الأثنين. ديسمبر 23rd, 2024

لم يكن قرار استقالة بيني غانتس من حكومة الحرب الإسرائيلية سهلا أو محسوبا بالنسبة لإسرائيل، حيث بات من الصعب التنبؤ بمصير الحكومة أو مستقبلها ومدى انعكاس ذلك على الحرب التي أعلنتها على قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وما يمكن أن يزيد الأمور تعقيدا هو ما إذا كان الوقت يسمع فعلا بإمكانية دخول إسرائيل في انتخابات مبكّرة.

وتباينت أراء المحللين بشأن تأثير ذلك على مختلف الأحداث التي تخوضها إسرائيل في الوقت الراهن، حيث رأى البعض أنّ الاستقالة لن تكون لها تداعيات متعلّقة بالحكومة ضمن ثلاث احتمالات، أوّلها إذا استمر النّواب في البرلمان الإسرائيلي أو ما يطلق عليه كنيست Knesset) (، ثانيا توقّف الحرب ونهاية حكومة الحرب وأخيرا الوصول الى اتفاق مع حركة حماس أو عقد صفقة معها.

 ويجدر الإشارة الى أنّ الحكومة الإسرائيلية المسيطرة حاليا على الحكم لها أغلبية طفيفة بـ 64 نائب في البرلمان من جملة 120، وهو ما دفع الى التّوقع بأنّ استقالة غانتس هي أقرب الى الانقلاب على الحكومة الإسرائيلية الحالية، بحيث يمكن له بكل بساطة أن يسحب بساط هذه الأغلبية الطفيفة لصالحه وبالتالي سحب الثقة من نتنياهو، والسير نحو انتخابات مبكرة.

وعن الاستقالة من حكومة الحرب الاسرائيلية، كان غانتس قد أعلنها، البارحة الأحد ويعني ذلك انسحاب الكتلة الوحيدة التي يمكن تصنيفها على أنّها تيار الوسط في الائتلاف اليميني الذي يقوده نتنياهو، وبرر غانتس استقالته خلال حضوره في مؤتمر صحفي على أنّها جاءت بسبب العراقيل التي يسبّبها نتنياهو أمام الفوز بالحرب وسياساته التي لا تتماشى مع هذا الهدف.

كما أشار غانتس الى مخطّطاته المستقبلية، مشيرا الى أنّه سيعود الى صفوف المعارضة وسيدعم من الآن فصاعدا أي قرار مسؤول يتوافق مع المصالح الإسرائيلية، مضيفا: “يجب أن تجري انتخابات تؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة تحظى بثقة الشعب”.

في المقابل لم يرحّب نتنياهو بقرار غانتس، داعيا إياه الى التريث، خصوصا في هذه الأوقات العصيبة فإنّه على حد تعبيره لا يجب الانسحاب من المعركة ويجب توحيد القوى لتحقيق النصر.

في حين اعتبر زعيم المعارضة يائير لابيد أنّ هذا القرار صائب مشيرا الى أنّه “حان الوقت لاستبدال هذه الحكومة المتطرفة بحكومة عاقلة تؤدي إلى عودة الأمن لمواطني إسرائيل، وإلى عودة المختطفين.

وتشير التوقعات الحالية الى أنّ نتنياهو يمكن أن يقوم بحل الحكومة المصغّرة التي استقال منها غانتس أو ما يطلق عليها بحكومة الحرب، ويعتمد في قراراته على الحكومة الحالية.

ويمكن القول أنّ احتمال حل حكومة الحرب الإسرائيلية يعود لرفض زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” تولي منصب وزير الدفاع الدي عرضه عليه نتنياهو، ذلك الى جانب جدعون ساعر رئيس حزب “أجل جديد” الذي قدّم في مارس الماضي استقالته من الحكومة بسبب اعتبارهما أنّ إسرائيل خسرت الحرب وأنّ سياساتها فاشلة للغاية، وكلاهما رفضا محاولات نتنياهو الذي أراد الوصول الى حل بشأن استقالتهما من حكومة الحرب الإسرائيلية، حيث كان يتوقّع إمكانية انسحاب غانتس منها.

ويجدر الإشارة الى أنّ تشكيل حكومة الحرب المصغّرة يعود الى السابع من أكتوبر تاريخ بداية العدوان على قطاع غزّة، والهدف منها إدارة الحرب، إلاّ أنّه بسبب الخسائر الجسيمة التي شهدتها إسرائيل في حربها مع المقاومة الفلسطينية خلقت خلافات بين أعضائها بسبب عدم تحقيق أهداف الحرب والخسارة.

في هذا السياق أشار سياسي إسرائيلي الى “أنّ هناك أحاديث تدور عن اتصالات بينه وبين أطراف داخل حزب الليكود للانقلاب على نتنياهو في الكنيست، وهو أمر ممكن، وموقف وزير الدفاع، يوآف غالانت، سيكون حاسما.”

وبناء على ذلك فإنّ غانتس من المتوقعّ ان يقود حراكا شعبي إسرائيلي مدعّم من الأجهزة الاقتصادية والنقابية يطالب بحل نهائي لحكومة الحرب الإسرائيلية.

ويمكن أن يشتغل ذلك لصالح حركة المقاومة الفلسطينية من خلال جعل نتنياهو “المضغوط” في الوقت الراهن يتجه الى عقد اتفاق أو صفقة مع حماس لتهدئة الوضع تهرّبا من أي ضربة قد تكون لصالح الحركة التي سيكون من البديهي أنّها ستستغل ما يحدث من خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية لإيقاف الحرب وتأكيد خسارة إسرائيل.

لكن ذلك سيكون مرتبطا بطبيعة الحال بموقف الكنسيت من نتنياهو، فبمجرّد إيجاده أنّ الانتخابات البكرة ستكون نتائجها لصالحه، فإنّه لن يتوانى للحظة في القيام بها والتصعيد فيما يتعلّق بالحرب بشرط أن يكون هناك إجماع حول ذلك من البرلمان، أمّا إذا كان العكس فإنّ التصعيد في الحرب والاستمرار فيها سيكون قراره.

ويمكن القول في هذا السياق، أنّ إقدام غانتس على الاستقالة ليس اعتباطيا ومن المؤكد أنّ له جملة من الخطوات المستقبلية التي ينوي القيام بها، وسيستغل بذلك الأغلبية الضعيفة للحكومة في البرلمان ليحوّل كل المعطيات لصالحه، ويشار الى أنّه سيحاول سحب الأعضاء الذي لا يرحّبون بموقف نتنياهو لصفه (نوّاب حزب الليكود) لكنّهم لن يقوموا بذلك حسب المحلّلين، ومع ذلك فإنّ ذلك متوقّع جدا خاصّة مع سياسات نتنياهو الفاشلة في الخسارة الفادحة التي لقاها في الحرب مع المقاومة والمواقف الدولية المدينة له دون استثناء والانقسام العميق للمجتمع الإسرائيلي.   

ويمكن لهذا الاحتمال أن يسقط في حال إذا فكّرت المعارضة مليا في مجريات الانتخابات القادمة وإمكانية إقصائهم من الحزب نهائيا إذا أقدموا على ذلك، والاقصاء يعني ضرورة الانتهاء كليا من الحياة السياسية.

ويشير مردخاي كيدار الأستا الإسرائيلي في العلوم السياسية، لأنّ النقطة الفاصلة القوية التي تحدّد إمكانية استمرار الحكومة من عدمه هو قانون التجنيد الذي ينص على إرغام اليهود الرافضين للتجنيد (الحريديم) على الخدمة داخل الجيش الإسرائيلي، فبمجرّد طوافان هذا الملف الحساس على السطح في الوقت الراهن، فإنّ الحكومة سيكون وجودها مهددا، فقط إذا قام غانتس باستغلال هذه الورقة، أو إذا قرات المحكمة العليا القانونية بفشل الحكومة وضرورة حلّها.

By amine