عادل الحبلاني : قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية
يعيش الرأي العام التونسي والمجتمع السياسي على وقع الجدل القائم حول “صرورة” التجاء تونس إلى ” نادي باريس”، حيث أنه لا بد من مزيد فهم أصول هذا النادي ومزيد توضيح ظروف النشأة والصلة بينه وبين صندوق النقد الدولي والعديد من الدول الأخرى، فإن العودة التاريخية على تأصله وفهم الأدوار التي يلعبها لأمر ضروري لفهم ما سيحصل في تونس في المستقبل القريب.
من هو نادي باريس ؟
يعرف نادي باريسبأنه مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة، ويكمن جوهر عمله وفق أدبيات نصوصه في ايجاد الحلول للدول الغير قادرة على سداد ديونها، من ذلك تقديم خدمات مالية أو جدولة الديون تجنبا لإعلان الإفلاس، أو تخفيض نسب الفائدة عليها أو الغاء الديون بين الدولة المثقلة بالديون والدول الدائنة، ويمثل نادي باريس الورقة الأخيرة بعد جملة من المفاوضات بين الدول الدائنة والدول المدينة، بمعنى آخر أنه بعد عدم التوصل إلى عدم سداد الديون، يقوم صندوق النقد الدولي بتسجيل والتوصية على الدول الغير قادرة على سداد ديونها في نادي باريس، لتدخل بذلك الدول المدينة إلى طور جديد من التفاوض وبحث السبل التي من شأنها تجاوز الازمة وعدم الانزلاق نحو الافلاس.
هذا العمل الذي ترتكز عليه المبادئ العامة لنادي باريس، يعتبر نظريا شيئا محمودا. الا أنه عمليا وبعد الحفر في تاريخ نشأته وربط الصلة بين المقيمين عليه وفهم السياقات التاريخية لتأسيسه، يمكن الكشف عن الجذور الحقيقية لهذه الجهة الغير رسمية وأهدافها الغير معلنة ومدى تدخل السياسات واللولبيات الدولية في الدفع نحو تحقيق مصالح مخصوصة لا علاقة لها بإنقاذ اقتصادات الدول وتلافي الانزلاق والانهيار، ذلك أنه وبالعودة على التعريف الفرنسي لهذا النادي سوف نجد العبارة التالية Pays pauvres très endettés أي الدول المغرقة بالديون والغير قادرة على سدادها، بالإضافة إلى ذلك يرتبط نادي باريس إلى جانب صندوق النقد الدولي والدوائر المالية العالمية الكبرى،على غرار فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن انضمام إسرائيل إلى النادي في جوان 2014، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات والاحراجات ويجعل من فكرة دخول تونس تحت مظلة نادي باريس أمرا غير محمود بالمرة ويجعل من الحذر أمرا في غاية من الأهمية ويدعم ضرورة توخي سياسات عدم الانزلاق نحو نادي باريس، الذي تسعى العديد من الأطراف في الداخل والخارج للدفع نحوه لمزيد اثارة الازمة واختناق الوضع الاقتصادي لتحصيل نقاط سياسية وتحقيق مصالح مخصوصة.
من مصلحة تونس عدم الدخول تحت مظلة نادي باريس ؟
على قاعدة أن نادي باريس قادر على اعادة جدولة ديون الدولة التونسية أو تخفيضها أو حتى الغاء جزء كبير منها، فإن هذه المسألة على غاية كبيرة من الخطورة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى أن نادي باريس هو تتمة لإملاءات صندوق النقد الدولي وشروطه والمتمثلة في رفع الدعم عن المواد الأساسية وايقاف الانتداب في الوظيفة العمومية ووضع سياسات اكراهية واستعمارية تكون نتائجها ادخال البلاد في منزلق خطير من الاحتجاجات وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وربما هذه هي الخطة المدبرة الى تونس الوضول الى نادي باريس ودعوة اشباه الخبراء الاقتصاديين الى ذلك وطبعا بوعود كبيرة من الأموال وربما كذلك بمناصب سياسية، وتحول الدولة التونسية إلى سوق لبيع المكتسبات الوطنية، الأمر الذي سنشهد معه انهيارا كليا لمؤسسات الدولة وتماسكها الاجتماعي.
ولعل الأمثلة عديدة ومتعددة عن النتائج الاقتصادية الكارثية لكل من الصومال والتشاد والسودان وغيرها من الدول التي التجأت الى نادي باريس،هذا إلى جانب النتائج السياسية التي تسعى العديد من الدول النافذة لتحقيقها، من ذلك ما تسعى اسرائيل إلى تحقيقه في اطار صفقة القرن من قدر ممكن لتطبيع العلاقات معها، حيث ان زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي إلى السودان ولقاءه برئيسها البرهان هو بمثابة الانذار والعلامة الدالة على ما تسعى امريكا واسرائيل وحلفائهم ووسطائهم إلى تحقيقه من خلال دفع الدول الغير قادرة على سداد ديونها إلى الالتجاء مجددا الى نادي باريس، بما هو مظلة لسياسات دولية وإقليمية كبرى، تهدف إلى مزيد اكراه الدول واستعمارها بشكل غير مباشر ومعلن،ولعل المثال الأبرز هو اللقاء الذي حصل بين وزير خارجية الكيان الصهيوني والبرهان رئيس دولة السودان، والذي جاء بعد اعلان اتفاق مجموعة نادي باريس وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات التمويل قرار اعفاء ديون السودان المقدرة بنحو 64 مليار دولار، حيث أعلنت وزارة الخارجية السودانية، الخميس، الاتفاق مع إسرائيل “على المضي قدما في سبيل تطبيع العلاقات بين البلدين” وتطويرها في المجالات المختلفة.
ليس من مصلحة تونس بأي حال من الأحوال الالتجاء إلى نادي باريس، لأن في ذلك شكل جديد من أشكال الاستعمار الاقتصادي وهتك للسيادة الوطنية وهو الخطوة التي تنتظرها اسرائيل للدفع نحو تطبيع العلاقات معها عبر سياسة الاكراه والضغط تحت مظلة النادي الذي تدير خيوطه فرنسا الاستعمارية واسرائيل الكيان الصهيوني وواشنطن اللاعب الأقوى في المعادلة الجيوسياسية والاقليمية والدولية.
بالإضافة إلى ذلك فإن الأزمة سوف تكون مزدوجة، حيث سوف تجد أي حكومة نفسها مستقبلا أمام شروط صندوق النقد الدولي بماهي شروط لسياسات دولية واقليمية أكبر، وسيعرف الشارع التونسي موجة من الاحتجاجات المترتبة عن السياسات والخيارات الوطنية للدولة التونسية، وعن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي سيعرف حالة من الارتباك والانهيار الكبير.
تقييم
وإذ نقترح حلول في هذا الشأن تجنبا لهذا المنزلق الخطير، التخلي عن صندوق النقد الدولي والاعتماد على الموارد الوطنية ومواردها الداخلية وتنويع علاقاتها ومصادرها التجارية والاقتصادية، عبر فتح نوافذ جديدة ومزيد تشبيك العلاقات مع دول أخرى وقوى اقتصادية أخرى، ويكون ذلك من خلال التخلي عن الخيارات والعلاقات الاقتصادية الكلاسيكية.
لأنه ليس للدولة التونسية إذا ما أرادت أن تمضي قدما في الاصلاح والتقدم من سبيل إلا احداث ثورة وطنية على المستوى الاقتصادي وفتح قنوات جديدة ومراجعة سياساتها الخارجية بما يحقق المصالح العليا للدولة.