تونس- المصدر وكالة المغرب العربي للأنباء
(ومع) يتواصل الجدل أوساط الطبقة السياسية بتونس حول عزم السلطات تنقيح وإصلاح مشروع قانون الجمعيات الذي تم طرحه مؤخرا (أكتوبر 2023) أمام البرلمان وإقراره بصيغة جديدة ”تقيد” حركة هذه الجمعيات.
ويتضمن مشروع القانون الجديد، وفق عدة منظمات تونسية وأجنبية، “قيودا” على تشكيل ونشاط وتمويل منظمات المجتمع المدني، و”يهدد” استقلالها من خلال السماح للحكومة ب”التدخل غير المبرر” في عمل هذه الجمعيات .
ويحل هذا القانون، في حال المصادقة عليه، محل المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات، والذي سمح بموجبه بظهور مجتمع مدني متنوع في أعقاب أحداث 2011 .
وتعتبر العديد من المنظمات الحقوقية والمدنية بتونس أن مشروع القانون الجديد يمثل ” انتهاكا للحق في حرية تكوين الجمعيات وهو ما سيعرض الفضاء الجمعوي المدني في تونس للخطر، فضلا عن منحه الحكومة رقابة مفرطة على تشكيل ونشاط المجموعات المستقلة اليوم مما يهدد وجودها”.
وتعليقا على المرسوم الجديد، قال رئيس مرصد الدفاع عن مدنية الدولة، منير الشرفي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن ”هناك حذر شديد حول مشروع هذا القانون، ومخاوف بخصوص الهيمنة المحتملة للسلطات التونسية على الجمعيات المدنية بالبلاد”.
وسجل أن ”بعض فقرات مشروع هذا القانون تتضمن إشارة إلى الهيمنة الحكومية على المجتمع المدني بشكل عام، كما أن العديد من الأمور الواردة فيه تتعارض مع روح الدستور التونسي”.
وشدد على أن الجمعيات ”تكاثرت فعلا بعد ثورة 2011 بتونس، حيث برزت العديد من الجمعيات المشبوهة (تتعلق بشبهات فساد وترتبط بطريقة تمويلها ومصدر أموالها المجهول)، مشيرا الى أن هناك، أيضا، ”شبهات سياسية تحوم حول بعض الجمعيات (التي تعمل تحت غطاء خيري وهي في الأساس تقوم بمباركة الإرهاب أو تساند أنشطة إرهابية)”.
ودعا في هذا الخصوص الى ضرورة مراقبة مثل هذه الجمعيات بصفة جدية حتى يتم تخليص المجتمع منها، لكن في المقابل من ذلك حث السلطات التونسية على أن تكون المراقبة على أساس تعقب الأموال المشبوهة ومراقبة الأموال الأجنبية المشبوهة التي تمول الجمعيات المرتبطة بالإرهاب والتطرف الديني لا الجمعيات التي لها توجه وأنشطة واضحة ”.
ووفق أٍقام رسمية فقد شهد النسيج الجمعوي بتونس منذ 2011 طفرة واضحة في عدد الجمعيات ، إذ تجاوز عام 2023 حوالي 24 ألف جمعية تنشط في قطاعات مختلفة، منها الاجتماعي والسياسي والحقوقي والثقافي والصحي والديني وغيرها. وأغلبها يتم تمويل مواردها من قبل جهات أجنبية.
وتابع الشرفي ”إذا تعللت السلطات التونسية بمراقبة كل الجمعيات والبحث عن مصادر تمويلها والمس منها وفرض الرقابة عليها فهذا الأمر مرفوض تماما، إذ هناك جمعيات تقوم بدور ريادي ومهم جدا في المجتمع التونسي على غرار الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان ولفائدة مدنية الدولة وإعانة التلاميذ”.
واستطرد ” لا يجب أن يساهم مشروع القانون الجديد في المساس بالديمقراطية والحقوق الدستورية، واستقلالية المجتمع المدني، فعندما تقوم الحكومة والسلطة التنفيذية بوضع يدها على الجمعيات فهذا الأمر يعتبر أمرا خطيرا جدا “، وإذا تم ذلك، يقول، “سننتقل إلى مرحلة أخرى تروم وضع اليد على السلك القضائي وعلى السلطة التشريعية فضلا عن الأحزاب وساعتها لن تكون هناك دولة مؤسسات “.
وحث المشرعين التونسيين “على الامتناع عن المصادقة على مثل هذا القانون الذي يحتوي على قيود شديدة، ويمس من الحريات”، وبالتالي، دعا إلى “معارضته بشكل قانوني وسلمي”.
بدورها، دعت رئيسة المركز الاستراتيجي للدراسات الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول، في تصريح مماثل، السلطات التونسية إلى ” مراقبة الجمعيات التي تنشط فقط تحت غطاء سياسي وهي تعمل بالأساس وفق أهداف مشبوهة خدمة لأجندات خارجية”.
وترى أنه ” ليس من الضروري إلغاء وجود كل الجمعيات المدنية ومراقبة الإعانات التي تتلقاها البعض منها والتي تخدم أهداف واضحة ومدروسة، بل وجب على الدولة أن تقوم بدراسات وبحوث وأعمال لتراقب فقط مصادر التمويل الخارجية المشبوهة المتأتية إلى بعض الجمعيات “.
وأشارت في هذا الإطار إلى أنه و “بعد ثورة2011، فان أكثر من تورط في استغلال التمويلات المتأتية من الخارج والتي تذهب في الظاهر إلى الجمعيات والمنظمات هي حركة (النهضة) ذات التوجه الإسلامي والتي كانت تستغل الجمعيات التي تنضوي تحت لوائها تحت غطاء العمل الجمعوي وذلك لإخفاء الشبهات والجرائم المتعددة في مجال غسيل الأموال وتسفير الشباب الى بؤر التوتر أو ارتكاب أعمال إرهابية”.
ومن شأن هذا المشروع، وفق المتحدثة، أن “يمنح السلطات صلاحيات واسعة وسلطة تقديرية للتدخل في طريقة تأسيس منظمات المجتمع المدني، ووظائفها، وأعمالها، وتمويلها، وقدرتها على التحدث علنا عن عملها والتعبير عن آرائها”.
وفي المقابل من ذلك اتهم الرئيس التونسي، قيس سعيد، منظمات المجتمع المدني “بخدمة مصالح أجنبية ومحاولة التدخل في السياسة التونسية”، مؤكدا أنه “ينوي حظر جميع أشكال التمويل الخارجي عليها”.
تجدر الإشارة أن أكثر من 13 منظمة غير حكومية تونسية ودولية كانت قد أدانت مشروع قانون الجمعيات معتبره أنه يمثل “تهديدا وتقييدا” للمجتمع المدني.