تونس- وسام برع- متربّص بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية -25-10-2021
طريق الوصول الى انتخابات “المجلس التأسيسي” طريق الخروقات الدستورية الجسيمة والاختلالات القانونية الخطيرة والانقلاب على الإرادة الحقيقية للشعب…
تعيش تونس منذ ثورة 17 ديسمبر2010 و14 جانفي 2011 أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية متعددة ومتنوعة تختلف من حيث أسبابها ومسببيها وتتشارك كلها من حيث تأثيراتها الخطيرة على استقرار البلاد التونسية وأمنها ومن حيث وجود حل واحد لها دائما وهو “الاحتكام الى القانون” فهو الفيصل في الدول الديمقراطية و”تغليب الإرادة الشعبية “على إرادة الأفراد والأحزاب السياسية باعتبار أن هذه الإرادة الرهيبة هي إرادة عليا لامحالة وأن الشعب صاحب هذه الإرادة هو صاحب السيادة ومصدر جميع السلطات وهو الذي بإمكانه أن يثور في وجه أي شرعية دستورية وقانونية قديمة مهترئة لا تعبر عن ارادته الحقيقية أو تتجاهلها فتكون بذلك قد فقدت أسس مشروعيتها باعتبار الرفض الشعبي لها لتحل محلها مشروعية تنشأ عن إرادة حرة في لحظة استثنائية ومصيرية من تاريخ هذا الشعب.
وبعد أن تحول الدستور الى “استحقاق ثوري”،في حين أن استحقاقات هذه الثورة كانت في البداية غير ذلك قبل أن يتم السطو عليها والانقلاب على المطالب الشعبية والدفع بالشارع من قبل الطبقة السياسية آنذاك نحو مطالب حزبية ضيقة هدفها الوصول الى كراسي السلطة وأطماع بالنفوذ والمال يغديها منطق الغنيمة من أجلالتستر برداء الجاه والسلطان وعباءة الورع والايمان هربا من شبهات فساد تطاردهم أين ذهبوا، فكان الجدل حول، هل أن وضع دستور جديد هو الخيار المناسب أم لا؟
وحول أسلوب وضع هذا الدستور حيث وقع اللجوء الى انتخاب مجلس تأسيسي تعهد له عملية صياغة دستور جديد والغاء دستور 1959.
وقد تتالت الدعوات واختلفت بين من رأى حينها أنه من الضروري الانطلاق من ورقة بيضاء وقد كان من الممكن الاكتفاء بتعديل دستور1جوان 1959 أو اعداد مشروع دستور من قبل خبراء في القانون يعرض فيما بعد على جمعية تأسيسية أو على الاستفتاء الشعبي ولكن العملية والمخطط كان مبينا.
ومن طالب بإجراء انتخابات رئاسية لسد الفراغ الحاصل على مستوى مؤسسة رئاسة الجمهورية وذلك كما ينص الفصل 57 من دستور غرة جوان 1959 الذي وقع اللجوء اليه لإقرار حالة الشغور النهائي في منصب رئاسة الجمهورية أو إعادة البناء من القاعدة الى القمة أي اجراء انتخابات محلية ثم اجراء انتخابات وطنية.
وقد أرهقت الطبقة السياسية في تلك الفترة مسامعنا بعبارات من قبيل “دستور ثوري” و”ضرورة التأسيس لجمهورية ثانية”، فما كانت الدعوة الى انتخابات جديدة لحكام جدد للبلاد الا تنازلا من الشعب عن الحرية التي افتكها لفائدة هؤلاء بمقتضى عقد اجتماعي مفاده إدارة مرحلة انتقالية جديدة الى حين احداث دستور جديد للبلاد ولم يكن “ضغط الشارع”، الذي دفع بحكومة “الباجي قائد السبسي” الى الاستجابة لمطلب انتخاب مجلس تأسيسي، يمثل صوت الشعب الذي انتفض في وجه النظام السابق ككل بل كان الشارع في تلك الفترة “ملكا” للجان تحمي أهداف لأحزاب معينة وتدفع بالقوة والعنف نحو تمرير هذه الأهداف وتحقيقها حتى وان كانت ضد الإرادة الشعبية.
وقبل الحديث عن “المجلس التأسيسي” ومناقشة مدى شرعيته وتحليل وظائفه ومدى التزامه بتطبيق ما جاء في الأمرعدد 582 لسنة 2011 المؤرخ في 20 ماي 2011 والمتعلق بدعوة الناخبين الى انتخاب “مجلس تأسيسي”، لابد أن نحتكم الى منهجية البحث العلمي السليم والتي تقتضي، تحليل المراحل التي مرت بها البلاد التونسية مند 14 جانفي 2011 الى يوم 23 اكتوبر2011 والتي كان لها تأثير كبير ومباشر،وهو ما جاء بعد تلك الفترة وخاصة على مستوى “اخلال المجلس التأسيسي” بوظائفه والتزاماته وأثر ذلك على “الدستور التأسيسي” الصادر عنه وهو دستور 27 جانفي 2014 ومدى شرعية باقي “أعماله التشريعية”.
وتتمثل هذه المراحل في:
*الفترة الممتدة بين 14 جانفي 2011 و 17 مارس 2011.
*الفترة الممتدة بين 17 مارس 2011 و23مارس 2011.
* المرحلة الانتقالية الأولى التي امتدت من 23 مارس 2011 الى غاية 23 أكتوبر 2011.
*انتخاب المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011.
*المرحلة الانتقالية الثانية التي امتدت من 16 ديسمبر 2011 الى غاية 27 جانفي2014 .
** ملاحظة هامة:
* يرى بعض المتابعين للشأن القانوني في البلاد التونسية وبعض الباحثين والسياسيين أن الفترة التي يؤطرها دستور 27 جانفي 2014 انتهت يوم 25 جويلية 2021 باتخاذ السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد للتدابير الاستثنائية التي أعلن عليها، وهي تجميد كل اختصاصات المجلس النيابي ورفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس النيابي، وتولي رئيس الدولة رئاسة النيابة العمومية والسلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس وزراء ويعينه رئيس الجمهورية، اذ يعتبرون ان فيها خرق للدستور وذهبوا الى اعتبارها “انقلابا” وهو موقف غريب اذ كيف يمكن الخروج عن الدستور بتطبيق ما جاء به النص الدستوري حفاظا على الدولة والسير العادي لدواليبها.
* في حين يرى أخرون أن الفترة التي يؤطرها دستور 27 جانفي 2014 انتهت يوم 22 سبتمبر 2021 بصدور الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 والمتعلق باتخاذ جملة من التدابير الاستثنائية اذ يعتبرون أن هذا الأمر هو ” تنظيم مؤقت للسلط العمومية ” اين يعلن رسميا الخروج عن دستور 27 جانفي 2014 : واننا نخالف هذا الرأي لسببين بسيطين أولهما انه وكما ذكرنا سابقا لا يمكن الحديث عن الخروج عن الدستور بتطبيق ما جاء به النص الدستوري اذ استند هذا الأمر الرئاسي على الفصل 80 من الدستور والمتعلق ب” حالة الاستثناء”.
أما السبب الثانفهو لا يمكن الحديث عن تنظيم مؤقت للسلط العمومية في حالة الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 لأنه غير محدد في الزمن.
المرحلة الأولى:
*الفترة الممتدة بين 14 جانفي 2011 و17 مارس 2011:
شهدت هذه الفترة مغادرة الرئيس السابق “زين العابدين بن علي ” البلاد يوم 14 جانفي 2011 عقب تواصل الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام والشغل والحرية والكرامة الوطنيةوالتي انطلقت من مدينة سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010 اثر وفاة “محمد البوعزيزي”احتجاجا على سوء أوضاعه الاجتماعية، وتجدر الإشارة أن هده الاحتجاجات ماهي الا تواصل لأحداث أخرى سبقتها لعل أهمها أحداث الخوض المنجمي سنة 2008 وهي حركة احتجاجية واسعة وقعت في جهة الخوض المنجمي في الجنوب الغربي التونسي لقرابة الستة أشهر في 2008 وشملت خاصة مدن الرديف والمتلوي وأم العرائس والمظلية من ولاية قفصة رفعت مطالب تنادي بالتشغيل والشفافية وتوفير الحد الأدنى من الخدمات وقد واجهت هذه الاحتجاجات قمعا شديدا.
وإثر مغادرة الرئيس السابق للبلاد تم اللجوء الى اعتماد الفصل 56 من دستور1جوان 1959 المتعلق بحالة الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية والذي يفترض وجود تفويض صادر عن رئيس الجمهورية لفائدة الوزير الأول ليتمكن هذا الأخير من تولي منصب رئاسة الجمهورية.
وفي يوم 15 جانفي وبعد التأكد من حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية تم اللجوء الى الفصل 57 من نفس الدستور والذي ينص على تولي رئيس مجلس النواب مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه ستون يوما أي الى حدود 17 مارس 2011 على أن تتم خلال هذه المدة الرئاسية انتخاب رئيس جمهورية جديد لمدة 5 سنوات.
وفي هذه الفترة نلاحظ بداية الدخول صراحة فيما يمكن تسميته ب ” الصبيانيات الدستورية” و”الخرق الواضح للدستور” حيث قام مجلس النواب ومجلس المستشارين بتفويض جملة من الاختصاصات التشريعية لفائدة رئيس الجمهورية المؤقت في جملة من المواد بناء على القانون عدد 5 لسنة 2011 المؤرخ في 9فيفري 2011 والمتعلق بالتفويض الى رئيس الجمهورية المؤقت في اتخاذ مراسيم طبقا لأحكام الفصل 28 من الدستور.
الاشكال هنا يتمثل في ان هذه المراسيم يجب أن تعرض لاحقا على مصادقة مجلس النواب أو المجلسين غير أن التنظيم المؤقت للسلط العمومية الصادر في 23 مارس 2011 قام بحل مجلس النواب ومجلس المستشارين و ظلت المراسيم التي اتخذها رئيس الجمهورية المؤقت بدون مصادقة وهو ما يطرح تساؤلا حول قيمتها القانونية ومآلها وهل يمكن للمجلس التأسيسي أن يصادق عليها أم لا؟
وتجدر الإشارة الى أن عدد هذه المراسيم الصادرة عن رئيس الجمهورية المؤقت ” السيد فؤاد المبزع “في تلك الفترة بلغ 13 مرسوما لعل أهمها:
*المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 و المتعلق بالعفو التشريعي العام.
* المرسوم عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 والمتعلق بأحداث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والتي ترأسها السيد عياض بن عاشور وكان من بين أعضائها كممثلين عن الأحزاب السادة سمير بالطيب عن حركة التجديد، نور الدين البحيري عن حركة النهضة، محمد القوماني عن حزب الإصلاح و التنمية، سمير بن عمر عن المؤتمر من أجل الجمهوريةو السيدة سناء بن عاشور ممثلة عن جمعية النساء الديمقراطيات والسيد سمير ديلو عن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين والسيد محسن مرزوق ممثلا عن الشخصيات الوطنية الى جانب شخصيات أخرى.
*المرسوم عدد 7 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 والمتعلق بإحداث لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد.
*المرسوم عدد 8 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 والمتعلق بأحداث اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 الى حين زوال موجبها.
*المرسوم عدد 10 لسنة 2011 المؤرخ في 2 مارس 2011 والمتعلق بإحداث هيئة وطنية مستقلة لإصلاح الاعلام والاتصال.
*المرسوم عدد 12 لسنة 2011 المؤرخ في 12 مارس 2011 والمتعلق بإحداث “صندوق المواطنة ” وضبط طرق تسييره.
*المرسوم عدد 13 لسنة 2011 المؤرخ في 14 مارس 2011 والمتعلق بمصادرة أموال وممتلكات منقولة وعقارية.
المرحلة الثانية:
*الفترة الممتدة بين 17 مارس 2011 و23 مارس 2011:
منذ انتهاء أجل الشهرين المنصوص عليه بالفصل 57 من دستور 1 جوان 1959 تحديدا يوم 17 مارس 2011الى يوم اتخاذ التنظيم المؤقت للسلط العمومية (تحديدا يوم 23 مارس 2011) عاشت تونس خالة فراغ دستوريومؤسساتي خطير باعتبار أن رئيس الدولة و الحكومة لم يعد لوجودهما أي أساس دستوري أو قانوني واضح بل كان هنالك ما يعرف بالسلطة الفعلية وأن الأساس الوحيد الذي يمكن من خلاله التأسي لرئيس الدولة و الحكومة خلال تلك الفترة، على قصرها، هو مبدأ استمرارية الدولة وهو مبدأ يرتقي الى منزلة المبدأ القانوني العام.
ولو أن جانبا من رجال السياسة يحيلون الى طرق المشروعية التوافقية التي تحكم البلاد خلال تلك الفترة في غياب أي جهة لها مشروعية انتخابية واضحة.
المرحلة الثالثة:
* المرحلة الانتقالية الأولى التي امتدت من 23 مارس 2011 الى غاية 23 أكتوبر 2011:
شهدت هذه المرحلة صدور التنظيم المؤقت للسلط العمومية بموجب المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011، وهو مرسوم تأسيسي لا يمكن بحال من الأحوال ربطه بالمراسيم التي صدرت عن رئيس الجمهورية المؤقت بناء على التفويض الممنوح له على أساس الفصل 28 من الدستور لسببين:
-السبب الأول: هو أن الدستورالفصل 28 منه الذي تأسس عليه التفويض الممنوح لرئيس الجمهورية المؤقت ( بناء على القانون عدد 5 لسنة 2011 المؤرخ في 9 فيفري 2011) لم يعد قابلا للتطبيق بفعل تجاوز أجل الشهرين المسند له ( من 15 جانفي الى 17 مارس) .
-السبب الثاني: هو أن القائمة التي وردت بالفصل الأول من القانون عدد 5 لسنة 2011 المؤرخ في 9 فيفري 2011 المتعلق بالتفويض لرئيس الجمهورية المؤقت في اتخاذ مراسيم لا تتضمن اتخاذ مراسيم ذات محتوى تأسيسي.
وبناء على ما تقدم من ملاحظات يمكن القول بأن مجرد اسناد العدد 14 الى المرسوم المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية يوحي بكونه يمثل تواصلا للمراسيم التي أصدرها رئيس الجمهورية المؤقت بناء على التفويض المسند له بموجب الفصل 28 من الدستور وعددها 13 و في ذلك مغالطة كبرى باعتبار أن هذا المرسوم ليست له نفس الطبيعة (هو مرسوم تأسيسي) و لا نفس الأساس القانوني اذ لا علاقة له أصلا بالدستور.
المرحلة الرابعة:
*انتخاب المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011:
جاء انتخاب المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011 في إطار قانوني معقد ويطرح عدة إشكاليات تتعلق خاصة بالمرسوم عدد35 لسنة 2011 المؤرخ في 10 ماي 2011 والمتعلق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي والذي ختمه رئيس الجمهورية المؤقت السيد “فؤاد المبزع”.
وتتمثلهده الإشكاليات في:
-أولا فيما يتعلق بوجود ” فؤاد المبزع ” في منصب الرئيس المؤقت للجمهورية التونسية والذي كان عملا بأحكام الفصل 57 من دستور 1 جوان 1959 المتعلق بحالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية حيث يتولى رئيس مجلس النواب فورا مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه 45 يوما وأقصاه ستون يوما …على أن يتم خلال المدة الرئاسية المؤقتة انتخاب رئيس جمهورية جديد لمدة خمس سنوات. والحال أن فؤاد المبزع واصل مهامه كرئيس مؤقت للجمهورية التونسية بعد انتهاء الأجال الدستورية المنصوص عليها بالفصل 57 من دستور 1 جوان 1959 أي مند 17 مارس 2011 الى غاية 12 ديسمبر 2011 تاريخ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي للمنصف المرزوقي رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية الى حين اجراء الانتخابات الرئاسية يوم 23 نوفمبر 2014 الدورة الأولى ثم يوم 28 ديسمبر 2014 الدورة الثانية والتي انتهت بفوز الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
-ثانيا فيما يتعلق بالتفويض الممنوح للسيد “فؤاد المبزع” عندما كان رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية عملا بأحكام القانون عدد 5 لسنة 2011 المؤرخ في 9 فيفري 2011 والذي تأسس على الفصل 28 من دستور 1 جوان 1959 لم يعد قابلا للتطبيق باعتبار أن هذا الدستور نفسه لم يعد قابلا للتطبيق بفعل تجاوز أجل الشهرين المسند لرئيس الجمهورية المؤقت (15 جانفي –17 مارس).
-ثالثا هذا المرسوم المتعلق بانتخابات المجلس التأسيسي كان باقتراح من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. واستند في اطلاعاته على المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية والذي ندكر بأنه مرسوم جاء خارج الأجال الدستورية أي أن الدستور بأكمله لم يعد قابلا للتطبيق بعد مرور اجال الشهرين المنصوص عليها بالفصل 57 من دستور 1959 وكذلك خارج مجالات التفويض المنصوص عليها بالقانون عدد 5 لسنة 2011 المؤرخ في 9 فيفري 2011. (مرسوم ذو مجال تأسيسي).
-رابعا لابد من الإشارة الى أن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تمت تحت اشراف هيئة عليا مستقلة للانتخابات أحدثت بمقتضى المرسوم عدد 35 لسنة 2011 والمؤرخ في 18 أفريل 2011 وهو مرسوم ختمه السيد رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد المبزع خارج الآجالالدستورية.
ملاحظة تتعلق بديباجة هذا المرسوم، اذ جاء فيها ” قطعا مع النظام السابق المبني على الاستبداد وتغييب إرادة الشعب بالبقاء غير المشروع في السلطة وتزوير الانتخابات…وانطلاقا من إرادة الشعب التونسي في انتخاب مجلس وطني تأسيسي يتولى وضع دستور جديد للبلاد…وباعتبار أن القانون الانتخابي السابق لم يكفل انتخابات ديمقراطية وتعدديةوشفافةونزيهة.
هذه الديباجة تمثل انقلابا على المطالب الشرعية للثورة وسقطة أخلاقية لنظام حكمنا منذ 2011 بانتخابات غير شفافة ونزيهة وعمل جاهدا على تغييب إرادة الشعب والبقاء غير المشروع في السلطة وكدليل على ذلك ما تؤكده أصوات كثيرة أن “شعب الثورة” ليس هو “شعب الانتخابات” حيث أن إشكالية تمثيلية المجلس لا يمكن التغافل عنها بالنظر لأن ثلث المقترعين غير ممثلين بسبب التشتت الذي أفرزه العدد الكبير للقوائم الحزبية والمستقلة وهذه الإشكالية تعمقت بعد التدهور السريع لصورة المجلس لدى الرأي العام بسبب أداء عدد من أعضائه و حرصهم على امتيازات مالية على حساب مصلحة الوطن وكذلك ضعف الحكومة و رئيس الجمهورية المنبثقين عنهما.
المرحلةالخامسة:
- المرحلة الانتقالية الثانية التي امتدت من 16 ديسمبر 2011 الى غاية 27 جانفي2014 :
- انطلقت هذه المرحلة بصدور القانون التأسيسي عدد6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 و المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية وهو أول قانون تأسيسي وضعه المجلس الوطني التأسيسي اثر انتخابه في 23 أكتوبر 2011 غير انه من المفاجئ اسناده العدد 6 وبالعودة الى الرائد الرسمي للجمهورية التونسية نلاحظ أن اسناد هذا العدد لهذا القانون التأسيسي مرتبط بعدد القوانين التي صدرت قبله سنة 2011 وهي جميعها اتخذت على أساس الدستور القديم أي دستور 1 جوان 1959 والحال أن القانون التأسيسي الصادر عن المجلس الوطني التأسيسي يمثل قطيعة تامة مع الدستور القديم اذ ينص صلب فصله 27 على أنه تقرر انهاء العمل بدستور 1 جوان 1959 بمجرد صدوره.
وبالتالي فان اسناد العدد 6 لهذا القانون التأسيسي يمثل تواصلا ولو شكليا للقوانين التي صدرت قبله والتي اتخذت على أساس الدستور القديم وهذا خطأ منهجي كان من المفروض تجنبه للتأكيد القطيعة الحاصلة مع الدستور.
- من جهة أخرى فانه بالعودة الى هذا القانون نلاحظ أنه وقع ختمه من قبل رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي وهو خطأ قانوني فادح لسببين:
** السبب الأول: هو أن رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي تم انتخابه من قبل المجلس الوطني التأسيسي على أساس هدا القانون وبالتالي لا يمكن لمن وقع انتخابه على أساس نص قانوني أن يتولى هو مهمة ختمه.
**السبب الثاني: هو أن القانون التأسيسي عدد 6 أقر صلب فصله 28 بأنه ” يدخل هذا القانون حيز النفاذ فور المصادقة عليه من قبل المجلس الوطني التأسيسي” وبالتالي ليست هنالك حاجة لختم هذا القانون ولمثل تلك “الممارسات الصبيانية” التي قام بها الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي.
ان القانون التأسيسي عدد 6 جاء منظما للسلط العمومية بصورة مؤقتة الى حين وضع دستور جديد ودخوله حيز التنفيذ و مباشرة المؤسسات المنبثقة عنه لمهامها ويمكن التطرق الى دراسة هذا القانون وتحليله خاصة فيما يخص تنظيم الوظيفة التأسيسية للمجلس التأسيسي (المتمثلة في وضع دستور جديد للبلاد ) التي جاء لأجلها والتي أضاف هذا القانون اليها وظائف أخرى لا تدخل في اطار ومجال معنى الوظيفة التأسيسية و تمثل بذلك حسب رأينا انقلابا جديدا يضاف الى السجل الحافل بالانقلابات على إرادة الشعب للترويكا الحاكمة ابان ثورة 14 جانفي 2011 وهذه الوظائف هي :
*ممارسة المجلس التأسيسي للسلطة التشريعية:
-تكمن خطورة اسناد القانون التأسيسي عدد 6 المنظم للسلط العمومية المجلس التأسيسي ممارسة السلطة التشريعية في مدى أهمية هذه السلطة داخل الدولة فهي تعني سلطة سن القواعد القانونية بصفة أصلية بمعنى أن تدخل ممارسة هذه السلطة في اطار الوظيفة التشريعية للسلطة المؤسَسَة وليس للسلطة المؤسِسَة أي ان ممارسة السلطة التشريعية هي من وظائف برلمان منتخب وليس مجلسا تأسيسيا تمانتخابه بهدف وضع دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه حسب ما جاء صلب الفصل السادس من الأمر عدد 582 لسنة 2011 المؤرخ في 20 ماي 2011 و المتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي. فاذا بهذا المجلس ينقلب على الإرادة الشعبية ويبيح لنفسه ما منعه عنه القانون.
– وحتى نكون موضوعيين في تخليلنا القانوني يمكننا القول بأنه كان من الممكن اسناد صلاحيات تشريعية محدودة للمجلس الوطني التأسيسي تتمثل أساسا في المصادقة على مشاريع قوانين الميزانية والمعاهدات الدولية وكذلك مشاريع القوانين المتعلقة بالانتخابات وعمليات الاستفتاء ولنا في تجربة المجلس القومي التأسيسي خير قدوة حيث لم يقع اسناد صلاحيات تشريعية هامة.
– ومن المفارقات أن مهمة المجلس التأسيسي الأصلية أي سن الدستور أصبحت ثانوية بالنسبة الى المهام الأخرى الموكلة اليه و يبقي اسناده وظيفة تشريعية بصلاحيات و مجالات هامة امرا خطيرا اذ يشكل فرصة لتمرير مشاريع قوانين تمس من الحقوق و الحريات العامة في مرحلة انتقالية يغيب فيها الدستور الذي يمثل المرجع الأساسي للقوانين في الدولة ( وهنا يمكن التساؤل حول مرجعية القوانين التي سوف يقع سنها من قبل المجلس) و كذلك فهي مرحلة ميزتها غياب التوافق حول مسائل جوهرية عديدة كهوية الدولة و الانتماء و حتى حول مكتسبات الحداثة في تونس واعتماد الشريعة كمصدر أساسي للتشريع وغيرها…
*انتخاب رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية:
– يتواصل “مهرجان” الخروقات والعبث بالقانون بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي لمحمد المنصف المرزوقي رئيسا مؤقتا للجمهورية يوم الاثنين 12 ديسمبر 2011 وهو ما يعتبر خرقا واضحا للقواعد القانونية (باعتبار أننا خرجنا عن الدستور منذ 17 مارس 2011) حيث انه كان من المفروض المرور الى انتخابات رئاسية خلال المدة الرئاسية الوقتية للسيد فؤاد المبزع مثلما نص على ذلك الفصل 57 من دستور 1 جوان 1959 والمتعلق بحالة الشغور النهائي في منصب رئاسة الجمهورية.
وبالإضافة الى ذلك فان وصول المنصف المرزوقي الى قصر قرطاج في 12 ديسمبر 2011 كان عملية تحيل جديدة تضاف الى السجل الحافل بالتحيلات “للترويكا” على إرادة الشعب التونسي عامة الذي خرج ثائرا في وجه النظام السابق و على إرادة الناخبين الذين لبوا نداء الأمر عدد 582 لسنة 2011 المؤرخ في 20 ماي 2011 والذي كما يدل عنوانه على هدفه ” دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي ” فقط ولم يتضمن دعوتهم لانتخاب رئيس مؤقت لهم فعدم احترامهم للقانون الذي يعبر عن الإرادة العامة نظرا لسيادته المستمدة من هذه الإرادة و محتواه الذي يمثل النظام القانوني للمجموعة عامة ليس فقط على مستوى المضمون بل كذلك على مستوى الهيكل.
-ولعل الخطورة الكبرى، بعد فضيحة ختم المنصف المرزوقي للقانون التأسيسي عدد 6 الذي أسس للمجلس التأسيسي الذي انتخبه، تكمن في الصلاحيات التي منحها هذا القانون لرئيس الجمهورية المؤقت وهو غير شرعي قانونيا.
– ولعل أهم شيء جاء به القانون التأسيسي عدد 6 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية هو ما جاء في فصله 25 والقاضي بإحداث ” هيئة الانتخابات”اذ جاء فيهيسن المجلس الوطني التأسيسي قانونا يحدث بموجبه هيئة عمومية مستقلة “دائمة” تكلف بإدارة وتنظيم الانتخابات والاستفتاءات والاشراف عليها ويضبط ذات القانون تركيبة و تنظيم الهيئة المذكورة.
وهذا القانون هو القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر2012 والمتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وبالاطلاع على هدا القانون نجد أن هذه الهيئة تتركب من “مجلس الهيئة ” له سلطة تقريرية و ” جهاز تنفيذي”.وبقراءة للفصل السادس من هذا القانون الأساسي نتبين أن أعضاء مجلس الهيئة العليا “المستقلة” للانتخابات يتم انتخابهم من قبل المجلس التأسيسي في جلسة عامة بعد انشاء لجنة خاصة صلب هذا المجلس تشرف على دراسة ملفات الترشح وفرزها.
*أي أساس قانوني لحكومة السيد “حمادي الجبالي”؟
-“الشعب حاكم بلا ذاكرة” اذ يتقبل كثيرون مقولة أن حكومة السيد “حمادي الجبالي” هي أول حكومة شرعية في تاريخ تونس…والحال أنها لا صلة لها بالشرعية دستوريا ولا قانونيا لأسباب التالية :
-هذه الحكومة التي انبثقت عن “المجلس التأسيسي” ليس لها أي أساس قانوني حيث أن الأمر عدد 582 لسنة 2011 المتعلق بانتخاب المجلس التأسيسي حدد في فصله السادس مهام هذا المجلس وهي
ـ يجتمع المجلس الوطني التأسيسي يومين بعد تصريح الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع ويتولى إعداد دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه.
وبالتالي لم ينص هذا الأمر اطلاقا على أن تنبثق عن هذا المجلس حكومة يشكلها الحزب الأغلبي أو ان ينتخب هذا المجلس رئيسا مؤقتا للجمهورية… وقد كان في هذين الإجراءين خرق واضح للقانون وانقلابا على إرادة الناخبين الذين توجهوا يوم 23 أكتوبر 2011 لانتخاب مجلس تأسيسي له مهمة واحدة وهي وضع دستور في أجل أقصاه سنة واحدة حسب ما جاء في الأمر عدد 582 لسنة 2011.
-وقد كان من الممكن لتجنب هذا الخرق، لولا أطماع النفوذ والسلطة، أن تواصل حكومة السيد الباجي قائد السبسي أعمالها كحكومة مؤقتة لغاية اعداد الدستور الجديد للبلاد في أجل سنة واحدة.
دستور الخرقات ودستور على المقاس
أما بالنسبة لعملية وضع الدستور الجديد فقد تميز أسلوب المجلس التأسيسي في صياغته للدستور بطغيان الاعتبارات السياسية والحزبية وتهميش العوامل العلمية والاعتبارات الفنية والمتعلقة بالأسلوب الى جانب أنه كلفنا صراعا سياسيا استنزف أموال الشعب ودماء أبنائه من شهداء المؤسستين الأمنية والعسكرية وسياسيين بعد ان استهدفتهم أياد الإرهاب التطرف وأرادت باغتيالهم اغتيال تونس الخضراء وطنا وشعباوالسير بها نحو منعرج خطيرا جدا.
أما عن الدستور في حد ذاته هو دستور غير متوازن لأنه دستور توافقي مبني على توافق ” تسويفي” محدد في الزمن(رغم أن الوفاق يعد أرقى طرق اتخاذ القرارات بين الفرقاء السياسيين الا أنه لا يجب أن يكون على حساب جودة المنتوج القانوني ولكن هذا الوفاق انقلب الى ما يمكن تسميته “الصبيانيات الدستورية ” و المقصود بذلك هو محاولة جمع المتناقضات جنبا الى جنب وجاء لخدمة مصالح حزبية ضيقة تقاسمتها الطبقة السياسية حينها التي سيطرت عليها النزعة الاسلاموية.
وليس لبناء دولة وتأسيس جمهورية جديدة تضمن حقوق وحريات الافراد وتعمل على تحقيق المساواة أمام القانون بين الحكام والمحكومين وتحقيق أهداف الثورة من شغل وحرية وكرامة وطنية وهذا ان دل على شيء فهو يدل على أن “فكرة الدستور” وفكرة الدولة المدنية” لاتزال غائبة عن “عقول” الطبقة الحاكمة ان كانت لتلك الطبقة عقول وعن ثقافتهم السياسية وهو أمر طبيعي لاعتبار بسيط هو أنه لا ثقافة لهم أصلا فكيف بثقافة ممارسة السلطة وإدارة شؤون البلاد.
ولكن عندما شعرت هذه الطبقة بأنه لا مفر من إيجاد دستور في ” منظومتها القانونية” فانه عوض أن تستبطن فكرة الدستور كما ظهرت في الدول الديمقراطية فإنها حاولت أن تطوع نص الدستور لخدمة الثقافة السائدة.
ولعلنا نجد في مشروع مسودة 2012 الذي أعدته اللجان التأسيسية الست في الفترة الممتدة بين فيفري 2012 و 10 أوت 2012 ما يؤكد تحليلنا، اذ نتبين أنه لا يوجد فرق جوهري بين ما يسمى بالتيارات الاسلاموية المتطرفة كالسلفية والتيارات الموصوفة ب “الاعتدال و الوسطية” كحركة النهضة، على الأقل في موقفها من الديمقراطية.
فالأولى ترفضها رفضا كليا والثانية ترفضها رفضا مقنعا، وان صرحت بخلاف ذلك فقد تضمنت توطئة مسودة المشروع والبابين المتعلقين بالمبادئ العامة وبالحثوث والحريات تنصيصات على الديمقراطية وسيادة الشعب وحقوق الانسان.
غير أن القيود التي ضربت على هذه المبادئ تثير الانتباه وتدعو للقلق باعتبارها تهدد وجود الجمهورية والدولة المدنية (والمدنية هنا ليست صفة للدولة بل هي شرط لاكتمالها) وتؤسس لجمهورية إسلامية.
وبعد الضغط على اللجان التأسيسية داخل المجلس التأسيسي و الدور الذي لعبته المنظمات الوطنية وقعت مراجعة الكثير من النقاط خاصة بعد التظاهرات و الاعتصامات الرافضة لتلك المسودة و رغم دفاع نواب حركة النهضة وبعض حلفائهم داخل ” الترويكا الحاكمة” عنها.
و وقع المرور الى مسودة 14 ديسمبر 2012 ثم الى مسودة 22 أفريل 2013 والتي جاءت عقب فترة حرجة من تاريخ تونس ما بعد 14 جانفي 2011 اتسمت بالتوتر الشديد فظروف إصدار دستور 2014 شهدت درجة عالية من التشنّج والعنف الذي بلغ أوجه مع الاغتيالات السياسية التي حدثت في شهري فيفري وجويلية من سنة 2013 والتي راح ضحيتها السياسيين الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وآلت هذه الاغتيالات إلى انسحاب المعارضة من المجلس الوطني التأسيسي بما شلّ حركته وتنظيم ما سمّي باعتصام الرحيل المطالب بحلّ المجلس والعودة إلى النقطة الصفر بالمسار الانتقالي.
وانتهى ذاك الوضع السياسي بإعلان رئيس المجلس الوطني التأسيسي، السيد مصطفى بن جعفر في 6 أوت 2013 عن تعليق اعمال المجلس.
ولم يقع الخروج من الطريق المسدود الذي تسبّب فيه العنف الشامل الذي طغى على العملية السياسية، إلا عن طريق آلية “الحوار الوطني” مع من تسببوا في تعميق تلك الأزمة واتجهت لهم أصابع الاتهام مباشرة عما حصل من اغتيالات وعمليات إرهابية.
فالاتهامات لحركة النهضة بالمسؤولية على الأعمال الإرهابية التي وقعت في البلاد في تلك الفترة والتي أسفرت عن استشهاد العشرات من أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية الى جانب مسؤوليتها على ما يعرف ب ” أحداث الرش بسليانة ” يومي 27 و 28 نوفمبر 2012 و على اغتيال ” شكري بلعيد” القيادي في الجبهة الشعبية يوم 6 فيفري 2013 ومحمد البراهمي يوم 25 جويلية 2013.
وهو ما عمق الأزمة في البلاد وصعد التوتر بين الفرقاء السياسيين والاحتجاجات الشعبية التي عجلت برحيل حكومة حمادي الجبالي الذي قدم استقالته التي أعلن عنها يوم 8 فيفري 2013 كما أعلن عن عزمه الراسخ تكوين حكومة كفاءات وطنية ينأى بها عن التجاذبات الحزبية والسياسية مؤكدا أنه اتخذ قراره لقناعته وليقينه بأن مصلحة البلاد هي فوق مصلحة الأحزاب ولكنه سرعان ما تراجع عن موقفه هذا وغلب مصلحة حزبه على المصلحة العامة وحلت محل حكومته حكومة يرأسها علي لعريض وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة والمسؤول الأول والمباشر عن الأحداث التي ذكرناها.
وقد تم المرور إثر هذه الأزمة الى الى ما اعتبر حينها “مشروع” الدستور وذلك يوم 1 جوان 2013 ولغرة جوان دلالا ت عديدة سياسية ودستورية.
وبقراءة هذا ال”مشروع” نلاحظ أن ختم الدستور سوف يتم من طرف كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني التأسيسي، أما عملية الاذن بالنشر فسوف يتولاها رئيس المجلس الوطني التأسيسي لوحده.
ويمكن أن نفهم من هذا أن حركة النهضة قامت ب”معاقبة” الرئيس المؤقت “محمد المنصف المرزوقي” سياسيا من خلال حرمانه من شرف ختم ونشر الدستور وقامت بمجازاة السيد بمصطفى بن جعفر،رئيس المجلس الوطني التأسيسي، بتشريفه بالقيام بأعمال من صميم اختصاص السلطة التنفيذية وذلك تقديرا له من الحركة.
على كل حمل هذا النص عنوان “مشروع” والحال أنه لا يستحق هذا العنوان وتم يوم 26جانفي 2014 التصويت على الدستور برمته ب200 صوت مع و 12 صوت ضد و 4 محتفظين و غائب وحيد.
ونؤكد هنا عدم التزام أهم الأحزاب السياسية الممثلة بالمجلس بالأجل الذي قطعته على نفسها بصياغة وثيقة الدستور في لأجل سنة.
وهذا ما يطرح التساؤل حول أي مشروعية للمجلس والحكومة والرئيس المؤقت المنبثقين عنه وما صدر عنه من قوانين بعد 23 أكتوبر2012.
المرحلة السادسة:
*تونس تحت حكم “دستور التوافق”:
وتجدر الإشارة أن المطلع عن كثب على المسودات السابقة ومشروع الدستور يلاحظ ببساطة شديدة كيف دفعت حركة النهضة وحلفائها نحو السيطرة على هذا النص الدستوري وتمكين أذرعها داخل جميع المؤسسات الدستورية (خاصة بعد التعديلات الجوهرية المحدثة والمتعلقة بالمحكمة الدستورية وباب الأحكام الانتقالية خاصة فيما يتعلق بإحداث الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وتركيبتها) والهيئات “المستقلة” بالاسم فقط.
ونظرا لحرص حركة النهضة الشديد وحلفائها على ضمان “الانتقال الديمقراطي في تونس وبناء أسس وركائز دولة القانون” حسب ما ادعته، فانه والى اليوم لم يقع إرساء الا مؤسستين دستوريتين فقط من أصل 7 مؤسسات مكرسة في الدستور حيث تم احداث 4 مؤسسات أخرى بقوانين، ولم يتم ارساؤها و مؤسسة لم يقع احداثها واكتفوا بالدفاع عن دستور استمر في خلق الأزمات السياسية منذ الأشهر الأولى التي عقبت دخوله خيزالنفاذ عوض عن تأطيره للأزمات وبالتالي فهو دستور ولد ميتا خاصة وأنه لا يعبر عن المطالب الحقيقية للثورة وانتظارات شبابها من “النظام” الجديد ان كان من السليم لغة وقانونا وصفه بالنظام.
فالدستور الحي هو ذلك الدستور الذي لا قيمة فيه للنص وللجهة التي وضعته الا بقدر ترجمته الأمينة للتوافق الاجتماعي المجسد سياسيا حول قيم مرجعية في الحكم يلتزم بها ويحتكم اليها الحاكمون والمحكومون على حد السواء في دولة الحق والقانون وهو بهذا المعنى دستور مستبطن من الكافة، انه اذن دستور حي في ارتباطه بمحيطه وفي فعله وتفاعله مع مجتمعه وفي التزامه بمضامين ثورته وعناوينها وفي قابليته للتطور وحيويته عبر التطبيق والتأويل والانشاء، وهو ما يلتمس في خيارات التأسيس ومضامينه. بالإضافة الى الدفاع عن نظام سياسي مهجن و فاشل يضمن استمراريتهم في الحكم ولا يضمن استمرارية الدولة بل يتعذر معه السير العادي لدواليبها.