الأحد. نوفمبر 24th, 2024

    تتصاعد حدة التوتر في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة ومن ورائها الكيان الإسرائيلي والقوى الغربية، في الوقت الذي تبرز فيه الأهمية الحقيقية لمضيق هرمز. الممر المائي الإستراتيجي الذي يعبر منه نحو خُمس كميات النفط المستهلَكة عالميا.

الخطر الحقيقي هو التحول الى مواجهة مباشرة  على أمن حركة الترانزيت والملاحة الدولية إذا عملت إيران على إغلاق مضيق هرمز وأصرت الولايات المتحدة على إبقائه مفتوحا، ما قد يرقى إلى اندلاع حرب محمومة وعوارضها كارثية.

 يفصل مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عُمان، ويربط الخليجَ بخليج عُمان وبحر العرب. يعتبر أهم ممر عالمي للنفط، يعبره ما بين عشرين وثلاثين ناقلة نفط يوميا وهو ما يشكل 40% من تجارة النفط العالمية.

 يعتبر أهم منفذ للدول العربية المطلة على الخليج العربي، وتصدر عن طريقه نحو 90% من نفطها.

هذا و تأتي مستوردات دول الخليج من سفن شحن تمر عبره، وخاصة القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وغيرها.

 في نظر القانون الدولي وقع تصنيفه كجزء من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها.  

تخضع الملاحة فيه بالتالي لنظام الترانزيت الذي لا يفرض شروطاً على السفن طالما أن مرورها يكون سريعاً ولا يشكل تهديدا للدول الواقعة عليها بالمقابل  يتولى “الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين” حماية السفن التجارية في تلك المنطقة ومراقبة حركة الترانزيت.

تعتمد “بحرية الحرس الثوري” على استراتيجية امنية، اعتمدتها طهران بناء على دروسها المستفادة من حربها مع العراق لمدة 8 سنوات، والتي تخللتها اشتباكات مع البحرية الأميركية في مياه الخليج.

ففي البداية اتّسمت مقاربة الإيرانيين تجاه غزة بحسابات متأنّية، إذ أظهروا نطاق تأثيرهم عبر حلفائهم في لبنان واليمن والعراق، وحرصوا في الوقت نفسه على عدم إشعال مواجهة إقليمية قد تورّط إيران وتدمّر مصالحها الأساسية.

فيما يبيَّنَ النظام الإقليمي الجديد أن إيران لا يمكن تجاوزها. وقد أقرّت الولايات المتحدة تقريبًا بهذا الواقع سواء خلال إدارتَي الرئيسَين باراك أوباما وجو بايدن، أو في ظلّ حكم دونالد ترامب الذي لم يتّخذ خطوة انتقامية ردًّا على الهجمات الايرانية، فيما مضت إيران قدمًا ببرنامجها النووي.

بدأت فكرةٌ روّج لها الرئيس الأميركي باراك أوباما سنة 2015 تؤتي ثمارها.  تذكر مجلة “ذي أتلانتيك” :

“التنافس القائم بين السعوديين والإيرانيين، الذي ساهم في إذكاء حروبٍ بالوكالة ونشر الفوضى في سورية والعراق واليمن، يتطلّب منا أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين إن عليهم التوصّل إلى طريقة فعّالة لتقاسم المنطقة وإرساء نوعٍ من السلام البارد”.

 وتَمثَّل المؤشّر الأول على أن هذه النتيجة ممكنة في  المصالحة التي تمت بواسطة الصين بين المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية العام الماضي.

وقد برزت إستراتيجية  إيران إلى استيعاب الصينيين والروس في إطار عمليات عسكرية ناعمة فهم يسعون إلى الوصول بشكل أكثر أمانًا إلى نفط المنطقة وغازها، والمضيّ قدمًا بمبادرة الحزام والطريق كبديل عن الطريق الذي تبتكره أمريكا والغرب بمعية الهند من خلال الحشد العسكري الهائل والمناورات المشتركة.

يقترن الرد الإيراني ضمن إستراتيجيته الممنهجة ضد العدو على أنشطة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني النافذ والميليشيات المسلحة أو الجماعات المقاتلة بالوكالة كحزب الله اللبناني، حركة الجهاد الإسلامي في سوريا والعراق، جماعة المقاومة اليمنية بقيادة الحوثي، وحركة الجهاد… الذي غالبًا ما أتاح له إنعدام الإستقرار فرصًا قيّمةً لتوسيع نفوذ إيران.

دوليا ينتقل خيار البناتاغون اليوم الى محاولة توجيه ضربة وقائية ضد إيران أو بالأحرى الأهداف النووية لإيران.

فيما لن تفلت إيران أي فرصة في فرض قوتها الاقليمية في الشرق الأوسط من خلال ما لديها من قدرات قتالية وخبرات الباسيج وعتاد عسكري بتعزيز روسي أو صيني عالي الجودة لتبقى أخر ضرباتها النووية وهي تلعب على وتر الحرص الأميركي على تجنب إتساع نطاق الحرب إقليميا، وذلك لضبط إيقاع الصراع بما لا يضرها.

كما أعلن قائد بحرية الحرس الثوري أن قواته انتهت من إعداد قوات تعبئة بحرية خاصة للعمل في مياه الخليج

تزيد المناورات العسكرية المشتركة، بمشاركة سفن صينية وروسية داخل المياه الإقليمية الإيرانية، من الشعور بالخوف على أمن أحد أهم ممرات النفط في العالم، خاصة أنها تأتي في وقت تتعرض فيه السفن الغربية لهجمات من الحوثيين ما يدفع الكثير منها إلى تغيير الوجهة للمرور عبر رأس الرجاء الصالح.

ونشرت الصين مدمّرة الصواريخ “يورومكي” وفرقاطة الصواريخ الموجّهة “ليني” وسفينة التزويد بالوقود “دونغبينغهو”.

وقالت روسيا إنّ مجموعة من سفن أسطول المحيط الهادئ بقيادة الطراد “فارياغ” وصلت إلى ميناء” تشابهار” في جنوب شرق إيران.

“حزام الأمن البحري – 2024” هو في واقع الحال ليس شعار مناورات بل هو تحالف دولي ثلاثي يجمع الصين وروسيا وإيران في مواجهة عملية حارس الإزدهار مقابل أي إعتداء موجه ضد مصالح الدول الثلاث في مياه خليج عمان في بحر العرب.

وأيا كان عنوان المناورات، فإن تزامنها مع حرب السفن في البحر الأحمر يثير الخوف على أمن المنطقة وخطر إندلاع حرب السفن وحرية تصدير النفط، خاصة بعد أن إكتشف العالم أن الولايات المتحدة لا تقدر فعليا على حماية الملاحة في المنطقة الحيوية التي تتحكم في مفاصل التجارة العالمية وحركة السفن الرابطة بين مختلف القارات مرورا بمضيق هرمز وبحر العرب، أمر يعكس أحقية الإغتيال الإستراتيجي ضد المعتدي على أمن البحر الأحمر الذي يواجه سيلا من العنف المنفلت.

من دون فهمٍ واضحٍ للديناميات الروسية الصينية وارتباطها بإيران، يصعب التنبّؤ بما ستكون عليه السيناريوهات النهائية.

تمرّ إيران في لحظة مفصليّة في جهودها المستمرّة منذ عقود لتبوّء مركز الصدارة في الشرق الأوسط، إلا أنها تواجه أيضًا تحديات غربية تركز على ملفها النووي و أهمية مضيق هرمز.

 إن الطريقة التي تعالج بها كل من طهران والصين وروسيا هذا الوضع والمتطلّبات المتضاربة لأمريكا وحليفتها إسرائيل هي التي سترسم ملامح المنطقة في السنوات المقبلة.

By Zouhour Mechergui

Journaliste