الدكتورة بدرة قعلول: رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس
وتعود الأزمة السياسية في ليبيا الى الطاولة وعبد الله باتيلي يعود الى الاعتراض ويعتبر اعتماد مجلس النواب لمخرجات 6+6 عبارة على مبادرة فردية وعواقبها وخيمة وبالتالي المشهد الليبي يعود الى نقطة البداية والتحشيد العسكري على اشده بل أكثر فهناك من يؤكد أن طبول الحرب بدأت تدق وأن ليبيا ستعود الى نقطة ما قبل الصفر، وهذا راجع بالأساس الى أن “الكبار” لم يتفاهموا على الكعكة واللاعبين الليبيين الذين هم في المشهد منقسمين كل واحد منهم واء دولة من الدول.
وفي المقابل، قال عقيلة صالح أنه يرفض إملاءات البعثة الأممية ودعاها إلى دعم خريطة الطريق المعتمدة، وبالتالي دخلنا في سيناريو المناورات ورئيس مجلس النواب هو أكثر شخصية قد تعلمت المناورة والاختراق واللعب تحت الطاولة كما الكثيرين من السياسيين.
السؤال الذي يطرح لماذا البعثة الأممية قد رفضت قرار مجلس النواب؟
- البعثة الأممية مأمورة بأن ترفض لا غير من دون اعطاء بديل: البعثة الأممية رفضت القرار على رمّته من دون ان تشير الى نقاط الاختلاف ولا الى نقاط الالتقاء، فاقد قيل لها أن ترفض ورفضت، وفي نفس الوقت تسعى البعثة إلى تعطيل هذا المسار حالياً كونها لم تكن تتوقع حدوث توافق ما بين المجلسين في أعقاب لقاء بوزنيقة الذي جمع اللجنة القانونية المشتركة (6+6)، حيث لم يحضر رئيسا المجلسين لتوقيع تلك المخرجات، كما أبديا ملاحظات كانت تشير إلى احتمالات تعثره قبل أن يتفاداها هذا الوضع. وبالتالي خابت آمالها وما كان عليها الاّ أن ترفض المسار برمّته فلقد كانت تعتمد على الاختلاف ولكنّها فشلت تقديراتها.
- البعثة الأممية كانت تنتظر الفشل وعدم نجاح المسار لتبعث مسار مواز تتلاعب به كما تشأ ولكن الأمر خرج عن توقعاتها اذ لا يجب أن ننسى ما كان ينويه المبعوث الأممي في تصريحه في شهر أفريل عندما قال أنه سيعمل على تشكيل لجنة عليا، وهي اللجنة التي نظر إليها العديد من المراقبين باعتبارها لجنة ذات صلاحية فوقية ومن غير الواضح آلية تشكيلها، وكيفية تعاملها مع مخرجات خريطة الطريق التي يمكن أن تصدر عن مسار المجلسين. وبحسب وجهة نظر النواب من المجلسين، فإن هذه الازدواجية لا يمكن أن يسفر عنها التوافق المطلوب، بل يمكن أن تُرحِّل العملية السياسية التي تستعجلها الأطراف الليبية إلى أجل غير مسمى، والمبعوث الأممي قد عيين من أجل ذلك “تطويل الأزمة وتعقيدها”.
والملاحظ المباشر للملف الليبي يعلم جيدا ما يحبك اليوم في الميدان وشروط القوى الاقليمية والدولية المتصارعة على “الثروات الليبية” فالانتخابات لن تكون لا هذه السنة ولا السنة القادمة، فعمليا وآليا ولا اجرائيا يمكن ان تقع فحتى رئيس المفوضية العليا للانتخابات مشكك في نزاهته وهناك اطراف تطالب بتغييره. كذلك لا ننسى تعنت بعض الأطراف الليبية الى ايجاد حكومة ثالثة وبالتالي توسيع الخلافات في ظل رفض الدبيبة للتخلي عن الحكم.
اذا ليبيا اليوم تعيش مأزق كبير وكما أشرنا منذ بداية التقرير “طبول الحرب” والخروج من الحالة الهجينة “اللاحرب واللاسلم” قد وصلت الى المازق والى نقطة اللارجوع والمسارات السياسية والتفاوضية بدأت تنتهي.
البعثة الأممية ترفض مخرجات 6+6 وتعتبره غير قانوني بالرغم من أنه قد تمّ اعتماد القوانين من مجلس النواب ومن قبله مجلس الدولة، وبالتالي أي تشكيك هو بمثابة التشكيك في السيادة الوطنية بل أكثر هو التشكيك في صلاحيات المجلسين وزرع الفتنة بينهما وتفجير الوضع بينهما. كما أن عبد الله باتيلي سيصبح عنصر غير مرغوب فيه ومشكك به ولا يحضى باحترام الجميع وسيصبح التشكيك في نواياه من جانب العديد من الأطراف والقوى السياسيةوبدأت الاشاعات تكثر حوله وفي نزاهته وخاصة وأنه ممن يحب “المال” كثيرا وهو يعمل لمن يدفع اكثر بحسب الكثير من الليبيين.
طبعا البعثة الأممية تعوّل كثيرا على نفوذها ودعمها الدولي ففي ظل الفيتو الصادر عن البعثة على خريطة الطريق البرلمانية، ستظهر العديد من التحديات أمام خطة المجلسين، لا سيما خطوة تشكيل الحكومة الموحدة على نحو ما سلفت الإشارة، وهي نقطة ستستفيد منها بالتبعية حكومة الوحدة الوطنية، ففي ظل الخلاف بين الطرفين على وجود حكومة جديدة غير معترف بها دولياً سيتحول الأمر إلى مجرد إجراء مفرغ من مضمونه، وبالتبعية باقي الخطوات التالية الخاصة بالعملية الانتخابية.
الخلاصة:
ولا يزال التعقيد في المشهد الليبي سيّد الموقف وكما أشرنا فانه ربما واحتمال كبير سيتحوّل الى نزاع مسلح سيضرب كل المسارات الهشة وسيعيد ليبيا الى مربع الصفر، فمن المتصوّر ان الصراع سيكون على أشدّه بين المكونات الوطنية الليبية والبعثة الأممية التي تريد أن يبقى الملف وليبيا تحت وصايتها.
السيناريوهات المحتملة:
- فشل الطرف الليبي والبعثة الأممية للجلوس على الطاولة وفرض الواقع الميداني والصراع المسلح
- محاولة كل طرف كسب مؤيدين لموقفه من جهة وربما محاولة البحث عن مخرج من المأزق بما يمكن الأطراف من إيجاد بدائل من جهة أخرى وفي هذه المرحلة نستبعد هذا السيناريو.
- البعثة الأممية تحاول التمديد في حالة الأزمة وتلجأ الى نظرية الحوار والجلوس على الطاولة وتغيير الدول المحتضنة للحوار
- أما البرلمان ومجلس الدولة سيحاولان التمسك بالمسار وسيتم التصعيد وتعلية السقف وفي نفس الوقت كسب الوقت وعدم الدخول في صدام مع المجتمع الدولي عبر البعثة، وبالتالي فتح الحوار مع البعثة نفسها للبحث عن مخرج توافقي من دون تنازلات كبرى.
- عدم التوصل الى اتفاق مع البعثة الأممية وبالتالي ترحيل العملية الانتخابية الى أجل غير مسمى واطالة عمر الأزمة وتشظيها الى أزمات.