فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية 15-04-2024
تقديم:
معادلة جديدة فرضتها العملية الانتقامية التي شنتها إيران هذه المرة مباشرة من الأراضي الإيرانية حسبما هو معلوم وإن لم يكن العكس. فالأمور قد تنزلق بسرعة الى حرب أوسع نطاقا بمؤشرات الرد الإيراني وتوقعات الرد الإسرائيلي، فرغم محفزات صهيونية لجر إيران نحو الحرب استفزازيا إلا وأن لإيران منطق آخر بعملية مدروسة ومحدودة نوعا ما… نلاحظ أن إيران تفهم ما تريده إسرائيل في المنطقة بدأ من الأراضي الفلسطينية ثم لبنان فسوريا فالأردن ومصر عودا على اليمن والسودان وأين يوجد “وكلاء إيران” بفضاء البحر الأحمر ومن يحرك قلب اللعبة الدائرة هناك بالضبط.
ووسط الأنسياق الدولي وراء التصريحات المغالطة لما هو واقع بالفعل… وبين الحديث عن “صفعة قوية” والتأكيد على “إفشال الهجوم”، تباينت الروايتان الإيرانية والإسرائيلية حول “النتائج العسكرية” للضربة التي شنتها إيران على إسرائيل وأطلقت عليها عملية “الوعد الصادق”.
فما تقييم هذا الهجوم من المنظور العسكري؟
الرواية الإسرائيلية: لماذا تتفه إسرائيل الضربة الإيرانية وراء الدرع الأمريكي
وفق الرواية الإسرائيلية فقد وقعت أضرار طفيفة في “قاعدة نوفاطيم،” دون أن تؤدي الى تعطيل عملها وهو ما نشره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، مرفقا مقطع فيديو للقاعدة.
لكن “الرواية الإيرانية” تحدثت عن استهداف كلا من “المركز الاستخباري” الذي وفر المعلومات المطلوبة لقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، و”قاعدة نوفاطيم” التي أقلعت منها طائرات إف-35 لشن الضربة، ما تسبب في “إصابتهما بأضرار بالغة والخروج من الخدمة.
“ومن الناحية الإيجابية فإيران ردت على الضربة واختبرت بعض الأسلحة والصواريخ ومدى إمكانية وصولها إلى أهدافها من عدمه لحفظ “ماء الوجه”. وأمام حركة هيجان شعبي عربي ينتظر الرد الإيراني وجها لوجه مع إسرائيل أن كانت بالفعل إيران هي الدرع النووي في الشرق الأوسط، فكان على ايران ان ترد حتى بحركة رمزية مع حساب الخروج بأخف الأضرار التي تريد إسرائيل استهدافها متى وافقت على خيار الرد الأعظم وهو ما يدخلها كمحارب استراتيجي مباشر على الميدان أي الحرب”.
ومهما يكن، يبقى ذلك سؤال وجيه مطروح:
لماذا يراد من إيران ان تكون هي الأخرى في قائمة الدول الكبرى المتحاربة في الشرق الأوسط؟
هل هو المنطق الأمريكي الدخول في الحروب بالوكالة وإستنزاف “العدو”؟
طبعا هذا ما تدركه إيران جيدا والقوى الدولية الكبرى
وعلى الجانب الآخر وبالرغم من كون الأضرار البشرية غير موجودة فتشير المعطيات الى ان إسرائيل خسرت ماديا تكلفة صد الضربة التي تصل إلى نصف مليار دولار، بينما الأضرار المادية “محدودة” بحسب إدّعائها…
تقول الواجهة الإسرائيلية المناصرة ان مكاسب إسرائيلية قد تحققت بالفعل بتجربة منظومة القبة الحديدية بشكل فعال، في مواجهة هجوم جوي حقيقي بعد التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية وهذا امر تتبجح به صانعة المنظومة بعد ان خسرت شهرتها العالمية في سوق الحرب كأقوى درع ذو استخدام صهيوني في عملية الاقصى في السابع من أكتوبر حيث لم تقدر إسرائيل دوليا، أن تغطي على خبر نكستها أمام المقاومة الفلسطينية التي اخترقت نظام القبة الحديدية فشلتها بالكامل.
أي هاجس إيراني في تقدير الرد الانتقامي
بعد حرب العراق، صاغت إيران عقيدتها الدفاعية على مبدأ مقدس هو ان “إيران لا تقاتل أبدا في حرب اخرى… على أرضها”
لقد سجلت التوثيقات الإيرانية وصول بعض الصواريخ الإيرانية لأهدافها في إسرائيل وإطلاق صافرات الإنذار في 750 موقعا في اتجاهات مختلفة على كامل التراب الإسرائيلي فمن ناحية إعلامية عملت إيران على تعميم دولي لنشر فيديوهات “عشرات الطائرات المسيرة” غطت تل أبيب ما يعني أن رواية الجانب الإسرائيلي بالقضاء على 99 بالمئة من المقذوفات خارج إسرائيل غير صحيحة وفق المختصين الإيرانيين في منظومات الدفاع الجوي. إلا أن وصول 50 بالمئة من المقذوفات إلى أهدافها تبدو رواية نسبية حيث لم تحقق النجاح الذي انتظره أنصار إيران.
– هل فعلا لم تحقق الضربة أهدافها؟
ان جر المنطقة بأكملها الى منزلق حرب لا نهاية لها، خيار تستبعده إيران بعدم إقحام نفسها في هذه الحرب. لقد مارست إيران وبشكل مقصود “العمق الإنذاري الكبير جدا” بين إيران ومصالح الغرب والذي وفر وقتا طويلا لـ”تقدير الموقف وغلق المجالات الجوية والمصالح الخارجية”
بالنسبة لإسرائيل فقد مكنها ذلك من استعداد وسائل الصد والاعتراض لئن تكون جاهزة، ومعرفة خطوط سير المسيرات والصواريخ لصدها قبل الوصول إلى داخل إسرائيل.
وإن كانت العملية الإيرانية لا تستقيم من حيث المنطق بإعتبار وأن ايران قد اخبرت واشنطن بأن العملية ستكون محدودة، ومن هنا فإن منظومات الإنذار المبكر الأميركية بالإضافة إلى الإسرائيلية قد وفرتا “العمق الإنذاري والزمن الكبير للاستعداد العالي وصد الضربة الإيرانية”؟
لماذا اختارت إيران استبعاد عنصر المفاجأة وهو “المبدأ الأهم في الحرب”، وكان يجب بدء الضربة باستخدام “الصواريخ السريعة” وليس “المسيرات بطيئة السرعة بما يعني انها لجأت لا لاختيار الأسوأ عندما بدأت الضربة باستخدام المسيرات والتي لا تتجاوز سرعتها 185 كيلو متر بالساعة، ثم تم إطلاق الصواريخ وفق الخبراء العسكريين وبالتالي منذ ظهور المسيرات الإيرانية في سماء إيران، رصدت إسرائيل أن الضربة قد بدأت فاستعد الحلفاء لـصد الهجوم.
فهل تغيب على إيران دولة المختبرات النووية مثل هذه الهفوات، أم أن إيران بعدم انزلاقها في الحرب قررت أن تكون الضربة مجرد تنفيس احتقان إيراني كان يجب أن يحدث بعد استهدف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق فقط؟
ومهما يكن تذهب التقديرات المجانبة للرد الإيراني ان إسرائيل التي استهدفت تدمير مبنى القنصلية الإيرانية كانت قد نفذت عمليتها في دمشق ذلك ان إسرائيل لا تقدر ولن تقدر أبدا على مهاجمة إيران على الأراضي الإيرانية. ومع ذلك أطلقت إيران سربا كثيفا من طائرات مسيرة فتاكة وصواريخ بالستية وصواريخ كروز باتجاه إسرائيل، في هجوم “هو الأول من نوعه”.
خلاصة :
لقد اظهرت الحرب على غزة مدى هشاشة مفهوم الأمن الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط. وهذا ما تعيه إيران بأن أي انفجار محتمل في صراع الظل الإيراني-الإسرائيلي سيؤدي الى انهيار ما تبقى من الأمن الإقليمي.
تقول إيران بخصوص سياسة ضبط الإيقاع مع إسرائيل انها لم تمارس انتقاما بقدر ما هو حقها المشروع المكفول لها وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وردا على جريمة استهداف كيان الاحتلال للقنصلية الايرانية في دمشق معتبرة أن للانتقام سياسة اخرى.