إعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 18-03-2024
النيجر أنهت التحالف مع واشنطن: بعد اتهامها بالبحث سراً في اتفاق بشأن اليورانيوم مع إيران
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية تكشف أنّ قرار النيجر إنهاء تحالفها مع واشنطن جاء بعد أن اتهم مسؤولون أميركيون المجلس العسكري في البلاد بالبحث سراً في اتفاق بشأن اليورانيوم مع إيران.
قال مسؤولون نيجيريون وأميركيون إنّ قرار النيجر إنهاء تحالفها مع واشنطن في مجال “مكافحة الإرهاب”، جاء بعد أن اتهم مسؤولون أميركيون كبار المجلس العسكري الحاكم في البلاد، بالبحث سراً في اتفاق يسمح لإيران بالوصول إلى احتياطياتها من اليورانيوم.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أنّ المسؤولين الأميركيين كانوا يعملون على إنقاذ علاقتهم مع النيجر، فيما يعمل المجلس العسكري على توطيد العلاقات مع روسيا ومع اثنتين من جيرانه، مالي وبوركينا فاسو، اللتين يحكمهما أيضاً جنرالات متحالفون مع موسكو.
لكن في الأشهر الأخيرة، قال مسؤولون أميركيون وغربيون آخرون إنهم حصلوا على معلومات استخباراتية تشير إلى أنّ المجلس العسكري في نيامي يدرس أيضاً إبرام صفقة مع إيران، من شأنها أن تتيح لطهران الوصول إلى بعض احتياطيات اليورانيوم الهائلة في النيجر.
وبحسب الصحيفة، قال مسؤولون غربيون في فبراير إنّ المحادثات بين النيجر وإيران وصلت إلى مرحلة متقدمة للغاية. وقال شخص مطلع على الأمر إنّ الطرفين وقّعا اتفاقاً مبدئياً يسمح لطهران بالحصول على اليورانيوم من النيجر. وقال مسؤولان إنّ الصفقة لم يتم الانتهاء منها.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذه المخاوف وصلت إلى ذروتها خلال الأسبوع الماضي، عندما سافرت مولي في، مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، إلى نيامي لإجراء محادثات مع المجلس العسكري حول العلاقات المستقبلية.
اجتماعات “متوترة للغاية”
وخلال الاجتماعات، أثارت المساعدة الأميركية قلق واشنطن مع المسؤولين في النيجر بشأن التوصل إلى اتفاق مع إيران، وفقاً لمسؤولين في الولايات المتحدة والنيجر، الذين وصفوا الاجتماعات بأنها “متوترة للغاية”.
وفي بيان بثّه التلفزيون الرسمي، اتهم العقيد أمادو عبد الرحمن، المتحدث باسم المجلس العسكري، الولايات المتحدة بمحاولة منع النيجر من اختيار شركائها الدبلوماسيين والعسكريين، قائلاً إنّ مولي في أبدت “موقفاً متعالياً” خلال المحادثات. وأكد أيضاً أنّ النيجر لم تدخل قط في صفقة يورانيوم مع إيران.
وقال عبد الرحمن إنّ حكومة النيجر “ترفض الادعاءات الكاذبة التي أطلقها رئيس الوفد الأميركي بشأن توقيعها اتفاقاً سرياً بشأن اليورانيوم مع جمهورية إيران الإسلامية”.
وأوضح أنّ النيجر ألغت اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة “بأثرٍ فوري”، مشيراً إلى أنّ “الوجود الأميركي على أراضي جمهورية النيجر غير قانوني”.
النيجر تلغي اتفاقاً عسكرياً مع الولايات المتحدة
النيجر وصفت اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية الموقّع بين الطرفين في العام 2012 بأنّه “مُجحف”.
“وبمفعولٍ فوريّ” ألغت النيجر، مساء السبت 16 مارس 2024، اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية، والذي يعود إلى العام 2012.
وجاء القرار غداة قيام مسؤولين أميركيين كبار بزيارةٍ إلى نيامي، على رأسهم مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، “مولي في”، وقائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانجلي، بطريقةٍ غير دبلوماسية، إذ لم يُبلّغ النيجر بتشكيلة الوفد أو موعد وصوله أو جدول أعماله، وفق المتحدّث باسم الحكومة النيجيرية، أمادو عبد الرحمن.
وأثناء قراءة إعلان إلغاء الاتفاق، قال عبد الرحمن إنّ:
“حكومة النيجر، آخذةً طموحات الشعب ومصالحه في الحسبان، لذلك، تُقرّر بكلّ مسؤولية أن تلغي بمفعولٍ فوريّ الاتفاق المتعلّق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة، والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأميركية على أراضي النيجر“.
وهذا الاتّفاق “مُجحف” وفق نيامي، كونه ينتهك “القواعد الدستورية والديمقراطية” لسيادة الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، وقد فرضته واشنطن بشكلٍ أحادي عبر “مذكّرة شفويّة بسيطة”، في 6 تموز 2012.
كما أنّ إلغاء الاتفاق جاء في إطار مجموعة من الأحداث السياسية التي شهدتها أكثر من دولة أفريقية رفعت شعارات تُناهض التدخّل الخارجي في سياسات دولها، ففي النيجر رفعت السلطات التي أطاحت الرئيس محمد بازوم، في يوليو 2023 شعاراتٍ ترفض التدخّل الخارجي، وتُطالب بإنهاء عقود من الاستعمار واستغلال الثروات الوطنية.
كما لفت حسب الرسول إلى أنّ “السلطات النيجرية الجديدة لديها توجّهات استقلالية، بينما الاتفاق فُرض فرضاً على النيجر من قبل الولايات المتحدة الأميركية في العام 2012″، مشيراً إلى أنّ “الحكومة الجديدة، تسعى للمحافظة على الاستقلال وصون السيادة النيجرية، لذلك ألغت الاتفاق مع واشنطن، كونه لا يرتّب أيّ مصالح للنيجر”.
ما هي تفاصيل الاتفاق؟
على الرغم من أنّ اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية، جاء على شكل “مُذكّرة شفويّة بسيطة” إلا أنّه لدى الولايات المتحدة نحو ألف جندي، كما أنّها تملك استثمارات كبيرة، تواجه، وفق مُراقبين مُطلعين، معضلةً تتعلّق بتحالفها الأمني المستقبلي مع النيجر.
وخصصت الولايات المتحدة أكثر من 500 مليون دولار بين عامي 2012 و2021 للمساعدة العسكرية والمعدات للنيجر، وهو ما تعتبره واشنطن أحد أكبر برامج المساعدة الأمنية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.
وتقوم القوات المسلحة الأميركية، بإطلاق طائرات استطلاع وطائرات مُسلّحة من دون طيار من قاعدة أغاديز شمال النيجر على بعد نحو 920 كيلومتراً من العاصمة نيامي، وكذلك تستخدم واشنطن أغاديز لرحلات المراقبة المأهولة وغير المأهولة.
إضافة إلى ذلك، يُنظّم الجيش الأميركي مناوراتٍ عسكرية سنوية تسمى “فلينتلوك” مع مختلف الجيوش الأفريقية.
وقبل إطاحة الرئيس محمد بازوم، كانت النيجر شريكاً أمنياً رئيسياً لفرنسا والولايات المتحدة، التي استخدمتها كقاعدةٍ للمساعدة بدعوى محاربة التنظيمات المسلحة في أنحاء منطقة الساحل الأفريقي وخارجها.
وبعد الانقلاب، طالب المجلس العسكري الحاكم في النيجر برحيل الجنود الفرنسيين، الذين كان يُقدّر عددهم بنحو 1500 جندي، كما ألغى العديد من الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع باريس.
وبعدها، علّقت واشنطن تعاونها مع النيجر، قبل أن تعاود الاتصال مع المجلس العسكري الحالي.
وفي أكتوبر الماضي، صنّفت واشنطن رسمياً التحرّك العسكري انقلاباً، ما أدّى إلى سنّ قوانين أميركية تُقيّد الدعم العسكري والمساعدات التي يُمكن أن تقدّمها للنيجر.
لكن في ديسمبر، قالت المبعوثة الأميركية إلى أفريقيا، مولي في، إنّ “الولايات المتحدة مُستعدّة لإعادة المساعدات والعلاقات الأمنية إذا استوفت ميامي شروطاً مُعيّنة”.
وباتت النيجر ومالي وبوركينا فاسو أقرب اقتصادياً وعسكرياً إلى شركاء جدد، أبرزهم روسيا، وغادر آخر الجنود الفرنسيين النيجر في 22 ديسمبر 2023.
ما هي الخسائر الأميركية بعد إلغاء الاتفاق؟
وفي الواقع، توجد في النيجر واحدة من أكبر قواعد الطائرات من دون طيار وهي قاعدة “أغاديز”، التي يديرها الجيش الأميركي، وأكثرها تكلفة.
وقد تمّ بناء القاعدة الجوية “201” في مدينة أغاديز الشمالية، بسعر يزيد عن 110 ملايين دولار، وتمّت صيانتها بكلفة تتراوح بين 20 و30 مليون دولار بشكلٍ سنويّ، وهي مركز مراقبة وعمود أساسي لأرخبيل من المستوطنات الأميركية غربي أفريقيا.
وتعدّ القاعدة موطناً لأفراد القوّة الفضائية، ومفرزة جوية للعمليات الخاصة المشتركة، وتحوي أسطولاً من الطائرات من دون طيار – بما في ذلك طائرات “أم كيو ريبر”، كما تُعدّ كذلك نموذجاً للجهود العسكرية الأميركية في هذا البلد، وفي المنطقة الأوسع.
ويقول المسؤولون العسكريون الأميركيون إنّ قاعدة “أغاديز”، كانت حيوية لمراقبة الجماعات المسلّحة، والتي جعلت من أفريقيا، بدلاً من الشرق الأوسط، مركزاً لها بشكلٍ مُتزايد.
وفي مقابلةٍ سابقة، حذّر قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانغلي من إغلاق الولايات المتحدة قاعدة الطائرات من دون طيار، فإنّ هذه الخطوة ستكون “مُؤثّرة” في النيجر والمنطقة، وعلى استراتيجية الولايات المتحدة الأوسع لمكافحة الإرهاب.
ولفت إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية إذا فقدت بصمتها في منطقة الساحل، فإنّ ذلك سيُقلّل من قُدرتها على القيام بالمراقبة والتحذير النشط، بما في ذلك الدفاع عن الولايات المتحدة”.
وبالتالي فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تخسر موقعاً استراتيجياً بخسارتها قاعدة “أغاديز” المتقدّمة للدفاع عن الأمن القومي الأميركي، فالموقع كان يؤمّن لها إطلالةً على منطقتي غرب ووسط أفريقيا.
كذلك، هناك إمكانية لتفشّي الظاهرة الاستقلالية في الإقليم (غرب أفريقيا)، وهذا الأمر ييسّر تمدّد الصين وروسيا ويُعزّز مكانتهما، وأيضاً، فإنّ إلغاء الاتفاق يُفقد الولايات المتحدة مصالحها الاستراتيجية مُتعددة الأبعاد.
وعلى مدار العقد الماضي، قفز عدد الأفراد العسكريين الأميركيين المنتشرين في النيجر أكثر من 900%، من 100 إلى 1001 عنصر، وشهدت النيجر، كذلك انتشاراً للبؤر الاستيطانية الأميركية، والتي لم تعد تشمل فقط قاعدة الطائرات في “أغاديز”، ولكن أيضاً قاعدة أخرى في العاصمة، في المطار التجاري الرئيسي.
وعند تدخّل الولايات المتحدة الأميركية بذريعة مُحاربة الإرهاب في النيجر في العام 2012، بدأت بضخّ أموال لمكافحة الإرهاب في البلاد، عندها وُصف الوضع الغذائي العام بأنه “مُرضٍ” ويخضع لـ “تحسّن تدريجي”، وفقاً لوكالة مراقبة الأمن الغذائي التي أنشأتها الوكالة الأميركية للشؤون الدولية.
ولكن في العام 2022، عانى ما يُقدّر بنحو 4.4 ملايين نيجري من انعدام الأمن الغذائي الشديد، وهو رقم قياسي، وزيادة بنسبة 90% مقارنة بعام 2021، كما تفاقمت الأزمات الأمنية والإرهاب وهجمات التنظيمات المسلحة في النيجر ومنطقة الساحل ككلّ، ما أظهر فشل الجهود الأميركية المعلنة للحفاظ على أمن شعوب هذه البلدان، والدفاع عنها في وجه الإرهاب، وجعل واشنطن تخسر حضورها تدريجياً.