اعداد الدكتور حمدي بشير
تُولِي الصين اهتماماً كبيراً بتعزيز نفوذها الاقتصادي وضخ المزيد من الاستثمارات في غرب أفريقيا، وهو ما اتضح خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي في السنغال في عام 2021، إذ إن عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، وتراجع دور القوى الغربية، يتيح مجالاً ملائماً لمزيد من التوسع الاقتصادي والأمني الصيني في منطقة الساحل.
وهنا أكد الموقف الصيني على التزام الحياد إزاء الانقلاب العسكري الأخير وتطورات الأوضاع في النيجر، حيث يعود ذلك إلى جملة من العوامل، لا سيما وأن الصين لا ترغب في أن تخسر أصدقاءها في المنطقة في ظل حالة الانقسام الإقليمي تجاه تطورات الأوضاع في النيجر، وقلق الصين من تدهور الوضع الأمني وتداعياته على مصالحها الاقتصادية، والاستثمار في تراجع الدور الفرنسي، ومخاوف الصين من تداعيات تدخل فاجنر في مرحلة ما بعد انقلاب النيجر.
ففي 4 أغسطس الجاري، علقت وزارة الخارجية الصينية على الأحداث في النيجر وقالت إنها تعتقد أن النيجر ودول المنطقة الأخرى لديها الحكمة والقدرة على إيجاد “حل سياسي” للوضع الحالي، في إشارة إلى الانقلاب العسكري الذي أطاح بسلطة الرئيس محمد بازوم في 26 يوليو الماضي.
ومع ذلك لم يُشرْ بيان الخارجية الصينية إلى موقف واضح يدين الانقلاب أو يؤيده، وهو الأمر الذي يثير التساؤلات حول العوامل التي تدفع الصين إلى الحفاظ على موقف محايد إزاء تطورات الأوضاع في النيجر.
موقف بكين
بينما نددت العديد من القوى الدولية مثل فرنسا والولايات المتحدة بالانقلاب العسكري، ودعت إلى عودة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى منصبه، أصدرت الخارجية الصينية بياناً أكدت فيه موقفها من الأوضاع في النيجر، وقالت: “تتابع الصين عن كثب تطورات الوضع في النيجر، وتحيط علماً بالبيانات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”.
وتابعت: “نعتقد أن النيجر ودول المنطقة لديها الحكمة والقدرة على إيجاد حل سياسي للوضع الحالي”.
ودعت “الأطراف المعنية” إلى “استعادة النظام الطبيعي في أسرع وقت ممكن”.
وقالت الخارجية الصينية إن “الرئيس بازوم صديق للصين، ومن الضروري ضمان سلامته الشخصية، وأن تدير الأطراف المعنية في النيجر الخلافات سلمياً من خلال الحوار مع المصالح الأساسية للأمة والشعب كنقطة انطلاق.”
ولم يشر البيان إلى الأحداث على أنها “انقلاب” ولم يحدد الدول الإقليمية التي أشار إليها.
وأضافت الخارجية الصينية أنها “تولي أهمية كبيرة” لسلامة المواطنين الصينيين في النيجر، وأنها وجهتهم إلى “تعزيز إجراءات السلامة والوقاية، (و) الاستعداد للطوارئ”.
وقال البيان إن “وزارة الخارجية وسفارة الصين في النيجر ستواصلان الحفاظ على الاتصال الوثيق مع المواطنين والمؤسسات الصينية في النيجر، وتوفير الحماية والمساعدة القنصلية في الوقت المناسب، واستخدام جميع الصلاحيات للحفاظ على سلامة المواطنين الصينيين”.
عوامل عديدة
ثمة جملة من العوامل التي تدفع الصين للحفاظ على موقف محايد تجاه الأوضاع في النيجر، ومن أهمها:
- انقسام الموقف الإقليمي تجاه مآلات الأوضاع في النيجر، إذ يبدو أن الصين لا ترغب في أن تتخذ موقفاً واضحاً ومنحازاً إلى طرف محدد، وخاصة في ظل انقسام الموقف الإقليمي تجاه تطورات الأوضاع في النيجر، حيث أدانت الإيكواس والاتحاد الأفريقي الانقلاب وهددت الإيكواس باستخدام القوة والتدخل العسكري في النيجر، بينما أيدت دول مثل مالي وبوركينافاسو الانقلاب، وقالت إنها سوف تساند النيجر عسكرياً في حال تعرضها لتدخل عسكري. ويبدو أن بكين لا تريد أن تصطدم أو تخسر علاقاتها مع أي طرف أو دولة من دول منطقة الغرب الأفريقي، خاصة أن الصين لا تولي أهمية لطريقة الوصول إلى السلطة أو طبيعة السلطة عسكرية أو مدنية، وأن ما يهم الصين هو أن تحافظ النخبة الحاكمة أو من يتولى السلطة في النيجر على مصالح الصين. لذلك، تريد الصين أن تكون قريبة من كل الأطراف. وبينما فضلت واشنطن العمل مع “القادة الديمقراطيين”، قال شين إن بكين مستعدة للعمل مع الحكومات الديمقراطية أو الاستبدادية للحفاظ على الاستقرار. وتبدو الصين أكثر حساسية لسمعتها في أفريقيا من روسيا.
- قلق بكين على مصالحها الاقتصادية في النيجر، فلدى الشركات الصينية استثمارات في النفط واليورانيوم في النيجر، وتقوم شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) ببناء خط أنابيب النفط الخام بطول 2000 كيلومتر (1،243 ميل) من حقول النفط في جنوب شرق النيجر إلى محطة ميناء في بنين المجاورة. وتعتبر حقول النفط في النيجر مغرية للغاية بالنسبة للصين، حيث يُعتقد أنها تحتوي على أكثر من مليار برميل، ولا تزال الأحواض الواقعة في الشرق غير مستكشفة. وفي مايو من هذا العام، وقعت شركة نفط صينية كبرى أخرى SINOPEC، مذكرة تفاهم مع النيجر للحصول على تراخيص نفطية خاصة بها. ولا شك في أنهم سيحاولون مع شركة البترول الوطنية الصينية تكوين صداقات في هذه الحكومة الجديدة والمجلس العسكري. فيما تمتلك شركة PetroChina الآن ثلثي حقل Agadem النفطي الواسع، وبدأت في معالجته من خلال مصفاة SORAZ في عام 2011 للسوق المحلي. وأصبحت خططها أكثر جرأة، حيث تنفق الشركة 6 مليارات دولار في توسيع إنتاج Agadem للتصدير إلى السوق الدولية، من خلال خط أنابيب جديد واسع، وعند اكتماله سيمتد مسافة 1200 ميل من حقول أجادم النفطية في النيجر عبر بنين إلى المحيط.
- الاستثمار في تراجع الدور الفرنسي في الساحل الأفريقي، حيث تواجه باريس مظاهرات في النيجر ودول الساحل تندد بالسياسة الفرنسية، ولا ترغب بكين في اتخاذ موقف منحاز إلى أحد الأطراف قد يؤدي إلى استغلاله من قوى منافسة في حملات إعلامية أو خارجية تروج لتدخلها في الشؤون الداخلية بشكل يؤجج المشاعر المعادية لها، وإنما تظهر بكين بموقف محايد، مما يعزز من فرص التمدد الاقتصادي على حساب تراجع الدور الفرنسي، خاصة أن الشركات الفرنسية هي من أكبر المنافسين للشركات الصينية في النيجر، ولا سيما في قطاع مثل اليورانيوم والنفط.
- مخاوف الصين من تداعيات تدخل فاجنر في النيجر، فعلى الرغم من التفاهمات الروسية-الصينية تجاه الأوضاع في النيجر والساحل في مواجهة الدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، غير أن انخراط فاجنر في النيجر قد يمثل تهديداً للمصالح الصينية، فبرغم أن تدخل فاجنر قد يوفر فترة قصيرة من الاستقرار الذي تفرضه الوسائل العسكرية لكنه يمكن أن يتحول إلى تهديد، ولا سيما إذا نشأت نزاعات حول حقوق التعدين. ومن المحتمل أن ترى بكين أن فاجنر تمثل عائقاً أمام طموحاتها الخاصة، بينما تفضل في الوقت نفسه أن تظل في مكانها في بعض البلدان عالية المخاطر.
انعكاسات محتملة
من المتوقع أن تتجه السياسة الصينية خلال الفترة المقبلة للتعامل مع الأوضاع في النيجر إلى:
- توسيع الدور العسكري لمواجهة عدم الاستقرار بالساحل، حيث إن حالة عدم الاستقرار السياسي واستمرار الحرب على الإرهاب قد تفتح المزيد من الفرص للصين لتوفير الأسلحة والمعدات اللازمة بأسعار منخفضة، فيما تواصل بكين دعم جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة، وقد تعهدت بتقديم الدعم المالي والمعدات لـلاتحاد الأفريقي. ويتوقع أن تستمر الصين في دعم قوات الأمن الإقليمية للعب دور رئيسي في مواجهة التهديدات الأمنية ومواجهة الاحتياجات الأمنية المتزايدة لمنطقة الساحل. وقد تتجه الصين، التي تحافظ على سياسة رسمية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إلى أن تختار تمويل قوات الأمن الإقليمية أو الاتحاد الأفريقي أو المبادرات التي تقودها الأمم المتحدة لعلاج عدم الاستقرار في منطقة الساحل.
- تعزيز دور الشركات الأمنية الصينية، حيث إن مخاوف بكين من تمدد نشاط فاجنر إلى النيجر وخطرها على استقرار البلاد قد يدفع بكين إلى تعزيز دور شركات الأمن الصينية لحماية مصالحها في المنطقة، ناهيك عن تداعيات تمرد فاجنر على الحكومة الروسية والذي قد يؤدي إلى سحب الدعم الروسي لتحركاتها على الساحة الأفريقية وهو الأمر الذي يعزز من فرص الشركات الصينية لملء الفراغ، وخاصة مع اتجاه فرنسا لسحب قواتها من معظم دول الساحل، بما في ذلك بوركينافاسو، حيث انتهت عمليات الجيش الفرنسي في فبراير، بناءً على مطالب من حكومة البلاد.
- الحفاظ على محورية الدور الدبلوماسي، إذ إن الوجود النشط للصين في الديناميات الأمنية لمنطقة الساحل يبدو محدوداً ومقتصراً على الدور الدبلوماسي. ومن غير المرجح أن تقود بكين أو تشكل جزءاً من تحالف عسكري لاستعادة الاستقرار، وذلك لأن المصلحة الجيوسياسية الرئيسية للصين في المنطقة هي الحفاظ على الوضع الراهن وتحسين صورتها. وقد ترغب الصين في التركيز فقط على إجلاء مواطنيها والبحث عن وسائل لحماية الاستثمارات الصينية في حال تدهور الوضع الأمني.
ترقب بكين
وجملة القول، يمكن تفسير الموقف الصيني من تطورات الأوضاع في النيجر في ضوء مخاوف الصين من تدهور الوضع الأمني في الساحل والنيجر بصفة خاصة، وتداعياته على مصالحها الاقتصادية للصين واستثماراتها في النيجر والدول المجاورة، وهذا يعني أن الصين تراقب عن كثب موقف المجلس العسكري من الاتفاقيات التي أجرتها مع إدارة بازوم، وتترقب انسحاباً فرنسياً وغربياً من النيجر لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي.