الجمعة. ديسمبر 27th, 2024

إعداد: فاتن جباري قسم العلاقات الدولية و الشؤون الاستراتيجية

مراجعة وإشراف الدكتورة بدرة قعلول

مشروع بن غريون، أنه المخطط السري الأخطر الذي باتت تنفضح أساليبه المقنعة تحت مفعول الحرب…

مخطط بأشراف أمريكي بديل عن  مشروع  الحزام والطريق، في التجارة الدولية كمشروع أميركي واعد في الشرق الأوسط لمواجهة مشروع طريق الحرير الصيني، فهو يربط الهند وأوروبا من خلال خطوط السكك الحديد والنقل البحري عبر الشرق الأوسط.

مشروع أين الممرات البحرية العائمة فوق ثروات النفط وأبار البترول والممتدة من فلسطين، إيلات ومنها الى الدجلة والفرات ثم مصر والسودان عبر الخليج العربي وإفريقيا صوب الهند، ثم  أسيا وأوروبا …

طريق “الحزام والطريق” هو “طريق الحرير” الذي يوفر شراكات ومبادرات مع أكثر من 160 دولة تجمعها أحلام وآمال مشتركة بالنمو والرفاهية للشعوب التي كانت مستضعفة جدا رغم ما تمتلكه من ثروات.

 وبحسب تقرير البنك الدولي فإن الصين تساهم بـ 35.2 بالمئة من النمو الاقتصادي العالمي في حين تساهم الولايات المتحدة ب 17.9 بالمئة من النمو العالمي، وتليها الهند بالمرتبة الثالثة بحوالي 8.6 بالمئة.

ورغم كل هذه النجاحات إلا أن الأحلام الصينية لا تقف عند حد، وتتكامل مع آمال كبيرة تحملها الشعوب الإفريقية الباحثة عن السلام والإزدهار بعد تاريخ طويل من حقب الاستعمار الغربي والهيمنة وسرقة الثروات .

لقد كان لأمريكا وحليفتها اسرائيل رأي آخر يكتنزه الحقد والغموض،  فأمريكا التي لوثت العالم بفكرها الاستعماري المهيمن لن تقبل أبدا بأن تكون هناك فرصة للازدهار دول العالم النامي خصوصا وان الأيديولوجية الصينية قائمة على أساس وأن الثراء حق للجميع، فبدأ هذا المخطط الغربي يسري شيئا فشيئا من خلال مشروع “بن غريون” الذي كان أول منظر لمشروع قناة بن غريون  وهو “الممر الهندي الأوروبي” كما هو الحال قائما اليوم وهنا يتحول الصراع القطبي في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في البحر الأحمر الذي شكل القاطرة الرئيسية لهذا الممر العالمي المتحكم في أبرز مسارات التجارة الدولية من الجزيرة العربية نحو أسيا وأفريقيا.

ومن هنا بدأنا نفهم “الهوس الأمريكي–الإسرائيلي” في عسكرة كل منطقة البحر الأحمر بما تمتد عليه القواعد والبارجات والأساطيل الحربية الأمريكية المتمركز في العراق والبحرين وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات والاردن ودول أخرى…كما عززت إسرائيل من منظومتها الأمنية المخابراتية كتلك المتمركزة في أثيوبيا  وهنا تتحفَّز الدول الفاعلة للعمل والإستيلاء على مواقع القوة ومصادرها، سواء كانت إقليمية أو دولية.

إن ما نطمح الى فهمه في هذه الورقة البحثية هو السر الكامن بهذا المخطط الدولي لمشروع “قناة بن قريون”:

 ماهي تداعياته على المنطقة الإقليمية ككل؟

 وأي تهديدات لممرات أمن الملاحة البحرية؟

 وكيف تتصارع الأقطاب الدولية هناك سرا وعلانية؟

 وأي دور اإيراني روسي صيني في مواجهة المخطط الصهيوني الأمريكي؟

وكيف كشفت حرب طوفان الأقصى وعملية تدمير غزة؟

أن الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية تصب حقيقة في صالح إحياء هذا الحلم العابر للبحر “مشروع قناة بن قريون “.

  1. مشروع  قناة بن غوريون: الحلم إسرائيلي الممتد من الفرات الى النيل

دافيد بن غريون هو الأب المؤسس  لكيان الإحتلال وأول رئيس وزراء له، تقول الكتابات أنه منذ العام  1950 بدأ “بن غريون” بالترويج  لفكرة شيطانية  مستلهما اياها من خلفية صهيونية محرفة، إذ تقول أن  النبي موسى أمر شعبه بالإستيلاء على البحرين  بجملة توراتية تقول “وليكن ملكك من البحر الأحمر حتى بحر فلسطين”…

لقد سعى المشروع الصهيوني الى دمج حقيقة الإستيطان اليهودي على هذين البحرين في العصر الحديث،  أي البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر بناء على مغالطات دينية محرفة أصلا وتفصيلا، إلا وأنها من منظور صهيوني إسرائيلي تشكل لحظة تاريخية ولها أهميتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، على أمن الممرات الصهيونية العالمية التي تريد أن تحتكر كل البحر الممتد من إفريقيا الى آسيا .

البحر الأحمر، جسر مائي يزخر بالثروات الطبيعية والبترولية أين  يوجد  النفط والغاز والجغرافيا وأهمية البحر الأحمر في منظومة الأمن الإسرائيلية، تكمن في أن واحدة من الخطوات الأولى التي إتخذتها دولة الاحتلال بعد الإعلان عن قيامها عام 1948 كانت إحتلال قرية “أم الرشراش” الأردنية عام 1949، وأنشأت على أنقاضها ميناء إيلات المجاور  لميناء العقبة  الأردني.

كما أن الحرب الأولى التي خاضتها بعد حرب إحتلالها  لفلسطين  كانت الحرب على مصر عام 1956 والتي إنتهت بإتفاق على ضمان حرية الملاحة لها في مضايق تيران على مدخل خليج العقبة.

مخطط إتفاقيات التطبيع الاقتصادي،  ذلك أن النظرة الإستراتيجية الإسرائيلية للبحر الأحمر تنطلق من كونه يضعها على خريطة الحدود مع كل من  مصر والأردن والعربية السعودية ويمتد من أثيوبيا حتى المغرب العربي، بما يضمن لها شريان تجارتها وحركة سفنها مع شرق آسيا ودول أفريقيا التي عززت من علاقاتها معها في العقدين الأخيرين بشكل كبير وعلني.

وما اتفاقيات التطبيع في الخليج العربي سوى محاولة تمدد لحدود إسرائيل بقصد السيطرة للوصول إلى بوابات الطرق البحرية على البحر الأبيض المتوسط.

لكن كلمة السر الإسرائيلية في البحر الأحمر كانت واضحة في السنوات الأخيرة عبر الوجود المباشر في جنوبه بالقرب من مضيق  باب المندب، تماما كما توجد إسرائيل في شماله أنه مشروع “قناة بن غوريون” أو القناة الإسرائيلية هو مشروع مقترح لقناة مائية في كيان الإحتلال الإسرائيلي يهدف إلى الربط بين  خليج العقبة والبحر الابيض المتوسط…

تُقدم القناة على أنها منافس لقناة السويس المصرية، وقد بلغت إيرادات قناة السويس 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2022/2023. كما يُتوقع أن يبلغ طول قناة بن غوريون إن أُنشئت 292.9 كم (182 ميل) أي أنها أطول بقرابة الثلث من السويس البالغة  193.3 كم. تُقدر تكلفة إنشاء القناة الإسرائيلية من 15 إلى 55 مليار دولار أمريكي.

ثانيا – التمثيل الجغرافي لمشروع “قناة بن غريون” : الخريطة والمخطط

الأهمية الاستراتيجية البحرية لـ”إسرائيل” تنبع من كون 90% من التجارة الإسرائيلية مع العالم تجري عبر البحر، وأن 80% من المياه المستخدمة في البيوت والمصانع تأتي من مشاريع تحلية مياهه، بالإضافة إلى أنّ البحر المتوسط تحوّل إلى مصدرٍ لإنتاج الغاز لها.

لذلك، تعمل “إسرائيل” على شقّ “قناة بن غوريون” الواصلة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر.

والهدف الأول لهذه القناة هو السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً.

 أمّا الهدف الثاني فهو خنق قناة السويس المصرية، التي تُساهم الآن فيما يزيد على 8 مليارات دولار من الدخل لمصر.

الهدف الثالث هو أن تصبح هذه القناة، بالإضافة إلى الموانئ الإسرائيلية، حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، ولاسيما بعد أن وقّع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.

وهذا يعني أن الرياض ستسيطر منفردة على مضيق تيران، الذي يتحكّم في الملاحة البحرية في خليج العقبة. وهذا الأمر، بطبيعة الحال، جائزة استراتيجية لـ”إسرائيل”.

وهناك تقارير عبرية أوضح من خلالها  مهندسون “إسرائيليون” أنه بإنشاء قناة تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط تصبح منافسة لقناة السويس، حيث إن المسافة بين إيلات والبحر المتوسط ليست بعيدة، وتشبه تماماً المسافة التي أخذتها قناة السويس لوصل البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط كما ستقوم “إسرائيل” إذا شقت القناة من إيلات على البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، بخفض المسافة التي تجتازها السفن في قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط.

تنوي “إسرائيل” إقامة مدن صغيرة وفنادق ومطاعم ونوادي سهر ليلية على القناة التي ستشقُّها، وستسمِّيها قناة “بن غوريون” وقد اعترضت مصر بشدة على هذا الأمر، مهددة بقطع العلاقة مع “إسرائيل”، فلم تكترث “إسرائيل”، معتبرة أن العلاقات الدبلوماسية مع مصر شبه مقطوعة. كذلك لم تكترث “إسرائيل” للتهديد العسكري.

وستكون القناة بعمق 50 متراً وعرض لا يقل عن 200م لكل قناة أي زيادة عن قناة السويس 10 أمتار بالعمق، وستستطيع سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار، وهي أكبر قياس السفن في العالم من العبور في القناة التي ستبنيها “إسرائيل”.

أما مدّة البناء فستكون 5 سنوات وسيعمل في المشروع 300 ألف مستخدم من مهندسين وفنيين في جميع المجالات، يأتون من كوريا ومن دول آسيوية، ومن دول عربية مثل مصر والأردن للعمل في هذه القناة، ليبقى منهم عدد يتجاوز الـ 30 الف لتشغيل القناة وستكلف القناة “إسرائيل” حوالي 16 ملياراً قابل للزيادة حسب ظروف المشروع، وتعتقد “إسرائيل” أن مدخولها سيكون 6 مليارات في السنة وما فوق. هذا إضافة إلى أن “إسرائيل” سيصبح لها أكبر شريان يجمع البحر المتوسط مع البحر الأحمر.

وستقوم “إسرائيل” بإقامة مدن على طول القناة تشبه المدن القديمة والبيوت القديمة على مسافة ضخمة حول القناة وهي من ضمن بنود صفقة القرن، لأن إيلات باتجاه المتوسط هي شبه صحراء.

وإذا نفذت “إسرائيل” هذا المشروع سينخفض مدخول مصر من 10 مليارات إلى 4 مليارات دولار، حيث ستنال “إسرائيل” 6 مليارات وأكثر، وبالتالي، قررت “إسرائيل” التخلي عن مصر حتى لو ألغت مصر كامب ديفيد  لأن “إسرائيل” واثقة أنه إذا قررت مصر إلغاء كامب ديفيد فلن تستطيع استعادة سيناء لأن القوة العسكرية “الإسرائيلية” قادرة على ضرب الجيش المصري في حال تجاوزه قناة السويس.

كما تسعى “إسرائيل” إلى إقناع الأردن بجرِّ مياه من هذه القناة إلى البحر الميت الذي تتناقص مياهه سنويّاً، فإذا وافق الأردن فإن أنابيب ضخمة ستصبُّ من قناة “بن غوريون” إلى البحر الميت، مقابل أن تقدم للأردن تسهيلات لإقامة فنادق ومنتجعات أردنية على البحر الميت وتشترك الأردن في سياحة “إسرائيلية”– أردنية مشتركة في منطقة البحر الميت، وتساعد الأردن في إرسال سياح إلى منطقة بترا؛ لأن الاقتصاد الأردني المصاب بتناقص سلبي، وهو بأمس الحاجة إلى دعم مالي.

أما على صعيد أمن القناة، فستضع “إسرائيل” أجهزة تجسس في عمق القناة، وستضع في قلب القناة أجهزة مراقبة، كذلك ستقيم أكبر حاجز يكشف الأسلحة ويصوِّر بطريقة الأشعة الليزر كل سفينة تقطع القناة ذهاباً أو إياباً وستتفق “إسرائيل” مع 3 مصارف أمريكية لإقراضها الـ 16 مليار بفائدة 1 في المئة على أن تردَّها على مدى 30 سنة.

وهكذا تكون “إسرائيل” قد بنت القناة من قروض أمريكية بفائدة بسيطة، بينما هي تستفيد بقيمة 6 مليارات وأكثر في السنة.

ثالثا – المذكرة السرية الأمريكية لمشروع “بن غريون”هكذا ستبنيه إسرائيل

في مذكرة أميركية سرية تعود إلى عام 1963، حيث تم رفع السرية عنها عام 1996 كشفت وأن المشروع يمتد من خليج العقبة إلى البحر الأبيض المتوسط، لتوفر بديلاً عن قناة السويس. وهنا تنكشف حقيقة أخرى،إذ  تدرس المذكرة إمكانية استخدام التفجيرات النووية لشق القناة بطول 160 ميلاً  أو 260 كيلومتراً  أي أنها أطول من قناة السويس بنحو 70 كيلومتراً.

تقول الوثيقة إن التفجيرات النووية تحل مشكلة التكلفة المرتبطة للحفر في التضاريس المتنوعة، ما بين أرض منخفضة وصحراء وجبال وتظهر خريطة القناة في تلك الوثيقة السرية أنها لا تمر في قطاع غزة، بل تمتد من إيلات على خليج العقبة إلى أسدود على البحر المتوسط، على بعد كيلومترات قليلة إلى شمال قطاع غزة، الذي كان في ذلك الحين تحت سيطرة الجيش المصري، قبل نكسة 1967.

كانت إسرائيل في تلك الفترة تطرح مشاريع عديدة لتحويل صحراء النقب إلى جسر تجاري بري يربط البحرين الأحمر والمتوسط، لإيصال أوروبا بآسيا بعيداً عن قناة السويس، ومن تلك المشاريع خط أنابيب النفط بين إيلات وعسقلان، والذي كان يحمل النفط الإيراني في عهد الشاه إلى أوروبا.

في السبعينات سلّمت إسرائيل لصعوبة الفكرة وعدم جدواها، وغاب الحديث عنها تماماً بعد اتفاق كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل عام 1978.

 لقد مرت 6 عقود قبل أن تظهر الفكرة مجدداً عام 2015 في مقال بالصحيفة الإسرائيلية “Jerusalem Post” قدر المقال تكلفة حفر القناة بنحو 55 مليار دولار، وزعم أن عوائدها تكفي لاستردادها خلال عشر سنوات فقط.

واقترح ألا يكون المشروع تحدياً لمصر بل بالتعاون معها، بل إنه اقترح منح القاهرة مقعداً في مجلس إدارة القناة المقترحة، لضمان تكاملها مع قناة السويس، وتوزيع الحركة التجارية العالمية بين القناتين.

تتسترمصر بشكل نهائي عن حيثيات هذا المشروع الذي أضحى مجزءا او مشتركا بين مصر و”إسرائيل” خصوصا مع إمكانية تورط مصر، متى تكون قد قدمت تنازلات في بنود واتفاقيات التطبيع مع الطرف الصهيوني .

رابعا – غزة في عمق مخطط قناة بن قريون  “هي الطريق الأقرب مسافة

مع إندلاع الحرب في غزة ظهرت عشرات المقالات عن “قناة بن غوريون” في مواقع معادية “لإسرائيل”، أحد المواقع ذهب إلى الحديث عن ربط الخطة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء بوجود مشروع لإنشاء ميناء “بن غوريون” في غزة، وهنا نفهم بصورة واضحة تعمد الإدارة العسكرية الصهيونية سياسة الإخلاء الكاملة لقطاع غزة والتهجير القصري للسكان وعمليات التدمير الكامل وإستعمال القنابل الأسفنجية  في حفر الأرض.

وبالتالي ستكون غزة هي الخط المختصر الذي طرحته إسرائيل بشكل صريح كخط مختصر لمخططها الذي يمثل البديل عن  مشروع  “طريق الحزام والطريق”  في التجارة الدولية، بحيث تصل البضائع إلى ميناء إيلات وتنتقل براً إلى ميناء أسدود،  ومنها نحو الدول الافريقية ومنها الى القارة الاوروبية ونحو الهند أو العكس .

أمر وحيد لا يختلف عليه الباحثون، وهو أن إسرائيل ستسعى بكل قوة للاستفادة من موقعها الجغرافي وعدم ترك الساحة للمعسكر الشرقي بقيادة الصين والحليف الروسي من جهة وهنا يأتي الحظور الأمريكي الأعقد والأخطر…

ثم قناة السويس من جهة أخرى،إذا لم تسفر إتفاقيات التطبيع عن أي توصل لحل مشترك مع الحانب المصري الذي لا يبعد عنها سوى كيلومترات قليلة .

في إحدى التقارير التي عثرت عليها فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة حماس خلال عملية اختراق القاعدة الاستخباراتية الإسرائيلية “أوريم 8200 نشرت اثرها ايران معلومات حساسة بخصوص  كيفية حفر القناة حيث يقترح أن تمتد القناة من الجنوب إلى الشمال ابتداءً من خليج العقبة مرورُا بالمدينة الحدودية إيلات ثم الى وادي عربة، بمسافة تبلغ 100 كم بين جبال النقب والمرتفعات، ثم تنحرف غربًا قبل بلوغ البحر الميت وحوضه، والذي  ينخفض 430.5 متر تحت سطح البحر حيث تتجه القناة إلى وادٍ في سلسلة جبال النقب ثم تنحرف شمالًا مرة أخرى متجهةً إلى البحر المتوسط.

الوثيقة الاخرى تظهر تقويضا للمخطط الأول من خلال خطةً أمريكية مقترحة  منذ 1963  يتم فيها دفن 520 قنبلة نووية وتفجيرها للمساعدة في عملية الحفر في تلال وادي النقب.

وثيقة ثالثة تظهر وان السلطات الاسرائيلية اعتبرت وان شق “قناة بن غوريون” صعب تنفيذه لتكلفته العالية بسبب طولها الزائد ما لم تخترق “قطاع غزة “الذي يعوق مساره الأقصر، وللتغلب على ذلك فلابد من إحتلالها وتفريغها من أهلها، ومن ثم جرفها بالكامل لتكون الممر الأنسب لشق القناة البديلة، لتربط إيلات الواقعة على البحر الأحمر بغزة على البحر المتوسط.

أما الأهم في ذلك المشروع فهو إختصار الوقت عن الذي تستغرقه السفن العابرة  قياسا بقناة السويس ذات العمق 40 متراً، والطول 193 تقريباً، لأنها ذات اتجاه واحد، ورغم أن “قناة بن غوريون” أطول من قناة السويس بنحو 100 كم، فإنها ستتكون من قناتين مستقلتين باتجاهين مختلفين، وبعمق 50 متراً.

ولا بد أن إسرائيل قد حصلت على ضوء أخضر أميركي أوروبي مسبق بالبدء بتنفيذ المخطط في محو غزة وغمرها تحت الارض .

خلاصة

استراتيجياً  “قناة بن غريون” ستضمن لإسرائيل السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً، وستصبح موانئها حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، وتصبح مصالح الدول المستوردة للنفط والغاز مرتبطة بالحفاظ على مصالح إسرائيل.

الحقيقة أن هناك أسئلة كثيرة أثارتها معركة غزة، إن كان في توقيتها القريب من انتخابات رئاسية مهمة في أميركا وبريطانيا وغيرهما، أو لتخريبها مشروع التطبيع السعودي، كما أنها أفادت إيران التي كانت ستخرج من المنطقة خاسرة مواقعها التي أسستها فيها.

فهل مشروع “قناة بن غوريون” المخترق لغزة وراء إصرار إسرائيل على إفراغها من أهلها، ووراء ذلك التدمير الوحشي الممنهج لبنيتها ومبانيها؟

وهل هذا أيضاً سبب السكوت الغربي الغريب والشاذ على الوحشية الإسرائيلية على غزة؟ ورفضهم القاطع لوقف إطلاق النار؟

  لقد كانت عملية الطوفان بمثابة ساعة الصفر التي بدأتها حماس  بإيعاز إيراني ثم عملية السيوف الحديدية لكبح جماح إيران وأذرعها في المنطقة ؟

ولكن نتساءل حد اللحظة، لماذا يبقى اللاعب الرئيسي في قلب الصراع على منطقة البحر الاحمر “لمشروع طريق الحرير” متخفيا حد الآن ان لم نقل محدود الدور في عملية السلام؟

 وهل التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة، براً وبحراً وجواً هي المحدد  لهذا التدخل الصيني الروسي…الذي لا تريد فيه لا أمريكا ولا الصين ولا روسيا ان تدخل فعلا مرحلة الحرب العالمية الثالثة.

 فالتواجد الأمريكي لحماية المشروع الإسرائيلي، وترهيباً  لزعزعة مصالحا هناك بعيدا عن حرب الأقطاب…

 ويبدو أن الإجتماع الامريكي الصيني الأخير حمل في طياته تناقضات كثيرة وتساؤلات أكثر لمستقبل قضايا الشرق الأوسط وصراع الاقطاب .

By Zouhour Mechergui

Journaliste