الأثنين. ديسمبر 23rd, 2024

يكشف تسارع وحيوية الحضور الروسي-الصيني، العسكري والسياسي والاقتصادي، في إفريقيا الغنية بالمواد الأولية والتي تشتد المنافسة الدولية عليها، عن عمق استراتيجي للعودة إلى الساحة الدولية، وخاصة في دول شمال إفريقيا، أو دول المغرب العربي، نظراً لأهمية هذه المنطقة باعتبارها بوابة إفريقيا، حتى قيل أن مستقبل العالم يُلعب على أرض إفريقيا.

وأدى تفاقم الوضع الدولي والصراع الحاد بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، إلى إضافة دول شمال إفريقيا في السياسة الخارجية والمالية والتجارية والعسكرية لكل من روسيا والصين.

في هذا السياق، يمثل انعكاس التنافس الروسي-الصيني على إفريقيا تحولاً في موازين القوى العالمية، حيث تسعى هاتان القوتان لتعزيز نفوذهما وتحدي الهيمنة الغربية التقليدية في المنطقة من خلال بنائها لعلاقات وشراكات متوازنة مع معظم مراكز القوى الإقليمية، وكسبها حقّ المشاركة في اتخاذ القرارات بشأن القضايا الإقليمية الكبرى.

 تتعدد عوامل  هذا التحول ولكنه لا يخلو من بعض التحديات المطروحة خاصة على الغرب الذي يواجه مهمة صعبة في الحفاظ على مصالحه ونفوذه في المنطقة:

بدءًا من الاهتمام المتزايد بالتعاون الاقتصادي والسياسي، وصولاً إلى الرغبة في توسيع النفوذ الجغرافي والاستراتيجي، تنوعت وتعددت العوامل المؤدية لهذا التمركز، ومن أبرزها:

تعد دول المغرب العربي منطقة إستراتيجية مهمة للصين في إطار “مبادرة الحزام والطريق”، فهذه المنطقة تشكل جزءًا حيويًا من هذه المبادرة الطموحة التي تهدف إلى ربط الصين بأوروبا عبر شبكة من الطرق البرية والبحرية.

وقد وقّع المغرب مذكرة تفاهم مع الصين حول مبادرة الحزام والطريق في عام 2017، وفي 2022، تم التوقيع على خطة التنفيذ المشترك للمبادرة.

كما انضمت الجزائر إلى المبادرة الصينية في عام 2018، وفي مارس 2022، أعلنت البلدين عن الاتفاق على “الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق”… كذلك انضمت تونس وليبيا أيضا إلى المبادرة.

بالنسبة للصين، تتمتع دول المغرب العربي بموقع جغرافي استراتيجي على طول طرق التجارة التي تربط الصين بأوروبا.

فهي تشكل منفذًا للصين إلى البحر المتوسط وأوروبا، وتوفر فرصًا لتعزيز التجارة والاستثمارات الصينية في المنطقة.

 كما تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي في دول المغرب العربي من خلال المشاريع الضخمة في البنية التحتية والاستثمارات في الموارد الطبيعية والطاقة. وهذا يندرج في إطار جهود الصين لتوسيع نفوذها في إفريقيا ضمن مبادرة الحزام والطريق.

بشكل عام تشكل دول المغرب العربي منطقة إستراتيجية مهمة للصين لتحقيق أهداف مبادرة الحزام والطريق، من خلال موقعها الجغرافي الحيوي وفرص التعاون الاقتصادي والتجاري التي توفرها هذه الدول للصين.

تعمل الصين على تعزيز علاقاتها التجارية والإستراتيجية مع الدول المغاربية.

 تعتبر الصين الثقة السياسية، والروابط الاقتصادية الكثيفة، والتبادلات الثقافية والعلاقات الجيدة في القطاعات الأخرى كشروط أساسية لتوقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع أي دولة.

كذلك تستثمر الصين في بناء الموانئ في المنطقة، مثل “ميناء الصداقة” في موريتانيا وميناء الحمدانية في الجزائر، وتستعد للاستثمار في المجمع المينائي في المغرب.

كما تتصاعد التجارة بين تونس والصين بسرعة، حيث أصبحت الصين تحتل المرتبة الثالثة بين شركاء تونس التجاريين، خلف فرنسا وإيطاليا.

أما على الصعيد العسكري تعد الصين أحد اللاعبين المهمين في الساحة العسكرية في إفريقيا، وخاصة في دول المغرب العربي.

فقد بدأت الصين في دخول سوق الأسلحة في المنطقة، حيث أصبحت الجزائر أكبر المستوردين للأسلحة الصينية في المنطقة، خاصة الطائرات بدون طيار والقطع البحرية وأنظمة الحرب الإلكترونية.

كذلك بدأ المغرب في اقتناء الأسلحة الصينية لتنويع مصادر السلاح. هذه الخطوات تظهر الدور العسكري المتزايد للصين في المنطقة، وتؤكد على الشراكة القوية بين الصين ودول المغرب.

تتمثل أهمية منطقة المغرب العربي بالنسبة لروسيا في مجموعة من الاستراتيجيات المعقدة والمتنوعة التي تشمل السياسة والاقتصاد والأمن.

على الصعيد السياسي، تسعى روسيا إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع دول المغرب العربي لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية المشتركة، مما يشمل دعم مواقف مشتركة في المحافل الدولية وتعزيز التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تتمثل إستراتيجية روسيا في تعزيز التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، خاصة في قطاعات الطاقة مثل النفط والغاز والطاقة النووية، وكذلك في قطاعات البنية التحتية والتعدين. توقعت روسيا علاقات قوية مع المغرب العربي في مجالات متعددة منذ فترة طويلة، وهذا يعكس إستراتيجية استثمارية واضحة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي المستدام في الإقليم.

ومن الناحية العسكرية، تلعب روسيا دوراً مهماً في دعم قدرات الدفاع والأمن لدول المغرب العربي، من خلال توريد الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، إضافة إلى تقديم التدريبات والمشورة العسكرية.

يركز التعاون الأمني على مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وهو ما يعزز من تأثير روسيا كشريك استراتيجي في مجال الأمن الإقليمي.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى روسيا لتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي مع دول المغرب العربي، خاصة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، مما يساهم في تطوير البنية التحتية التكنولوجية والعلمية في الإقليم.

بشكل عام، تشكل دول المغرب العربي نقطة إستراتيجية مهمة لروسيا، حيث تسعى لتعزيز تواجدها في المنطقة عبر علاقات دائمة ومتوازنة تعود بالفائدة على الطرفين في السياسة والاقتصاد والأمن.

تعتبر دول المغرب العربي منطقة نفوذ إستراتيجية بالغة الأهمية لروسيا والصين بفضل موقعها الجغرافي المميز في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث شهدت المنطقة تنافسًا متصاعدًا بين هاتين القوتين خلال السنوات الأخيرة.

يعزز هذا الموقع أهمية دول المغرب العربي كنقطة مهمة للوصول إلى البحر المتوسط بالنسبة لروسيا، وكمنطقة انطلاق إستراتيجية في المنطقة بالنسبة للصين، حيث تسعى كلا الدولتين لتعزيز تأثيرهما ونفوذهما في هذه القارة.

على الصعيد العسكري والأمني، يعزز الدب الروسي علاقاته مع دول المغرب العربي من خلال تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية وتقديم الخدمات الأمنية، مع التركيز بشكل خاص على الجزائر كشريك موثوق وحليف إستراتجي، بينما تسعى الصين لتوسيع نفوذها الاقتصادي في المنطقة من خلال مشاريع كبيرة في البنية التحتية والاستثمارات في الموارد الطبيعية، مما يعزز الروابط الاقتصادية بين الجانبين.

يتنافس كلا البلدين أيضًا في مجال تجارة الأسلحة والطائرات في المنطقة، ويسعي كل منهما إلى تحدي الهيمنة الغربية التقليدية في المنطقة وإقامة مراكز نفوذ جديدة تعزز مصالحهما الإستراتيجية.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى روسيا لتعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية مع دول المغرب العربي من خلال توقيع اتفاقيات، مما يؤكد على الفرص المتعددة للتعاون السياسي والعسكري والاقتصادي التي توفرها دول المغرب العربي وتجعلها منطقة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة لروسيا والصين على حد سواء.

دول المغرب العربي، بما في ذلك المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا، تظهر اهتماماً متزايداً بالتعاون مع روسيا والصين، مما يعكس رغبة هذه الدول في التوجه نحو الشرق بعيداً عن الغرب، وخاصة فرنسا التي كانت القوة الاستعمارية التقليدية في المنطقة، هذا الاهتمام ينبع من عدة عوامل رئيسية:

أولاً، تقدم روسيا والصين مزايا متعددة تشمل التعاون الاقتصادي، السياسي، والعسكري، مما يوفر ضمانات أكبر للنمو والتنمية ويعزز استقلالية هذه الدول في صنع القرار.

 ثانياً، تتمتع دول المغرب العربي بثروة من الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، مما يجعلها شركاء تجاريين جذابين لروسيا والصين اللتين تسعيان إلى توسيع اتفاقيات الطاقة معها.

ثالثاً، الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب العربي يجعله جسراً بين الشرق الأوسط والبحر المتوسط، مما يتيح لروسيا والصين فرصة لتعزيز وجودهما ونفوذهما في منطقة ذات أهمية جيوسياسية.

رابعا، تسعى دول المغرب العربي للتحرر من القيود الاستعمارية السابقة والتوجه نحو شركاء جدد يقدمون فرص تعاون وتنمية أكثر فائدة في مجموعة واسعة من القطاعات، بدءاً من البنية التحتية وصولاً إلى الطاقة والاقتصاد والسياسة والدفاع.

يمكننا تلخيص هذه النقاط في فكرة جوهرية وهي أن دول المغرب العربي وجدت في الشراكات مع الشرق الظروف والإمكانيات التي تجعل من روسيا والصين شريكين حقيقيين يتعاملان مع المنطقة على أساس الاحترام والشراكة والندية وسياسة رابح رابح، على عكس القوى القديمة. هذه الشراكات الجديدة قد تظهر كوسيلة لتحرير المنطقة من القيود الغربية المكبلة .

عدم قبول الغرب لهذه التحولات ومحاولاته للتدخل لعرقلة وتفكيك هذه العلاقات الجديدة سيمثل أحد أهم التحديات التي ستواجه الشرق.

هذه الجهود الغربية للحد من النفوذ المتزايد لروسيا والصين في المنطقة سعيا منه للحفاظ على موقعه التقليدي والحد من توسع النفوذ الشرقي ستعكس صراعاً مستمراً بين القوى العظمى.

لن يقبل الغرب بسهولة هذا التحول، وقد يحاول التدخل للحيلولة دون تعمق العلاقات بين روسيا وأفريقيا مستخدما الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية كأدوات للتدخل.

فبدلاً من أن تكون هذه المنطقة منارة للتطور، قد تتحول إلى ساحة للصراعات بين المعسكرين، مما قد يفضي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. لذلك، ينبغي على المنطقة أن تعتمد إستراتيجية محكمة لتحقيق التوازن بين القوتين

 فبالرغم من أهمية القوى الصاعدة، ليس من مصلحة المنطقة أن تقطع علاقاتها تماماً مع القوى التقليدية.

تواجه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تحديات متنوعة ومعقدة في المغرب العربي بسبب التواجد الروسي والصيني، إذ تعتبر أكثر الأطراف عرضة للتحديات على إثر هذه التحولات.

من جهة تعمل الصين وروسيا على تعزيز نفوذهما السياسي في المغرب العربي، مشكلين بذلك تحدياً كبيراً للغرب وتهديداً للاستقرار السياسي التقليدي، ومعيدين تشكيل التحالفات الإقليمية.

و من جهة أخرى تستثمر هذه القوى الجديدة بشكل كبير في مشاريع البنية التحتية والطاقة في المنطقة، مما يعزز نفوذهما الاقتصادي ويقلص الفرص المتاحة أمام الشركات الغربية.

على الصعيد العسكري، يعزز البلدان من تواجدهما ببناء قواعد عسكرية وتقديم دعم عسكري لدول المنطقة، مما يغير موازين القوى العسكرية ويضعف السيطرة الغربية التقليدية.

أما من الناحية الثقافية، يسعى البلدان إلى توسيع نفوذهما من خلال التبادل الثقافي وبرامج التعليم، مما يسهم بشكل كبير في تحسين صورتهما في عيون شعوب المنطقة ويبرز الفجوة بين تعامل القوى الجديدة والمكاسب التي ستجنيها المنطقة من هذه الشراكة مقارنة بالقوى التقليدية.

بالإضافة إلى ذلك، تعزز الصين وروسيا أمنهما الإقليمي عبر التعاون الأمني والعسكري، مما يشكل تحدياً لأمن الغرب ويغير ديناميكيات الأمن في المنطقة.

 وهي خوف الغرب من انكشاف حقيقته أمام دول شمال إفريقيا والقارة الإفريقية بشكل عام، هذا الانكشاف يأتي إثر قيام القارة بمقارنة بسيطة بين سياسات وتعامل الشرق معها مقارنة بسياسات الغرب.

إذاً، هذا التحدي يستدعي من الغرب تبني استراتيجيات واضحة ومتعددة الأبعاد لمواجهة التواجد الروسي والصيني، بما في ذلك تعزيز التعاون مع دول المنطقة وتقديم بدائل اقتصادية وأمنية فعالة وملموسة.

في الختام، يمكننا القول بأن التمركز الروسي والصيني في شمال إفريقيا يشكل تحولاً هاماً في السياسة الدولية. هذا التحول يعكس التغييرات الكبيرة في التوازن العالمي للقوى، حيث يسعى النموذج الغربي التقليدي للنفوذ والسلطة إلى التكيف مع وجود اللاعبين الجدد، ويتطلب الوضع الحالي تفكيرًا استراتيجيًا جديدًا ومتعدد الأبعاد، يأخذ في الاعتبار الديناميكيات المتغيرة للسياسة الدولية.

وبالتالي، فإن مستقبل شمال إفريقيا سيتوقف على قدرة الدول على التكيف مع هذه التحديات والاستفادة من الفرص الجديدة.

By amine