السبت. ديسمبر 28th, 2024

كانت سياسة الهند الدفاعية لسنوات عديدة مختلفة تماما عمّا أصبحت عليه الآن، إذ كانت تركّز على حدودها البرية خاصّة مع منافسيها من الدول الأخرى باكستان والصين.

واليوم مع توسّع طموحاتها العالمية وتعدّد مصالحها السياسية والاقتصادية، انطلقت مباشرة نحو استعراض قدراتها البحرية في المياه الدولية، تجسّد ذلك من خلال دوريات مكافحة القرصنة ومختلف الاستراتيجيات الأخرى لحماية السفن من عمليات القرصنة بالقرب من البحر الأحمر.  


وتعبّر هذه التّوجهات الجديدة عن أهداف نيودلهي للظهور بأكثر قوّة على الساحة الدولية، خاصّة لوصول مرحلة التوازن مع منافستها الكبرى في القارة الآسيوية الصين.

وقد أقيمت مناورات ميلان البحرية لعام 2024 في السواحل الشرقية للهند في فيساخاباتنام وشارك فيها أكثر من خمسين دولة، وقد استمرت لثمانية أيام متتالية. ويذكر أنّ الهند قد بدأت في هذه المناورات منذ عام 1995 بمشاركة عديد الدول الأجنبية الصديقة، حيث يتمّ خلالها القيام بعديد الأنشطة كاستعراض المدينة والمعرض وتبادل الخبراء والقيام بندوة بحرية.

سفينة “ساندهاياك” (Sandhayak)، كانت آخر السفن التي قامت بإطلاقها الهند في 3 فبراير الماضي، وهي أوّل سفينة استطلاع كبيرة في البحرية الهندية، تمّ تقديمها ضمن حفل أقيم في حوض بناء السفن في مدينة فيساخاباتنام بحضور وزير الدفاع الهندي (Rajnath Singh).

وذكرت مصادر أنّه من أجل تعززي الملاحة البحرية الآمنة ستقوم السفينة بإجراء مسوحات بحرية واسعة النطاق للموانئ والمرافئ والطرق الملاحية والمناطق الساحلية والبحار العميقة في المحيط الهندي ذلك الى جانب عمليات بحرية أخرى.

أمّا فيما يتعلّق بعملية صناعة سفينة “ساندهاياك”، فقد تمّ إنتاج نسبة معادلة لـ 80 بالمائة من قطع السفينة في الهند.

وجاء على لسان وزير الدفاع الهندي خلال الإعلان عن السفينة بأنّها في غاية الأهمية وفيها دعم لقدرات الهند البحرية مشيرا الى أنّها ستقوم بتعزيز قوّة الهند بين منافسيها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ كما أنّها ستساهم في تعزيز عملية السلام والأمن.  

كما عبّر على ثقته وأمله الكبيرين في أن تقوم سفينة الاستطلاع الجديدة بدورها على أكمل وجه وأنّها على حد تعبيره ستقطع مسارا طويلا في الحصول على معلومات حول المحيطات وتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها والمتمثّلة في حماية الهند والدول الأخرى الصديقة.

وتكمن أهمية السفينة أيضا من وجهة نظره في قدرتها على تعزيز الجانب الأمني المتعلّق بالمبادلات التجارية البحرية من خلال الحماية المكثّفة من هجمات القراصنة، وذلك سيؤدي بدوره الى النهوض بالاقتصاد في الهند.

    من جهة أخرى تحدّث سينغ عن مدى كفاءة البحرية الهندية لقيامها مؤخرا بإفشال خمس محاولات قرصنة، حيث قامت بمساعدة السفن المستهدفة بطائرات مسيّرة وصواريخ خلال الشهر الماضي، إلى جانب إنقاذها 80 صياداً وبَحّاراً.

مشدّدا على أنّه “مع ازدياد القوة، فإن الهند عازمة على القضاء على الفوضى ليس فقط في المنطقة، بل في العالم أجمع”.

مضيفا بأنّ هدف الهند الأساسي يتمثّل في ضمان مبدأ “الحرية للملاحة والتجارة بين مختلف البلدان” معربا: “الغرض من قوتنا المتنامية هو ضمان نظام عالمي قائم على القواعد. هدفنا هو وقف الصيد غير القانوني وغير المنظم في المحيط الهندي ومنطقة المحيط الهادئ. وتقوم البحرية بإيقاف الاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر في هذه المنطقة. وهي ليست ملتزمة بوقف القرصنة فحسب، بل إنها ملتزمة أيضاً بجعل هذه المنطقة بأكملها سلمية ومزدهرة”.

وبالتالي فإنّ سفينة “ساندهاياك” ستكون بالنسبة له النقطة المفصلية الهامّة في تحقيق هدف الهند المتمثّل في تحقيق السام العالمي على حد تعبيره.

من جهته عبّر رئيس أركان البحرية الهندية الأدميرال الهاري كومار “kumar” عن مدى توافق مشروع سفينة الاستطلاع الكبيرة مع تطلّعات الهند ومبادئها فيما يتعلّق بالشروط الأساسية التي تعوّل عليها الحكومة الهندية في القيام بالنشاط البحري.

 وطبقا لذلك أشار كومار بأنّه حاليا لازالت الهند تعمل جاهدة على تطوير قدراتها البحرية بحيث تقوم ببناء 64 سفينة وغوّاصة من أصل 66 تمّ طلبهم في أحواض بناء السفن الهندية، وذلك من شأنه أن يعزّز قدرات أحواض بناء السفن ومنها دعم قدرة العمال على الصناعة.

افتتحت البحرية الهندية في السادس من مارس الجاري قاعدة بحرية جديدة في جزيرة مينيكوي جنوب غربي البلاد كبديل لوجودها العسكري الذي استمر سنوات في جزر المالديف التي دعت قيادتها المنتخبة حديثاً نيودلهي إلى سحب كل عناصرها من هناك.

في إطار نشاطها المكثّف ضدّ القرصنة، قامت الهند بتوزيع 12 سفينة بالقرب من البحر الأحمر والتحقيق مع أكثر من 250 سفينة، كما قامت بمساعدة السفن التي وقعت ضحية لهجوم الحوثيين في اليمن.

وفي 26 من يناير الماضي تعرّض طاقم ناقلة ترفع علم جزر مارشال الى إصابة بصاروخ في خليج عدن، وقد قامت المدمّرة الهندية المحمّلة بصواريخ موجّهة “فيساخاباتنام” بمساعدتها على مكافحة الحريق.

وذكرت مصادر أنّ السفينة التجارية “جينكو بيكاردي” التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد أطلقت نداء استغاثة في بداية شهر يناير على خلفية تعرّضها لهجوم بطائرة مسيّرة، وكانت “فيساخاباتنام” قد استجابت لاستغاثتها.   

وأشارت مصادر الى أنّ الهند ليس لديها أي سفن حربية تشارك بها في “قوة المهام” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر، غير أنّها تملك سفينتين حربيتين في خليج عدن وعشرة سفن حربية على الأقل في شمال وغرب بحر العرب وطائرات استطلاع.

ورصدت طائرات مسيّرة لقطات لقوات كوماندوس هندية كانت تطارد قراصنة بعد التعرض لهجوم في بحر العرب، الى جانب احباط هذه القوّات لنشاط قرصنة آخر استهدف نواقل بضائع تجارية. وتعتبر قوّات كوماندوس جزء هام من الحضور البحري للهند، حيث أشار الباحث الهندي “عدي باسكار” رئيس جمعية دراسات السياسات الى أنّ الهند توظّف بجرأة قدراتها البحرية، امّا دون ماكلين جيل من جامعة دي لا سال الفيليبين أنّه “مع استمرار الهند في الارتقاء في التسلسل الهرمي للقوى العظمى الدولية، فإنّها تريد أن تبرز كقوة رائدة ومسؤولة”.   

By Zouhour Mechergui

Journaliste