تعيش البلاد جملة من الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية نتيجة سنوات هيمن فيها الفاسدين على جلّ هياكل الدولة، وقد ساهم استبعادهم من الحكم في مزيد الانهيار سعيا منهم لعرقلة خطط الاصلاح وبناء حملات مشوّهة لمسار الرئيس قيس سعيد، حيث استغلت الاحزاب السياسية المستبعدة ورجال الاعمال المتآمرين مع الاطراف الخارجية نفوذهم وسيطرتهم على مؤسسات الدولة لإغراق البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وتكوين قواعد شعبية مناهضة لأهداف 25 يوليو، تحت اعتقاد انّ هذا المسار الجديد الذي تخوضه يعد سببا في مختلف الازمات.
تحدّث الرئيس في مناسبات عديدة عن الحرب التي يخوضها في تحرير البلاد والمعارك التي يواجهها في تطهير هياكل الدولة من فساد كان قد نخرها خلال العقود الماضية، وكانت سلسلة الايقافات التي نفذّتها السلط الامنية في الايام الفارطة احدى اهم الخطوات في محاربة الفساد، حيث تمّ الاثبات قطعا تورّط عدد من المجرمين في جرائم متعلّقة بتآمرهم على أمن الدولة، ولا يعدُّ ذلك مستغربا في ظلّ استنجاد الطبقة السياسية الفاسدة وما يليها من أطراف داعمة لها سواء في الاعلام التونسي او مختلف المؤسسات بالأطراف الخارجية لمنع الرئيس من تنفيذ خططه الاصلاحية، وهو ما يعدّ انتهاكا واضحا لسيادة الدولة وتعديا على أمنها.
كانت من بين الخطوات التي تمّ اعتمادها من طرفهم للتشويش على مسار الاصلاح، دعم المحتكرين والترفيع في الاسعار واعتماد سياسية ترهيب الشعب من مستقبل البلاد، حيث اشار بوضوح الى المسيطرين على مسالك توزيع السلع واصفا اياها بأنّها “مسالك تنكيل وتجويع” وانّها لن تكون خارج اطر المحاسبة والمساءلة القانونية قائلا انّ “5% فقط من السلع تدخل الى سوق الجملة بتونس العاصمة، و95% الباقية يتمّ ضخّها في مسالك غير قانونية للتنكيل بالشعب، وهناك اعترافات موثقة تؤكد أن هذه المسالك تتعلق بتأجيج الاوضاع الاجتماعية”. وقد اعتمد هؤلاء ايضا على شنّ حملات مشوّهة للعملية الانتخابية للتأثير على الناخبين وعلى الشعب.
على خلفية الايقافات الاخيرة التي شملت اشخاصا ناشطين في مختلف المجالات السياسية والمالية والاعلامية، عبّرت عديد الاطراف على رفضها لذلك تحت ادعاء انّ ليس هناك ملفات تمّ بناءً عليها اخذ هذا القرار، ففي الوقت الذي كانت فيه المحاسبة مطلبا شعبيا وشرطا اساسيا آمنت به مختلف القوى التقدمية واعتبرته شرطا أساسيا للتأسيس لتونس جديدة بعد 25جويلية، أدان الكثير حملة الايقافات مصطفين الى جانب الاحزاب السياسية دون توفير ادنى اهتمام لمصلحة البلاد.
اذ لا يمكن المرور من وضع الى وضع دون القيام بإصلاحات جذرية، ينطبق ذلك على الوضع الرّاهن الذي تعشيه تونس منذ فترة، إذ يسعى رئيس الجمهورية قيس سعيد الى توفير الارضية المناسبة حتى تتم إعادة بناء نظام سياسي جديد دون شوائب، ويجدر الانطلاق في القيام بذلك من مؤسسات الدولة التي ستلعب دورا بارزا في الفترات المقبلة في عملية الاصلاح وارساء برامج وأنظمة تنموية ذو نجاعة كبرى، وإلاّ ستتمكّن العناصر الفاسدة من الالتفاف حول عملية الاصلاح وعرقلة أي محاولة للإصلاح وذلك ما بدأ في الحدوث فعليا، والذي يعد نقطة بارزة في الوضع الذي تعيشه البلاد في الوقت الحالي، لذلك بتطلّب انقاذ البلاد في الوقت الحالي محاسبة الفاسدين.