تحليل”: الدكتور أمين إسماعيل مجذوب..مركز الدراسات القومية
تعيش القارة الأوروبية حالة من القلق بسبب تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما ينذر بتعمق أزمات جديدة في أوروبا. وتتصاعد التوترات في منطقة شمالي البحر الأسود مع زيادة روسيا لأنشطتها العسكرية على الحدود الأوكرانية والدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، التي زادت مؤخراً من شحنات الأسلحة المرسلة لدعم أوكرانيا…..
القلق الأوروبي لايشمل دولة بعينها بقدر مايشمل دول أوروبا بدون إستثناء، وكأن دول أوروبا اليوم تعيش حالة “الحرب الباردة من جديد”. وهذا ماعبر عنه جوزيب بوريل، مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية، بالقول بأن الأزمة الأوكرانية الحالية هي “أسوأ أزمة في أوروبا” منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. …
الأزمة الروسية الأوكرانية
وتصاعد التوتر التوتر العسكري والدبلوماسي بين البلدين عامي 2021 و 2022 واشتد في خريف عام 2021 عندما أفاد مسؤولون أوكرانيون أن الحكومة الروسية وضعت 100 ألف جندي بالقرب من الحدود مع أوكرانيا…
أصدرت الإدارة الروسية خلال شهر ديسمبر 2021 قائمة مطالب تجاه الدول الغربية ، كان أحدها ضمانة ملزمة قانوناً بأن منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لن تتوسع إلى الشرق.
وعُقدت محادثات متعددة على المستوى الدولي، بمشاركة الناتو والولايات المتحدة في يناير 2022 ، قدمت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ردوداً مكتوبة على مطالب روسيا، وحثت على استخدام الوسائل الدبلوماسية لحل النزاع….
أعادت الولايات المتحدة تأكيد إلتزامها بمبدأ “الباب المفتوح” لحلف شمال الأطلسي، والذي بموجبه وافق حلفاؤها في قمة بوخارست عام 2008 على انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الكتلة في مرحلة ما.
روسيا مواقفها وردود أفعالها ..
صرح بوتين في 30 نوفمبر 2021، أن توسيع وجود الناتو في أوكرانيا، وخاصة نشر أي صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب المدن الروسية أو أنظمة الدفاع الصاروخي المماثلة لتلك الموجودة في رومانيا وبولندا، ستكون مسألة “خط أحمر” لروسيا…
وفي هذا السياق، التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في 2 ديسمبر 2021 ونفى الكرملين مراراً وتكراراً أن يكون لديه أي خطط لغزو أوكرانيا.
ونفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المخاوف ووصفها بأنها “مثيرة للقلق”. اتهم وزير الخارجية سيرجي لافروف تحالف شمال الأطلسي العسكري بالتصرف بطريقة هجومية..
وقال نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، خلال يناير 2022، إن فكرة تهديد روسيا إلى أوكرانيا “كانت سخيفة تماماً” وأضاف: “لا نريد الحرب ولسنا بحاجة إلى ذلك على الإطلاق”.
وعلق الكرملين يوم 22 يناير 2022 بالقول: انه لا توجد “أرضية كافية للتفاؤل” لحل الأزمة بشأن أوكرانيا بعد أن رفضت الولايات المتحدة المطالب الرئيسية لروسيا، لكن هذا الحوار لا يزال ممكناًً.
صيغة نورماندي …
تسعى ألمانيا إلى إحياء صيغة نورماندي الرباعية، التي تضم طرفي الأزمة روسيا وأوكرانيا بوساطة فرنسا وألمانيا، في محاولة لنزع فتيل حرب يرها البعض قريبة الاندلاع أطراف الصراع الأوكراني والوسطاء حول طاولة واحدة، عُقد الاجتماع الأول من هذا النوع في 6 يونيو 2014 في النورماندي بشمال فرنسا.
إتفاقية مينسك …
وقعت رباعية روسيا واوكرانيا وألمانيا وفرنسا خلال شهر فبراير 2015 إتفاق مينسك في العاصمة البيلاروسية مينسك، الاتفاقية نصت على إيجاد طريقة لنزع فتيل النزاع من خلال وقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والاتفاق على الدخول في حوار ووضع آليات لإجراء الانتخابات المحلية في أوكرانيا، تبادل الأسرى وتقديم المساعدات الإنسانية وغير ذلك.
ألمانيا بين المطرقة والسندان
ذكرت صحيفة، “Süddeutsche Zeitung” يوم 03 فبراير 2022 أن المستشار الألماني، أولاف شولتس، ينوي زيارة روسيا منتصف فبراير في سياق التوتر حول أوكرانيا …
وأن شولتس وصل إلى موسكو بعد زيارات مرتقبة إلى كل من واشنطن وكييف حيث سيجري محادثات ترتكز على تسوية الأزمة الأوكرانية. مشدداً على أن ألمانيا تتعاون بشكل نشط مع الحلفاء حول الملف الأوكراني. وسبق أن أكد شولتس رفض بلاده بيع أي أسلحة فتاكة لأوكرانيا، لكنه جدد استعداد ألمانيا للمشاركة في رد غربي موحد على الغزو المحتمل لأوكرانيا من قبل روسيا …
أعلنت ألمانيا بأن أي غزو لأوكرانيا ستكون له عواقب خطيرة على روسيا، مشيرة إلى عقوبات قد تستهدف خط أنابيب “نورد ستريم 2” المخصص لإيصال الغاز الروسي إلى أوروبا. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للبرلمان “نعمل على حزمة عقوبات قوية” مع الحلفاء الغربيين تغطي جوانب عدة “بما يشمل نورد ستريم 2”…
ماذا عن الموقف الفرنسي؟
خطوات نحو خفض التصعيد
أعلنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه سيتوجه إلى موسكو في محاولة لإيجاد حل دبلوماسي وقال ماكرون “أنا قلق بشدة بإزاء الوضع على الأرض”.
وأضاف أن “الأولوية بالنسبة لي في شأن القضية الأوكرانية والحوار مع روسيا تكمن في احتواء التصعيد وإيجاد السبل السياسية للخروج من الأزمة، وهذا يستدعي القدرة على المضي قدما على أساس اتفاقات مينسك”…
النتائج والتحليل …
ـ تسعى فرنسا من خلال رئاستها الى الاتحاد الأوروبي، ربما لعب دور الوسيط اكثر ماتكون الى جانب الولايات المتحدة، وذلك من خلال العودة الى صيفة نورماندي الرباعية، لكن مهمة الرئيس الفرنسي ، يمكن وصفها وبالتوازي مع مساعي، المستشار الألماني ـ هو الأخر أعلن بأنه سيعمل بزيارة إلى واشنطن وموسكو وكييف ـ من أجل خفض حدّة التوتر وإيجاد حوار، وهي أيضاً مهمة غير سهلة، لكن وجود رؤية ألمانية فرنسية مشتركة أو متقاربة، ممكن أن تكبح اندفاع واشنطن وتخفض من تحشيد الناتو في البحر الأسود …
وليس مستبعد أن تنجر بريطانيا إلى مساعي المحور الفرنسي الألماني، وتكمن الصعوبة بسبب طلب موسكو “الضمانات الأمنية” وحوار بناء مع الناتو مقابل رفض واشنطن والناتو.
ـ تعمل ألمانيا بالمشاركة مع فرنسا على تعزيز جهود للوساطة بين روسيا وأوكرانيا في سبيل نزع فتيل صراع قد تكون لها تداعيات مدمرة على أوروبا والمنطقة. ويبدوأن موقف ألمانيا ليس بالوضع المستريح في هذه الأزمة، فهي بين تصعيد موسكو العسكري عند الحدود الأوكرانية من جهة، وإتجاه الحلفاء الغربيين للرد على موسكو من جهة أخرى. ولحسابات برلين اعتبارات سياسية أمنية واقتصادية يمكن وصفها بأنها صعبة جداً.
ـ تبقى موسكو وبرلين قريبة من بعضها البعض، بسبب عدة عوامل، الجغرافية والتاريخ والعامل الديموغرافي إلى جانب العامل الأقتصادي، رغم أن برلين ضمن الناتو، لكنها قريبة جداً من موسكو. وفرنسا هي الأخرى تشارك موسكو بالكثير من الملفات الإقليمية والدولية، أبرزها الملف السوري وأمن الخليج وملف ليبيا، بإستثناء ملف أفريقيا والسودان واثيوبيا …
ـ بات متوقعاً، أن تبذل باريس و برلين مساعي أكثر، بإتجاه خفض التصعيد، على مستوى سياسي وكذلك عسكري عملياتي على الأرض، ويبدو أن ألمانيا سوف تكون هي الخاسر الأكبر أيضاً في حال إندلاع أي مواجهة عسكرية ضد موسكو، بسبب احتمالات توقف خط نورد ستريم 2 ومهما كان يبدو أن باريس وبرلين أقرب إلى موسكو من واشنطن.
رصد وتحليل
✍ دكتور
أمين إسماعيل مجذوب
مركز الدراسات القومية