  المتبادل للموقفين التونسي الجزائري  في ملفات عديدة وأهمها مسألة الهجرة والحدود، فالمهاجرون يأتون من الحدود التونسية الجزائرية والعكس بالعكسفيما تلوح الدراسات والتقارير بأنه ليس ثمة من حلول جذرية وعلى المدى الطويل أسفرت عنه المفوضات التونسية مع الاتحاد الأوروبي خاصة وان الموقف التونسي الرسمي من الشراكة الاستراتيجية التونسية الأوروبية جاء في بيئة غربية معادية ومستبدة. ولطالما كانت  الجزائر حريصة على مواصلة مساندة تونس والوقوف إلى جانبها ودعم مواقفها، وهي أيضا متمسكة بالشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين.

  • المعابر الحدودية ( التعاون الأمني المشترك في مجال الإرهاب والتهريب ) لتحقيق “المعادلة” التجارية للجزائروتونس في إفريقيا.

شهدت المعابر الحدودية التونسية الجزائرية حركية نشيطة فالمعابر الحدودية وهي قرابة 9 معابر…ومن اهمها  معبر أم الطبول وبوشبكة وحيدرة وحزوة وتمغزة وببوش وغار الدماء وملولة.

العلاقات عبر الحدود أصبحت مكونات أساس في التنافس الإقليمي المتزايد مدفوعاً في المقام الأول بدوافع تجارية وجيوسياسية، وهنا يشير المرصد التونسي لحقوق الإنسان ورئيس لجنة التفاوض الحدودية التونسية إلى أن معبر رأس جدير الحدودي يعتبر أكبر المعابر والمنافذ الحدودية بين تونس وليبيا نظراً لحجم المبادلات التجارية وعدد العابرين منه،  بإعتبار وان دخل المنفذ الحدودي يصل إلى نحو 80 ألف دولار يومياً ويغادره أو يأتي إليه يومياً 8 آلاف مسافر، كما تمر منه أكثر من 100 رحلة سياحية وتجارية، إضافة إلى أنه يستوعب أكثر من 5 آلاف عامل مرتبط.[1]

كما ان  المعابر الحدودية تمثل الشريان التنموي الوحيد الذي نجده بجهة الجنوب التونسي على سبيل المثال  نظراً لحجم مبادلات التجارة وعدد المغادرين منه وإليه علاوة على  دوراها  في تنمية المناطق الاقتصادية الحدودية من خلال ترقية سبل التعاون بين الجزائر ودول الجوار في مختلف المجالات،  لذلك عملت الجزائر على  إحياء كل الملفات ذات البعد الإقليمي والقاري، وفي طليعتها منطقة التبادل التجاري الحر الأفريقية.

تطمح الجزائر لئن تصبح  قطب تجاري إقليمي باستغلال المعابر البرية مع دول الجوار، إضافة إلى الطريق العابر للصحراء من الشمال إلى الجنوب الذي من شأنه ربط دول الساحل الأفريقي و كل هذه المشاريع ستعطي دفعاً قوياً للاقتصاد والحركة التجارية وحركة رؤوس الأموال والمهاجرين والسياحة بين البلدان المغاربية.

بالمقابل  فأن هناك تحديات كبيرة تواجهها المعابر الحدودية من “ناحية أمنية”، لأنها تبقى عرضة لعمليات الإرهاب وكذلك التهريب لمختلفة المواد الغذائية والبنزين والمخدرات التي تشهدها المناطق الحدودية بين البلدين وتنخر في اقتصاداتها،  وذلك بحسب ما توضحه بيانات مصالح الأمن في الدول المعنية.

إذ يحاول المهربون خلق اقتصاد مواز يربحون منه عبر إنشاء معابرهم غير الرسمية، مما يفرض مستوى عالياً من التعاون الأمني بين البلدان.

العمليات الأمنية–العسكرية  المشتركة بين الدرك الوطني الجزائري وقوات الحرس الوطني والجيش التونسيين لا تنتهي أبدا على الحدود فذلك من صميم التكتيك الأمني الموحد في تدمير البنية التحتية للإرهاب والتهريب الناشطة بالمناطق الجبلية الوعرة او الصحراوية وترتبط بشبكات قوية بتهجير الأفارقة  والبشر  من جنسيات مختلفة كالتشاد، مالي والنيجر، غينيا، وبتهريب السلاح من وإلى ليبيا وكذلك بالنسبة إلى مصالح الجمارك المتمركز على الحدود المشتركة على غرار سوق أهراس و تبسة، الطارف… وهي نقاط عبور مركزية تتسلل من الساحل الافريقي عبر الجزائر وليبيا و منها نحو تونس  ثم بقية الشبكة …

  • التهميش التنموي الى أبعد مستوى في القلب النابض للاقتصاد الحدودي ؟

تعتبر المناطق الحدودية على مستوى اقاليم  الشمال الغربي الكاف، جندوبة وصولا الى معتمدية غار الدماء  ثم اقاليم القصرين وتالة وسيدي بوزيد نقاط مركزية سوداء  في سوق التجارة المغاربي لأنها  تعتبر “رئة” الإقتصاد الوطني ومنها تتوغل المنتجات الجزائرية في القارة باعتبارها تشهد حركية كبيرة في تنقل الأشخاص، يقدرون بالملايين، بالإضافة إلى نقل السلع.

فما لم تلعبه الدول جسدته القرى الحدودية بصورة ممتازة في مجال المقايضة عبر السلع  والتجارة البينية في شتى المنتوجات والمحروقات والمواد المنزلية وقطع غيار السيارات والبنزين وحتى المعادن الثمينة والذهب والأثار والسلاح….دون مراقبة رسمية” فهؤلاء هم الذين يجسّدون الوحدة المغاربية فعلا”؟

صحيح وان تهريب السلع المحظورة من وإلى تونس  يوفّر إحدى فرص العمل القليلة الثمينة، في منطقة  تحتشد بالفقر والتهميش والبطالة وهذا النشاط يجري على قدم وساق وعلى نطاق واسع إلى درجة أنه خلق اقتصاداً موازياً غير مشروع.

إذ تعاني العديد من الولايات الواقعة في أقصى شمال شرق البلاد على الحدود مع تونس، من تهميش اجتماعي واقتصادي عميق،وفي هذا السياق كان في وسع النظام التونسي اعادة رسم النقاط على الحروف بما تخفف من وطأة السخط ضد الحكومة المركزيةكصمام أمان يخفّف بعض الضغوطات الاقتصادية من خلال سياسة “دعه يعمل، دعه يمر” .

 فما لم تعيه الدولة اليوم هو ان  المناطق الحدودية لها الأسبقية على الدولة في كل المسائل وخاصة منها ليس ما نصفه بالسوق الموازية بل في قلب معادلة التهريب الى معادلة اكثر منفعة للدولة وهي”اقتصاد الاقاليم الحدودي

 ومن جهة اخرى  فهناك تحدي اخر مطروح على”المستوى التنموي” المرتبط بمدى قدرة  المعابر الحدودية في استيعاب خطوات المخطط الاستراتيجي الشامل  في احداث التنمية المطلوبة في هذه المناطق الحدودية المهمشة رغم العائدات المالية الهامة والتي تكون ارضيتها الخصبة هي هذه المناطق الحدودية بعينها علما وانطول الشريط الحدودي الجزائري–التونسي يبلغ   1.034 كم  كما يمتد من البحر الأبيض المتوسط من الشمال الى النقطة الثلاثية مع ليبيا في الجنوب.[2]

 هذا الأمر يطرح  ضرورة “استراتيجية اعادة نظر كاملة من الجانبين التونسي الجزائري“.

حيث تشير التقديرات الرسمية  الى ان عائدات التهريب تصل إلى ما يقارب 2 مليار دينار تونسي سنوياً، وهي موزعة كالآتي: 750 مليون دينار للمحروقات، 300 مليون دينار للتبغ، 450 مليون دينار أجهزة كهربائية وقطع غيار وإطارات الشاحنات والسيارات وسلع غذائية، 500 مليون دينار أجهزة الكترونية وملابس واحذية ومواد تجميل وعطور.

دون احتساب مداخيل تهريب السلاح والذهب والنحاس والكحول الفاخرة والسيارات الفارهة المسروقة، لأنه من الصعب جدا تقدير حجمها،وهي الأرقام تتطابق تقريباً مع ما وردت في تقرير “البنك الدولي” المعنون: “تقديرات حول التجارة الموازية عبر الحدود التونسيةوالتي تقدر حجم التجارة الموازية ما بين 1.8 و2.4 مليار دينار تونسي موزعة كالآتي: ما بين 0.6 و1 مليار دينار عبر الحدود الليبيةــالتونسية وما بين 1.2 و1.4 مليار دينار عبر الحدود التونسيةــالجزائرية. [3]

الخلاصة:

 في رأينا ان العلاقات التونسية الجزائرية جد متشعبة وان المتضرر الأكبر  من عقدة “اختناق الحدود هو تونس” لما لا تدرك الدولة أن الجهات او الأقاليم الحدودية  شبه المستقلة قد أنشأت نظاماً اقتصادياً أكثر انسيابية وفعالية من اقتصادها رغم عدم شرعيته، وأنها تتمتع بنفوذ اجتماعي كبير على الفئات الشبابية التي ترسم في مخيلتها حب البقاء وتكوين الثروة وان  تجد الحلول المستقبلية والإستراتجية في ذلك فأنها لن تقبل الاستسلام  بل “ستحرق الحدود” نحو اوروبا وهنا ننتقل من إرهاب التهريب الى أخيط الهجرة.

الإدراك الأكبر لدى الحكومة هو أنه على الرغم من الدفع المستمر منذ عقود نحو المركزية، فإن الدولة لاتزال مجزأة لذلك ومن وجهة نظر خاصة، لابد من اعتماد الدولة التونسية لأسلوب جديد  يقطع مع سياسة توارثها الماضي وهي  عقلانية البدائل” وتتمثل في:

  • مقاومة التخلف الاقتصادي لدى المنظومة المركزية الحالية، حيث أسفر تغاضي مسؤولي  الدولة عن ايجاد مخطط ثنائي تونسي–جزائري، عبر الحدود عن نشوء اقتصادٍ موازٍ، يشكّل اليوم معظم التجارة بين الجزائر وتونس  بل في قيام دولة  مستقلة قائمة الذات للسوق الموازية. يمكن استقطاب هذه المنصة الحدودية واسعة النطاق ضمن المسار الرسمي للدولة  من خلال اتاحة الفرصة نحو انشاء اقتصاد الأقاليم الحدودي بفتح منطقة سوق حرة بتخفيف سطوة الدولة و تفريغ سيولة هذه الأرباح  بما تدره و تجنيه من قاعدة تجارية  افرو – مغاربية ضمن البنوك الوطنية بما يدير عجلة الاقتصاد ويحسن المستوى التنموي في كل اقليم محاذ و يخلصنا من عقدة البطالة مكمن الداء في دافع الهجرة والارهاب والتهريب.
  • فكرة انشاء السوق المغاربية الحرة هي الهاجس الأكبر الذي لم يرى النور بعد فهناك اسباب تفسر بالسياسة الإقليمية الدولية وهي الرقم واحد في عرقلة هذا المسار، الا و ان  التوجه الدبلوماسي والاقتصادي الجزائري وحيث  تتجه البوصلة  نحو الأقطار المغاربية يوجد التحدي الأخطر وهو البوصلة ذات الجناح المبتور…

المصادر المعتمدة في الدراسة  :

  • المرصد الوطني للاقتصاد
  • المعهد الوطني للإحصاء
  • تقرير البنك الدولي المعنون: “تقديرات حول التجارة الموازية عبر الحدود التونسية”
  • بوابة وزارة الداخلية التونسية “مجهودات وحدات الحرس الوطني في التصدّي لظاهرة الهجرة غير النظاميّة”
  • كتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية – الجزائر ، مؤرشف .

[1]– معطيات الديوان الوطني للمعابر الحدودية البرية

[2]– بين الجزائر وتونس ست مراكز مراقبة حدودية: أم الطبول، وببوش – عين دراهم، والحدادة – ساقية سيدي يوسف، وبوشبكة، وبئر العاتر، وحزوة.

[3]– الأرقام تستند الى عمل ميداني أجري من معبر “راس جدير” في أقصى الحدود التونسية لجهة ليبيا وصولاً الى ولاية القصرين الواقعة على الجوار الحدودي التونسي الجزائري .

By Zouhour Mechergui

Journaliste