إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 29-03-2024
سلّط التقرير السادش عشر الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة “انطونيو غودريتيتش” الضوء على التهديدات التي لازال يشكّلها تنظيم الدولة الإسلامية على الأمن الدولي لسنة 2024، ومدى نجاعة استراتيجيات الأمم المتحدة في مساعدة الدول على التغلب على هذه التهديدات.
وقد أشار التقرير إلى أنّ داعش كان قد تعرّض منذ أربعة سنوات لهزيمة ساحقة في آخر المناطق التي كان يسيطر عليها في الباغوز في سوريا، إلاّ أنّ ذلك لا يعكس تراجعا لنشاط التنظيم أو للتهديدات المتوقعة.
كما يؤكّد أنّه على الرغم من المخاطر المتوقّعة إلى غاية اليوم، فإنّ قوّة التنظيم وبنيتها أصبحت مختلفة على ما كانت عليه سابقا، خاصّة مع الجهود المستمرة على مدار سنوات في كبح جماح هذه الجماعات والقضاء عليها في مختلف مناطق نفوذها، ممّا أدّى إلى ضعف مواردها المالية.
واليوم مثلما تمّ الإشارة في التقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة عادت الاعمال الإرهابية لتتصدّر المشهد الدولي من جديد بعد الهجوم بضربات شملت ثلاث قارّات مختلفة، هي أوروبا، آسيا والقارّة الافريقية.
العودة بقوّة
يشير خبراء في مجال الحركات المتطرفة، إلى أنّه من بين الأسباب الرّئيسية للثورة الجديدة التي قامت بها هذه التنظيمات الإرهابية هو محاولتهم إثبات وجودهم من جديد خاصّة بعد النكبة التي تعرّضوا إليها خاصّة تنظيم داعش، الذي يحاول الترويج لعودته من جديد في المشهد “الجهادي العالمي”، وذلك بغاية ضمّ حلفاء جدد خاصّة وأنّ التنافس بات حادا بين التنظيمات الإرهابية، وهو ما يمكن تبيّنه من خلال التنافس مع تنظيم القاعدة.
وتعد الأوضاع المتشنّجة عالميا واحتداد التنافس بين القوى العالمية وتردي الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي أرضا خصبة لعودة هذه التنظيمات.
في هذا السياق، تمّت الإشارة إلى أربعة نقاط رئيسية متعلّقة بالتهديدات الحالية التي يشكّلها داعش، تتعلّق الأولى بالاستقرار الداخلي للتنظيم، بحيث انّه على الرغم من مقتل زعيمه ابو حسن الحسين القرشي في الأشهر الماضية، إلاّ أنّه وقع استبداله بسرعة ليتم تنصيب أبو حفص الهاشمي القرشي، وهو ما يعكس استقرار التنظيم وصموده لتحقيق أهدافه.
يعد العنصر الثاني هامّا في استمرارية قيام داعش بهجماتها والعمل على تحقيق أهدافها المتطرفة، وهو عنصر التمويل، إذ أنّه على الرغم من التراجع الهام لموارد داعش المالية مقارنة بالفترة الممتدة بين 2014 و 2017، إلاّ أنّ التقرير المتعلّق بتنظيم الدولة الإسلامية لعام 2023 أشار الى أنّ الصندوق الإجمالي لتمويل نشاطات الجماعة يعد كافيا لتغطية رواتب مقاتليها وإعالة أسرهم بعد سجنهم أو موتهم، حيث تمّ حصره بين 25 إلى 50 مليون دولار.
ومع تواصل عمليات المكافحة والهجوم ضدّ التنظيم لإضعافها خصوصا في مناطق نفوذها، خسر داعش الكثير من الأراضي التي يسيطر عليها ممّا أدى إلى تراجع نشاطاته وتركيزه فقط على الاستمرارية.
كما أكّد التقرير على انتشار الأسلحة التقليدية والارتجالية لداعش في إفريقيا، خاصّة الأنظمة الجوية بدون طيار وهو ما يشكّل عنصر من عناصر التهديد الذي يعكسها التنظيم على قوات التحالف ومختلف الجهات العاملة على مكافحة التنظيم.
أخيرا يكثّف التنظيم هجماته على مرافق الاحتجاز التي تضم مقاتلي داعش الأجانب وعائلاتهم في العراق وسوريا ممّا يزيد من ضغط الحاجة إلى العمل على إعادة المحتجزين إلى بلدانهم وعائلاتهم، حيث لم يتمّ إعادة سوى 2500 عراقي و500 فرد من بلدان مختلفة في عام 2022 من جملة 5600 امرأة وقاصر في مخيم الهول و10.000 رجل وفتى محتجزين في السجن.
وأشار التقرير إلى أنّ داعش لازالت ناشطة في سوريا والعراق من خلال قيامها بعدد هام من الهجمات، حيث سجّلت في العام الماضي 279 هجوما في سوريا و 483 هجوما في العراق.
وتركّز الجهود الدولية في الوقت الحاضر على الحد من تمويل الإرهاب وتكثيف حماية الحدود، وخاصّة التركيز على الأمن المعلوماتي وحماية الفضاءات الافتراضية في ظلّ انتهاج التنظيم استراتيجيات تكنولوجية متقدمة لنشر ايديولوجيتها واستغلال منصات المعلومات لتحقيق غاياتها، وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي للتصدي لها.
تمدد في مناطق عديدة من القارة الإفريقية واستراتيجيات جديدة
لازال “تنظيم الدولة الإسلامية” في الدول الإفريقية يتبنى استراتيجية السيطرة على المناطق ذات الأوضاع السياسية الهشة والحكم غير المستقر للسيطرة عليها وتحقيق غاياته المتطرفة، حيث يركز داعش على إفريقيا الوسطى، جنوب إفريقيا، شمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي بصفة عامة.
وهناك حركات أخرى على غرار بوكو حرام في نيجيريا وحركة الشباب في الصومال تقوم باستغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية لهذه الدول للقيام بنشاطها الإرهابي.
وقد شهد تنظيم داعش مقتل قياداته طيلة سنوات، وهو لا يدل على الضعف الداخلي للتنظيم، بقدر تبنيه استراتيجية مختلفة غير قائمة على الزعماء، أطلق عليه الخبراء “الانتشار الأفقي بدلا من التركيز على التأثير الرأسي” الذي ظهرت ملامحه من خلال الهجمات الأخيرة في إفريقيا.
ويمكن القول بأنّ هذه الخطة او الاستراتيجية الجديدة كانت قد اعتمدت على الأحداث العالمية الحاصلة منذ عام 2021 على غرار الحرب بين روسيا واوكرانيا التي انشغل بها العالم لتتمكّن من إعادة بناء خططها ومراكز نفوذها، فظلّت أساليب التحالف الدولي في مجابهة هذه التنظيمات تقليدية ولم تعد متناسبة مع الاستراتجيات الجديدة التي ينتهجها التنظيم، حيث أشار بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في 8 يونيو الماضي إلى أنّ فروعا جديدة قد ظهرت في غرب إفريقيا والساحل وشرق إفريقيا ووسط وجنوب إفريقيا، ممّا يستدعي عمل مجموعة التركيز الإفريقية (أفريكا فوكوس قروب) بكثافة على إحباط الخطط الجديدة للتنظيم.
ووفقا لما أشارت إليه منظمات دولية، فإنّ التحالف الدولي كان يتعامل سابقا مع جماعات إرهابية معروفة الانتماء، مثلا كتنظيم القاعدة وداعش وبوكو حرام، لكن مع انهيار الخلافة حاليا تغيّرت بنية الجماعات واستراتيجياتها، حيث أصبح التحالف يتعامل مع “تنظيم إرهابي بعدد من الرؤوس” تعتبر الأكثر دموية وعنف.
ومن بين مخاوف دول الغرب الإفريقي هو تمكّن بوكو حرام وحركة الشباب وداعش من زيادة نفوذها في دول المنطقة، خاصّة وأنّ ذلك لا يعد مكلّفا بالنسبة لها، حيث تستغل الموارد الإفريقية لتنظيم وجودها في غرب إفريقيا.
وحاليا يركّز تنظيم الدولة الإسلامية وجوده في منطقة شمال شرق مالي الاستراتيجية، ساعدهم ذلك في التمدد إلى النيجر وبوركينا فاسو ثمّ إلى المثلث الحدودي، مستغلا بذلك خروج الفرنسيين من المنطقة في العام الفارط، حيث اشار المحلل لدى معهد المؤسسات الأمريكي “ليام كار” إلى أنّ تنظيم داعش سيعتمد على منطقة ميناكا للقيام بعملياته في منطقة الحدود الثلاثية، مشيرا إلى أنّ التنظيم يتمدّد غربا في مناطق شمال مالي وشمال شرق بوركينا فاسو، ويركّز أنشطته في الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا على طول الحدود النيجيرية.
تحركّات جديدة
نشر تنظيم داعش على تطبيق تلغرام، السبت 23 مارس 2024، أنّه وراء الهجوم الذي استهدف جيش النيجر والذي أدى إلى مقتل 30 جنديا، وجاء في بيان له أنّ “الجنود قُتلوا في كمين استهداف قافلة بالقرب من بلدة تيغوي في منطقة تيلابيري غربي البلاد.”
كما أعلن في شهر يناير الماضي مسؤوليته وراء التفجيرين الذي هزّا مقبرة مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في مدينة كرمان جنوبي إيران، وقد أسفر الهجومين عن مقتل 84 شخصا وإصابة 284 آخرين.
وجاء في منشور له أيضا على تليغرام مسؤوليته عن الهجوم الذي تمّ القيام به على كنيسة في تركيا ونجم عنه مقتل شخص.
ويخوض داعش معارك دامية مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في شمال مالي من أجل بسط نفوذه المنطقة، كما يواصل شنّ هجماته على بقايا القواعد العسكرية للجيش المالي.
استغلال عدم استقرار الأوضاع العالمية
تقف عدّة أسباب وراء عودة التنظيمات الإرهابية، والتي على رأسها محاولة استغلال انعدام الاستقرار العالمي والتنافس المحتدم بين الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
ويسعى أيضا لإعادة تنظيم موقعه في الساحل الافريقي مستغلا بذلك التنافس الشديد بين فرنسا وروسيا التي تفوقت عليها في المنطقة، وبناء على ذلك فإنّ هدفه إيجاد ثغرة يتمكّن من خلالها من إعادة افتكاك الثروة والنفوذ والسلاح وسط حالة التشنج والصّراع في المنطقة بين القوى العالمية.
ويشير الباحث في شؤون الحركات المتطرفة “هشام النّجار” الى أنّ داعش يدرك جيّدا أهمية الزمن في تحركّاته، بحيث يستغل فرصة التغيرات العميقة التي تحصل خصوصا بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها عدد من الدول الافريقية (مالي، النيجر وبوركينا فاصو) وانسحاب القوات العسكرية الفرنسية والغربية، التي وإن لم تتمكّن من القضاء تماما وفقا لقوله على الجماعات المتطرفة، إلاّ أنّ لها أهمية على الأقل في تقليص تحركّاتها وإعاقتها من خلال قواتها والمعلومات الاستخباراتية التي ترصد تحركاتها، إذ يشكّل المثلث الحدودي بين الدول التي شهدت الانقلابات ملاذا للجماعات الإرهابية لمزيد التغلغل في المنطقة والقيام بالهجمات.
لا تزال تهديدات الجماعات الإرهابية قائمة بالرغم ممّا يمكن ملاحظته من استهداف لمناطق نفوذها في مناطق عديدة في سوريا والعراق، إلاّ أنّ القارة الإفريقية بما تحمله من توترات مختلفة لا يمكن أن تكون إلاّ مناخا مستقطبا لهذه الجماعات تتمكّن من خلاله من إعادة بناء استراتيجياتها واستعادة قوّتها، وهو ما يتطلّب بناء أساليب مجابهة جديدة من طرف التحالف الدولي تحول دون تمكّن هذه الجماعات من إعادة البناء.