قسم البحوث الأمنية والعسكرية 11-03-2024
تقديم:
البحر الأسود، هو بحر داخلي يقع بين الجزء الجنوبي الشرقي لأوروبا وآسيا كما يتصل بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق مضيق البوسفور وبحر مرمرة وأهم دول الحوض هي 6دول: بلغاريا، رومانيا، أوكرانيا، روسيا، تركيا وجورجيا. اِحتلَّ البحر الأسود أهمية إستراتيجية كبيرة إقليمياً ودولياً، وأصبح يشكل أهمية اقتصادية كبيرة باعتباره ممراً لنسبة كبيرة من التجارة حول العالم.
فهو يُعد بالنسبة لروسيا شريان الحياة اللوجستي للقواعد البحرية الروسية، أما بالنسبة لحلف شمال الأطلسي يشكل أهمية استراتيجية نظراً للالتقاء الحلفاء.
أصبح البحر الأسود منطقة تقاطع المصالح وبشكل واضح ما بين روسيا والناتو، حول الأهمية القصوى للسيطرة على أكبر مناطق النفوذ والثروات ليتحول البحر السود، إلى منطقة توتر حادة والصراع على النفوذ والانتشار العسكري.
هناك اجماع لدى الخبراء والمعنين في الأمن والدفاع بأن البحر الأسود سيكون من أكثر مناطق النزاع سخونة في العالم ويعود ذلك ليس إلى أهميته العسكرية فحسب بل الاقتصادية والأمنية للمواجهة الروسية على الخط.
صراع النفوذ على المسالك والثروات
تعد تجارة الطاقة وتدفق أكبر انابيب الوقود من القوقاز وآسيا الوسطى إلى أوروبا ومختلف القارات الأخرى عبر البحر الأسود وتجارة الصلب والمنتجات الزراعية بالإضافة إلى أهميته العسكرية حيث بات منطقة انتشار ومناورات عسكرية وسياسية، حيث يكون صراع الأقطاب حول البحر الأسود الأكثر خطورة على الامن الدولي بعد البحر الاحمر.
لقد أصبحت الفجوة بالمصالح الجيوسياسية في منطقة البحر الأسود واضحة بشكل متزايد مع احتمال اندلاع صراع هائل. جعل البحر الأسود على نحو متزايد محور التركيز الاستراتيجي لمصالح روسيا وحلف شمال الأطلسي.
إنها تمثل ساحة مركزية في تصاعد التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي وكانت هدفًا متكررًا بشكل متزايد لتحركات قوات الناتو والمناورات واسعة النطاق مثل ما يسمى بـ “المدافع عن أوروبا” ضد “المناورات الروسية” حيث صراع روسيا والغرب على النفوذ.
منافسة استراتيجية أمنية لمنطقة أكثر نزاعا وعسكرة في البحر الاسود
منذ بداية حرب أوكرانيا، كان هناك عدد متزايد من التصريحات والأوراق الإستراتيجية التي تدعو إلى استراتيجية أمنية جديدة لمنطقة البحر الأسود وتتنبأ بأن منطقة البحر الأسود ستكون أكثر نزاعًا وعسكرة في العالم.
حيث أظهرت العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا بوضوح أهمية البحر الأسود وزاد اهتمام الناتو بإنهاء السيطرة الروسية في البحر الأسود ووصفه بالمنطقة الاستراتيجية الرئيسية.
أصبحت منطقة البحر الأسود خط صدع مركزي في المنافسة الاستراتيجية بين روسيا والغرب، كما أنها مفترق طرق لمساحة أمنية تشمل جنوب القوقاز وشرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وغرب البلقان وعقدة عبور مهمة بين أوروبا وآسيا.
وفي حين ضمنت بعض الدول الساحلية عضوية حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فإن جميعها عالقة بدرجات متفاوتة في وسط المنافسة الاستراتيجية التي تتكشف بين روسيا والغرب الأوروبي الأطلسي.
اتفاقية مضيق مونترو :تركيا حليف قوي
إن الإمتيازات الممنوحة لتركيا بموجب اتفاقية مضيق مونترو تجعلها حليفاً قوياً في التنافس على التفوق في منطقة البحر الأسود.
بالنظر إلى اتفاقية مضيق مونترو، أضحى لتركيا باعتباره الهدف الدبلوماسي الأكثر أهمية على المدى الطويل في منطقة البحر الأسود حيث تمنح اتفاقية 1936 تركيا السيطرة على الممر المائي بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وتقيد مرور السفن العسكرية وغير العسكرية عبر مضيق البوسفور وبحر مرمرة والدردنيل.
وتنص الاتفاقية على أنه في أوقات السلم يجب إبلاغ الحكومة التركية عبر القنوات الدبلوماسية، كقاعدة قبل 8 أيام من رغبة أي سفينة حربية في عبور الطريق بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وأن السفن من دول غير البحر الأسود لم يعد مسموحًا لهم بالبقاء في البحر الأسود لأكثر من 21 يومًا كما تنص المعاهدة أيضًا على أنه في أوقات الحرب يجوز لتركيا أن تقرر وفقًا لتقديرها الخاص السفن المسموح لها بالمرور عبر الممر المائي.
بالنسبة الى أوروبا فهي تعول دائما على دبلوماسية المصالح مع تركيا، أما من منظور روسي فقد تم التأكيد على الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية لطرق النقل المائي في منطقة البحر الأسود مثل مضيق البوسفور والدردنيل حيث احتاج القياصرة والسوفييت على وجه الخصوص إلى الممرات المائية الضيقة والممر الحر عبر بحر مرمرة بينهما من أجل إرسال أساطيلهم من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط منذ ألاف السنين.
استراتيجية روسيا البحرية في البحر الأسود
يمثل أسطول البحر الأسود الروسي “العمود الفقري الاستراتيجي” لقوة روسيا خارج مضيق البوسفور إلى شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط ذلك أن روسيا قادرة بشكل متزايد على تأكيد مصالحها في المياه التي تم تحديدها على أنها ذات أهمية استراتيجية
ومنذ عام 2000 أصبح البحر الأسود محور السياسة الخارجية والدفاعية الروسية بسبب تعزيز مطالبة روسيا بالقيادة في المنطقة، وتنظر إليه روسيا في المقام الأول من خلال منظور أي تهديد متصور من الناتو ومن الأمثلة على ذلك استراتيجية الأمن القومي التي وقعها فلاديمير بوتين في عام 2015 ومن هذا المنطلق، تم تعريف إنشاء نظام عالمي متعدد المراكز مع روسيا باعتبارها واحدة من القوى الرائدة باعتباره مصلحة وطنية أساسية في ظل تراجع نفوذ حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة وإجراءات حماية الأراضي الروسية فكانت هي المهيمنة في الأوراق الإستراتيجية .
هذا و يعد “ميناء نوفوروسيسك” التجاري أهم ميناء تجاري روسي حيث يبلغ حجم نقل البضائع أكثر من 120 مليون طن سنويًا، ويلعب البحر الأسود دورًا مركزيًا في اتصال روسيا بالتجارة العالمية علاوة على كون استخدام الموارد البحرية، بما في ذلك استغلال احتياطيات النفط والغاز وبناء خطوط الأنابيب تحت الماء، له أهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد الروسي حيث إن التجارة وفي مجال موارد الطاقة، يشكل النفط والغاز ما يقرب من 60 ./. من إجمالي عائدات الصادرات الروسية.
فمع الحصار المفروض على الموانئ الأوكرانية ، أظهر الوجود العسكري الروسي في البحر الأسود التمكن من التأثير بشكل كبير على الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء أوروبا والعالم مما زاد الاهتمام الدولي بالأمن في البحر الأسود.
خلاصة
في تقرير صدر عن الجمعية البرلمانية لحلف الناتو يقول “اللورد مارك لانسستر” بأن البحر الأسود اليوم :”هو اشبه بمياه جد مضطربة أو خط صدع استراتيجي خطير بشكل متزايد بين البلدين” ذلك ان الدور الأمني للحزام الأطلسي سيبدأ بالتلاشي فبالنسبة لروسيا، البحر الأسود هو فنائها الخلفي ومنطقتها العازلة.
وهي لا تحب أن ينضم جيران مثل بلغاريا ورومانيا أو تركيا إلى حلف شمال الأطلسي خصوصا على إثر ضم شبه جزيرة القرم و دونباس في أيدي روسيا، بات هذه الموانئ الأكثر تأثيرا على التجارة الدولية العائمة ورقة رابحة بيد الروس.