فاتن جباري قسم العلاقات الدولية و الشؤون الإستراتيجية
تقديم
يقع البلقان في جنوب شرق اوروبا إذ يمتد من بلغاريا وصولا الى الحدود مع تركيا و يضم كل من ( البانيا ، كوسوفو ، بلغاريا ، البوسنة و الهرسك ، الجبل الأسود ، كرواتيا و مقدونيا الشمالية ثم رومانيا ، اليونانو تركيا ) وهي دول محاطة من ثلاث اتجاهات البحر الأسود و البحر المتوسط و البحر الأدرياتيكي حتى بحر ايجا .كان ينظر إلى المنطقة تاريخياً على أنها متقلبة سياسياً مع تاريخ من العنف الذي ينبع من الأيديولوجيات والأفعال اليمينية (السياسية) وهو ما يثير قلق الخبراء والمسؤولون من غرب البلقان مخاوف بشأن انتشار التطرف اليميني في سياق الصراع السياسي.
بعدتفكك يوغوسلافيا السابقة ، واستقلال كوسوفو اصبحت إحدى القضايا الرئيسية التي تواجه دول غرب البلقان أمنها القومي والتهديدات الإقليمية المستمرة و بالرغم من تقدم دول البلقان في إصلاح سياستها الأمنية والدفاعية وفقاً لمتطلبات عضوية الناتو وشراكات السلام، والالتزامات الرسمية لجميع دول غرب البلقان بعلاقات حسن الجوار ومساهمتها في الاستقرار والأمن الإقليميين ، إلا أنه لا تزال هناك درجة من القلق الأمني في داخلها وهذه الدرجة اليوم تدق نقوس الخطر في اوروبا .
أولا : استغلال التطرف الأوروبي في الديناميكيات الجيوسياسية لافتعال الحرب
التطورات الميدانية الاخيرة :
سلّط اقتحام دير في شمال كوسوفو يوم 25 من سبتمبر2023 ، اسفر عن مقتل شرطي وإصابة آخرين في كمين تعرضت له دورية شرطة قرب قرية بانيسكاوفر المسلحون إلى دير قريب تحصنوا فيه وتبادلوا إطلاق النار مع شرطة كوسوفو لساعات، مع مقتل 3 مهاجمين على الأقل في القتال حادثة ادت الى تبادل اتهامات بين رئيس وزراء كوسوفو “ألبين كورتي” والرئيس الصربي” ألكسندر فوتشيتش”بشأن المسؤولية عن الهجوم المدبر
في الأول من أكتوبر أرسلت صربيا ، قوات من الجيش والشرطة إلى 48 قاعدة عمليات متقدمة على طول الحدود مع كوسوفو في المنطقة الخاضعة للسيادة الصربية على مسافة بضعة كيلومترات من الحدود الكوسوفية. كما نشرت أنظمة دفاع جوي ومدفعية ثقيلة. وقالت الحكومة الكوسوفية انها تقوم بالتنسيق مع شركاء دوليين “بصورة أكثر تصميما من أي وقت مضى من أجل حماية سلامة أراضيها” ادى ذلك الى تصعيد التوتر بين البلدين حيث قتلت شرطة كوسوفو نحو 30 صربيا مدججين بالسلاح اجتاحوا قرية بانيسكا في كوسوفو وتحصنوا في دير أرثوذكسي صربي، وقُتل ثلاث من المهاجمين وضابط شرطة.يحدث هذا في وقت تستمر فيه المعارك المحتدة في أوكرانيا وتحاول فيه أذربيجان إنهاء أزمة ناغورنيكراباخ بشكل نهائي مع العلم وأن صربيا هي الحليف الأبرز لروسيا .
تدخل الناتو – حلف شمال الأطلسي :
بالتوازي مع ذلك قام حلف الناتو بنشر 4500 من قواته في كوسوفو حيث قال إنه “وافق على نشر قوات إضافية للتعامل مع الوضع الراهن”.
كما اعلن حلف شمال الأطلسياليوم الثاني من أكتوبر 2023 أنه سيتم نشر نحو 600 جندي بريطاني في كوسوفو لتعزيز وجود التكتل في الإقليم الصربي السابق الذي شهد اشتباكات مسلّحة. والجنود هم من قوة احتياطية وضعت بتصرف “كفور” (قوة حلف شمال الأطلسي المنتشرة في كوسوفو)، للتصدي للتطورات وللتوتر المتجدد في المنطقة. كما اعلنت “المملكة المتحدة انها بصدد نشر نحو 200 جندي من الكتيبة الأولى في الفوج الملكي لأميرة ويلز للانضمام إلى وحدة بريطانية قوامها 400 جندي يتدربون حاليا في كوسوفو.
تدخلات عسكرية كبيرة تضع دول البلقان على اهبة الحرب دون اعتماد التهدئة او كسبيل يضع التدخل العسكري جانبا ، وهو مايثير تساؤلات عديدة حول فتيل هذه الازمة التي تتأهب هي الأخرى لحرب مشابهة للسيناريو الروسي ، فوفق محللين للوضعيتم استغلال الانقسامات الإيديولوجية ونقاط الضعف والمظالم في غرب البلقان بشكل أكبر من قبل القوى الأجنبية، الذي قد يكون نوعا من انواع التكتيك الروسي في تشكيل امبراطورية بوتين نحو ضم اجزاء من اوروبا . وبحدث ذلك مع تراجع الثقة في التحالفات الدولية والمؤسسات العامة ووسائل الإعلام، للتحريض على التوترات الإقليمية أو العرقية، تمويل اللغة العنيفة ـ اليمينية في غرب البلقان. كما ان التصعيد الجديد للصراع في أوكرانيا قد خلق تهديدا بأن نشطاء التطرف العنيف ـ اليميني سينتقلون الى الحرب الخارجية بما يشكلتهديداً كبيراً للأمن في غرب البلقان ،وبالتالي يمكن فهم كيفية استغلال التطرف الأوروبي في الديناميكيات والتحولات الجيوسياسية الإقليمية.
يقدم تقرير ” برنامج التطرف” الصادر عن جامعة جورج واشنطن الأمريكية معلومات حول استعادة دول غرب البلقان :البوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا الشماليةو هي الدول الأوروبية الوحيدة التي أعادت مقاتلي “ تنظيم داعش” الذين احتجزتهم القوات التي يقودها الأكراد من سورياو هو ما يسمح بوجود تهديدات امنية قوية و أكثر خطرا على الامن القومي لأوروبا .
ثانيا : تأثير الأطراف الاقليمية والدولية في دول البلقان : روسيا
اتجهت مؤخراُ الأنظار نحو روسيا، سيما بعد تصريحات رئيسة كوسوفو، فيوسا عثماني، “إن بوتين يمكن أن يستخدم كوسوفو لتوسيع الصراع الحالي في أوكرانيا وزيادة زعزعة استقرار أوروبا”. ومعروفٌ أن صربيا وروسيا دولتان حليفتان تقليدياً، وبعد الأزمة الأوكرانية التي أشعلت عدة حروب ساخنة وباردة، رفضت صربيا الانضمام إلى نظام العقوبات التي فرضته الدول الغربية على روسيا، وذهبت أبعد من ذلك، حيث وقّع الرئيس الصربي فوتشيتشعلى صفقة غاز تفضيلية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
صربيا وكوسوفو.. جبهة جديدة بين روسيا والغرب
دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى “نزع فتيل التوتر” في شمال كوسوفو الذي يشهد توترات على الحدود مع صربياحيث اعتبر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ومتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك يوم 28 ديسمبر 2022 “ندعو الجميع إلى التزام أكبر قدر من ضبط النفس واتخاذ إجراءات فورية من أجل نزع فتيل التوتر من دون شروط” بالمقابل أعلن الكرملين أن روسيا “تدعم” ما تقوم به صربيا بهدف وضع حد للتوترات في كوسوفو وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين “لدينا علاقات وثيقة جدا كحليفين وعلاقات تاريخية وروحية مع صربيا”، موضحاً أن موسكو تتابع “بانتباه شديد ما يحصل في كوسوفو وكيفية ضمان حقوق الصرب” في كوسوفو.
خلاصة
هناك من يربطون بين التوترات الراهنة في شمال كوسوفو والحرب الروسية في أوكرانيا والكثير من التحليلات الغربية تقول إن روسيا لها دور تخطيطي فيما يحدث ، وإنها تسعى إلى فتح جبهة ثانية ضد الغرب في خاصرة أوروبا الضعيفة ضمن منطقة البلقان”. في مقابل ذلك يرى أخرون عن محاولة أوروبا فتح جبهة جديدة ضد روسيا بين كوسوفو وصربيا مع انحسار الحديث عن “انتصار كييف” على موسكو ففي حال تهديد صربيا عسكرياً لن يساعدها أحد سوى روسيا. لكن في الظروف الحالية حيث يشارك الجيش الروسي وقوات البلاد ومواردها الأخرى في العملية الخاصة في أوكرانيا، فإن هذاالأحتمال وفقا للخبراء يبقى امرا مستبعدا عمليا .