السبت. ديسمبر 28th, 2024

إعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية

تحصلنا على ورقة السياسات العامة تحت عنوان “السيادة الأمريكية في الكيان المؤقت وإملاءات اللوبي اليهودي” الصادر عن مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير بتاريخ 30 أكتوبر 2023 . وسنحاول نشرها كاملة لمزيدة الإستفادة ولمعرفة مدى العلاقة بين الكيان الصهيوني والكيان الأمريكي…

اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة إيباك

في مستهل كلمته في الكابينت اثناء اجتماعها الطارئ قال بايدن” لقد ولدت دولة إسرائيل لتكون مكانا آمنا للشعب اليهودي في العالم. لهذا السبب ولدت. لقد قلت منذ فترة طويلة: لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا أن نخترعها.”

ورغم أن الأمر قد لا يبدو بهذه الطريقة اليوم، إلا أنه يجب على إسرائيل أن تكون مرة أخرى مكانًا آمنًا للشعب اليهودي. وأعدكم: أننا سنبذل كل ما في وسعنا للتأكد من أن ذلك سيحدث. قبل خمسة وسبعين عاماً، وبعد 11 دقيقة فقط من تأسيسها، أصبح الرئيس هاري ترومان والولايات المتحدة الأمريكية أول دولة تعترف بإسرائيل. لقد وقفنا إلى جانبكم منذ ذلك الحين، وسنقف إلى جانبكم الآن. على مدى عقود، ضمنا التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. وفي وقت لاحق من هذا الأسبوع، سأطلب من الكونجرس الأمريكي حزمة دعم غير مسبوقة للدفاع عن إسرائيل. سنحافظ على تزويد القبة الحديدية بالكامل حتى تتمكن من الاستمرار في حراسة السماء الإسرائيلية وإنقاذ حياة الإسرائيليين.

لقد قمنا بنقل الأصول العسكرية الأمريكية إلى المنطقة، بما في ذلك وضع مجموعة حاملة الطائرات “يو إس إس فورد” في شرق البحر الأبيض المتوسط، مع وجود السفينة “يو إس إس أيزنهاور” في الطريق، لردع – لتأجيل المزيد من العدوان ضد إسرائيل ومنع هذا الصراع من الانتشار.

وسيعرف العالم أن إسرائيل أقوى من أي وقت مضى… أنا أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل في وقت الحرب. لقد اتخذت قرارات في زمن الحرب. أعلم أن الخيارات ليست واضحة أو سهلة أبدًا بالنسبة للقيادة. هناك دائما تكاليف. الأمر طرح أسئلة صعبة للغاية. كما يتطلب الوضوح بشأن الأهداف وتقييمًا صادقًا حول ما إذا كان المسار الذي نسلكه سيحقق تلك الأهداف…..”

ولا تزال العلاقة الخاصة والمميّزة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة مسألة يختلف الباحثون في تفسير أسسها وأسبابها.

وتتجلى هذه العلاقة في أشكال عدة هي:

– التعاون المكثّف على المستويين الحكومي والشعبي بين الكيان والولايات المتحدة، ولا سيما التعاون الإستراتيجي.

– الدعم الأميركي السخي للكيان في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والديبلوماسية والتكنولوجية.

–  الانحياز الأميركي التام للكيان في الموقف من القضية الفلسطينية والعدوان على غزة بعد انطلاق عملية طوفان الاقصى.

ويمكننا تلخيص التفسيرات المختلفة للعلاقة المذكورة بما يأتي:

–  الكيان الصهيوني هو ذخر استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

– الكيان الصهيوني هو قاعدة إمبريالية أميركية في المنطقة العربية والاسلامية.

–  تقاطع المصالح الاستراتيجية بين الكيان والولايات المتحدة في المنطقة.

– الولايات المتحدة تشعر بالتزام ديني أخلاقي تجاه “الدولة اليهودية”.

– اللوبي اليهودي الأميركي قوي جداً إلى درجة تجعله يملي السياسة الأميركية الشرق أوسطية.

ورقة السياسات العامة: “السيادة الأمريكية في الكيان المؤقت وإملاءات اللوبي اليهودي”

الفهرس

مقدمة

1-      اجتماع الكبنيت والدور الأمريكي في إدارة المعركة

2-      “السيادة الاسرائيلية” في يد الادارة الامريكية

3-      في السياق السياسي الامريكي: تحول الكيان الى عبء بعد عملية طوفان الاقصى

•       تغير المعادلة: هل يستمرّ التعزيز الجيوسياسي للكيان المؤقت

•       عدم الثقة الأمريكية في قدرة الكيان على تغيير المعادلة في الحرب البرية

•       الانهيار الاقتصادي في الكيان معضلة جديدة امام الولايات المتحدة

•       تداعيات الحرب البرية: احتمالية انهيار استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط

الاستنتاجات

*****************************************************

مقدمة

لا تزال العلاقة الخاصة والمميّزة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة مسألة يختلف الباحثون في تفسير أسسها وأسبابها. وتتجلى هذه العلاقة في أشكال عدة هي:

–        التعاون المكثّف على المستويين الحكومي والشعبي بين الكيان والولايات المتحدة، ولا سيما التعاون الإستراتيجي.

–        الدعم الأميركي السخي للكيان في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والديبلوماسية والتكنولوجية.

–        الانحياز الأميركي التام للكيان في الموقف من القضية الفلسطينية والعدوان على غزة بعد انطلاق عملية طوفان الاقصى.

ويمكننا تلخيص التفسيرات المختلفة للعلاقة المذكورة بما يأتي:

–        الكيان الصهيوني هو ذخر استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

–        الكيان الصهيوني هو قاعدة إمبريالية أميركية في المنطقة العربية والاسلامية.

–        تقاطع المصالح الاستراتيجية بين الكيان والولايات المتحدة في المنطقة.

–        الولايات المتحدة تشعر بالتزام ديني أخلاقي تجاه “الدولة اليهودية”.

–        اللوبي اليهودي الأميركي قوي جداً إلى درجة تجعله يملي السياسة الأميركية الشرق أوسطية.

يذهب الباحث كميل منصور في كتابه “الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل: العروة الأوثق”  إلى أن ثمة تفسيرات مبسطة للعلاقة الخاصة بين الكيان الصهيوني وأميركا، تجعل من الكيان أداة طائعة في يد أميركا أو تجعل من الإدارة الأميركية خادماً للوبي اليهودي. ويلاحظ أن ثمة زعمين جازمين ودقيقين هما” لو أن دعم إسرائيل لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، لكانت سياسة الأخيرة مختلفة في الشرق الأوسط. ولو أن اللوبي الإسرائيلي لم يكن بهذه القوة، لكانت سياسة واشنطن مختلفة أيضاً.” لكن المشكلة في رأي منصور هي “أن هذين الزعمين الجازمين الصحيحين لو أخذنا كلاً منهما على حدة يحجب أحدهما الآخر. إضافة إلى كونهما غير كافيين لأنهما يعجزان عن شرح كيف وإلى أي حدّ يؤثر اللوبي، أو المصالح الأميركية، في سياسة الولايات المتحدة حيال الكيان في منطقة الشرق الأوسط”.

يذهب الظنّ في تحليل العلاقة الامريكية الإسرائيلية، الّا تعتبر السياسة الأميركية بالضرورة سياسة عقلانية نفعية (براغماتية) متماسكة منطقياً، لا يشوبها الخطأ. وفي الواقع لا وجود لعقيدة استراتيجية أميركية ثابتة ومحددة، بل هي تنشأ وتتبلوّر مع الوقت، وقد تخضع لتغيّرات تبعاً للمعطيات والظروف السائدة. كما أنها تتأثر بالدرجة الأولى بالآراء الخاصة لصانعي القرار، وبمواقف الشخصيات والهيئات السياسية والأكاديمية المقدّرة أراءهم لدى النخبة الأميركية الحاكمة. طبعا يعتبر الدعم المادي والسياسي للولايات المتحدة ركيزة مهمة في الأمن القومي للكيان الصهيوني.

من الشائع القول إن العلاقة الخاصة بين البلدين تقوم على ثلاث ركائز: الشراكة في مجال القيم، وتأثير أصدقاء الكيان في النظام السياسي الأمريكي، والأصول الاستراتيجية للكيان” ضمن المصالح القومية الأمريكية.

طبعا لا ينبغي الاستهانة بالعنصرين الأولين، لكن التغيير في موقف الإدارات الأمريكية تجاه “الكيان الصهيوني” مرتبط بشكل أساسي بالتبادل، وهو ما يعتبره رصيدا استراتيجيا. حدثت نقطة التحول الأساسية بعد حرب الأيام الستة (1967)، نظرًا لأن الكيان كان مهما للولايات المتحدة في إطار الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، فقد تم منحه معاملة تفضيلية.

ساهمت الشراكة القيمية ودعم الرأي العام الأمريكي، اللذان كانا قائمين حتى قبل عام 1967، في تسهيل عمل اللوبي الداعم للكيان الصهيوني، لكن الاعتبار الاستراتيجي كان حاسمًا في بناء نظام تعاون متشعب بين البلدين، خاصة بعد أن أظهر الكيان قيمته الاستراتيجية في معركة أيلول الأسود في 1970.

بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، برز واقع دولي جديد، لم يتضح فيه ما إذا كان التحالف بين الولايات المتحدة والكيان، سيستمر بالشكل الذي تم إنشاؤه في الفترة التي سبقت التغيير الكبير في النظام الدولي.

لكن ظهر بعد ذلك عدو جديد أمام الولايات المتحدة، ألا وهو “الإسلام الراديكالي” الذي كره الهيمنة الأمريكية ولجأ إلى مواجهة الولايات المتحدة والغرب.

في الواقع الجديد، أصبح الكيان الصهيوني حليفًا مطلوبًا بسبب تجربته بالعالم العربي والإسلامي، وبسبب قدراته الاستخباراتية في أجزاء كثيرة من العالم العربي والإسلامي. لكن نتائج التدخلات العسكرية في أفغانستان والعراق قوضت استعداد الولايات المتحدة، لقيادة الجهود في الحملة ضد ما أسمته “الإسلام الراديكالي”، والأكثر من ذلك، بعد سقوط داعش في سوريا والعراق، تضاءلت قوة هذا التهديد، وتم تسليم الجزء الأكبر من القتال ضده إلى القوات المحلية.

أصبح الشرق الأوسط أقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، ويرجع ذلك أيضًا إلى حقيقة أن الولايات المتحدة مستقلة في مجال الطاقة، وتحول انتباهها إلى التحدي الاستراتيجي الجديد، وهو صعود قوة الصين، التي أصبحت السمة البارزة للنظام الدولي الجديد في شكل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.

ظاهريًا، فإن التحول نحو آسيا يعني أن “الكيان الصهيوني” ليس لديه الكثير ليقدمه للولايات المتحدة، لكن هذا ليس هو الوضع بالضبط. فقد أدى تقليص الوجود المباشر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ونقل “الكيان الصهيوني” إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية للولايات المتحد (CENTCOM)، إلى خلق وضع يتم فيه تصوير الكيان في أعين الأمن وأنظمة الاستخبارات الأمريكية، وفي نظر الدول الموالية للغرب في المنطقة كحليف قوي، وهو الأكثر استقرارًا وكفاءة في هذا المجال.

أظهرت عملية طوفان الأقصى وتداعياتها الفورية حالة من الارباك والتشتت والصدمة ليس لدى الكيان الذي فقد السيطرة على مقوماته العسكرية والامنية والاستخبارتية بسبب عنصر المباغتة الاستراتيجية والدقة والتكتيك الاستراتيجي الذي اعتمدته المقاومة الفلسطينية، بل وايضا شكّلت العملية صدمة للولايات المتحدة وللغرب الداعم دوما لهذا الكيان. فأصبح لزاما على الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين التدخل السريع للملمة الوضع المزري الذي سقط فيه ناتنياهو وحكومته وقواته العسكرية. حرص بايدن على الوقوف مع الكيان الصهيوني دون قيد أو شرط بسبب الانتقادات القاسية من الجمهوريين وضغط الكونغرس، وبدأ بايدن في الضغط على الكونغرس للموافقة على حزمة مساعدات كبيرة للكيان، ومن المتوقع أن يمرر الكونغرس، الذي أرسل مليارات الدولارات كمساعدات للقبة الحديدية في الماضي، حزمة كبيرة لتعزيز هذا النظام ومنع الكيان من مواجهة نقص في الذخيرة. ومن المرجح أيضا أن المساعدات للكيان لن تكون مثيرة للجدل على الإطلاق، وأن يدخل السياسيون في سباق من سيقدم المزيد من المساعدات.

من الممكن القول إن الكونغرس لن يكون راضيا عن المساعدات العسكرية للكيان. وقد ازداد الضغط بالفعل بشأن تجديد المادة 702 من قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، حيث أصبح الفشل في الكشف عن عملية طوفان الاقصى من قبل المخابرات الإسرائيلية والأمريكية موضوعا رئيسيا للنقاش. في أعقاب 11/9، أجرت الولايات المتحدة إصلاحات بعيدة المدى في بنيتها التحتية الأمنية والاستخباراتية. كما أنّ حقيقة أن مواطنين أمريكيين قتلوا أيضا في العملية ستحدث أيضا تغييرات في الطريقة التي تتبادل بها الولايات المتحدة المعلومات الاستخباراتية مع الكيان.

وفقا لتداعيات ما يجري من تطورات في المعركة وظروفها العسكرية والأمنية والسياسية، يبقى السؤال الأبرز هل فقد الكيان الصهيوني سيادته على نفسه ليصبح مجرد إدارة خلفية تقودها الولايات المتحدة وفقا للمتغيرات والمصالح؟ يبدو المشهد الذي ظهر فيه الرئيس الأمريكي بايدن وهو يقود اجتماع الكبنيت (حكومة الطوارئ الإسرائيلية) مشهدا مألوفا لحليفين مفترضين يعملان معا على إيجاد مخارج تغطي التداعيات السلبية والفشل الذي سببته عملية طوفان الأقصى. لكن حضور رئيس الولايات المتحدة لأول مرة في تاريخ الكيان والدبلوماسية الامريكية بهذا الشكل يطرح عدة تساؤلات حول مصير هذا الكيان سياسيا خاصة وأنّ الانهيارات بدأت تظهر تباعا على كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية.

1–      اجتماع الكابينيت والدور الأمريكي في إدارة المعركة

في مستهل كلمته في الكابينت اثناء اجتماعها الطارئ قال بايدن” لقد ولدت دولة إسرائيل لتكون مكانا آمنا للشعب اليهودي في العالم. لهذا السبب ولدت. لقد قلت منذ فترة طويلة: لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا أن نخترعها.” ورغم أن الأمر قد لا يبدو بهذه الطريقة اليوم، إلا أنه يجب على إسرائيل أن تكون مرة أخرى مكانًا آمنًا للشعب اليهودي. وأعدكم: أننا سنبذل كل ما في وسعنا للتأكد من أن ذلك سيحدث. قبل خمسة وسبعين عاماً، وبعد 11 دقيقة فقط من تأسيسها، أصبح الرئيس هاري ترومان والولايات المتحدة الأمريكية أول دولة تعترف بإسرائيل. لقد وقفنا إلى جانبكم منذ ذلك الحين، وسنقف إلى جانبكم الآن. على مدى عقود، ضمنا التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. وفي وقت لاحق من هذا الأسبوع، سأطلب من الكونجرس الأمريكي حزمة دعم غير مسبوقة للدفاع عن إسرائيل. سنحافظ على تزويد القبة الحديدية بالكامل حتى تتمكن من الاستمرار في حراسة السماء الإسرائيلية وإنقاذ حياة الإسرائيليين. لقد قمنا بنقل الأصول العسكرية الأمريكية إلى المنطقة، بما في ذلك وضع مجموعة حاملة الطائرات يو إس إس فورد في شرق البحر الأبيض المتوسط، مع وجود السفينة يو إس إس أيزنهاور في الطريق، لردع – لتأجيل المزيد من العدوان ضد إسرائيل ومنع هذا الصراع من الانتشار. وسيعرف العالم أن إسرائيل أقوى من أي وقت مضى… أنا أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل في وقت الحرب. لقد اتخذت قرارات في زمن الحرب. أعلم أن الخيارات ليست واضحة أو سهلة أبدًا بالنسبة للقيادة. هناك دائما تكاليف. الأمر طرح أسئلة صعبة للغاية. كما يتطلب الوضوح بشأن الأهداف وتقييمًا صادقًا حول ما إذا كان المسار الذي نسلكه سيحقق تلك الأهداف…..”

كان واضحا أنّ بايدن يخاطب العاطفة الاسرائيلية بتأكيد الدعم الكامل ومحاولة جبر الثقة التي بدأت تسقط بين ناتنياهو وفريقه العسكري والامني، ولكن الملفت أكثر هو حرصه على وجود مخطط واضح للمواجهة ولرد الفعل على العملية بما يتناسب مع “الهيبة” الاسرائيلية المفقودة. وكان لافتا ايضا انه لم يجد امامه اي خطط عمليات واضحة وسط حالة من الهلع والارباك والتردد. وربما هذا ما يفسر كلماته بإعلانه الدعم الكامل المباشر وغير المشروط للكيان.

حضور بايدن وترأسه الكبينت له دلالات متعددة:

–        الامساك بزمام الامور بشكل مباشر لإنقاذ ولملمة حالة الانهيار التي يعيشها ناتنياهو وفريقه.

–        اعطاء انطباع للخارج بأنّ الكيان مدعوم دعما كاملا غير مشروط.

–        توليّ قيادة المعركة مما يعني التورط المباشر في المواجهة والتي سيدفع بايدن ثمنها سياسيا.

–        وجود بايدن في الكبينت خلق حالة من الجدل داخل الكونغرس بين من يراها تورطا مباشرا في الحرب، وبين من يعتبرها التزام امريكي ضروري لحماية المصالح الامريكية.

2–      السيادة الاسرائيلية” في يد الادارة الامريكية

منذ أشهر كتب اليوت ابراهامس مقالا نشره موقع “جوويش اكسبوت” اشار فيه الى تداخل السياسة الامريكية في الوضع الاسرائيلي وفسر الاعتبارات التي سمحت لبايدن بالتدخل في السياسة الاسرائيلية. وأشار ابراهامس الى أنّ “ما يفسر ذلك هو الاعتبارات التالية:

أولاً، يعتبر هذا النزاع في إسرائيل، إلى حد كبير، بمثابة صراع بين الأجزاء المحافظة والأكثر تديناً في المجتمع والأجزاء اليسارية الأكثر علمانية. من الواضح أن هذا تعميم، لكن ليس من قبيل الصدفة أن يكون رئيس لجنة القانون والسلطة القضائية في الكنيست، الذي يدفع بالإصلاحات، من الحزب الديني الصهيوني. وليس من قبيل الصدفة أو المفاجأة أن تقوم إدارة الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة بدعم اليسار العلماني على حساب اليمين الديني. وليس من قبيل الصدفة أو المفاجأة أن الداعمين الإعلاميين الرئيسيين لإدارة بايدن، مثل سي إن إن وواشنطن بوست ونيويورك تايمز، يشاركون تلك الآراء ويدفعون الإدارة إلى التعبير عنها. أحد جوانب النضال من أجل الإصلاح القضائي في إسرائيل هو الصراع الثقافي بين القطاعات “المتقدمة” في المجتمع وتلك التي يعتبرونها متخلفة. وبالمصطلحات الأميركية، أهانت هيلاري كلينتون في عام 2016 «البائسين»، وتحدث باراك أوباما في عام 2008 عن أشخاص «يتشبثون بالبنادق أو الدين أو يكرهون الأشخاص الذين ليسوا مثلهم». وسواء كان الأمر على حق أم على خطأ، فإن الأميركيين في اليسار ينظرون إلى الجدل الإسرائيلي من منظور مماثل.

ثانيا وعلى نحو مماثل، لا ينبغي لنا أن نندهش من أن تنتقد إدارة الحزب الديمقراطي ما تعتبره حكومات وزعماء يمينيين في بلدان أخرى. كان هناك الكثير من الانتقادات الرسمية للحكومتين البولندية والمجرية، وانتقادات من وسائل الإعلام الليبرالية لرئيس الوزراء مودي في الهند. كما استقبل اليسار الأمريكي انتصار ميلوني في إيطاليا باعتباره خطوة خطيرة للعودة إلى الفاشية. لقد رأينا هذا الفيلم من قبل عندما يتعلق الأمر بالديمقراطيين وإسرائيل. جيمي كارتر كان يحتقر مناحيم بيغن. وفي عامي 1996 و1999، تدخلت إدارة كلينتون في الانتخابات الإسرائيلية لدعم شمعون بيريز ضد بنيامين نتنياهو. وعندما سُئلت في مقابلة عام 2018 عما إذا كان من العدل القول إنه حاول مساعدة بيريز على الفوز في الانتخابات، أجابت كلينتون: “سيكون من العدل القول. لقد حاولت أن أفعل ذلك بطريقة لا تشركني بشكل علني. في عام 2015، نشرت مجلة فورين بوليسي قصة بعنوان “أوباما يسعى لتغيير النظام في إسرائيل”. في تلك المرة، كان الأمر عبارة عن محاولة لدعم زعيم حزب العمل (والرئيس الحالي) إسحاق هرتزوج ضد نتنياهو، وخلص المقال إلى أن “كل من أوباما وكيري يرغبان في رؤية نتنياهو خارجاً وثنائي حزب العمل المكون من هرتسوج وتسيبي ليفني في الداخل”. “إنهم يبذلون كل ما في وسعهم بشكل معقول – باستثناء عرض إعلانات الحملة – لتحقيق ذلك.”وفي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، مُنع نتنياهو من عقد اجتماع في البيت الأبيض بينما كان كبار المسؤولين يجتمعون مع هرتسوغ. وكما قالت صحيفة نيويورك تايمز في 29 مارس/آذار عن بايدن ونتنياهو: “ليس هناك حب مفقود بين الزعيمين…”. وعندما سُئل عما إذا كانت ستتم دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، أجاب الرئيس بحدة: “لا. ليس على المدى القريب.”

ثالثاً، تعتبر قضية المحكمة العليا مثيرة للقلق بشكل خاص بالنسبة للأميركيين من جناح اليسار. لطالما كانت المحكمة العليا في الولايات المتحدة رمزًا ليبراليًا في الولايات المتحدة، وقد جعلها الديمقراطيون مثالية لعقود من الزمن لأنها كانت خاضعة لسيطرة أغلبية ناشطة. وفي الآونة الأخيرة، هاجم الديمقراطيون المحكمة لأنها تتمتع الآن بأغلبية محافظة. ويرى الديمقراطيون أن المحكمة العليا في إسرائيل ناشطة وتصدر أحكاما “تقدمية”، لذلك يعتقدون أنه يجب دعمها. وأخيرا، لا بد من القول إن التدخل الأمريكي كان بدعوة من العديد من الإسرائيليين الذين يعارضون الإصلاح القضائي. لقد دعوا إليها من خلال خطابهم. وعندما اقترح هرتسوغ تسوية، قام إيهود باراك في تغريدة بوضع الصورة القديمة لهتلر ونيفيل تشامبرلين مع استبدال وجه هرتسوغ بوجه تشامبرلين. استخدم إيهود أولمرت وآلاف المعلقين الآخرين كلمة “انقلاب” بينما تحدث عدد أكبر من الناس عن “حرب خاطفة”. وتحدث زعيم المعارضة يائير لابيد عن “رحلة نحو تدمير الديمقراطية الإسرائيلية”. تحدث جميعهم باللغة الإنجليزية إلى الجماهير الأمريكية، وفي المظاهرات في إسرائيل كانت هناك العديد من اللافتات باللغة الإنجليزية أيضًا – وكلها للمطالبة بتدخل اليهود الأمريكيين وحكومة الولايات المتحدة. وسقطت تلك الدعوات على أرض أميركية خصبة لكل الأسباب التي سبق ذكرها. على سبيل المثال كلمات الحاخام إريك يوفي، زعيم حركة الإصلاح منذ فترة طويلة الذي كتب في صحيفة هآرتس يوم 2 مارس/آذار: “لم أمارس قط أي ضغط ضد حكومة إسرائيلية. ولكن انقلاب نتنياهو القضائي، وهجومه على الديمقراطية، لابد أن يتوقف. وهذا يعني أنه يجب على اليهود الأمريكيين أن يفعلوا ما لا يمكن تصوره، وأن يحثوا على وضع يد أمريكية قوية مع إسرائيل”.

ويؤكد ابراهامس في مقاله أنّ هذا يعدّ سابقة خطيرة. فعندما تدخل كلينتون (مرتين) في الانتخابات الإسرائيلية حاول إخفاء تصرفاته، لأنه كان يعلم أنه لا يمكن الدفاع عنهم إذا تم كشفهم. والآن هناك نموذج جديد يبرر التدخل الأجنبي ويجعله مثاليا، ويطالب الولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية لإسرائيل بطريقة لا تحدث أبدا في أي ديمقراطية أخرى.” ويضيف ابراهامس في مقاله “يجب على أولئك الموجودين على اليسار أن يدركوا أولاً أن اثنين يمكن أن يلعبا نفس اللعبة. ليس من الصعب أن نتصور رئيساً جمهورياً محافظاً في الولايات المتحدة ورئيس وزراء من يسار الوسط في إسرائيل يخدمان في نفس الوقت. فهل يطالب الأميركيون المحافظون من الآن فصاعدا بالتدخل في انتخابات الكنيست، أو في الانتخابات الإسرائيلية، لأن بعض السياسات المقترحة يعارضها اليمين بشدة؟ إن الإصلاح القضائي يدور حول أكثر القضايا “المحلية” أو “الداخلية” التي يمكن للمرء أن يتخيلها. إذا كان التدخل الخارجي مشروعا في هذه القضية، فهل هناك أي قضايا حيث ينبغي اعتبار التدخل الأجنبي، سواء من قبل مجتمعات الشتات أو الحكومات الأجنبية، غير شرعي؟ إن الصراع حول الإصلاح القضائي له جوانب عديدة. إن قرار أولئك الذين يعارضون الإصلاح بالدعوة إلى التدخل الأميركي في هذا الصراع الداخلي المعقد والمصيري يضر بالسيادة الإسرائيلية والحكم الذاتي. ولا يسعنا إلا أن نأمل أنه عندما يهدأ الغبار، سوف يتفق الإسرائيليون ــ أياً كانت آراؤهم بشأن المحكمة العليا ــ على أن المناشدة بالتدخل الأجنبي في الهياكل السياسية الداخلية للدولة اليهودية كانت خطأً ضاراً وسابقة خطيرة.”

يقف الرئيس الامريكي اليوم بين الحرص على دعم الكيان وعدم السماح بسقوطه تحت اي ظرف من الظروف. لذلك اختارت الادارة الامريكية قيادة المعركة من خلال تحديد خطة الحرب وتكتيكات التوغل البري الى غزة مع مراعاة عدم الانزلاق في معركة طويلة المدى، قد تؤدي الى التوسع في المعركة الى مستوى لا تريده الولايات المتحدة ولن يستطيع الكيان تحمله.

من خلال ما قدمه اليوت ابراهامس من قراءة حول تدخل السياسة الامريكية في الداخل الاسرائيلي يبدو أنّ هذا المنحى خطير على المستقبل السياسي للكيان الذي بدأ يتهاوى، حيث تبدو مناشدة البعض داخل الكيان بتدخل الإدارة الامريكية، وجها خطيرا وضار بالسيادة الإسرائيلية وسابقة خطيرة في تاريخه كما يراها البعض الاخر. لكن الواقع يقول بأنّ هذا الكيان أصبح في ورطة حقيقية، وأصبح يشكّل هو نفسه ورطة للولايات المتحدة بسبب فشل هذه المنظومة الصهيونية في تخطي فشلها السياسي والعسكري في مواجهة ازماتها، وحالة التفكك والارباك التي ستتجلى مشهديتها أكثر بعد انقشاع غبار المعركة في غزة.

–        موافقة الكونغرس على قرار يؤيد الكيان لا ينفي وجود أزمة ثقة بقدرته على تغيير المعادلة:

وافق مجلس النواب على قرار مؤيد للكيان الصهيوني بأغلبية 412 صوتًا لصالحه بينما صوّت جمهوري واحد وتسعة ديمقراطيين ضد القرار. بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من الشلل، وافق مجلس النواب – بأغلبية 412 صوتًا مقابل 10، مع تصويت ستة مشرعين حاضرين – على قرار يدعم الكيان ويدين حماس كأول عمل له بعد انتخاب النائب مايك جونسون (جمهوري عن لوس أنجلوس). بصفته رئيس مجلس النواب الجديد. وباستثناء النائب بريسلي، جاءت جميع الأصوات الحاضرة من المشرعين الذين شاركوا في رعاية القرار في أعقاب الهجوم مباشرة، لكنهم دعوا منذ ذلك الحين إلى وقف إطلاق النار. وباستثناء جرين، فإن المشرعين المعارضين لمشروع القانون انتقدوا الكيان بشكل متكرر، وهم يمثلون أصواتًا موثوقة بـ “لا” على التشريعات المؤيدة للكيان. وأثارت أصوات الديمقراطيين ضد مشروع القانون انتقادات شديدة من الزملاء المؤيدين للكيان في الحزب. وقالت السيناتور جاكي روزين (ديمقراطية من ولاية نيفادا) لصحيفة “جويش إنسايدر” إنها “شعرت بالفزع من الأعضاء الديمقراطيين الذين عارضوا هذا القرار وفشلوا في إدانة حماس”، ووصفت أصواتهم بأنها “مخزية”. وأشار روزن إلى أنه تم تمرير قرار مماثل بالإجماع في مجلس الشيوخ.

قالت النائبة ديبي واسرمان شولتز (ديمقراطية من فلوريدا): “أعتقد أن الشخص الذي يصوت ضد ليس لديه ضمير”. قال النائب مايك لولر (جمهوري من نيويورك) إن الأعضاء الذين لم يرغبوا في التصويت لصالح مشروع القانون “لا يستحقون الخدمة في هذه الهيئة” ويجب عليهم “الاستقالة لأنه عار عليهم”.

في هذه الأثناء، في مجلس الشيوخ، تقدمت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بتصويت شبه حزبي بترشيح وزير الخزانة السابق جاك ليو لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الكيان.. وكان السيناتور راند بول (الجمهوري عن ولاية تكساس)، وهو صوت لا يمكن التنبؤ به في بعض الأحيان في السياسة الخارجية، والذي سبق له أن منع مساعدات القبة الحديدية لعدة أشهر، هو الجمهوري الوحيد الذي صوت لصالح ليو. وقال راند بول في بيان: “بعد لقائي شخصيا مع جاك ليو، وجدته شخصا مدروسا وسيسعى جاهدا لبذل قصارى جهده لتمثيل الولايات المتحدة في إسرائيل. أعتقد أيضًا أنه من المهم أن يكون لدينا سفير خلال الأزمة الحالية في إسرائيل”. كما قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بن كاردين (ديمقراطي من ولاية ماريلاند) بعد اجتماع اللجنة إن “الإغلاق لا ينبغي أن يكون ضروريًا” وأنه يأمل أن تتم الموافقة على الترشيح في أقرب وقت الأسبوع المقبل. وقال كاردين إنه يشعر “بخيبة الأمل” لكنه لم يتفاجأ بأن بول كان الجمهوري الوحيد الذي صوت لصالح لو. وقال جونسون، رئيس البرلمان الجديد، في خطاب قبوله «سوف نظهر ليس لإسرائيل فحسب، بل للعالم أجمع أن همجية حماس التي رأيناها تتجلى على شاشات تلفزيوننا هي بائسة وخاطئة. وسنقف إلى جانب الخير في هذا الصراع”.

ليس من الواضح متى سيتم طرح مجلس النواب الذي أعيد افتتاحه حديثًا ويكون قادرًا على تمرير حزمة التمويل التكميلي المطلوبة للكيان الصهيوني وأوكرانيا وقضايا أخرى. ولم يحدد جونسون موعدًا محددًا للنظر في الحزمة في مذكرة تخطيط تم توزيعها على زملائه الجمهوريين، مما دفع أحد الديمقراطيين، النائب براد شنايدر (ديمقراطي من إلينوي)، إلى اتهام جونسون بالتخطيط للتخلي عن “إسرائيل وأوكرانيا وأميركا”.

3–      في السياق السياسي الامريكي: تحول الكيان الى عبء بعد عملية طوفان الاقصى

تحدّثت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في تقرير، عن سير الكيان الآن على حبل رفيع يفصل بين كونه”ذخراً استراتيجياً” أو عبئاً بالنسبة إلى واشنطن، وذلك بعد الضربة القاسية التي تلقاها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري. تحدثت صحيفة “يديعوت احرونوت” في تقرير لمدير مركز الدراسات الامريكية في جامعة” تل أبيب”، يوآف فرومر، عن احتمال توسّع الحرب في إثر ذلك، ما جعلها تبدو في عيون الامريكيين بأنّها بحاجة الى الانقاذ، وليس فقط الدعم، الامر الذي قد”يفقدها شرعيتها الاستراتيجية في واشنطن بتحولها الى عبء عليها”.

من المفارقات أنّ الدعم الامريكي كان دائما يعتمد على فرضية أنّ الكيان يحتاج الى انقاذ، لكنها الان تسير على حبل رفيع يفصل بين كونها “ذخرا استراتيجيا أو عبئا”. كان الاعتقاد بأنّ الكيان هو فائز دائما هو الذي يمنحه الحذوة الاستراتيجية للإدارات الامريكية المتعاقبة، ولكن اليوم والكيان مهزوم ومشتت يبدو الوضع أصعب بكثير. يقول كتّاب السيرة الذاتية، إنّ سبب الهوس يكمن في المشهد الافتتاحي حيث يعلن باتون أنّ “الأميركيين يحبون الفائزين، ولن يتحمّلوا الخاسرين”.

لذلك كما اشارت صحيفة يديعوت احرنوت، من الضروري أيضاً فهم الآثار البعيدة المدى لزيارة الرئيس جو بايدن إلى “إسرائيل” والعناق الأميركي الحار منذ بداية الحرب في غزة. ففي المدى الزمني المباشر، ليس هناك شك في أنّ هذا دليل على إظهار صداقة رائعة، تُثبت، إلى جانب إرسال حاملات طائرات إلى المنطقة، درجة الاهتمام والالتزام بأمن “إسرائيل”. لكن على المدى الطويل، تقف العلاقات الخاصة عند مفترق طرق مصيري، لأنّ الدعم الأميركي، للمفارقة، كان يقوم دائماً على فرضية أساسية بأن “إسرائيل” لا تحتاج إلى دعم. بعبارة أخرى، سيكون كافياً منحها الوسائل للقتال وستنتصر بقواها الذاتية.

•       تغير المعادلة: هل يستمرّ التعزيز الجيوسياسي للكيان المؤقت

إنّ هجوم حماس في 7 تشرين أول/أكتوبر، واحتمال نشوب حرب مع حزب الله وإيران يهدد الآن بتعطيل المعادلة وخطر ذلك واضح، إذا بدا الكيان المؤقت في عيون الأميركيين بأنّه بحاجة إلى الإنقاذ – وليس فقط الدعم – فإنّه سيفقد شرعيته الاستراتيجية في واشنطن ويتحول إلى عبء.

بحسب الصحيفة، يذكر أنّه خلال المناقشات في قيادة الإدارة الأميركية قبل الإعلان عن قيام الكيان في سنة 1948، طُرح السؤال: من سيحمي “الدولة” الضعيفة إذا كانت غير قادرة على الدفاع عن نفسها؟ لم يعتقد الكثيرون في واشنطن أنّ هذا الكيان سيبقى على قيد الحياة، وبالتالي كانوا يخشون أن يضطر جنود أميركيون في النهاية إلى الدفاع عنها.

كلّما أثبت الكيان قوته على مرّ السنين، كلّما خمدت الأصوات في الولايات المتحدة التي عارضت تعزيز العلاقات وبدأت تعتبرها رصيداً استراتيجياً في الحرب الباردة. وتضيف الصحيفة ذاتها بأنّ ” ذلك هو ما يميز “إسرائيل” عن حلفاء الولايات المتحدة الآخرين. وعلى عكس اليابان أو كوريا الجنوبية أو تايوان أو دول الناتو، لم تكن “إسرائيل” بحاجة أبداً إلى مظلة نووية أو قوات أميركية للدفاع عن أراضيها. وهي اعتُبرت، كما وصفها وزير خارجية ريغان ألكسندر هيغ ذات مرة، “أكبر حاملة طائرات أميركية في العالم، لا يمكن إغراقها”.

كما أكّدت الصحيفة بأنّ الكيان اليوم” يواجه معضلة”Catch-22″ (المعضلة 22 هي حالة لا يستطيع الفرد الهروب منها بسبب قواعد أو قيود متناقضة). وإذا تبدّت بالفعل، لأول مرة في التاريخ، بأنّها بحاجة إلى الولايات المتحدة لإنقاذها، أو على الأقل مساعدتها في الدفاع عن نفسها ضد حزب الله، فقد تتأكّل فائدتها الاستراتيجية في نظر الكثير من الأميركيين. في المقابل، ومن دون نفس التدخل العسكري، ليس من المؤكد أنّها ستكون قادرة على الخروج من مواجهة متعددة الساحات ويدها هي العليا. ذلك، من المهم أن نفهم أنّ الولايات المتحدة لا تحتاج إلى المزيد من الدول التي تعتمد عليها. فهناك ما يكفي في آسيا وأوروبا والخليج، بل تحتاج واشنطن إلى حليفة إقليمية يمكنها الانتصار بقواها الذاتية.

يبدو أنّ الإسرائيليين مصرّين على تحقيق “انتصار” حتى لو كان موهوما وغير واقعي لكيلا تتخلى عنهم الولايات المتحدة الامريكية، ولكي يستمر تصنيف العلاقة بين الكيان والولايات المتحدة على أنها علاقة شراكة استراتيجية قائمة لا تنتهي. لكن ما يجب الانتباه اليه هو الحرص الأمريكي على لملمة الخسائر، والضغط على الإسرائيلي باتجاه وقف الحرب، في محاولة لتخفيف عبء الهزيمة والفشل الاستراتيجي الذي لن يستحمل اعباءه في الوقت الحالي الا الإسرائيلي نفسه.

•       عدم الثقة الأمريكية في قدرة الكيان على تغيير المعادلة في الحرب البرية

أمام تزايد الأصوات داخل الكونغرس المطالبة بوقف العدوان على غزة، نشر موقع “ذا انترسبت” الأميركي تقريرًا تحدّث فيه عن تحول في الرأي العالمي الذي يبدو رافضًا للتأييد غير المشروط للذي يقوم به الكيان الصهيوني. وأشار الموقع إلى استطلاعات في الولايات المتحدة تفيد أن هناك غالبية تعارض تسليح العدوان الإسرائيلي، كما لفت إلى مظاهرات كبرى في الولايات المتحدة وأوروبا، وإلى أنَّ طيفًا واسعًا من الشارع الإسرائيلي يحمِّل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مسؤولية ما آلت إليه الأمور. كذلك، تحدث الموقع عن تنامي التأييد في الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أنَّ أكثر من 400 موظف في الكونغرس قاموا بتوزيع رسالة تحث المشرعين على دعم وقف إطلاق النار. كما أشار الموقع إلى مشروع قانون تقدمت به النائبتان كوري بوش ورشيدة طليب، موضحًا أنَّ هذه الرسالة حظيت مؤخرًا بتأييد من جهات وازنة. وسمى في هذا الإطار رئيسة التكتل التقدمي في مجلس النواب الأميركي براميلا جايبال، وكذلك النائبان ماكسويل فروست وجريج كاسير، واللذين تعرضا خلال الانتخابات التمهيدية لحملة استهداف شرسة من قبل لوبي “آيبك” المؤيد للكيان.

وأوضح الموقع أنَّ النائبة ألما آدامز أيضًا أيَّدت مشروع القانون المذكور، مشيرًا إلى أنَّ ذلك إنما أثار هواجس “آيبك”، إذ إن آدامز أجرت زيارات عدة إلى الكيان برعاية هذا اللوبي، وتابع الموقع أنَّ قرار آدامز تبني هذا الموقف لفت أنظار العديد في الحزب الديمقراطي. هذا وأشار الموقع إلى أن “البنتاغون” قدم أواخر الأسبوع الفائت إحاطة إلى لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب حول الحالة العسكرية لدى الكيان الصهيوني بينما تشن الأخيرة الحرب، ونقل عن مصادر مطلعة بأن “البنتاغون” بدا أكثر تشاؤمًا أكثر بكثير حيال العملية البرية المحتملة لقطاع غزة مقارنة مع المواقف المعلنة.

من جهته، سلط موقع “ذا هيل” الضوء على المواقف التي أطلقها السيناتور الأميركي الديمقراطي بيتر ويلش، والتي أعرب فيها عن مخاوفه العميقة إزاء الغزو الصهيوني البري المحتمل لقطاع غزة.وأشار الموقع إلى تشديد ويلش، على أنَّ العملية البرية ستكون كارثية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، وعلى أنَّها تعرقل المساعي من أجل إطلاق سراح الأسرى، كذلك لفت الموقع إلى أن السيناتور الأميركي وبينما أكَّد “حق “إسرائيل” بمهاجمة حركة “حماس”، الا أنَّه شدَّد في المقابل على أنَّه تقع على عاتق “إسرائيل” مسؤولية حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة.  وأشار الموقع أيضًا إلى كلام ويلش، عن أن الوضع الإنساني في غزة مروِّع ويزداد تفاقمًا، وعن تشرد مليون فلسطيني من بينهم نساء وأطفال. كما لفت إلى حديث السيناتور الديمقراطي عن أنَّ غالبية السكان في غزة يعيشون بلا مأوى ومن دون الطعام والمياه وقدرة الحصول على الدواء.

•       الانهيار الاقتصادي في الكيان معضلة جديدة امام الولايات المتحدة

تجدر الإشارة الى أنّ العبء السياسي والعسكري الذي ستتحمله الولايات المتحدة ليس الوحيد، بل أنّ هناك عبء آخر لا يقل خطورة، وهو العبء الاقتصادي الذي يعاني منه الكيان الان مع انطلاق عملية طوفان الأقصى. فقد كشفت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية العبريّة أنّ أموال صندوق التعويضات في كيان العدو، التي تبلغ 4 مليارات و430 مليون دولار، على وشك النفاد. من المعلوم أنّ موازنة الحرب تقدر بمليار شيكل لليوم الواحد (حوالي 250 مليون دولار). إضافة الى ذلك، من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% مع تصاعد الحرب بحسب جي بي مورغان.

تبرز هذه الأرقام ثقلا جديدا سيكون على الإدارة الامريكية معالجته بالحد الأدنى حتى لا يسقط الكيان كليا وتنهار كل مقوماته المفترضة. لكن الإشكالية تبقى مرتبطة بمدى إمكانية تمرير قرارات الدعم المالي بشكل سلس في الكونغرس نظرا للمعارضة السياسية الموجودة والتي تبدو مؤثرة خصوصا وأنّ موضوع الدعم سبق وطرح جدلا واسعا في الكونغرس في العديد من المناسبات. فكيف اليوم والولايات المتحدة تتحمل عبء آخر يتعلق بالحرب في أوكرانيا والذي بالتأكيد سيكون له تأثير على ملف الدعم الإسرائيلي، وان كان يتعلق بحجم الدعم وظروفه القانونية واللوجستية.

بالمقابل وارتباطا بتداعيات ما يحصل اليوم، يحذر الخبراء من أن الحرب على غزة قد تؤدي إلى فوضى اقتصادية في العديد من الدول كمصر ولبنان والأردن، بل وقد تؤدي إلى انهيار الحكومات. الآن بدأ زعماء العالم ومحللو السياسات يدركون التداعيات المحتملة. بالنسبة لإدارة بايدن الملتزمة بمنع اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وحماس، فإن الصراع يمكن أن يؤدي إلى تضخيم الضغوط الاقتصادية وربما يتسبب في انهيار الحكومات. وإذا استمرت الفوضى دون رادع، فقد تنتشر عبر منطقة حيوية لإمدادات النفط العالمية، مع أصداء في جميع أنحاء العالم. وقال كريستوفر سويفت، المحامي الدولي والمسؤول السابق في وزارة الخزانة: “كلما زادت الأمور غير المستقرة اقتصاديا، كلما كان من الأسهل على الجهات الفاعلة السيئة في المنطقة إثارة الوضع”. “إن فكرة فصل السياسة عن الاقتصاد هي فكرة ساذجة وقصيرة النظر إلى حد ما. فالسياسة والاقتصاد والأمن تسير جنبا إلى جنب بشكل وثيق للغاية.” وحذر رئيس البنك الدولي أجاي بانجا في مؤتمر عقد في المملكة العربية السعودية منذ ايام من أن الحرب تضع التنمية الاقتصادية في “منعطف خطير”.

تشير تقديرات بلومبرج إيكونوميكس إلى أن أسعار النفط قد ترتفع إلى 150 دولارًا للبرميل، وينخفض النمو العالمي إلى 1.7%، وهو الركود الذي يقتطع حوالي تريليون دولار من الناتج العالمي. ولكن اللافت هو تصريح وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين يوم الأربعاء الماضي التي صرّحت بأنّه” من غير المرجح أن يكون للحرب بين إسرائيل وحماس تأثير كبير على الاقتصاد العالمي.” وقالت للمندوبين في المؤتمر السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المنعقد في المغرب: “بينما نراقب الآثار الاقتصادية المحتملة للأزمة [في إسرائيل]، فإنني لا أفكر في ذلك كمحرك رئيسي لآفاق الاقتصاد العالمي”. تجدر الإشارة الى أنّ أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم تجاهلت الصراع إلى حد كبير، حيث سجلت وول ستريت مكاسب يوم الثلاثاء مدعومة جزئيًا بانخفاض أسعار النفط. وكانت أسعار النفط العالمية قد ارتفعت في وقت سابق من الأسبوع وسط مخاوف من أن تؤدي الحرب إلى عدم استقرار أوسع نطاقا في الشرق الأوسط المنتج للنفط. أحد المخاطر هو احتمال فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، التي دعمت حماس في الماضي لكنها تنفي تورطها في الهجوم الأخير.” وأضافت: “حتى الآن، لا أعتقد أننا رأينا أي شيء يشير إلى أن الأمر سيكون مهمًا للغاية”.

لكن يلين قالت الأربعاء إن الولايات المتحدة لم تخفف “بأي شكل من الأشكال” العقوبات على صادرات النفط من إيران. وقالت: “هذا شيء كنا نبحث فيه باستمرار، باستخدام المعلومات المتاحة لتشديد العقوبات”، مضيفة: “ليس لدي أي شيء جديد لأعلن عنه”. وقد يؤدي ضغط العرض إلى فرض ضغوط تصاعدية على أسعار النفط، التي كانت مرتفعة بالفعل بعد تخفيضات الصادرات من قبل المنتجين الرئيسيين المملكة العربية السعودية وروسيا. يأتي هذا في الوقت الذي أشارت فيه شركة شيفرون (CVX) يوم الاثنين أيضًا إنها أغلقت حقلاً للغاز الطبيعي قبالة سواحل فلسطين المحتلة. وقد يؤدي الإغلاق المطول إلى انخفاض صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر والأردن، فضلاً عن الضغط على سوق الغاز العالمية المحدودة بالفعل، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة. وقال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه جورينشاس هذا الأسبوع إن أسعار السلع الأساسية تشكل “خطرا جديا” على توقعات التضخم ويمكن أن تصبح أكثر تقلبا وسط الصدمات المناخية والجيوسياسية. وقال إنه من السابق لأوانه تقييم مدى تأثير الحرب على النمو الاقتصادي في المنطقة وبقية العالم. وفي الوقت الحالي، يرى صندوق النقد الدولي احتمالات أفضل في أن تتمكن البنوك المركزية من ترويض التضخم دون دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود. لكنها حذرت في تقريرها الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي – الذي تم الانتهاء منه قبل اندلاع الصراع – من أن النمو الاقتصادي لا يزال ضعيفا وغير مكتمل. وتتوقع الوكالة أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3% هذا العام، أي أقل من متوسط 3.8% الذي تحقق بين عامي 2000 و2019. وعدلت توقعاتها للنمو في الولايات المتحدة صعودا، مقارنة بالتوقعات الصادرة في يوليو/تموز، وخفضت توقعاتها لأوروبا والصين. وقلص صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي في 2024 بمقدار 0.1 نقطة مئوية إلى 2.9%.

يبدو الاقتصاد العالمي اليوم ضعيفا، ولا يزال يتعافى من نوبة التضخم التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي. ومن الممكن أن تؤدي حرب أخرى في منطقة منتجة للطاقة إلى إشعال التضخم من جديد. وقد تمتد العواقب الأوسع نطاقاً من تجدد الاضطرابات في العالم العربي، إلى الانتخابات الرئاسية في العام المقبل في الولايات المتحدة، حيث تشكل أسعار البنزين أهمية بالغة في تعزيز معنويات الناخبين. كل هذه التأثيرات المحتملة تعتمد على كيفية تطور الحرب خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة. قامت بلومبرج إيكونوميكس بدراسة التأثير المحتمل على النمو العالمي والتضخم في ظل ثلاثة سيناريوهات: في الحالة الأولى، تظل الأعمال العدائية محصورة إلى حد كبير في غزة والكيان. وفي الحالة الثانية، يمتد الصراع إلى الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا. اما السيناريو الثالث فينطوي على التصعيد إلى حرب إقليمية شاملة. وفي كل هذه الحالات، سيكون الاتجاه هو نفسه – ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو – ولكن بحجم مختلف. وكلما اتسع نطاق الصراع، أصبح تأثيره عالميًا وليس إقليميًا.

•       تداعيات الحرب البرية: احتمالية انهيار استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط

يشير البنتاغون – الذي يواجه احتمال الانجرار إلى حرب إقليمية واسعة- أنه من شأنها أن تتسبب على الأرجح في انهيار استراتيجية واشنطن بأكملها في الشرق الأوسط. ولذلك أرسل البنتاغون قادة مخضرمين إلى الكيان في محاولة لتهدئة وتوجيه التصميم الإسرائيلي على مواصلة الحرب والتوغل البري في قطاع غزة. ويبدو بالمقابل، أن الإسرائيليين يعتمدون على القوة النارية الساحقة للبحرية والقوات الجوية الأمريكية لردع المقاومة الإسلامية في لبنان عن فتح جبهة ثانية. ومع ذلك، حتى في نطاق عملية غزة، لا يزال هناك تناقض جوهري بين هدف الجيش الإسرائيلي المعلن في البداية المتمثل في القضاء على حماس بالكامل والمهمة الظاهرية المتمثلة في الحفاظ على حياة أكثر من 200 رهينة محتجزين في قطاع غزة. ذكر بن كاسبيت في المونيتور، فقد عدلت القيادة العليا الإسرائيلية بهدوء أهدافها في غزة ووافقت على تأخير الغزو على الأقل حتى تصل بطاريات الدفاع الجوي الأمريكية الإضافية من طراز باتريوت ونظام ثاد المضاد للصواريخ الباليستية والمدمرة يو إس إس أيزنهاور إلى الخليج. ومع ذلك، قد يستغرق وصول سفينة آيزنهاور “أسبوعين”، حسبما صرّح مسؤول دفاعي أمريكي. ظن كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين السابقين الذين تحدثوا عن “إحاطة أمنية” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر، بعد أن فشل تمامًا في منع أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ كيانه، وبعد أن حشد بلاده الآن للحرب، يجب أن يتحرك. ولكن هل يستطيع الكيان تحقيق أهدافه من دون القيام بغزو بري واسع النطاق لقطاع غزة؟ هذا يعتمد على ما سيكون نتنياهو على استعداد لقبوله كانتصار.

تهدد حماس بتحويل البيئة الحضرية الكثيفة في غزة، والتي ترتكز على شبكة ضخمة متشابكة من الأنفاق الجوفية – التي من المحتمل أن يكون العديد منها مزروعًا بأفخاخ مفخخة – إلى “جحيم على الأرض” للجيش الإسرائيلي. وقارن كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين السابقين القتال بالمعركة الشرسة في الموصل ضد داعش في 2016-2017. وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الذي كان على اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي كل يوم تقريبًا منذ بداية الحرب، لشبكة ABC News يوم الأحد: “إن القتال في المناطق الحضرية صعب للغاية” في حين يقول مسؤولون عسكريون سابقون إن الجيش الإسرائيلي يمكنه على الأرجح قتل قيادات الصف الأول والثاني في حماس بوسائل أقل، فإن القضاء على القيادة السياسية المحلية للحركة – إن أمكن – سيتطلب على الأرجح احتلالًا واسع النطاق، وهو ما سيتطلبه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. ويبدو أن هذا الخيار مستبعد حاليا. ومع ذلك، يقول محللون عسكريون إن وجود ملايين المدنيين الذين ليس لديهم طرق للهروب وأكثر من 200 رهينة سيعقد بشكل جذري الطرق الأقل خطورة.

تشير التوغلات  الحاصلة إلى أن الجيش الإسرائيلي ربما يستجيب لنصيحة كبار المستشارين العسكريين الأمريكيين، ومن بينهم اللفتنانت جنرال في مشاة البحرية الأمريكية جيمس جلين، القائد المخضرم الذي ساعد في توجيه حملة الرقة ضد داعش في سوريا في عام 2017، والذي أشرف على جميع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط خلال تلك الحرب،  وفق موقع بلومبرغ، حيث أشار الى أنّ الجيش الإسرائيلي لديه بعض الخيارات المحتملة لإزالة حماسن حيث يبدو أنّ غزو واسع النطاق من المحتمل أن يتبعه احتلال “سيستغرق وقتا طويلا للغاية” في البيئة الحضرية في غزة، نظرا لوجود المدنيين. ومن المرجح أيضًا أن يؤدي هذا الخيار إلى تفعيل الخط الأحمر الذي وضعته إيران، مما يضع حوالي 30 ألف جندي أمريكي ومضيفيهم العرب في الخليج مباشرة في مرمى طهران وترسانة وكلائها من الصواريخ والطائرات بدون طيار.

وبينما يقول المحللون الغربيون إن إيران لا تسعى إلى الحرب مع الولايات المتحدة، إذا تعرضت الدول العربية للقصف، فقد يؤدي ذلك إلى إحباط خطط واشنطن لتوسيع اتفاقيات أبراهام وتبديد أي أمل في النفوذ الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة لسنوات قادمة. وبدلاً من ذلك، اقترح فوتيل بالنسبة للجيش الإسرائيلي أسلوبًا أكثر تركيزًا “للتقدم السريع نحو الأهداف الحاسمة” يتضمن وحدات مناورة تستولي على التضاريس الرئيسية التي يمكن من خلالها استهداف نشطاء حماس والبنية التحتية في غزة. وهذا من شأنه أن يوفر نهجًا أخف تأثيرًا، لكن الصور المنشورة على الإنترنت لجيش الدفاع الإسرائيلي وهو يستولي على الأحياء يمكن أن تجبر إيران ووكلائها، على الرغم من التهديد المعلن برد عسكري أمريكي. كما أشار الى أنّ الجمع بين الغارات الجوية المكثفة وغارات صغيرة وسريعة للقوات الخاصة التابعة للجيش الإسرائيلي على القطاع لجمع المعلومات الاستخبارية لمزيد من الغارات المستهدفة ضد قادة حماس والبنية التحتية سيكون الطريقة الأذكى. “لدينا الكثير من الخبرة في القيام بذلك. وقال القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية ذو الأربع نجوم والمحارب المخضرم في العمليات الخاصة: “كان هذا هو التكتيك الذي استخدمناه ضد القاعدة وداعش”. لكنه حذر في نفس الوقت من أنّ: “هناك مستوى عال من المخاطرة بهذا الأمر. أنت تكشف باستمرار القوات [بينما] يراقب العدو ذلك ويتكيف معه”. ويبدو أن هذه الخيارات الأخف قد تم اختبارها بالفعل من قبل الجيش الإسرائيلي. ومن المرجح أن تحدد نتيجة عمليات التحقيق شكل الحملة. وفي كلتا الحالتين، من المحتمل أن تكون هذه واحدة من أكثر المهام تعقيدًا التي واجهها الجيش الإسرائيلي على الإطلاق، كما قال مسؤولون أمريكيون سابقون. وأكد قائد قوات مشاة البحرية الأميركية الجنرال إريك سميث، أن” الفريق غلين عاد إلى بلاده بعد أن أكمل مهمته. إن مصير العملية الإسرائيلية أصبح الآن بالكامل في يد نتنياهو. إذا كان لنا أن نتجنب حرباً إقليمية، فلابد أن يتم الغزو البري لجيش الدفاع الإسرائيلي بحكمة. وإذا استمر إطلاق سراح الرهائن، فقد يؤدي ذلك إلى كسب الوقت لقطر ومصر للتوسط في مزيد من الترتيبات، لكن اسرائيل تبدو حتى الآن غير مستعدة حتى لوقف مؤقت لإطلاق النار.”

يتوقع الأمريكي الأسوأ في هذه الحرب، وهذا العبء الذي يحاول اليوم السيطرة عليه، حتى لا تسقط اخر إمكانية لإنقاذ هذا الكيان من الانهيار. فمن المرجح أن يؤدي الاحتلال الإسرائيلي الدموي لغزة إلى إنهاء قدرة المملكة العربية السعودية على تطبيع العلاقات مع الكيان، وتحقيق الرغبة الامريكية في تشبيك المصالح الاستراتيجية بين شركاء الولايات المتحدة في غرب آسيا. كما أنه من الممكن أن تدفع الحرب الإسرائيلية الشاملة مع حزب الله الأوضاع في لبنان إلى الانهيار وبالتالي إذا ما دخل حزب الله المعركة بشكل واسع ودخل الجمهورية الإسلامية وباقي حلفاء محور المقاومة، ستنجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية. وإذا تحرك حلفاء المقاومة في الخليج، وردّت الولايات المتحدة وفقا لموقع مونيتور، فإن أي أمل في الدبلوماسية على المدى القريب لكبح جماح برنامج طهران النووي سيتعرض لخطر شديد. وقد دقت الأردن ومصر، حليفتا الولايات المتحدة منذ فترة طويلة في المنطقة، ناقوس الخطر في الوقت الذي تواجهان فيه الاضطرابات الداخلية والرياح الاقتصادية المعاكسة وسط الحرب. ويشير المونيتور الى أنّ مصدرا دبلوماسيا عربيا أكّد للموقع بأنّه “إذا اندلع هذا الأمر، فسوف يفسره الناس في العالم العربي على أن الصراع هو مسلمون في مواجهة الغرب، وليس على أنه الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له ضد إسرائيل والولايات المتحدة”.

واضح أنّ الولايات المتحدة اليوم هي أمام معضلة كبيرة، بين المحافظة على كيان كان يعتبر شريكا استراتيجيا فعّالا ومفضّلا في أيام القوة والبطش، لكنه يبدو اليوم عبء ثقيلا ومشكلة ستلازم الإدارة الامريكية الحالية ومن سيأتي بعدها لأنّ الامر بات واضحا انه يتخطى مجرد الازمة السياسية (وان دفع ناتنياهو ثمنها بالتنحي او المحاكمة المعلنة بعد نهاية الحرب)، انما هي اليوم مشكلة وجودية بالنسبة للكيان وقدرة على الاستمرار وسط الانهيارات المتتالية على كل الأصعدة.

الاستنتاجات:

–        السيادة الامريكية على الكيان مرتبطة بعلاقة الراعي والداعم لصنيعته طالما أنها قوية وقادرة على تنفيذ الاجندات المطلوبة في المنطقة والتي ترتكز أساسا على الدفاع عن المصالح الامريكية.

–        يقف الأمريكي اليوم أمام معضلة حقيقية، بين حليف مفضّل وشريك استراتيجي فاعل، يتحول الى عبء حقيقي، وفاعل فاشل وغير قادر على مواجهة مصيره بمفرده.

–        على الرغم من حالة التململ والانتقاد الشديد من قبل بعض الأوساط الإسرائيلية (خاصة اليمينية منها) الا أنّ الجميع متفق في الكيان على أنّ التدخل الأمريكي ضروري وحاسم في هذه المرحلة الحساسة، لان التهديد أصبح وجوديا.

–        توجه أصابع الاتهام بالفشل الى ناتنياهو وسياسته من قبل الأوساط الامريكية الديمقراطية منذ إعلانه الإصلاحات القضائية والسيطرة على قرارات المحكمة العليا والتي اعتبرتها هذه الأوساط تعدي على الشكل الديمقراطي المطلوب أن يكون عليه الكيان كنموذج فريد في الشرق الأوسط.

–        بعد الفشل العسكري والأمني والاستخباراتي الذريع، أصبح الكيان اليوم في حالة ضعف تطلبت تدخل سريع من الإدارة الامريكية وهذا ما يفسر حضور بايدن كأول “رئيس أجنبي” يرأس اجتماع حكومة الحرب الإسرائيلية.

–        حرص الأمريكي على إعطاء انطباع للداخل الإسرائيلي وخارجه، من خلال حضوره اجتماع الكبينت على أنه المنقذ الذي سيحمي الكيان من الانهيار.

–        أصبح الكيان يشكل عبء سياسي واقتصادي كبيرين، وكلما طال أمد المعركة كل ما أصبحت إمكانية التورط الأمريكي في الصراع كبيرة وهذا في حد ذاته تهديد للمصالح الامريكية التي تفوق الحرص على بقاء الكيان واستمراره.

–        العبء الاقتصادي وسط إمكانية رفض، وعدم اتفاق شامل داخل الكونغرس (بلونيه الجمهوري والديمقراطي الذي يعتبر حل الازمات الداخلية أولوية ولو كان الموضوع يتعلق بحليف مثل الكيان) حول إيجاد حل ينقذ الكيان اقتصاديا، مع التذكير بالعبء السابق الذي يرهق الإدارة الحالية وهو المتعلق بالحرب على أوكرانيا.

–        موقف قادة البنتاغون الذين تحدثوا مرارا عن احاطة أمنية للكيان، وحملوا المسؤولية لناتنياهو وقراراته العشوائية والتي أدت الى الفشل الذريع، وعدم قدرة على تغيير ما حصل على الأرض. مع التحذير من أن التوغل البري واسع النطاق لقطاع غزة لن تكون نتائجه كما يتمناها ناتنياهو، بسبب حالة الارباك الحاصلة داخل مؤسساته، والأصوات التي بدأت تطالب بوقف إطلاق النار واسترجاع الاسرى لدى المقاومة الفلسطينية.

–        استمرار ناتنياهو في افشال كل مساعي الوساطة القطرية باشراف امريكي فيما يتعلق بملف الاسرى ستزيد من تعقد الوضع، وسط تبادل التهم بينه وبين قياداته العسكرية والأمنية التي بدأت تخرج للعلن.

–        وسط بعض الحلول البديلة لإنقاذ الكيان بعد احتلال غزة وازاحة حركة حماس وقوى المقاومة منها، يعتبر توماس فريدمان أنه” إلى أن تقوم إسرائيل بتشكيل حكومة قادرة فلن يكون لديها الوقت والموارد والشريك الفلسطيني والشرعية التي تحتاجها للقضاء على حماس في غزة. وسوف تقاتل في الغالب إلى جانب الولايات المتحدة باعتبارها حليفها الحقيقي الوحيد والمستدام. ويعتمد جزء كبير من قوة هذا التحالف اليوم على جو بايدن وحقيقة أنه جلب إلى هذه الأزمة مجموعة من المبادئ الجوهرية حول دور أمريكا في العالم، الصواب مقابل الخطأ، والديمقراطية مقابل الاستبداد. وقد لا يأتي رئيس آخر بهذه الغريزة مرة أخرى في أي وقت قريب. بمعنى آخر، أنشأ بايدن رأس مال دبلوماسي عامل – يأتي مع حد زمني – لكل من الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية. ويجب عليهما استخدامه بحكمة.” لكن يبقى السؤال الأهم في هذه المرحلة بعيدا عن لغط التحليل السياسي، وامام تحذيرات البنتاغون من خطورة توسع الصراع، هل بإمكان الكيان تحقيق ذلك، ولو ضحّى بناتنياهو وسياساته؟ يبدو الامر أكثر غموضا كما انه أكثر تعقيدا، خاصة إذا ما تحركت كل الجبهات وتغيرت المعادلات بما لا يخدم المصالح الامريكية على الأرض.

By Zouhour Mechergui

Journaliste