تونس—13-2-2024
ألحقت النزاعات خسائر جسيمة على جميع المستويات في الدولة الليبية منذ 2011، وقوضت منطق السلام وزعزعت التماسك الاجتماعي وهجّرت الآلاف كما أضعفت النزاعات قدرة مؤسسات الدولة على فرض القانون وحطمت الدولة وفككتها.
وبات دولة ليبيا في خضم الصراع وسطو المليشيات وكثرة الفصائل غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية مثل الاستقرار والصحة والتعليم والأمن، برغم تحوزها على ثروات مهمة كانت قادرة على جعلها بلد منتج ومصدّر ومستقر اقتصاديا واجتماعيا، لكن الانفلات الأمني منع ذلك الحق الذي ينتظره الشعب الليبي إلى اليوم.
وفرضت هذه العوامل تحديات صعبة على المجتمع الليبي وحالت عائقا دون حلم تحقيق السلام وخاصة التطوّر والعيش الآمن والاستقرار الاجتماعي.
ويعد مشروع الاستقرار والوحدة الوطنية الليبية من أجل الأجيال القادمة من ضمن الأولويات التي يعمل عليها أغلب الفاعلين الليبيين والناشطين السياسيين والمجتمع المدني برغم كل العوائق والإشكاليات.
ونظم المركز الدولي للدراسات لاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس بشراكة مع مؤسسة شمال إفريقيا لرعاية الشباب.ملتقى حول “الإستقرار السياسي في ليبيا رؤية إستشرافية لمستقبل الأجيال القادمة “، على مدار يومين 9 و10 فبراير الجاري بالعاصمة تونس.
وأكد الحاضرون دعمهم للحوار الوطني الليبي، بعيدا عن التدخلات الخارجية.
وحاول الليبيون المجتمعون في الملتقى الدولي حول الاستقرار السياسي في بلادهم والذي انعقد على مدار يومين بالعاصمة تونس، مناقشة طرق الاستقرار على جميع المستويات والخروج بتوصيات تدعو إلى إعادة دولة المؤسسات والأمن الذي يعتبر حتما أوّل طرق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
واستند الملتقى في مناقشاته على أبحاث علمية رصينة وأدلة مستخلصة من المرحلة البحثية الأولية والمعيارية من المشروع في إطار تقديم مخرجات أساسية في مجالات الأمن والاقتصاد والسلم المجتمعي والحوكمة الرشيدة العامة في ليبيا، بعيدا عن الفضفضة التي لا تؤدي إلى نتائج ملموسة.
وأثّث الملتقى شخصيات مهمة من تونس- ليبيا- الجزائر- مصر- النيجر- روسيا- الصين- العراق- أمريكا- أوروبا- بريطانيا- جنوب إفريقيا- إيطاليا.
وقالت بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في تونس ، في افتتاحها للمؤتمر إن الملتقى الدولي من أجل الاستقرار في ليبيا، يعد خطوة حقيقية نحو توحيد الصف الليبي.
واعتبرت أنّ المشاركين في المؤتمر من جميع المدن الليبية والمؤسسات يؤكدون على ضرورة المضي قدما نحو الاستقرار.
ولفتت إلى انّ الشراكة يجب أن تكون على أساس الندية، لا على أساس الوصاية.
وبينت أن الملتقى يسعى من خلال الجلسات البحثية والنقاشية للخروج بتوصيات هامة تتضمن رؤية شاملة حول الاستقرار في ليبيا، ودور المجتمع المدني والمرأة والمؤسسات الليبية، مشيرةً إلى دور تونس الداعم للاستقرار في ليبيا، ومشيدةً بالتسهيلات التي تقدمها تونس لجميع الليبيين على أراضيها.
وتابعت قعلول في كلمتها الافتتاحية: ” هذا الملتقى ليكون حلقة جديدة ضمن سلسلة الحلقات التي عقدها المركز الدولي للدراسات الإستراتجية سابقا منذ 2015 الى اليوم، كما سكون فرصة مميزة لمواصلة الملتقيات الهادفة،للدولة الليبية ولكل المجتمع الدولي ومنبرا أكاديميا وسبيلا لتفعيل مبدأ السيادة الخالصة للشعب الليبي في الداخل والخارج، وفرض منطق القانون والعدل وإعلاء راية السلام وصولا الى بر الأمان بعيدا عن كل وصاية أو تدخل أجنبي يقف عائقا أمام حق الشعوب في تقرير مصيرها”.
وفي مداخلة له قال المختص في الإعلام والفكر السياسي الدكتور منذر جرادات، من الاردن، إنّ مفهوم الاستقرار ليس مجرد تحقيق توازن في السلطات الحاكمة بل هو أيضاً بناء نظم سياسية فعّالة ومستدامة وان للبعد الإعلامي دوراً أساسياً في نقل المعلومات وتشكيل وعي المواطنين ضمن كفل حرية الصحافة والتواصل الإعلامي الحر طبعا ضمن خصوصية المجتمع يسهم في خلق بيئة تسهل التفاهم والحوار بين الحكومات والشعوب وإنّ استقرار البيئة السياسية يُعَدّ ركنا أساسياً للتنمية المستدامة والتفاعل الفعّال بين المواطنين والحكومات حيث يكتسب البعد الإعلامي دوراً حيوياً في تحقيق هذا الهدف الحضاري.
وتابع: “الإعلام، سواء كان تقليدياً أو رقمياً، يعتبر جسراً يسهم في بناء جسور التواصل بين مختلف الفئات في المجتمع وإن الوسائط الاجتماعية ووسائل الإعلام الحديثة توفر منصات للمشاركة المجتمعية والفاعلة وأيضا لاننسى دور الإعلام في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، حيث يعد الإعلام الحر والمستقل شريكاً فعّالاً في النظم السياسية هذا ما يُعزز من تواصل المواطنين مع السلطات ويشجع على المشاركة السياسية”.
وأضاف: “على الرغم من هذه الفوائد، نواجه أيضاً تحديات كبيرة تتعلق بمصداقية المعلومات وانتشار الأخبار الزائفة والشائعات حيث يتطلب تحقيق التوازن بين حقوق حرية الصحافة وضرورة التحكم في نشر المعلومات الكاذبة، وهذا يتطلب جهوداً مستمرة لتعزيز التربية الإعلامية والوعي بين المواطنين ومحاربة الإشاعة التي تعتبر اخطر ما يواجهه النظم في البعد الإعلامي للدولة، وفي سياق مؤتمرنا اليوم، نسعى إلى استكشاف كيف يمكن للإعلام أن يساهم في تحقيق الاستقرار السياسي وأيضا محاربة الشائعة ونستعرض بشكل سريع أسباب الاستقرار السياسي ونأخذ المملكة الأردنية الهاشمية كمثال يحتذى به وكيف تمكن من تجاوز التحديات التي تواجهه”.
من جانبه تطرّق علي الساطوري، المختص في العلوم السياسية بجامعة ليبيا، إلى دور الشباب في حلحلة الأزمة الليبية، مؤكدا أن الشباب المحرك الأساسي لتطور المجتمعات، حيث لا يمكن أن يمضي ركب التنمية دون أن يشارك فيها الشباب.
وأشار إلى أهمية تشريك الشباب في تحقيق الاستقرار في ظلّ الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة في ليبيا سواءً على مستوى تحقيق السلم الأهلي والمصالحة الوطنية الشاملة او على مستوى التحول الديمقراطي و الاسهام في تطور الاقتصاد وتنمية المجتمع وبناء مؤسسات الدولة.
وأفاد الساطوري بأنه من الضروري تكثيف التواصل والحوار المفتوح والصريح بين الشباب والجهات المعنية لاتخاذ القرار، مشيرا إلى أهمية توفير برامج تدريبية لتطوير مهارات الشباب في مجالات القيادة.
وفي مداخلة له، قال أكلي شكا، الخبير الأمني والاستراتيجي، إنّ أغلب نظريات التنمية تشير إلى أهمية التنمية المحلية للمجتمعات معتبرة إياها شرطا أساسيا من شروط استقرار المناطق ومحاربة الظواهر السلبية في المجتمعات وذلك من خلال خلقها بيئة مناسبة للأفراد والتجمعات الإنسانية المختلفة.
كما أشار إلى أن السجلات التاريخية وتجارب الصراعات الدولية تفيد بأن معظم الحروب التي حدثت في الماضي جميعها حافز النفوذ والسيطرة على مصادر الثروات.
كما لفت إلى أنّ أغلب المجتمعات المستقرة اليوم اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا كالاتحاد الأوروبي الذي أنهكته الحروب الدموية والدينية لم تصل إلى المستوى من الاستقرار الا بعد توصل الاوروبيون إلى مرحلة مهمة من مراحل تطور الانسان.
وتعاني ليبيا من انقسام متجدد منذ العام 2011، في ظل مساعي أممية ومحلية من أجل إجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات
المنقسمة بين الشرق والغرب.
يتبع