الأربعاء. نوفمبر 20th, 2024

فاتن جباري قسم العلاقات الدولية و الشؤون الاستراتيجية
تقديم :
يسجل كوكب الأرض احترارًا متسارعًا ويتآكل تنوّعه البيولوجي بشدة أكثر من أي وقت مضى في تهديد غير مسبوق لحياتنا كبشر ولكل الكائنات الحية على وجه الارض وصارت تدرك المجتمعات البشرية، التي تواجه عواقب ذلك وتأثيرها الضار والمستدام في كوكب الأرض التي تتزايد خطورتها، قدرات كوكب الأرض المحدودة والحاجة إلى الحفاظ على النظم الإيكولوجية وإدارتها على نحو مستدام كي تتمكن من الاستمرار في توفير موارد الخدمات الأساسية لحياتنا مثل المياه، والتربة، والهواء، والغابات، والمحيطات، وغيرها.
أكدت الحرب التي ترتكبها الصهيونية العالمية بقيادة أمريكية إسرائيلية وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، وجائحة كورونا، أن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وإيران وغيرهم من الدول التي لم يكن بالاستطاع الكشف عن منظومتها الدفاعية ، وأنها تتنافس في إنتاج الأسلحة البيولوجية وتطويرها، ولا تحترم ولا تمتثل للقانون الدولي الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديداً استراتيجيّاً للأمن والسلم الدوليين. وإن احتمال وقوع حروب بيولوجية يزداد ارتفاعاً مع مرور الوقت، خاصة مع ظهور مستجدات دولية ناجمة عن انتشار فيروسات وأمراض منتشرة على النحو العالمي الذي ما تزال الشكوك تحوم حول مصدره. كما أن العالم لا يزال أمام موجات أخرى من الفيروسات غير الطبيعية سواء أكانت ناتجة عن التغيرات المناخية أم عن الحروب المدمرة بمنطقة الشرق الأوسط و البيولوجية الحاصلة أو الممكنة أو المتوقعة…
فشل المجتمع الدولي بشكل واضح إلى الآن، في منع الدول من حيازة واستخدام الأسلحة ، لقوانين مزيفة ضرب بها عرض الحائط في انتهاك صارخ وتحد واضح لحياة الملايين من البشر فمنذ خمسين عاماً على توقيع العالم على اتفاقية الأسلحة البيولوجية غير أن القوى العسكرية الكبرى لا تزال تحتفظ بهذه الأسلحة سراً وتقوم بتطويرها في مختبراتها، ومنها دول منضمة إلى الاتفاقية، مستفيدة من عدم وجود جهة تنفيذية تراقب مدى التزام الدول بتنفيذ الاتفاقية أو تجبرهم على الشفافية الكاملة بشأن دراساتهم ومشاريعهم في هذا المجال. هذا يعني أنه يمكن للدول أن تلجأ إلى اقتناء هذه العوامل، بحجة الاستخدام السلمي، ومن ثم تحولها فيما بعد للاستخدام العسكري طالما لا توجد جهة تقوم بمراقبة تقيد الدول الأطراف بأحكام الاتفاقية.
يحتمل في ظل تزايد استخدام السلاح الفتاك بالبشر كما يحصل في فلسطين وأوكرانيا والعراق وسوريا وغيرها من مناطق متفرقة من العالم عندما استخدم السلاح الكيميائي. التهديد الأخطر هو التنافس الحاد بين شركات الأسلحة الدولية في تحويل مناطق الصراع الى مختبرات حربية لترويج واختبار الاسلحة الفتاكة ، في ظل حالة من الفوضى الراهنة، ما يضع البشرية بأكملها أمام “الإرهاب العلمي ،البيولوجي”.
لقد مثل جهاز السلاح التكتوني أو الزلزالي وهو نظام افتراضي يمكن أن يؤدي إلى حدوث زلازل أو ثورات بركانية أو أحداث زلزالية أخرى في مواقع محددة عن طريق التدخل في العمليات الجيولوجية الطبيعية للأرض. تم تعريفه في عام 1992 من قبل عالم عضو في الأكاديمية الروسية للعلوم “السلاح التكتوني أو الزلزالي هو استخدام الطاقة التكتونية المتراكمة للطبقات العميقة للأرض لإحداث زلزال مدمر”.
إن خطر الأسلحة البيولوجية لا يقتصر على عامل استعمالها أو التهديد بها، بل يتعدى ذلك إلى تداعيات جيوسياسية بعيدة، في ظل فشل اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية في منع تطوير الأسلحة البكتيرية وإنتاجها وتخزينها وفي عدم التمكن من تدميرها، ذلك أنها اتفاقية تفتقر إلى تقنيات الرقابة الفاعلة، وتغيب عنها صفة الإلزامية، كما تخلو من أي عقوبات تُسلَّط على الدول المنتهِكة لأحكامها. نفهم هذا حينما تطوع الدول الممتلكة والمنتجة والمستعملة للسلاح كإسرائيل وامريكا وغيرهم في الحروب والمناورات حيث يتم تحويل البشر الى دمى و كذلك يتم التقتيل والحرق و التدمير والتهجير والإعتداء على الطبيعة و الحيوانات بإستخدام أحدث وأضخم الأسلحة كأنه استعراض سرك دون أي اكتراث بل ان المجتمع الدولي يشارك في مؤامة الصمت على معاقبة مجرمي العالم مجرمي الحرب ؟ من ينبغي ان يدفع الثمن هي كثير من الدول والمجموعات البشرية وكذلك الطبيعة ثم لماذا لا تتم المحاسبة لان هؤلاء هم الأقوى طبعا فليس هناك من يحاسب ، وبالتالي فأن بقاء الوضع على ما هو عليه رغم المحاولات والقمم الدولية وقوانين حضر حيازة السلاح الفتاك لا يؤدي إلا الى أن الحياة والبقاء هي رهين الإنسان وحده .
أولا – شركات الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية كيف وقع تحويل غزة الى مجهر لانقراض الصنف البشري ؟
افادت تقارير علمية بخصوص الصحة العامة والأمن البيولوجي ومكافحة الأمراض ان شركات الأسلحة الخاصّة جزء جوهريّ من البنية التحتيّة لحرب ضد الإنسانية . فبنما تكون غزة تحت القصف تحتفل هذه الشركات العالمية للأسلحة بمراكمة ملايين ومليارات الدولارات مع كل قنبلةٍ تمحو بيتًا، وكل قذيفةٍ تسقط في حضن طفلٍ تحمله أمّه…منذ بدء حرب الإبادة في غزّة، شهد المؤشّر الأمريكيّ المختص بشركات الطيران والأمن، ارتفاعات ملحوظة وصلت 5.88 بالمئة خلال الأيّام العشر الأولى للحرب على غزة وهنا يفيد تقرير بأن أسهم هذه الشركة التي تصنّع الرادارات والقذائف الموجهة، والشريكة في مشروع “القبّة الحديديّة” الإسرائيليّ، ارتفعت بنسبة 13.46 بالمئة منذ بدء الحرب وهذه الشركة هي واحدة من مجموعات الضغط الأشد تأثيرًا في السياسات الأمريكيّة التي قادت توجّهات سياسيّة واقتصاديّة تاريخيّة في الولايات المتّحدة منذ 1972 بمعية الصهيونية العالمية.
كُبرى شركات الأسلحة الأمريكيّة “Lockheed Martin” تزوّد إسرائيل منذ عقود بطائرات الـ“F16” والـ“F35” وصواريخ “Hellfire” وغيرها المئات من الأسلحة والمعدّات منذ عقود ،ارتفعت أسهم الشركة منذ بداية الحرب وحتّى 30 أكتوبر ، بنسبة 10.65 بالمئة ومالك هذه الشركة المسلحة يعتبر وفق تقرير الرجل الأشد تأثيرًا في القرار السياسيّ والعسكريّ في البيت الأبيض منذ بداية القرن العشرين وهؤلاء سابقي الذكر ،وضعوا الخطوط العريض لنقاط ويلسون الـ 14 في الحرب العالميّة الأولى ووضعوا أسس خطة مارشال وحلف الناتو. وفي 2002، بعد غزو أفغانستان نشر أحدهم مقالًا تاريخيًا تحت عنوان “المحطّة القادمة بغداد؟”، ليُطلق مركز الأبحاث بعده حملة ضغط هائلة للدفع نحو احتلال العراق.
شركة BlackRock، أكبر مؤسسة إدارة استثمارات عسكرية في العالم لها استثمارات بشركات تصنع اسلحة محرمة دوليا ، كالفوسفور الأبيض الذي يُستعمل في الحرب الحالية على غزة – والقنابل العنقوديّة. على غرار الشركات الأمريكيّة، تتحوّل المجازر الدمويّة إلى قفزات متوالية لشركات الأسلحة في بورصة تل أبيب من ذلك مجموعة “Aerodrome” لصناعة الطائرات المسيّرة شهدت قفزات عديدة بلغ أقصاها يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول بارتفاع سهمها بنسبة 202 بالمئة عن بداية الحرب. شركة “Leonardo DRS” العاملة في مجال الرادارات التكتيكيّة ارتفعت أسهمها بنسبة 24 بالمئة، لتبلغ قيمتها في السوق 5 مليار دولار. شركة “FMS Enterprises Migun” المختصة بصناعة الدروع الباليستيّة الخفيفة ارتفعت أسهمها بنسبة 11.4 بالمئة لتصل قيمتها في السوق إلى 280 مليون دولار. شركة “Aryt” للصناعات، المختصّة ببيع المركّبات الالكترونيّة للقذائف الموجهة والمعدّات العسكريّة، ارتفعت أسهمها بنسبة 25.9 بالمئة وبلغت قيمتها في السوق 61 مليون دولار ، نشرت مئات الوسائل الإعلاميّة العبرية و الأجنبيّة، دون مساءلةٍ أو تحقيقٍ أو نقد، مادةً دعائيّة خالصة لصالح شركة الأسلحة الإسرائيليّة.في عمليات ترويجية تجعل من قطاع غزة مختبرا ترويحيا وتسويقيا لهذه الأسلحة على غرار ما تنشره الشركات الصهيونية من خلال الألة الدعائية التابعة من “الجيل الجديد” من دبابات الميركافا التي يُدعى الصحافيّون لمرافقة الجنود في قيادتها التجريبيّة ويسوّق لهذه الدبابة بأنها تتمتّع بمنظومة دفاعيّة متقدّمة، مجسّات ضوئيّة وحراريّة وذكاء اصطناعيّ … بحرًا عملت الصحافة العسكريّة الصهيونية للترويج لاستخدام سفن ساعر 6 لأوّل مرّة في هجوم على شواطئ غزّة وهي فرقيطات (سفن حربيّة متوسطة الحجم) ألمانيّة الصنع، مزوّدة بمنظومات دفاعيّة إسرائيليّة وأيضًا لاستخدام “الجيل السادس” الجديد من صواريخ Spike NLOS Naval وفقا لموقع نافي الامريكي .
كل الأسلحة التي تُسوّق كعجائب خارقة ساحقة، كأرفع منجزات التكنولوجيا القادمة من المستقبل، توظّف لتهويل الأسطورة، ودب الرعب في الشعوب المستضعفة، وتعظيم ظلال أشباح الإمبراطوريّة في وعي المجتمعات المظلومة. ثم مراكمة الأرباح الهائلة من الاستراتيجيّات العدوانيّة والاستعماريّة المعربدة في عالمنا هي أسلوب مدمر لما تحمله الإنسانية من معنى فما تنفك الانباء والصور التي تبرز مشاهد الدماء وأشلاء الجثث المتطايرة وصور الأطفال والنساء الصادمة لما ينبغي معه التساؤل عما كانت شركات الاسلحة هذه هي التي تتحكم بمستقبل البقاء على قيد الحياة حاضرا ومستقبلا حيث يمكنهم تغيير المناخ وإثارة الزلازل والبراكين عن بعد من خلال استخدام الموجات الكهرومغناطيسية ؟
ثانيا – انتهاكات القانون الإنساني الدولي هل هي مؤامرة صمت ؟
على مرأى من الحكومات العربية و البلدان الغربية وأجهزة الضغط المعروفة كمجلس الأمن الدولي و المحكمة الجنائية الدولية يخيم الصمت و عدم الاكتراث بما حصل ويحصل في قطاع غزة التي تواصل انخراطها في مؤامرة صمت مخزية . وبينما تقف المنظومة الدولية بهياكلها وأجهزتها القضائية عاجزةً عن ردع هذه الجرائم وملاحقة مُرتكبيها، فإن التساؤل يُطرح في كل مرة تتكرر فيها هذه الجرائم حول ما إذا كانت السياسة الجنائية الدولية في ملاحقة المجرمين الصهاينة تقوم فعلا على أسسٍ أخلاقية مجرّدة لا تميّز بين جنس الضّحايا والجناة ولا دينهم أو عرقهم، أم أنها ليست في الواقع سوى إحدى تجليّات منطق القوة الذي فرضته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وتسعى لتوظيفها بشكل انتقائي كوسيلة ضغط وهيمنة في علاقاتها مع بقيّة الدّول.
لم يترك الاحتلال الصهيوني جريمة واحدة من الجرائم التي نصّ عليها نظام روما الأساسي ولا تلك التي نصّت عليها اتفاقيات جنيف الأربع ولا أية جريمة أخرى نص عليها ميثاقٌ أو عرفٌ دولي قديم أو حديث إلا وارتكبها فقد مارس جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب والتهجير القسري واستهدف المستشفيات والمرافق الصّحية ودور العبادة، وقطع إمدادات الماء والكهرباء، ناهيك عن استهداف الصحافيين وطواقم الإسعاف وشاحنات الإغاثة… حرب يفوق عدد ضحاياها من المدنيين 10 آلاف شهيد بينهم ما يقارب 4200 طفل كما أن الحرب التي ينجم عنها تهجير قسري لأكثر من مليون إنسان من مساكنهم في شمال قطاع غزة إلى مناطق غير آمنة لا يمكن أن تكون الا اعلان عن انهيار المنظومة الدولية الحامية للإنسانية ككل من تهديدات كبار المجرمين ليسوا القادة و الرؤساء فحسب بل شركات تصنيع السلاح العالمي .
ثالثا – أولويات الدول وحماية أوجه البقاء في ضل الحرب
ان ما يشغل بال الباحثين هو سبيل بقاء الانسان على قيد الحياة ولا سيما المناخ والتنوّع البيولوجي حيث ان انقراض العنصر البشري بات محتوما، أهم أولويات الدبلوماسية في هذا السياق وهو ما وثقه العلم توثيقًا متينًا. هذا ما زلنا نتساءل ما اذا كان الوعي العالمي يتزايد و يحضر فعليا بشأن هذه القضايا إذ صارت تمثل القضايا المتعلقة بالبيئة، ولا سيما قضايا المناخ رسميًا إطار سياسات الدول العامة الذي لم تنفك تزداد ضرورته ولا سيما من خلال المساهمات المحددة وطنيًا على غرار اكثر الدول تضررا من الحروب والآفات
وتغطي حماية البيئة قضايا مثل حماية المحيطات، والأنواع المهددة بالانقراض بفعل الاتجار غير المشروع، ومكافحة التلوث البحري وتلوث الغلاف الجوي، ومكافحة إزالة الغابات وغيراها جراء الإستعمال المفرط لأنظمة السلاح المدمرة و المغيرة لطبيعة الحياة على وجه الارض وما يمكن قوله ازاء ذلك ان حماية البيئة لم تعد تتطلب سن قوانين أكثر صرامةً وحمايةً وإلزامًا، بل ان معاقبة المتورطين باتت اكثر الحاحا و صدهم عن ارتكاب الجرائم بحق الانسان و الطبيعة وإجبارها على احترام النظم الإيكولوجية. وتتجاوز حماية البيئة تلك القضايا بكثير، لأنّها ترمي إلى حماية النظم الإيكولوجية التي تجعل من حياتنا على كوكب الأرض ممكنة على المدى القريب والبعيد و الأجيال القادمة و حماية النوع البشري ان كانت هناك حقا فرصة للبقاء منها موارد الطاقة مثل خفض انبعاثات غازات الحروب ومراعاة المعايير البيئية في قواعد التجارة الدولية، كذلك المسائل المتعلقة بالحفاظ على ديمومة البقاء على غرار الروابط المثبتة علميًا بين تدهور التنوّع البيولوجي والأمراض الفتاكة وبالأمن الغذائي و الزراعة و أمن الدول التي تعاني من حركات الهجرة المرتبطة بفترات الجفاف أو الفيضانات أو الزلازل المفتعلة علميا و تداعيات تغير المناخ.

By amine