إعداد: أميرة زغدود-تونس:10-12-2021
عند الحديث عن آفة الإرهاب المستفحلة في العالم اليوم، لا يمكننا الحديث بعيدا عن مسرحها المفضّل “القارّة السمراء”، فمع مرور السنوات، لا تخلو الأخبار الدولية من حوادث الهجومات الإرهابية التي تنفذّها جماعات تدعيأنّها “تطبّق الشريعة الإسلاميّة” تحت راية الإسلام، ولكن وجدت هذه الجماعات مسرح نشاط خصب وموات نظرا لعديد العوامل التي ساهمت بشكل كبير في تغوّل هذه الجماعات المصنّفة إرهابية، لتكون اليوم المتسبّب الرئيسي في موت ملايين الأشخاص الأبرياء وسببا في تبيّن فشل الحكومات الإفريقية المحدودة الموارد، التي ركّزت على استراتيجية عمل تأمين الجانب الأمني والعسكري دون محاولة تبيّن رؤية جديدة للتكيّف مع حقيقة الخطر الذي تمثّله هذه التنظيمات.
لا تكاد توجد دولة إفريقية واحدة لا تعاني من خطر التنظيمات الإرهابية من شمال القارة إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها ومن ساحل القارة إلى أغوارها…
في هذا التقرير سيتمّ تناول معضلة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، وما مدى تغوّلها بما يفرض حالة التأهّب القصوى لكافة دول منطقة الساحل التي أُرهِقَتْ في سبيل مكافحة داء لا ينفكّ في التغلغل والتغوّل.
خصوصيّة الساحل الإفريقي
يمرّ الساحل الإفريقي بالعديد من دول القارة الأفريقية،بدءاً من السنغال غربا على حدود المحيط الأطلسي وصولاً للسودان على حدود البحر الأحمر شرقاً، كما تعرّف منطقة الساحل الإفريقي بأنّها المنطقة الواقعة ما بين الشمال الصحراوي الإفريقي ومناطق السافانا الجنوبية.
وفيما يأتي تعداد للدول يمرّ بها الساحل الإفريقي،حيث تضمّ أجزاءً لعشرة دول إفريقية،والتي تشمل بعض الدول العربية الساحلية لنجد “موريتانيا”و”الجزائر” و”النيجر”، ثمّ”السنغال”و”بوركينا فاسو” و”إريتريا”و”نيجيريا” و”مالي” و”التشاد”و”السودان”.
كماتجابه هذه المنطقة تنامي تهديدات التنظيمات الإرهابية التي أرهقت كاهل مجموعة الدول الإفريقية وشركائها الدوليين في الحدّ من خطرها المتزايد يوما عن يوم.
والمعلومة التي يجب وضعها بالحسبان أنّ هذه التنظيمات لا تعترف بالحدود الدوليّة كما هو متعارف عليه بالخرائط حيث رصدت في مناطق حدودية كثيرة من أهمها منطقة “مثلّث النار”، مالي وبوركينافاسو والنيجر، الذي يمثّل نقطة تمرّس ما يعرف بـ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”وتنشطُمن شمال مالي إلى جنوب شرق بوركينا فاسو، ووفق التقارير الأممية فتعدّ هذه الجماعة مسؤولة على نسبة 64% من الهجومات الإرهابيّة بالمنطقة.
وفي الأصل، كان ائتلاف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مكوّنمن أربع مجموعات إرهابية مسلّحة مرتبطة بـ “القاعدة” في منطقة الساحل الأفريقي، وهيحركة تحرير السودان والمرابطون وأنصار الدين وإمارة الصحراء، التي تنضوي تحت تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو ما تعرف بالـ ” AQMI”.
في الوقت الحاضر، يتمّ تمثيل “جبهة النصرة” بشكل فعاّل من قبل قادة إثنين فقط من المجموعات الأصلية، ويترأس هذا التنظيم اثنان من قادة الائتلاف، وهما “إياد آغ غالي”زعيم أنصار الدين الذي تأسّس في العام 2011، بعد فشله في ترأس حركة انفصالية من الطوارق في الشمال المالي، والقائد الثاني، أمادو كوفا فيما عرِف فقي السابق بـ”حركة تحرير السودان”، الذي قاتل في صفوف أنصار الدين خلال الفترة الممتدّة بين العامين 2012 و2013، لينطلق بعد تشتّت جماعة أنصار الدين في حملة ما أسماه بحملة “التبشير” مروّجا لمجموعة من الأفكار الدينية المتطرّفة بمنطقة الوسط المالي، ويمتدّ نشاطالحركة ونفوذها إلى حدود شمال بوركينا فاسو بسبب صلاتها بجماعة أنصار الإسلام، الجماعة الإسلامية المعروفة بالتشدّد والنشطة في بوركينا فاسو التي يقودها مالام إبراهيم ديكو، أحد أنصار كوفا.
ووفق ما جاء في التقرير الأممي المتعلّقبمؤشّر الارهاب العالمي، المنشور في نوفمبر 2020، فإنّتنامي الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”في منطقة الساحل أدّى إلى تصاعد وتيرة الهجومات الإرهابية في العديد من بلدان المنطقة،خاصّة منها بوركينا فاسو والموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والكاميرون واثيوبيا.
ووفق ذات التقرير، فتهيمن جماعة نصرة الاسلام والمسلمين، الموالية للقاعدة والتي تنافس جماعة “الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى” الموالية لداعش، وقد وقعت عدّة معارك بين الجماعتين خلال العام الماضي 2020، لكنّها لم تتحول الى مواجهات واسعة.
وتعتبر نيجيريا الدولة الأكثرمعاناة من غيرها من عنف الجماعات المتطرّفة،حيث تواجه القوات الحكومية مصاعب في السيطرة على المناطق الشمالية من البلاد وهي المناطق التي تنشط فيها جماعة بوكو حرام.
وحسب “مؤشر الارهاب العالمي” فإن جماعة بوكو حرام مسؤولة عن سقوط أكثر من 37500 قتيل وأكثر من 19 ألف حالة قتل بسبب اعمال ارهابية منذ عام 2011 في نيجيريا بشكل اساسي وفي بعض الدول المجاورة.
في عام 2015 بايع فرع من بوكو حرام تنظيم الدولة “داعش” وأطلق الفرع على نفسه بعد ذلك اسم “ولاية غرب افريقيا للدولة الاسلامية” ونجح مسلحوه في عبور الحدود والسيطرة على قاعدة لقوات متعددة الجنسيات.
على الرغم من تكثيف الجهود الافريقية لمجموعة دول الساحل وشركائها الدوليين في سبيل مكافحة الإرهاب، على غرار “قوّة الساحل” التي أنشئت في العام 2017، وكذلك بعثة الاتحاد الافريقي أو ما تعرف بـ “الأميصوم”، إلا أنّها لم تسفر عن نتائج أقل حتى من المرضية.
فلم تتمكن دول الساحل الافريقي من السيطرة على تمدّد الجماعات الإرهابية، فاليوم نتحدّث عن حوادث وهجومات إرهابية تنفذها جماعة بوكو حرام و حركة الشباب، إذ يتواصل نشاط الحركتان العملياتي دون حسيب ولا رقيب في تحدّ صارخ للسلطات الافريقية بما يفرض تواصل خطر هذه الجماعات على أمن منطقة الساحل الافريقي وامن المنطقة الإقليمية ككلّ.