الخميس. ديسمبر 26th, 2024

فلسطين الدولة التي مازالت تحت الاستعمار الإسرائيلي منذ 75 عاما، تحدت إسرائيل وشريكتها أمريكا، الحليف التاريخي.

 فلسطين حدت ذلك العدو المحتل الذي قد وينتهك يوميا مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية، بل أكثر وأبشع من ذلك فهذا الكيان “الإرهابي” المجرم يسابق الزمن لإبادة الشعب الفلسطيني ويقتيل ويسفك الدماء ويدمير الإنسانية ويغتصب الأرض ليغيير الواقع التاريخي والجغرافي والديمغرافي بكل وقاحة وإجرام لم يعرف مثله العالم، وذلك من أجل إدامة الاحتلال، ورسم كيان الدولة الى ما هو أبعد.

 إذ تريد الصهيونية اقامة مشروعها “الإحتلالي” على كل أرجاء المنطقة العربية فمسروعهم الذي أعلن عنه رئيس حكومتهم “مجرم الحرب” ناتنياهو هو “تهويد” فلسطين والمنطقة من البحر الى النهر بكل بشاعة ووقاحة.

 واهم من يظن أن السلام في الشرق الأوسط يمكن أن يتحقق دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه الوطنية المشروعة وواهم من يظن أنه قادر على بناء سلام مع كيان مغتصب “خبيث” “غدّار” يريد الإستلاء على كامل المنطقة… وما يفتك بالقوة لا يسترجع الاّ بالقوة وهذا هو قانون الطبيعة.

المقاومة الفلسطينية المسلحة وعبر التاريخ كانت هي رمز الكفاح والصمود، تأسست عام 1964 منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة سياسية شبه عسكرية، معترف بها في الأمم المتحدة والجامعة العربية وكممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين.

جاء تأسيسها بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس وهي تضم معظم الفصائل والأحزاب الفلسطينية تحت لوائها كتائب الشهيد عز الدين القسام، سرايا القدس، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب ألو علي مصطفى، كتائب المقاومة الوطنية، كتائب شهداء الأقصى .

المقاومة هي أكبر الفصائل الفلسطينية تمثيلًا في المجلس جذورها إسلامية كما  أنها حركة تحرر وطني ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تحصر نضالها وعملها في قضية فلسطين حيث  تعمل على التصدي للمشروع الصهيوني المدعوم من قبل قوى الاستعمار الحديث، وتحرير الأرض والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وعودة اللاجئين والنازحين، وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الحقيقية، والعمل على خدمة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده بكل الوسائل وفي جميع المجالات، بما يمكنه من الصمود والثبات، وتحمل تبعات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي .

هي رؤية دينية ترى فيها حركة حماس أن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتم إلا بعقيدة الكفاح والجهاد  في سبيل الله، وقد جاء في ميثاق الحركة أنه: “يوم يَغتصب الأعداء بعض أرض المسلمين، فالجهاد فرض عين على كل مسلم وفي مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين لا بد من رفع راية الجهاد، وذلك يتطلب نشر الوعي الإسلامي في أوساط الجماهير محليًا وعربيًا وإسلاميًا، ولا بد من بث روح الجهاد في الأمة ومنازلة الأعداء والالتحاق بصفوف المجاهدين.”

كما جاء على لسان القيادي بالحركة وأحد مؤسسيها محمود الزهّار أن تحرير فلسطين حقيقة قرآنية .

بعد عملية طوفان الاقصى كسبت المقاومة الفلسطينية المسلحة تأييدا جماهيريا دوليا لقد تمكنت من اختراق الأيديولوجيات وتغيير العقلية الفكرية المسلطة على الغرب والتي ترى في المقاومة صورة مستفزة للغرب وفقا لمخطط صهيوني تشويهي اصطنعته إسرائيل.

كيف تمكنت المقاومة من إختراق العقول وفق إيديولوجية جعلت صورة أبطال المقاومة حلما وفخرا لدى كل الشعوب العربية التائقة للحرية وفك غلال الإستعمار من براثن الصهيونية المخربة ؟.

المقاومة الفلسطينية استطاعت ممارسة عملية التأثير النفسي على جيش الاحتلال الإسرائيلي وانتصرت في معركة الوعي، بما امتلكته من أدوات اكتسبتها عبر سنين عدة من الكفاح والنضال من أجل الحصول على الاستقلال.

فكانت الأداة الأولى التي استخدمتها المقاومة لدحض هذه الصورة، من خلال إظهار إخفاق الصورة النمطية التي طالما روّجت لها إسرائيل بأنها تمتلك “الجيش الذي لا يقهر”، وذلك بما أقدمت عليه يوم السابع من أكتوبر الماضي في عملية طوفان الأقصى. الذي ستبقى وصمة فخرا وإعتزاز في تاريخ الأمة العربية وستبقى وصمة عار على جبهة الكيان المحتل الغاصب…

أما الأداة الثانية التي إعتمدتها  المقاومة فتمثلت في إظهار الجانب غير المرئي من القسوة والحقد واتباع أساليب غير شريفة و غير أخلاقية، من القتل والدمار.

 وكل هذا كان يحدث في الماضي دون أن يراه العالم، لكن الآن وسائل الاتصال أصبحت متنوعة وعديدة، والعالم كله يرى ما يحدث في اللحظة نفسها فإسرائيل تجيد دائما لعب دور الضحية منذ إنشائها، واستغلال “الهولوكوست” في تصدير هذه الصورة للعالم، لكن “المقاومة أدارت المعركة بذكاء شديد جدا، وجعلت الصورة الحقيقية لهذا الكيان الصهيوني واضحة أمام العالم كله، بعد ممارسته كل صور الإرهاب على سكان غزة.

هي مرجعية ومبدأ وظّفتها حماس من أجل التأثير نفسيا في كل الضمائر الحيّة والإنسانية خاصة تلك التي تؤمن بحق الشعوب وبالمبادئ الإنسانية. فكانت الصورة عبر “الصورة الأخلاقية الجميلة التي أظهرتها المقاومة في استضافة الأسرى وخروجهم وامتنانهم للمعاملة الحسنة التي وجدوها”، وصاحَب ذلك تركيز إعلامي  مما أثّر في العقل الجمعي للعالم.

فقدرة حماس على تغيير الأفكار، وتغيير الصورة النمطية التي صدّرها الإعلام الإسرائيلي بأن “حماس إرهابية”  لكنها استطاعت الانتصار في معركة الوعي مما جعل العديد من العواصم العالمية تنتفض في مظاهرات من أجل وقف العدوان، وهذا أيضا كان له أثره في متخذي القرارات السياسية الذين وقعوا كثيرا تحت تأثير الدعاية الصهيونية

 الحاضنة الشعبية فلسطينيا، عربيا ودوليا كان مهده كامنا في صمود الشعب الفلسطيني، واتخاذه المقاومة جزءا من القضية.

فعلى مدار الأحداث لم نر أحدا من أهل فلسطين يدين المقاومة، وإنما كان الصبر والتمسك بفكرة المقاومة والتمسك بالأرض والفداء واضحا جدا، وهذا يعطي رؤية بأن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه وثابت على مبادئه فشتان ما بين الذي يرابط في أرضه ويواجه الموت فداءا بحياته وشتان ما بين من يخير الهروب والعصيان بين ذلك وذلك صاحب للأرض ومستعمر محتل .

تدرك المقاومة أهمية الجانب النفسي في إدارة المعارك، إن جميع جيوش العالم لديها وعي شديد بتأثير الجانب النفسي في تشكيل الرؤية والهمم، ولذلك ستجد دائما في كل الجيوش إدارة الشؤون المعنوية، التي يسلك عملها مسارين:

الأول هو العمل والعقيدة الذي يتوجه لأفراد هذا الجيش داخليا، وهذا ما يظهر أثره في المعارك وأثناء العدوان، وهي فكرة الانتماء القوي للأرض عند الفلسطيني والعربي والمسلم، ولذلك تمسّك الناس بأرضهم مع كل الصعوبات التي يجدونها، مع إحياء روح الفداء والتضحية.

 والثاني يعمل على نفسية الطرف المقابل، فعندما تريد أن تهزم جيشا مهما كان قويا فلا بد من أن تحدث تأثيرا في معنويات هذا الجيش، بحيث لا يستطيع مواجهتك، خاصة إذا كان لا يدافع عن قيم أو عن هُوية أو عن أرضه، ومن ثم يتكوّن لديه انهزام داخلي وفي الروح المعنوية؛ فيحدث انهيار في هذا الجيش مهما كانت قوته، ويخفق في تحقيق أهدافه السياسية.

لقد تركت معركة الطوفان رعبا أفقد الإدراك الصهيوني صوابه فدخل حالة من الذعر وفقدان السيطرة وفتح باب الجحيم تاركا العنان لغريزة القتل البشع وعقلية الثأر والانتقام دون تريث وتفكير .

أدت معركة طوفان الأقصى إلى تزايد شعبية حماس في الضفة الغربية وغزة على نحو غير مسبوق حسب استطلاعات الرأي الأجنبية الأخيرة، حيث ينظر الفلسطينيون بإيجابية لما فعلته حماس من تحرير أسرى من سكان الضفة وفعّالية القتال المسلّح في صد العدوان المستمر، وصولاً إلى صمود أهل غزة أمام الإبادة الجماعية التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي واحتضانهم لمقاتلي حماس والتمسك بخيار القتال حتى تحرير كامل الأراضي الفلسطينية.

وتشير الاستطلاعات إلى ان حركة حماس التي أغرقت الجيش الإسرائيلي بحرب استنزاف على أرضها هي في طور تحوّل على الصعيدين العسكري والسياسي، قد تظهر معالمه بعد انتهاء المعركة، ضمن هذا المسار يُظهر استطلاع حديث للرأي العام  نشرته صحيفة responsible statecraftأن الفلسطينيين ينظرون إلى حماس على أنها الجماعة الأكثر شرعية في الضفة الغربية وغزة.

كما أن 90% من الفلسطينيين يدعون إلى استقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتؤكد الصحيفة ان القضاء على حماس بعيد المنال.

 تجنبت أغلب وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية مناقشة جادة  للسياق التي نشأة به حركة المقاومة حماس، و”الأسباب الجذرية” للصراع والآثار طويلة الأجل لقصف إسرائيل العشوائي لغزة، والبُعد الأخلاقي والشرعي للعمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة في غزة، وتضاؤل مكانة ومصداقية الولايات المتحدة بين الجماهير العربية والمسلمة.

ركز ميثاق حماس السياسي برنامجه بشكل أساسي على مقاومة الاحتلال ودولة إسرائيل. لم تتبع حماس أبداً العقيدة التوحيدية السلفية المتطرفة الوهابية، المنبثقة عن المملكة العربية السعودية.

في معظم تاريخها، لم تؤيد حماس أو تمارس الجهاد العالمي ضد أعداء الإسلام المتصورين، على عكس القاعدة وداعش.

كان سياقها العملي دائمًا الساحة الفلسطينية وكان قادتها دائمًا فلسطينيين. قضى العديد منهم سنوات في السجون الإسرائيلية حيث تعلموا اللغة العبرية معظم القادة السياسيين لحماس موجودون حاليًا في المنفى في دول الشرق الأوسط المختلفة  خاصة في قطر التي حافظوا على علاقاتهم الوثيقة بقيادتها.

وتضم حماس أيضا جناحاً سياسياً شارك على مر السنين في المؤسسات الحاكمة في الضفة الغربية وغزة، وجناحاً عسكريا “كتائب القسام” قام ببناء قوة قتالية عملت على تخطيط وتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل.

إن هدف إسرائيل المتمثل في القضاء نهائيا على حماس كحركة هو حلم بعيد المنال وتصفية القادة العسكريين الحاليين لحماس ستجلب كادراً جديداً من القادة إلى القمة. وقد وضعت حماس، مثل منظمات المقاومة الأخرى، خططاً لخلافة قادة الصف الأول بقادة من مستويات الثانية والثالثة والرابعة.

وركزت وكالات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية في الغالب على المستوى الأول مع معرفة ضئيلة بمستويات القيادة التي تقل عن ذلك كما لم يركز صانعو السياسة الإسرائيليون والأمريكيون بعد على تحول بعض القادة العسكريين لحماس من أيديولوجية دينية محلية وقومية تقاوم الاحتلال الإسرائيلي وتدعو إلى دولة فلسطينية إلى أيديولوجية جهادية عالمية.

حماس جمعت بين الإيديولوجية وبراعة الدبلوماسية في خوض حرب دولية ضد الهمجية والإرهاب الصهيوني الأعنف من نوعه على غزة وسط تأييد جماهيري عالمي.

 كما باتت إسرائيل تدرك أن تحطيم هذه الإيديولوجية هي وهم مفصول عن الواقع حتى باتت الصحف العالمية تصف المقاومة بأنها جيش وتصف إسرائيل بأنها رصاصة لدى جندي أعمى .

By Zouhour Mechergui

Journaliste