الجمعة. ديسمبر 27th, 2024

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمعلقة نسرين مالك، قالت فيه إن الحرب في غزة كانت درسا مكثفا في النفاق الغربي ولن ينسى.

وأضافت أن صور الرهائن والسجناء الذين عادوا واتّحدوا مع عائلاتهم، حافلة بأمل لا يمكن استيعابه، رغم محاولات السلطات الإسرائيلية قمع “أي تعبير عن الفرح” بين الفلسطينيين بعودة أسراهم.

فحقيقة الإفراج عنهم وحقيقة سلامة بعض المحتجزين الإسرائيليين هي وعد صغير. و”حتى لو تم تحقيق الحلم البعيد بوقف دائم لإطلاق النار، فما حدث خلال الـ52 يوما من الصعب نسيانه”.

وتقول الكاتبة إنها شاهدت مقطع فيديو قصيرا على منصات التواصل الاجتماعي ولم تستطع نسيانه. ويظهر رجل يحمل كيسين من البلاستيك وضع فيهما أشلاء طفل من المفترض أنه ابنه. وهناك نظرة ألم على وجه الرجل، فيما تجنب الذين حوله النظر إليه عندما اكتشفوا ما يحمل بيديه. ولا تكاد هذه التفاصيل تغيب عن تفكير الكاتبة، حيث تلمع فجأة بدون استدعاء.

وتضيف: “أعرف أن آخرين تطاردهم صور أخرى عن الطبيبة التي عثرت على جثة زوجها وهي تعالج ضحايا إحدى الغارات الإسرائيلية، وأب يداعب ويهز طفلته المعفّرة بالغبار لآخر مرة بعد استشهادها.”

وتعلق أنها رأت في المسار اليومي ومن خلال ما تتلقاه من منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، أناسا قالوا إنهم يشعرون بوصولهم إلى حافة الجنون، وأن هناك أشياء لن ينسوها، وأن تفاعلهم اليومي مع أطفالهم بات مشوبا بنوع من الشعور بالذنب.

وتقول: “هذا الشعور ليس مجرد حزن، ولكن الحيرة من استمراره لمدة طويلة، ولكنهم لن يتوقفوا عن المشاهدة. فالتوقف عن المشاهدة هو اعتراف بالعجز، وأنك قبلت بحقيقة أنك لا تستطيع عمل شيء، وستسلم أخيرا لأعداء العدالة”.

وتذكر الكاتبة أن الحقيقة التي من الصعب القبول بها، هي أنه لا يوجد شيء يمكن عمله، يمكنك مثلا الكتابة لنائب منطقتك أو المشاركة في المظاهرات، لكن القتل مستمر.

ورغم ذلك، يقدم الساسة في الولايات المتحدة وبريطانيا رواية بيضاء صارخة عن النزاع، والتي يبدو أنها تحذف الحقيقة الواضحة وعدد الضحايا. ويلجأون للغة سوريالية تدعو لاستخدام “كل الحذر الممكن”، لحماية حياة المدنيين.

وفي اليوم الذي سبق الهدنة، وصلت حصيلة الضحايا الفلسطينيين أكثر من 14532 شخصا. ومن هنا يأتي شعور بأنك فقدت عقلك، وهي حقيقة تشعر فيها الكاتبة ولأول مرة بأن القوى الغربية غير قادرة على التظاهر أنها قادرة على الالتزام بنوع من بعض قواعد النظام الدولي.

 وتضيف: “بدا أنها تقول إن هناك استثناءات وهذا هو الوضع، ولا يمكن تفسيرها.. نعم، بعيدة عن التفسير. وسيتواصل الوضع حتى يتوقف عند نقطة وهو ما تفضله السلطات الإسرائيلية على ما يبدو”.

وجزء من العجز عن تقديم رواية مقنعة عن سبب سقوط ضحايا أبرياء كثر، هو سبب تصاعد الأحداث بشكل سريع. ولم يكن هناك وقت للتحضير لوتيرة الأحداث على غزة، وتجهيز مبرر، والأمل أن الزمن وقصر الانتباه سيغطي عليها عندما تتوقف. لكن غزة ظلت وبشكل استثنائي وغير تقليدي نزاعا مكثفا.

وكما قالت “نيويورك تايمز”: “يقول الخبراء إن وتيرة القتل أثناء الحملة الإسرائيلية لا سوابق لها في هذا القرن”.

وعلّق خبير عسكري أن الحملة العسكرية لا تشبه أي شيء شاهده في مسيرته العسكرية. فالمنطقة ذات كثافة سكانية عالية وتم تبرير قتل الضحايا الكثر على أنه دليل لإضعاف قدرات حماس العسكرية.

وتتابع: “كانت الأسابيع الأخيرة، بمثابة درس في الطبيعة الوهمية للقانون الدولي. وعلى خلاف العراق، فلم يحتج الأمر لسنوات كي تتراكم الجثث كدليل يثبت أن المغامرة لم تؤد إلى توفير الأمن لأي أحد، وأنها بدون رحمة وقامت على تضليل، وبالتالي تآكل الثقة بالقيادة السياسية، فما كان يحدث في غزة هو في الوقت الحقيقي وعلى الهواء مباشرة”.

فالقصف لم يكن يرحم، وأدى لمحو عائلات بأكملها. وهجر الآلاف حيث جروا معهم أطفالهم إلى خيام مؤقتة، وهو منظر مروع آخر. وكانت هناك قوة أخلاقية للأطفال، فلم يصل عدد الضحايا منهم حوالي 6000 طفل وطفلة، بل تهجيرهم ويتمهم وحرمانهم من الطعام والشراب في غزة المحاصرة التي وصفتها اليونيسيف “أخطر مكان على وجه البسيطة لكي تكون طفلا“.

وتقول إنه “يمكن للبشر تعلم الكثير مما لا معنى له، إلا أن هناك حدا لما يمكن قوله للناس وبمعقولية إنه غير ممكن. وتم تحقيق نوع من الإجماع في السياسة، وتم تأمينه من خلال الموافقة الشعبية بأن هناك أمورا هي ببساطة فوق فهم المواطن العادي وحتى خارج سيطرة الحكومة. وأنها لم تكن قادرة على إقناع “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” بأمر واضح تماما، وأن أحداث 7 أكتوبر لا يمكن محوها بمزيد من الرعب”.

وكان الدرس قاسيا وقصيرا: “حقوق الإنسان ليست عالمية، ويطبق القانون الدولي بطريقة عشوائية”.

وتقول الكاتبة: “لا أعرف أين ستقود الكشوف عندما تصل، ولكن كل ما أعرفه وبنوع من اليقين، أن الناس شاهدوا الكثير لكي يبقى معهم لوقت طويل. وجلبت الهدنة الهشة نوعا من الشعاع الرقيق وظلاما انطلق نحو العالم، ولم يظهر شكله بعد، ولكنه سيتشكل حتما”.

By Zouhour Mechergui

Journaliste