الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

صبرين عجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 02-05-2024

لم تستثني الإحتجاجات المناهضة للإبادة الجماعية في قطاع غزّة الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيسي لهذه الجرائم، حيث زخرت الأسابيع الماضية باحتجاجات طلابية ندّدت بالحرب الصهيونية على فلسطين ممتدة من العاصمة واشنطن وولايات أخرى، لتقوم الشرطة الأمريكية بقمع هذه الاحتجاجات واعتقال عدد كبير من الرافضين لهذه المجازر، هذا وقد عبّرت منظمّات حقوقية عن الانتهاكات التي طالت المتظاهرين.

 رغم ذلك فقد واصلت هذه الاحتجاجات توسّعها من لوس انجلوس إلى نيويورك نحو واشنطن وأوستن وبوسطن وشيكاغو وأتلانتا لتؤيد القضية الفلسطينية رافعة أصواتها من جامعات عالمية وكبيرة في الولايات المتحدة الامريكية، ما يدل على أهمية هذه الأصوات وحجم تأثيرها على الرأي العام الأمريكي الذي انقسم الى ردود أفعال مدينة لهذه الاحتجاجات متعلّلة بمعاداة السامية (كره اليهود) وأخرى مدينة لردود أفعال الشرطة الأمريكية التي بدت تعديا مباشرا على مبادئ الديمقراطية وانتهاكا لحرية التعبير، فاللجوء الى القوّة واعتقال مئات الطلاب لا يعد مؤشرا إيجابيا بالنسبة لقوّة عالمية لبست ثوب الديمقراطية منذ عقود.

ثورة طلابية مؤيدة للقضية الفلسطينية   

انطلقت الاحتجاجات داخل الولايات المتحدة الامريكية مع اعتماد طلبة متضامنين مع القضية الفلسطينية اعتصاما مفتوحا مؤيدا لسكّان غزّة وسط جامعة جورج واشنطن في قلب العاصمة الأمريكية، ونقلت مصادر إعلامية مقاطع فيديوهات وصور تظهر أنّ هؤلاء الطلبة قاموا بتشييد خيام وسط حرم الجامعة وشعارات مدينة لانتهاكات المحتل الصهيوني في قطاع غزّة تطالب بإنهاء المجازر القائمة في حق المدنيين في أقرب وقت، ذلك الى جانب المعتصمين الذين أعلنوا تضامنهم مع بقية المعتصمين الذين اعتقلوا من طرف الشرطة في عدد من الجامعات الأخرى كجامعة كولومبيا وتكساس وجامعة كاليفورنيا، والذين بلغ عددهم وفقا لمصادر إعلامية أمريكية 500 طالب.

فمثلا بلغ عدد المعتقلين من جامعة كاليفورنيا 93 طالب كانوا قد احتجو في حديقة الحرم الجامعي لجامعة جنوب الولاية ممّا دفع الجامعة الى إغلاق أبوابها بسبب هذه التّحركات.  

بعد ذلك أعلم أمن جامعة كاليفورنيا انّه لن يتدخّل في الحركات الطلابية المناهضة للحرب على غزّة وأنّه أيضا سيسمح لهم بالبقاء تجنّبا لأي تصعيد، حيث كانت قوّات الامن الأمريكية تتدخّل في الاحتجاجات داخل الجامعات بأوامر من إداراتها الرافضة لهذه الاعتصامات التي كانت من بين مطالبها وقف تعاون الجامعات الامريكية مع إسرائيل.

من جهتها أمرت المتحدثة باسم الشرطة بعد تلقيها إذن من حاكم ولاية غريغ أبوت بتكثيف الأمن في بعض الجامعات، كجامعة تكساس، وكان لها أن تعتقل 34 شخصا من جامعة مدينة أوستن وتتصدّى للاحتجاجات باستخدام وسائل عنيفة.

ووفقا لما أشارت إليه مصادر أمريكية رسمية، أنّ الامن الأمريكي سيواصل قمعه للاحتجاجات الطلابية حيث أشار حاكم ولاية غريغ في تغريدة له على تويتر، أنّ قوّات الشرطة لن تسمح بتواصل هذه الاحتجاجات التي تعتبر معاداة واضحة للسامية ولن يتم التسامح مع الطلاب الموقوفين كما سيتم طرد بقية الطلاب الذي يؤججون الأوضاع وينادون لمثل هذه الاحتجاجات المليئة بالكراهية وفقا لتعبيره.

وقد اعتقلت شرطة جامعة إنديانا في غرب الأوسط الأمريكي 33 شخصا في الجامعة بسبب رفضهم إزالة هياكل التخييم، في حين أصيب 4 ضباط في ولاية ماساتشوستس خلال قيامهم باعتقال ما يزيد عن 100 طالب مؤيدين لفلسطين في كلية إيمرسون.

قمع الدولة الديمقراطية للاحتجاجات الطلابية

لم تتغاضى المنظماّت الحقوقية سواء منها الأمريكية أو الدولية عن مجموعة الانتهاكات التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الطلبة المحتجين في الجامعات، حيث عبّرت منظمة هيومن رايتس ووتش واتحاد الحريات المدنية الأمريكي عن إدانتهم القاطعة لما تقوم به الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين من عنف مسلّط واعتقالات وطرد من الجامعات.

في حين وجّهت منظّمة فلسطين القانونية شكوى اتحادية ضمن تصنيف الحقوق المدنية ضدّ جامعة كولومبيا على خلفية اعتقال عشرات من طلاّبها المناصرين للقضية الفلسطينية بأمر من إدارتها التي قامت باستدعاء الشرطة لقمح احتجاجاتهم.

من جهتها أشارت وسائل إعلامية الى تنديد مشرّعين ديمقراطيين في ولاية جورجيا بما يحصل من قمع للمحتجين في الولايات المتحدة الامريكية معبّرين عن قلقهم الشديد تجاه الوضع ولجوء الشرطة الأمريكية الى العنف في حرم جامعاتها دون احترام لحرية التعبير، مشيرة الى أنّ ما قامت به الشرطة الامريكية هي اساليب متطرفة لا تؤدي سوى الى أزمات تصعيد خطيرة.

وأضافوا أن قيادة الولاية بدأت في التعامل مع الاحتجاجات باعتبارها أعمال عنف أو إرهاب. كما قال اتحاد الحريات المدنية الأميركي بولاية جورجيا إنها حملات قمع غير دستورية.

وكان للرئيس الأمريكي جوبايدن وأطراف أخرى مناهضة للتحركات الطلابية المؤيدة لفلسطين سوى التحجج بأنّ هذه التظاهرات تنم عن معاداة السامية لذلك اعتمدت الشرطة تلك الأساليب العنيفة في فض المتظاهرين، وكان لمختلف الجهات الحقوقية الا أن تنفي ما يتم تداوله مشيرة الى انّ ذلك لا يعد سوى تظليل عن الحقيقة، حيث انّ أساس هذه التظاهرات هو الضغط على الجامعات حتى تسحب شراكتها بإسرائيل  وذلك لدعمها العمليات العسكرية على قطاع غزة.

من جهته لم يكن الرئيس الامريكي السابق ترامب بعيدا عن الساحة، حيث أشار الى أنّ حصول مثل هذه الاحتجاجات المناصرة لفلسطين لا يعتبر سوى عار على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أشار عب رمنصته “تروث سوشال” الى انّ هذ الاحتجاجات مشابهة لمسيرة نظّمها اليمين المتطرّف في ولاية فرجينيا بشارلوتسفيل عام 2017 ، وتفاقمت الأزمة الى اشتباكات بين شق مناصر للعرق الأبيض وبين الرافضين للعنصرية.

زيف ديمقراطية الدولة الأوتوقراطية الامريكية 

على مدار عقود كانت من أبرز محاولات الولايات المتحدة الامريكية الظهور بصورة البلد الديمقراطي المسيطر على كل التوازنات الدولية، وقد وقع تأييد هذا الاتجاه خاصّة في عام 2021 بظهور “القمة من أجل الديمقراطية”، لكن مع ذلك أثبتت واشنطن فشلها الذريع مع كل الأحداث الدولية المتعاقبة، وأصبحت بكل وضوح متجلية في بلد لا يمكن أن يكون سوى بلد عالق في وهم الديمقراطية يفرض جرائم الحروب وجرائم ضد الإنسانية في الخارج باستغلال قوّته العالمية، ولا تعتبر هذه الديمقراطية المزيّفة سوى وسيلة للتلاعب وتأجيج الصراعات بما يتوافق مع مصالحها وتقسيم العالم الى تحالفات تتحارب بالوكالة.

ولعلّ هناك العديد من العوائق التي أزاحت الغطاء عن سياسات القادة الأمريكيين لتفضح نواميسهم واستراتيجياتهم المعتمدة في تسيير العالم كالاستقطاب السياسي المتفاقم، اتساع فجوة الثروة، التمييز العنصري والانقسام المجتمعي، وبذلك فإنّ ما روّج سابقا في عهدة الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن حين قال “حكومة الشعب، من قبل الشعب، من أجل الشعب” اصبح اليوم بمثابة “الدعابة المضحكة” للعالم، فأبسط عملية يمكن أن ترتكز عليها الدول لتكريس الديمقراطية (العملية الانتخابية) كانت ولازلت مخترقة من المال السياسي في الولايات المتحدة الامريكية، والسلطة بكل وضوح ودون حاجة للغوص في متاهات أخرى واضحة كل الوضوح أنّها ليست حكر سوى على نخبة الأثرياء وليست ملك للشعب كما يروّج لها. وبالتالي فإنّ الظاهر عكس ما هو موجود في الحقيقة، مجرّد ديمقراطية شكلية ليس لها أي أساس جوهري لا على مستوى السياسات ولا في النظام الداخلي ولا حتى في علاقة بالشعب الأمريكي، هي لا ترتدي ثوب الديمقراطية سوى لأجل فرض أكاذيبها على دول قائمة بذاتها لتسييرها داخليا وفرض سياساتها عليها وتقسيم العالم بما يتوافق مع سياساتها لتحقيق مصالحها الذاتية.

ومن هذا المنطلق لم تخلو تحليلات أكبر السياسيين في العالم من الوهم الديمقراطي الذي تزعمه الدولة الأوتوقراطية الأمريكية بحيث “تسير في طريق مظلم بسبب عدة عوامل تجعل الواقع السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة الامريكية بعيدا عن الصورة المثالية التي يروّج لها عبر التأكيد على القيم الديمقراطية الأمريكية والدستور الأمريكي والآباء المؤسسين”، هذا الترويج كان له تداعيات سلبية جعلت في وقت ما اتهام كل من يطعن في السياسات الأمريكية ونظامها بالإرهاب فعل سهل وبديهي. لكن المشهد الأمريكي لم يكن خاليا من الانتقادات الصارخة من الأمريكيين أنفسهم من بينهم البروفيسور الأمريكي بول كريغ روبرتس الذي أقرّ بأنّ الولايات المتحدة الامريكية كانت بارعة في استخدام شعارات الحرية والديمقراطية المزيفة فقط من أجل تقديم نفسها على أنّها البلد الديمقراطي الذي يحتذى به وذلك من أجل اكتساب ورقة التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتصعيد النزاعات وبث الفوضى وتمويل التنظيمات الإرهابية والقيام بأي عمل إجرامي غير إنساني مدام ذلك يتمحور في النهاية حول مصالحها الخاصّة، حتى أنّ الجوسسة باتت عمل أمريكي منتشر ليس في الداخل فقط بل في الخارج وعلى أمن كل الدول دون إعطاء أي قيمة لسيادتها.

كما أضاف البروفيسور روبرتس أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لازالت مواصلة الى ما لا نهاية ورغم كل الأحداث الدولية والتحديات التي أثبتت فشلها وفضحت كل أكاذيبها في ادعاء وهم الديمقراطية للاستمرار في توسيع الأزمات ودعم جرائم الحرب وتمويل التنظيمات الإرهابية دون إعطاء قيمة لأمن الدول وما يمكن أن تؤدي جرائمها من انتهاكات لحقوق الانسان، وذلك يتجلى بكل بساطة في دعمها المتواصل منذ السابع ما يقارب الثمانية أشهر حرب الإبادة التي يقوم بيها المحتل لصهيوني، وأي رفض للأوامر الأمريكية لا ينجر عنه سوى تدمير هذه الدول داخليا وزعزعة أمنها باعتماد التنظيمات الإرهابية الموالية لها. 

By Zouhour Mechergui

Journaliste