بحث وإعداد: خولة كلاحشي
يعد تمويل الإرهاب والجماعات المتطرفة من بين أهم الأسباب التي أدّت إلى حذر الدول الخليجية والعربية من تعاملها مع قطر، وهي ليست مجرد تخمينات وادّعاءات كاذبة بل وقائع محددة ومثبتة بالوثائق والأدلة، حيث تستغل هذه الأخيرة أعمالها الإنسانية والخيرية كمضلة تخفي ورائها أعمال التطرف وتمويل الإرهاب الدعمة له.
ورغم النفي القطري المتكرر، فإن هناك تأكيدا على تمويل الدوحة للمتطرفين والمتشددين، وإشارات إلى دعمها جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في العديد من الدول العربية على غرار مصر والعالم، فلم يعد خفيا أن مؤسسة “قطر الخيرية” تعد ستار الدوحة للتحرك داخل مناطق النزاعات والصراعات في الشرق الأوسط، وصولا إلى القارة السمراء وهذه الحقيقة أكدّها تقرير صادر عن مركز الدراسات البريطانية.
ولم يتوقف فقط دورها على ذلك، بل إن التمويل القطري للجماعات المسلحة وصل إلى إفريقيا وخصوصاً شمال مالي والسودان وتشاد، التي تهدف به إلى ضرب وزعزعة استقرار الدولة من أجل بسط سيطرتها على ثروات ولأبعاد الاقتصادية والمالية الربحية التي يستشف منها ملامح المستقبل الذي بات مقلقًا ومخيفًا في القارة الأفريقية عموما والتشاد خصوصا.
خفايا الوساطة القطرية في التشاد
تجدر الإشارة إلى أن الموقع الاستراتيجي لجمهورية التشاد يكشف عن حقيقة الأطراف المستفيدة من الأزمة والصراع داخلها، حيث تقع في وسط القارة الإفريقية، وهي دولة عضو في الجماعة النقدية والاقتصادية لوسط إفريقيا (CEMAC) وتعتبر تشاد خامس أكبر الدول الإفريقية من حيث المساحة وتمتلك عاشر أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، وأكبر عدد من الإبل في العالم، وتنشط بصفة كبرى في قطاع التعدين والذهب.
أمّا قطاع النفط فهو القطاع المهيمن فتعد أكبر دولة منتجة للنفط الخام في منطقة وسط إفريقيا، ومن المتوقع أن ينمو بشكل كبير في السنوات القادمة.
وتلك الأسباب كثفت الدوحة تحركاتها الدبلوماسية المدروسة واختارت الانفتاح على القارة السمراء وكسب ثقة ساستها وانتهجت بذلك طريق الوساطة للتمويه عن نيتها الحقيقية، وهو ما دعم العلاقات بين التشاد وقطر، خاصة بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي في أبريل 2021 والذي توفي متأثرا بجروح بعد أن أصيب على خط الجبهة من قبل المتمردين ضد النظام في معارك في شمال البلاد.
واليوم وبطريقة غير مسبوقة، عادت العلاقات الثنائية منذ نوفمبر 2018، والتي مثّلت حبل صلة جديدة بين الدولتين ورابطة قوية تعزّزت بتوقيع اتفاقيات تعنى باستئناف العلاقات الثنائية وعودة السفراء، بعد انقطاعها منذ الأزمة الخليجية التي تم على إثرها قطع عديد الدول علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، تلك القطيعة التي استمرت نحو عامين بسبب علاقات الحكومة القطرية مع جماعة الإخوان المسلمين المتطرفة.
وأعربت قطر عن استعدادها للوساطة المزعومة بين الأطراف المتنازعة والبحث في حلول مستدامة للنزاعات والخلافات وذلك في ظلّ إنجاح الحوار الوطني في التشاد وللحفاظ على استقرار المنطقة والشعب التشادي حسب ادعاءاتها.
وفي حين أن قطر غالباً ما تبرّر تمويلها على أنه من منطلق إنساني، لمنح نفسها مبررا للتدخل ، إلّا ان مسار تمويلها يدعم جماعة “الإخوان المسلمين” لتصعيد التوتر.
وتشير الدوافع الحقيقية إلى أنها المغذّي الرئيسي لقيادات التنظيمات الإرهابية، وتساعد بصفة منتظمة في استمرار عملية التجنيد للعناصر الإرهابية، عبر توفير الدعم المادي لإقامة المعسكرات وشراء الأسلحة، التي يستثمرها نظام الدوحة في شكل نفوذ سياسي.
غير ان ذلك لا يتم من خلال عمليات غير مشروعة، لكونها تستخدم أساليب ملتوية ومعقدة يصعب تتبعها، سيما أن المؤسسات الممولة تعمل على غسيل هذه الأموال من خلال شركات صرافة وأخرى عقارية، وذلك عبر غطاء المنظمات الخيرية غير الحكومية.
ولا يخفى على أحد اليوم، إن لقطر علاقات راسخة بالإرهاب، وعمليا تعرف على أنها دولة راعية للإرهاب، وقد قال جوردان كوب في مقاله في مجلة “ذا فيدراليست ” إنّه قد حان الوقت للولايات المتحدة وبقية العالم إدراك حجم تهديد قطر للأمن العالمي وتصنيف قطر وفقا لتلك المعطيات”.
ولفت تقرير المركز الدولي لدراسة التطرف (ICSR)، إلى أن الدوحة استخدمت منظمة “قطر الخيرية” لتمويل 138 مشروعا على الأقل في جميع أنحاء أوروبا، ارتبط العديد منها بتنظيم الإخوان .
وجاء التقرير الذي يقع في 104 صفحات، ويتضمّن خريطة للحركات المتشددة في بريطانيا، لم يكن الأول الذي يتحدّث عن علاقة “قطر الخيرية“، بالتنظيمات المتطرفة سواء في القارة الأوروبية أو غيرها حول العالم.
كما أعلنت سيريلانكا مؤسسة “قطر الخيرية” كيانا ممولا للإرهاب، وقد تم إدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية، وذلك بعد تحقيقات جنائية استهدفت أنشطة منظمة “أنقذوا اللؤلؤة” التي يترأسها المحامي حجاز حزب الله، المتهم بالتورط في جرائم الإرهاب.
وتملك مؤسسة قطر الخيرية والعديد من بنوك الدوحة سجلا أسود في دعم الإرهاب، ففي أبريل 2019، كشف كتاب يحمل اسم “أوراق قطر”، عن تمويل للإرهاب في أوروبا.
ورسم كتاب “أوراق قطر” المؤلف من 295 صفحة خرائط توضيحية لمحاولة الدوحة بث التطرف في أوروبا، ما كشف للمرة الأولى، تفاصيل أكثر من 140مشروعا لتمويل المساجد والمدارس والمراكز، لصالح الجمعيات المرتبطة بتنظيم الإخوان الإرهابي.
التنافس الفرنسي- الروسي في التشاد
تصنّف فرنسا كونها الدولة الأوروبية الأولى من حيث النفوذ والقدرة على التحرّك في الساحة الإفريقية وفق دراسة نشرها المعهد العربي للبحوث والدراسات، إذ عملت فرنسا على إنشاء المراكز الثقافية والمدارس والجامعات في مختلف الدول الإفريقية، كما اعتمدت على نشر اللغة الفرنسية وإعتمادها من خلال إنشاء منظمة الفرنكوفونية.
ورغم ترويجها الاستعداد لإنهاء العلاقة غير المتكافئة وغير العادلة في هذا الشأن، فلا تزال مستمرة في سيطرتها على تجارة وعملة المستعمرات السابقة وتحديد السياسات المعتمدة وهو ما يكفل لها حق البقاء بالأسبقية كما هو الحال في التشاد.
لكن فيما تقف فرنسا اليوم مذهولة أمام تسارع الأحداث الإقليمية والسياسية في تشاد، تشد قطر رحالها نحو هذه الأخيرة وفي مضمارها تقارب استراتيجي يخفي نوايا جيو-سياسية متطرفة مدججة بدعم وتمويل الجماعات الإرهابية فيشمال البلاد.
والملاحظ أن الموقف مليء بالغموض وهو هش” بحسب “رولان مارشال ” الباحث في مركز البحوث الدولية التابع لمعهد العلوم السياسية في باريس، ذلك باعتباره يتعارض مع تطلعات الشباب الإفريقي الرافض للممارسات التملك والخضوع لتدخلات ذات الطابع الاستعماري وهو ما أكده كذلك الخبير في شؤون إفريقيا جنوب الصحراء في المعهد الوطني الفرنسي للعلاقات الدولية “آلان انتيل”.
فتقارب موازين القوى يجعل من فرنسا أسيرة لسياستها المستعمرة التقليدية، والتي ترى بها التشاد” المفتاح الاستراتيجي” لموقعها بين ليبيا ونيجريا بلدان الأفق الغائم بسحب المجاهدين والقتاليين والإرهابيين وفرصة لبسط سيطرتها على الواجهة الأفريقية وخط الشمال الغربي.
وتبعا، سياسة باريس الأحادية الجانب لأكثر المناطق هشاشة في مناطق الساحل وعدم دراسة متغيرات عدم استقرارها وتداعياتها، ستؤول لتراكمات تروج لاستبعاد القوى الفرنسية وتقديم المشعل لدبلوماسيات ذات أجندة سوداء تتسابق على بؤر الإرهاب لتعزيز المنظمات الاخوانية.
وعليه، فإنه من الصعب القول بتخلّي فرنسا عن أحد أهم الدول الأفريقية “التشاد” في منطقة الساحل، إلا أن التراجع الواضح في مواقفها وترنّحها في قراءة تداعيات الوضع في التشاد يمهد لدخول دولة قطر على الساحة، خاصة بعد الزيارات والرسالة المبعوثة إلى الدوحة التي تنبؤ بوجود حوارات تنظمها قطر كواسطة ظاهريا بين الأطراف المتنازعة، ودعمها المبطن بدعم أجندات متطرفة، واستقبالها أحد قادة التمرد الرئيسين لمعارضة السلطة “إنجامينا” الذي يقبع في منفاه مدة 10 سنوات بعد انشقاقه على النظام،خير دليل على ذلك.
فالدوحة تتخذ سياسة “بعث السلام الكاذب” التي سبقتها بها الولايات المتحدة الأمريكية لدخول في شـأن عديد الدول كالعراق والصومال…، ثم بسط سيطرتها عليها سواء اقتصاديا اوعسكريا.
في مقابل ذلك، تململ السياسة الفرنسية عقب التطورات الأخيرة في التشاد يطرح تساؤلات حول بديل علاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة، وينذر ببداية الحرب الباردة بين فرنسا الدولة الاستعمارية وروسيا دولة الراعية لفاغنر التي تمثل “جيش بونين الخفي”،بدلا من الجيش الروسي، وتتمركز أساسا في المناطق التي تُعرف بثرواتها المنجمية أو بأهميتها الجغراسياسية.
فالمحاولة الروسية لفتح جبهة قتال في جنوب تشاد وفي الوقت نفسه دعم الثورة في الشمال التي تنطلق من ليبيا والنيجر من أجل إرباك الجيش التشادي وتشتيته، ربما قد يكون مؤشرًا يُنذِر بتغيير موازين القوى الإقليمية المتنافسة على المنطقة وإعادة توزيع نصابها.
وعليه، أصبحت مهمة المجلس العسكري أكثر صعوبة وتعقيدًا؛ حيث تحاول قوى عظمى أخرى أن تدخل المشهد السياسي مثل روسيا المدعومة بمقاتلي “فاغنر”الروسية في محاولة لفرض النفوذ الروسي في جنوب البلاد.
قائمة المراجع المعتمدة