اعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية
“حرب طويلة الأمد في أوكرانيا” هذا ما حذر منه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “ينس ستولتنبرغ”، في 16 سبتمبر 2023. و ولم يخفي “ينس” قلقه وتخوفه فلقد أشار إلى أن معظم الحروب تستمر لفترة أطول من المتوقع عندما تبدأ للمرة الأولى.
كما حذّر من: “لذلك علينا أن نهيئ أنفسنا لحرب طويلة الأمد في أوكرانيا”.
وبشأن طموحات كييف الانضمام إلى الحلف، لفت “ستولتنبرغ” إلى أنه “ليس هناك شك في أن أوكرانيا ستصبح في نهاية المطاف عضوا في الناتو”.
وبالرغم من أن الإتحاد الأوروبي لم يكن لاعبا عسكريا مباشرا منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أكرانيا، إلا أنه ظهر كلاعب مهم من خلال مساعدة المجهود الحربي الأوكراني، ودعم اللاجئين، وفرض العقوبات على روسيا، وتحويل أوكرانيا إلى واحدة من الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي وربما ستكون في المستقبل عضوا بالناتو.
الدعم الغربي لكييف
قدَم الاتحاد الأوروبي دعماً عسكرياً لأوكرانيا بقيمة حوالي “15” مليار يورو، وفق الأرقام الرسمية وهي كالتالي:
- ألمانيا في مقدمة دول الاتحاد حيث بلغ حجم في 2023 نحو “5.4” مليار يورو، كما أرسلت “5” قاذفات صواريخ من طراز مارز-2 ، و “500” نظام “ستينغر” المضاد للطائرات، و “2700” نظام مضاد للطائرات من طراز “ستريلا”، و”34″ مدفعاً ذاتي الدفع من طراز جيبارد المضاد للطائرات، و”14” مدفعاً ذاتي الدفع من طراز “بي زد إتش 2000″، و”9” دبابات من طراز بيفر لتركيب الجسور، ونظامين للدفاع الجوي من طراز “آيريس تي”، و”18” دبابة من طراز “ليوبارد2 إيه 6″، و”40” مركبة قتال مشاة من طراز “ماردر””، فضلاً عن “110” دبابات قتال من طراز “ليوبارد1″، و”20” مركبة قتال مشاة من طراز “ماردر”، و”18” مدفعاً ذاتي الحركة من طراز “آر سي إتش 155″، و”18” مدفعاً مضاداً للطائرات من طراز “جيبارد”، و”16” مدفعاً ذاتي الحركة من طراز “زوزانا 2″، و”7” دبابات من طراز “بيفر” لتركيب الجسور، و”6″ أنظمة دفاع جوي من طراز “آيريس تي”.
- الولايات المتحدة الأمريكية: إجمالي قيمة المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، في ظل إدارة بايدن منذ 2021، تجاوز 42 مليار دولار، بينها أكثر من 41.3 مليار دولار منذ بداية الحرب، تنوعت بين كميات هائلة من المعدات والأسلحة والذخيرة وأنظمة الدفاع، بينها أكثر من 2000 نظام مضاد للطائرات من طراز “ستينغر”، وما يزيد على 10 آلاف نظام مضاد للدروع من طراز “جافلين”، وأكثر من 70 ألف نظام وذخيرة أخرى مضادة للدروع، و 198 مدفع “هاوتزر عيار 15 مليمتراً”، و72 مدفع “هاوتزر عيار 105 مليمترات”، و8 أنظمة دفاع جوي من طراز “ناسامز”، و20 طائرة هليكوبتر من طراز “إم آي-17″، و31 دبابة “أبرامز”، و186 مركبة برادلي للمشاة القتالية، وبطارية دفاع جوي “باتريوت”.
- فرنسا وهولندا وإستونيا والدنمارك والنرويج والسويد وإيطاليا وإسبانيا وفنلندا وكندا دعماً عسكرياً سخياً لأوكرانيا.
- بريطانيا قد دعمت لكييف الصواريخ المضادة للدبابات والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والمركبات القتالية المدرعة وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة طويلة المدى من طراز “إم 270”
- الإتحاد الأوروبي شاركت في دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً بقدر مشاركة الولايات المتحدة، وأن إجمالي ما تم يقديمه الإتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا بلغ “72” مليار يورو، وهناك تقارير تقول أن الإتحاد الأوروبي قد قدّم تقريباً نفس ما قدمته الولايات المتحدة.
لماذا تتمسك أوروبا على باوكرانيا رغم فشل الهجوم المضاد الأوكراني؟
لم يعد لأوروبا أي خيار سوى مواصلة دعم “كييف” التي أثبتت أنها قد خسرت الحرب تماما بالرغم الإعانات والمساعدات السخية الأمريكية والأوروبية وبالتالي بالنسبة لأوروبا استمرار هذا الدعم رغم فشل كييف في تحقيق نتائج حاسمة لهجومها المضاد، يعود بالأساس من أن أوروبا تعتقد إن هذا الدعم هو الخيار الصحيح الذي ينبغي عمله من الناحية “صورتها” التي بدأت تهتز داخليا وخارجيا، كذلك من الناحية المصالح بين أوروبا و”كييف” فهناك مصلحة جيوسياسيةبإعتبارها متحكمة في العالم وأن لديهم كل الآليات لمعاقبة أي دولة ومهما كان حجمها في العالم إذا اخترقت القانون الدولي بشكل صارخ لحماية أمنها وحدودها الجغرافية والجيوسياسية.
وبالرغم من الهزيمة الواضحة الواضحة واغلب الخبراء العسكريين يعتبرون أن الحرب قد حسمت ضدّ أوكرانيا الاّ أن الغرب لا يزال يراهن على أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وتورطت بالفعل في استراتيجية دعم أمني وعسكري وإنساني طويلة الأمد مع كييف إلى جانب الولايات المتحدة داخل الناتو.
وما يزيد في الأمر تعقيدأً إن القدرات العسكرية والاقتصادية لدول القارة لاتسمح بالاستمرار بتقديم هذا الدعم على المدى البعيد.
والخوف والقلق الأوروبي أصبح واضحا ويناقش في أروقة السياسة الغربية ماذا أن فاز الجمهوريين في إنتخابات الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 2024؟
وعلى ما يبدوا فإن هذا السؤال أصبح مزعجا ويبدو إن أوروبا تخشى أن تؤدي الانتخابات االرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة لعام 2024 إلى وصول الجمهوريين للبيت الأبيض، وبالتالي يمكن أن يكون هناك تراجع لدعم واشنطن لأوكرانيا.
هذا وقد أشار في وقت سابق زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، “كيفن مكارثي”: “إلى أنه ليس شيكاً مجانياً على بياض” بالنسبة لأوكرانيا إذا فاز الجمهوريون بأغلبية في مجلس النواب.
والواقع في هذه الحرب أن الدعم الأوروبي لأوكرانيا يعتمد أيضاً على الولايات المتحدة فهي من تقود كل شيء في هذه الحرب وإن تراجعت على الدعم فأوروبا ستجد نفسها وحدها تقاوم الجيش الروسي. ولهذا السبب فإن الدفع الفرنسي نحو قدر أعظم من التكامل بين الولايات المتحدة، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي يشكل السبيل الوحيد للبقاء في هذه الحرب.
أوروبا تعتبر حرب أوكرانيا حربها ضد روسيا، حرب “ايديولوجية”، وقد شكلت الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، ولا سيما الاقتصاد الأوروبي، صدمة لدول القارة الاوروبية، وعمقت تأثيرات الحرب الروسية-الأوكرانية الفجوة بين العرض والطلب في اقتصادات الدول الاوروبية، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، في الوقت الذي لا يستطيع البنك المركزي الأوروبي ان يجد اجراءات توافقية بين مكافحة التضخم، ودعم النشاط الاقتصادي.
وكشفت مسودة خطاب ألقاه رئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشيل” أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 سبتمبر 2023، طلب وساطة بكين لدى روسيا من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، فقد دعا ميشيل إلى “سلام عادل يحترم ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه الأساسية – السلامة الإقليمية لدولة ذات سيادة”.
روسيا في مواجهة الدعم الأوروبي لأكرانيا
وتبقى احتمالات التفاوض بين الغرب والروس ضئيلة اذ وصلت الى طريق مسدود، لأن التوصل إلى اتفاق سلام الذي تطلبه أوروبا يتطلب تغييرا في جانب واحد، وهو الروسي وهذا ما لا يمكن أن يقبله بوتن ولن يسمح به.
وكل المؤشرات لا تدل أنه سيكون هناك جلوس على طاولة المفاوضات وأن هناك طرف سيتنازل للأخر ولا دليل حتى الآن على حدوث هذا التغيير، أو على أنه سيحدث في وقت قريب، خاصة أن روسيا تعتبر الدعم الغربي لأوكرانيا يدفع كييف إلى شن هجمات “غير مسؤولة” بشكل متزايد.
كما أن استمرار الغرب بإمدادات الأسلحة لأوكرانيا من شأنه أن يضعف فرص السلام.في حين تعمل موسكو على تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية والانتقال الى وضع الهجوم وتوسيع الحر بدلاً من العملية العسكرية، من المتوقع أن يكون الخيار النووي متاح لدى الرئيس الروسي فلاديميير بوتين.
استراتيجية الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي لعام 2030
اعتمد رؤساء الدول والحكومات الوثيقة التوجيهية “البوصلة الاستراتيجية”، التي تعد أول كتاب أبيض للاتحاد الأوروبي في مجال الأمن والدفاع، خلال المجلس الأوروبي الذي عقد في يومي 24 و25 مارس 2022.
ويستهل الاتحاد الأوروبي مرحلةً جديدةً في سياسته الدفاعية والأمنية تتمثل في توفير الوسائل التي ستتيح له مواجهة التهديدات والتحديات في المرحلة الراهنة وفي المستقبل، وذلك في سياق يسجّل تدهور بيئتنا الاستراتيجية بفعل عودة الحرب في أوروبا، واشتداد التنافس بين الدول النافذة واستمرار الأزمات في جوارنا وفي العالم.
وترتكز البوصلة الاستراتيجية، التي أثمرت عن الأعمال التي استهلتها المؤسسات والدول الأعضاء في عام 2020، على تحليل مشترك للتهديدات ومكامن الضعف التي تعتري البلدان الأوروبية ويوجهونها على نحو مشترك. وأسهمت هذه الأعمال في استحداث ثقافة استراتيجية مشتركة وفي تمتين تماسك الأوروبيين في مجالي الدفاع والأمن، وهو ما يتزامن مع عودة الحرب إلى القارة الأوروبية.
تشمل الوثيقة التوجيهية أوجه السياسة الأوروبية الأمنية والدفاعية كافة وتقوم على الركائز الأربعة التالية:
التصرّف: ويتمثل في تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات فعلية في عالم تتعاظم الوحشية والمباغتة فيه.
التأمين: يتمثل في النهوض بالقدرة على حماية الحيّز الاستراتيجي المشترك والدفاع عن القيم والقواعد والمبادئ التي يحرص عليها الاتحاد الأوروبي
الاستثمار: ويشمل تعزيز السيادة التقنية من خلال تحسين القدرات الدفاعية.
العمل في شراكة: يتمثل العمل مع “الشركاء” في تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي بوصفه شريكاً دولياً.
الخلاصة
بات من المؤكد أن الحرب في أوكرانيا سوف تطول لسنوات وربما سوف يتم تصعيدها بشكل تدريجي خلال الأشهر المقبلة، وعلى أغلب التقديرات سيكون التصعيد من قبل موسكو.
ـ لم يعد خيار استخدام السلاح النووي من جانب روسيا أمراً مستبعداً في ضوء التصعيد المحتمل وزيادة حالة التشاحن بين المعسكرين الغربي والروسي، خاصة مع التدفق الكبير للمساعدات العسكرية الغربية على كييف ورغبة موسكو في حسم الصراع قريباً.
ـ لا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية قد أرهقت دول القارة الأوروبية سياسياً واقتصادياً وتركت الكثير من التداعيات السلبية وربما الخطيرة لدى دول الاتحاد الأوروبي لن يكون من السهل تجاوزها سريعاً.
ـ أوروبا اليوم مضطرة لتحول جذري في سياستها الدفاعية والأمنية، فهي من ناحية تبحث سبل الاستقلال عن الناتو وتدشين قوة دفاعية موحدة، ومن ناحية أخرى تركز على معركتها مع موسكو وتستشعر الخطر بشكل جاد، وتبدو غير قادرة على إدارة معركتها بمعزل عن الناتو.
ـ إن أوروبا تستشعر مخاطر استمرار حرب أوكرانيا، لكن في نفس الوقت مازالت تراهن على عدم كسب موسكو للحرب، وهذا يعود ربما إلى اسباب تاريخية تراكمية تعود إلى الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وما قبلها، وممكن أن تكون نتيجة “ثقافة أوروبية” “روسيافوبيا”، هناك الكثير من وسائل الإعلام تروج إلى فكرة “تهديدات روسيا المحتملة”، لذا تعتبر أوروبا أن حرب أوكرانيا هي حربها، لكن هذا المفهوم، يصعد الحرب.
ـ تبقى روسيا شريك أمن دولي فاعل، ولا ينبغي على الناتو ولا الولايات المتحدة ولا أوروبا، استبعاده أو اعتباره خصم، لأن ذلك لا يخدم الأمن الدولي والأستقرار .
ـ إن مطاولة الحرب من شأنه ان يخلق مشاكل أقتصادية وأمنية لدول أوروبا، وهذا يعني إن مطاولة الحرب يعني حصول انشقاقات جديدة داخل دول الناتو الداعمة لأوكرانيا.
ـ إن مطاولة الحرب لا يصب بصالح الحكومات في دول أوروبا، هناك معارضة قوية، ومن المرجح جداً ان تخسر الكثير من الأحزاب الحالية شعبيتها أمام أحزاب اليمين والأحزاب المحافظة.
ـ لا تزال هناك احتمالات تتعلق باحتمال الوساطة الدولية لفرض السلام بين موسكو وكييف خاصة في ضوء دعوة بكين الصديقة الأقرب للأولى للوساطة من خلال المجلس الأوروبي. تبقى تركيا هي الطرف المرشح دوماً لأي فرصة سلام أو وساطة مابين موسكو وكييف، بسبب ما تتمتع بها من علاقات جيوسياسية مع اطراف الصراع.