إعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية
تونس 11-12-2023
كل الأمة العربية تنظر الى الإعلام العربي وتنتظر منه تغطية موضوعية مع قضية الأمة العربية ومع قضية إنسانية بكل المقاييس.
ولكن وللأسف يطرح الإعلام العربي ضمن تغطيته الإعلامية لعملية طوفان الأقصى العديد من علامات الاستفهام والتعجّب مع القضيّة الأولى وقضية الأمّة، ومن المفترض أن يكون هذا الإعلام موحداً، يُبعد انحيازاته وأجنداته خاصة السياسية جانبًا، ليقوم بدوره في تغطية المستجدات الميدانية والسياسية، ويكون رائداً في معركة الخطابات والسرديات، لكن الواقع يخبرنا بمشهد مختلف، ذلك أنّ الشاشات وإن بدت للوهلة الأولى متقاربة في تغطيتها لمستجدات الصراع الإسرائيلي العربي، فإنّ نظرة فاحصة تكشف أمامنا أبعادًا متضمنة في ثنايا المصطلحات المستخدمة في محاولة تساوي بين الإحتلال والمقاومة.
في المقابل تصدّى الإعلام المقاوم بتشكيله الوعي العربي الإسلامي والإنساني، في الفضاء الإعلامي العربي، وشارك في صناعة إيجابيات الفعل المقاوم، مع تجاوز الوقوع في سلبية الضحية.
الاعلام العربي المطبع: اتجاهات متناقضة مضطربة بعيدة عن التحولات والواقع
جاء طوفان الأقصى في الوقت الذي وصل فيه مسار التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني إلى مراحل متقدمة، حيث ناقشت العديد من التحليلات تداعيات الأحداث الجارية.
تناول الإعلام الخليجي القضية الفلسطينية من خلال: المساواة بين المقاومة والإحتلال، فتجنى على المقاومة وغختصرها في “حماس الإخوانية” التي إعتدت على “الشعب الاحتلال المسالم” ونشي بل وتناسى جرائم الاحتلال منذ 75 سنة من التهجير والتنكيل، بل أكثر من ذلك فقد احتقر الكفاح الفلسطيني وكان يرى أن هذه المقاومة ستنتهي أمام “عظمة الكيان الصهيوني” وهذا طبعا بحسب أجندته وحتى بحسب قانعته وفي “مخيخه” الصغير الذي يرى نفسه صغير أمام بطش الكبار وتربى على الخضوع والخنوع والذل.
وفي قنوات عربية وخليجية بالتحديد فقد ركزت منذ عملية طوفان الأقصى على الجانب الصهيوني ومنها تستعمل مصطلحات تقلل من شأن المقاومة وإنتصاراتها فخطهاالتحريري أصبح مكشوفا ومفضوحا بالرغم من أنها كانت تريد أن توهم للعالم العربي وللمطبيعين أمثالها أنها تستعمل مبدأ “الحياد” الذي نعتبره في هذا التوقيت بالذات هو خيانة موصوفة وكاملة الأركان شكلا ومضمونا.
كما أنه هناك قناة مفضوحة تماما وكأنها قناة صهيونية وناطقة بإسم كيان الإحتلال فما تقدمه هذه القناة من سردية يتماهى مع الدعاية الإسرائيلية والأمريكية، بل أنه جزء منها، بعيد عن الحيادية التي تدعيها في خطّها التحريري.
كذلك هناك قنوات بدت منذ البداية غير مؤيدة بوضوح للمقاومة الفلسطينية في غزة، حيث تعهدت منذ بداية عملية طوفان الأقصى على تبني الروايتين الإسرائيلية والغربية لتطور الأحداث في عملية تضليلية مفضوحة ومفخخة.
كذلك هناك قناة خليجية أخرى تكيل بمكيالين وتعتمد مبدأ النفاق الواضح فتراها تلعب على الحبلين بين التعاطف مع المقاومة وبين إستظافة رموز الإرهاب الصهيوني وهذه القناة معلومة لدى الجميع فقد لعبت دورا “حقيرا” في غزو العراق وفي المحطات النضالية للمقاومة الفلسطينية وكذلك ساهمت بشكل كبير في دمار الدول العربية من خلال دعمها لثورات الدمار العربي” فهي نعتبرها من أخطر القنوات التي تساهم شكلا ومضمونا في الخيانة.
إعلام المقاومة: تفوق ومهنية كبيرة جدا
حربا ضروسا تقودها وسائل الإعلام المقاومة والمناصرة للقضية الفلسطينية واليوم أصبحت تحضى بمصداقية كبرى، بل تعتبر وسائل الإعلام التي تغطي عملية طوفان الأقصى بمهنية وحرفية كبرى هي الذراع الإعلامي للمقاومة الإنسانية وبمثابة ذراعا لها، تقابله وسائل إعلام صهيونية، وبين هذَين المعسكرين حرب ضروس لا تقلّ ضراوة عن تلك الجارية في الميدان… والدليل على نجاح إعلام المقاومة والإعلام الذي ينقل الحقيقة ويعري الكيان الصهيوني هو إستهداف كيان الإحتلال للصحافيين وإستشهاد عددا كبيرا منه بلغ أكثر من مائة صحافي منذ بداية عملية طوفان الأقصى منذ 07 أكتوبر 2023.
وعند كليهما تجد ما يترجم التزام صارم بنُصرة أحد فريقَي الصراع والتمكين لروايته، بل وشنّ حرب نفسية على الطرف المقابل، تتضمن تبرير الأعمال العسكرية ضدّه والتشنيع عليه، وتأليب الرأي العام ضده بكل الوجوه الممكنة وقد نجح بشكل كبير وفي عملية غير مسبوقة.
لعبت قنوات، مثل الأقصى، والمنار، والقدس اليوم، وفلسطين اليوم، والميادين وغيرها، دورًا مشهودًا في معاضدة الجهد العسكري، وتحشيد الدعم الجماهيري لنصرته.
وواجهت تلك القنوات محاولات لإسكاتها على اعتبار أنها صوت لما يعتبره الكيان الصهيوني وكل الدول المتحالفة معه “تنظيمات إرهابية” لا حقّ لها في الوجود أصلاً. حيث تم حظر شبكة القدس وقناة القسام، وأقدمت شركة ميتا، الشركة الأم لمنصّة فيسبوك على حظرِهما، ما دفعَ الجناح العسكري لحركة المقاومة حماس لتنشيطِ القناة الرسميّة الخاصة بها على منصّة تيليغرام التي تتمتعُ بهامش حريّة أكبر من باقي الوسائل والمنصات.
في الوقت الذي تجاهلت فيه وسائل الإعلام الغربية، معايير المهنية والحياد في تعاطيها الاعلامي مع الحرب على غزة- وهي التي طالما تغنّت بالاستقلالية والموضوعية والحياد-، سخّرت بعض وسائل الإعلام العربية نفسها لخدمة الرواية والسردية الإسرائيلية، حتى بدت وكأنّها إعلام حربي في درجة من التماهي مع الرواية الإسرائيلية، بل إنها يوميا وبكل وقاحة تفرض على المتلقي مشاهدة الناطق الرسمي بإسم جيش الإحتلال.
الخلاصة
ولا تزال الحرب ممتدة في الزمان وستمتد في المكان لتشمل كامل باقي المنطقة والأرجح ستتحول الى حرب مياه ومضايق وتجارة عالمية وهنا سنشاهد ماذا سيفعل إعلام الأجندات وإعلام لمن يدفع أكثر….
ويبقى على الإعلام المقاوم مسؤولية كبيرة في استمرارية التصدي للرواية والدعاية الصهيونية ولسردية الغرب التي تركز دائماً على “مظلومية اليهود” و”حقهم في الدفاع عن النفس”، واختزالها لحق تقرير المصير في الشعب اليهودي، في مقابل إقصاءها للحق الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وأرضه ووجوده.